أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

غلاء الأسعار .. أسباب وتداعيات


اجتاحت المنطقة في العام الماضي موجة غلاء غير مسبوقة شملت العديد من السلع الأساسية، وقد وصلت هذه الأسعار مستويات قياسية جعلت المواطن يئن تحت وطأتها ويعاني من تبعاتها بما يفوق قدرته على التحمل، الأمر الذي ينذر بحدوث اضطرابات وحركات احتجاج لا أحد يعلم مداها، وقد بانت بوادرها بالفعل إذ شهدت كل من مصر واليمن وموريتانيا والجزائر اضطرابات وأعمال عنف، وبالطبع لن يقتصر الأمر على تلك الدول فمن المؤكد أن العدوى ستنتقل إلى معظم بلدان العالم الثالث وقد تحدث في بعضها ثورات شعبية تأخذ في طريقها الكثير وقد تحدث بعض التغيرات في ملامح الخارطة السياسية للمنطقة، وما يُخشى منه هو أن تركب جماعات سياسية معينة الموجة وتجيرها لأغراضها السياسية .


وقد دعى الأمين العام للأمم المتحدة دول العالم خاصة الغنية منها إلى اتخاذ تدابير للحد من ظاهرة الغلاء أو لمعالجة آثارها قبل وقوع الأسوأ، كما حذرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية " الفاو " من تداعيات موجة الغلاء خاصة على الدول الفقيرة، وحذر خبراء اقتصاديون من التأثيرات السلبية بالغة الخطورة على الاقتصاد المحلي والعالمي وعبروا عن مخاوفهم من حدوث ركود اقتصادي نتيجة تقلص القوة الشرائية للمستهلك ونتائج ذلك على التركيبات الاجتماعية وبالتالي العلاقات الاجتماعية وما ينتج عنها من تبدل في القيم والمفاهيم وبروز مسلكيات جديدة كالتي نشهدها عادة في زمن الحروب والأزمات، أما خبراء التغذية فقد عبروا عن قلقهم من تراجع القيمة الغذائية في الوجبات اليومية للمستهلك نتيجة عدم تمكن شرائح واسعة من شراء المنتجات ذات النوعية الجيدة والقيمة الغذائية العالية حيث أن هذا التدني في مستوى الغذاء سيؤدي إلى أمراض سوء التغذية .

وإذا كانت موجة الغلاء قد بدأت في العام 2007 فإنها ما زالت مستمرة ونحن في نهاية الربع الأول من العام 2008 بل أن البنك الدولي قد أشار في تقاريره إلى أن غلاء أسعار المواد الغذائية ليست ظاهرة مؤقتة بل هي مرشحة للإستمرار وبوتيرة متصاعدة حتى العام 2015 !! ولعلهم حسب تقديري قد اختاروا هذا العام بالتحديد كرقم افتراضي تم اختياره بطريقة عشوائية لإسقاط الأفكار والتوقعات عليه لكونه بعيد نسبيا، ومن منطلق فهمنا لأسباب الأزمة لا نتوقع من العام 2015 أن يشكل نقطة مفصلية بشكل جذري فمن الممكن أن تحل هذه الأزمة قبل هذا التاريخ بمدة طويلة ومن المحتمل أن يكون الأعوام التي تليه أسوأ منه، في مشهد يذكرنا بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة عام 1929 !!

وحول أسباب ارتفاع الأسعار يورد الخبراء جملة أسباب متداخلة فيما بينها بحيث يشكل كل منها سبببا ونتيجة للآخر، وأول هذه الأسباب هو تقلص الإمدادات الغذائية بشكل واضح خاصة في الدول المصدرة كالولايات المتحدة وأستراليا وكندا وأوروبا وسبب هذا التقلص ناجم عن سببين الأول طبيعي لا دخل للإنسان فيه بشكل مباشر، والثاني سببه ما تقترفه أيدي البشر من اعتداء آثم على نظام الطبيعة وبسبب جشع الإنسان وطمعه الذي لا يعرف حد.

فقد شهد كوكب الأرض في السنوات الماضية تزايدا مقلقا في مستويات الإنحباس الحراري الأمر الذي نجم عنه اضطرابات مناخية تمثلت في فيضانات مدمرة في دول آسيا ( المنتجة للأرز ) وجفاف وتصحر في أستراليا ( المنتجة للقمح والأعلاف ) وكذلك فقد ضُربت مواسم إنتاج متلاحقة في كل من فرنسا وكندا وأمريكا بسبب عوامل مناخية مختلفة، وكذلك فقد أدى زيادة الطلب على كل من فول الصويا والذرة وقصب السكر بهدف إنتاج الوقود الحيوي ( الإيثانول والميثانول ) إلى نقص حاد في هذه السلع المخصصة للإستهلاك الآدمي، بمعنى أن زيادة الطلب وقلة العرض أدت إلى الغلاء.

وقد شجعت أمريكا مزارعيها على إنتاج الوقود الحيوي وما أن نجحت في ذلك حتى حذت حذوها البرازيل ثم تبعتها دول أوروبية عديدة فتحولت تلك الدول من زراعة المحاصيل الحقلية لإنتاج الطعام إلى زراعة محاصيل أخرى بهدف إنتاج الإيثانول، وللعلم فإن ما تحتاجه من محصول لتحويله إلى وقود حيوي لملئ خزان سيارة مرة واحدة يكفي لإنتاج طعام لشخص واحد لمدة عام كامل.

أما السبب الثاني فهو زيادة أسعار النفط والذي وصل أرقاما فلكية، وللتذكير فإن سعر البرميل كان قبل حرب الخليج 1991 لا يتجاوز العشرون دولار ثم قفز فجأة إلى 35 واستمر بالصعود التدريجي حتى تصاعدت الحرب الإعلامية بين أمريكا وكل من إيران وفنزويلا حتى تجاوز حاجز المائة دولار، ولفهم دور النفط في الأزمة علينا ان نتذكر أن أمريكا تحتل أهم منابع النفط في العالم في العراق والخليج العربي، وأن المحافظين الجدد في البيت الأبيض بوش الصغير وديك تشيني هم من أصحاب شركات النفط الذي يخوضون حربا عالمية للهمينة عليه تحت مسمى الحرب على الإرهاب.

وفي النتيجة فقد أدى ارتفاع سعر النفط وهبوط سعر الدولار إلى ارتفاع أسعار معظم السلع الاستهلاكية الأخرى، حيث أن زيادة سعر الوقود ستؤدي بالضرورة لزيادة التكلفة التشغيلية للمصانع، وما أن يرتفع سعر سلعة ما فإنها ستجر ورائها قائمة طويلة من المنتجات المرتبطة بها، فارتفاع سعر العلف سينتج عنه ارتفاع سعر البيض واللحوم والألبان ومنتجاتها وهلم جرا، فإذا كانت الطبيعة الإمبريالية وراء حرب النفط وحرب الدولار والتي هي في احد أشكالها حربا موجهة ضد الصين، فإن الطبيعة النفعية الإنتهازية لشركات إنتاج الغذاء الكبرى في العالم وصناديق الاستثمار هي من يقف وراء إشعال الأسعار ودفعها إلى هذه المستويات المجنونة نتيجة مضارباتها واحتكاراتها في الأسواق العالمية، وقد ورد هذا في تحليلات المنظمات الدولية المختلفة.

ومقابل تقلص المساحات القابلة للزراعة ونقص إمدادات الغذاء على مستوى العالم هنالك زيادة مضطردة في التعداد السكاني وخاصة في كل من الصين والهند، وما زاد من تعقيد الأمر هو إنضمام هاتين الدولتين لمنظمة التجارة العالمية واندماجهما في منظومة العولمة، الأمر الذي سينعكس سلبا على الفئات والشرائح الاجتماعية المهمشة والمسحوقة، كما أن بروز وتضخم طبقات وسطى في هاتين الدولتين قادرة على شراء اللحوم أدى إلى تقلص في كميات الحبوب والأعلاف بشكل واضح، حيث أن إنتاج كيلوغرام واحد من اللحم يحتاج إلى سبعة كيلو غرامات من الحبوب والأعلاف، فضلا عن كميات وافرة من الماء لتغذية تلك المواشي التي زاد الطلب عليها كثيرا.

وقد ساهمت أيضا سياسات البنك الدولي في كثير من بلدان العالم الثالث التي فرضت عليها إتخاذ إصلاحات اقتصادية تعني في النهاية الرفع التدريجي عن دعم السلع الأساسية وتعويم الأسعار، وتحت حجة تحرير التجارة العالمية جرى إطلاق يد الشركات المتعددة الجنسيات للسيطرة على قطاع الزراعة وإنتاج المواد الغذائية، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى إجبار الفلاحين على ترك أراضيهم والعمل في تلك الشركات التي تحكمت في السياسات الزراعية بالشكل الذي يخدم مصالحها فقط، ومن ناحية أخرى اختفت وإلى حد كبير المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي كانت تسهم في الإمدادات الغذائية بشكل ملحوظ، وفي هذا السياق فقد ساهمت الحروب الأهلية في تشريد الملايين ومنعهم بالتالي من التوجه للحقول والعمل في الزراعة.

وبالطبع فإن نقص الغذاء سيرافقه نقص في الدواء وزيادة في الأمراض تهدد ملياري إنسان حول العالم، ومالم يسارع العالم لمعالجة هذا الموضوع بجدية فإن المجاعات والكوارث والحروب والإضطرابات هي البديل الحتمي الذي سيتعين على العالم معالجته حينها، ولكن فرص النجاح آنذاك ستكون ضئيلة خاصة كلما تأخر الوقت وفات الأوان.

فإذا كانت الظروف المناخية سببا في ضرب المواسم الزراعية فإن ذلك ممكن معالجته خاصة وأن دورة زراعة المحاصيل الحقلية سنوية، ولكن شريطة عدم وقوع مضاربات لصناديق الإستثمار تضع الأرباح هدفا أولاً وأخيرا لها، أما معالجة موضوع الوقود الحيوي فتتطلب إيجاد بدائل زراعية وإنتاج محاصيل جديدة بدلا من محاصيل أخرى أقل أهمية وقد تقتضي المسألة الإستغناء عن أصناف معينة، والتركيز على الزراعة العامودية وتحسين ظروف الخزن ومنع الاحتكارات، وعلى المستوى الاقتصادي العالمي ينبغي تصحيح نظام العولمة بشكل يضع الإنسان كقيمة في المقام الأول مع توفر أدارات نزيهة ونظيفة .

الأسباب التي أشرنا إليها وهي كثيرة تنفي إمكانية وجود مؤامرة دولية منظمة لرفع الأسعار، ولكن ذلك يؤكد وجود جهات دولية متنفذة وشركات عملاقة مستفيدة من غلاء الأسعار وتدفع بالأزمة نحو التصعيد، وأصابع الاتهام لا تشير هذه المرة إلى المضاربات في البورصات وحسب بل وإلى شركات الزراعة الجينية "البيوتنكولوجي"، حيث أن هذه الشركات تواجه صعوبة في ترويج منتجاتها بسبب التخوف من الأغذية المعدلة جينيا ومن الآثار السلبية الناجمة عن تخلي ملايين الفلاحين عن مصدر رزقهم بسبب الاعتماد على التكنولوجيا، وبالتالي فإن هذه الشركات معنية بحدوث ثورات جوع على امتداد العالم حتى يأتي الخبراء وأصحاب القرار وكل الناس لتطلب نجدتها في ما يعرف بالزراعة الجينية.

نيسان - 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق