أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

آفاق انتصار المقاومة


لو تأملنا قليلا في مضمون البرنامج السياسي لقوى المقاومة والممانعة، سواء من خلال تحليل تصريحات جميع قادة الفصائل وناطقيها الإعلاميين أو من خلال ما تكتبه وتبثه وسائل إعلامها، سنجد بكل وضوح وبما لا يدع مجالا للشك أن برنامجها وأهدافها لا تختلف عن برنامج وأهداف الفصائل الأخرى التي تصنفها على أنها مستسلمة وتخلت عن المقاومة واتبعت نهج المفاوضات.

فباختصار وبكل وضوح، يقول قادة فصائل المقاومة: " إن الهدف من إطلاق الصواريخ هو الدفاع عن شعبنا "، "هدف العمليات هو الرد على اعتداءات الاحتلال "، " المقاومة مستمرة ما دام الاحتلال باقِ"، " إذا كفَّ الاحتلال عن الاغتيالات والتوغلات سنوقف العمليات " ...

وبتحليل تلك التصريحات ومتابعة ممارسات قوى المقاومة على الأرض نتوصل إلى ثلاث استنتاجات:
 الأول أن تلك القوى اختزلت جميع أشكال المقاومة ضمن قالب واحد وصادرت وأنكرت كل الأشكال الأخرى، ففي مرحلة سابقة كانت العمليات الاستشهادية هي الشكل الوحيد الذي تمارسه قوى المقاومة، ومن لا يؤمن بهذا النوع من العمليات كانت تصنفه على أنه مستسلم وخانع، ولما توقفت هذه العمليات استبدلته بالصواريخ محلية الصنع، وصار كل من لا يؤمن بجدوى إطلاق الصواريخ هو أيضا مستسلم ومعادي للمقاومة !!

أما الثاني فهي وضع قوى المقاومة في موقف الدفاع، حتى لو كانت الأهداف التي تصيبها في عمق أراضي العدو، فهي تأتي كرد فعل على عدوان قوات الاحتلال، تدافع عن نفسها، ترد القوات الغازية، تنتقم لإغتيال قائد ميداني، تتصدى للدبابات المهاجمة ... فإذا افترضنا مثلا أن قيادات إسرائيل تحلت بالحكمة وتخلت عن عقلية المحتل المتغطرس، وكفّت أذاها عن الناس، وأوقفت عمليات الاغتيال والتصفيات والتوغلات ... فماذا سيكون جواب المقاومة ؟! وعلى ماذا سترد ؟! وماذا سيكون مبرر وجودها ؟!

والثالث: أن الهدف السياسي الاستراتيجي لقوى المقاومة من عملياتها العسكرية يبدو أحيانا غامضا أو كامنا، في حين تظهر بوضوح الأهداف المرحلية، والتي تكاد أن تكون مقتصرة على تحقيق أهداف تكتيكية آنية تتعلق بمعالجة حدث معين، وهو حدث غالبا ما يكون ميداني وذو طابع عسكري أو أمني، وقلما نسمع تصريحات تشير أن الهدف من العملية العسكرية هو مثلا الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان أو إجبارها على وقف بناء الجدار أو التصدي لإجراءات تهويد القدس، وفي العدوان الغاشم على غزة لم ترفع قوى المقاومة شعارا سياسيا يدل على أن لها هدفا سياسيا استراتيجيا من خوض الحرب، فكل المؤشرات تدل على أنها أُجبرت على خوض الحرب وأنها حُشرت في وضعية الدفاع، وكل الأهداف التي حددتها قيادات حماس تنحصر في فتح المعبر وقف العدوان وفك الحصار وتحسين شروط التهدئة، وهي نفس الأهداف المعلنة لها قبل الحرب بل منذ أن استولت على قطاع غزة.

ولنا هنا أن نتساءل: ما هو المقصود بالاحتلال بالضبط ؟! هل هو التواجد غير الشرعي للقوات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ؟! أم هو وجود دولة إسرائيل بحد ذاتها ؟! والسؤال لا يفتش عن النوايا والقناعات بل يسعى للتدقيق في مغزى ومدلولات تصريحات قادة المقاومة حينما يقولون "المقاومة مستمرة حتى دحر الاحتلال"، "المقاومة هي دفاع عن النفس ضد الاحتلال"،"إذا توقف الاحتلال عن ممارساته الوحشية توقفنا عن العمليات" .. فإذا توقف بطش الاحتلال وامتنع عن الاغتيالات والتوغلات وانسحب من الأراضي المحتلة فهل سينسحب الجيش الإسرائيلي ومعه عائلاته إلى أمريكا وأوروبا وستنتهي دولة إسرائيل من الوجود ؟! أم أن الاحتلال سينسحب إلى داخل الخط الأخضر أي إلى داخل حدوده التي يعترف بها العالم ؟!

إذاً، فالهدف الاستراتيجي العام الذي تكرره باستمرار والمتمثل بالمطالبة بإنهاء الاحتلال، فهو نفس الهدف الذي تعلنه فصائل منظمة التحرير، وقد توضح الهدف السياسي لحماس أكثر بعد أن أعلنت صراحة استعدادها للقبول بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وخالية من الاستيطان ضمن حدود الرابع من حزيران، مع ضمان حق العودة، وهو نفس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير والفصائل المنضوية تحتها، ولو قمنا بعمل مقارنة لكافة بنود البرامج السياسية لكل من حماس ومنظمة التحرير لما وجدنا فرقا ذو أهمية، والحديث هنا عن البرامج السياسية المعلنة ( البرنامج الانتخابي لكتلة الإصلاح والتغيير، خطاب التكليف الذي على أساسه استلمت الحكومة، البرنامج السياسي لأول حكومة حمساوية، وثيقة الاتفاق الوطني التي وافقت عليها، برنامج حكومة الوحدة الوطنية التي ترأستها، مشاركتها في قمة الرياض، موافقتها على مبادرة السلام العربية، موافقتها على احترام المعاهدات التي وقعت عليها منظمة التحرير والسلطة الوطنية ... ) بل أن المتتبع سيجد أن السقف السياسي لحماس تبين في أكثر من مرة أنه أقل بكثير من السقف الذي حددته منظمة التحرير ( موافقتها على إجراء الانتخابات بدون تمثيل القدس، موافقتها على دولة ذات حدود مؤقتة، مبادرة أحمد يوسف، موافقتها على هدنة مع إسرائيل طويلة الأمد وقابلة للتجديد، التزامها الحديدي بالتهدئة ) وطبعا الحديث هنا ليس عن أهداف حماس الإستراتيجية التي لها علاقة بطبيعة تركيبتها ودورها الوظيفي وأيديولوجيتها وارتباطها مع جماعة الإخوان المسلمين وتحالفاتها الإقليمية وعلاقتها بجماعات الإسلام السياسي ..

فإذا كان البرنامج السياسي المعلن لكل من فتح وحماس يكاد يكون متطابقا، فهل ما يجري من خلاف واقتتال بين التنظيمين هو نوع من الصراع على السلطة ؟! وصراع على من سيفاوض إسرائيل ومن سيوقع معها الحل النهائي ؟! أم صراع على الكراسي والموارد والثروة ومناطق النفوذ كما يجري في الكثير من بلدان العالم ؟! وطالما أن السلطة التي يجري الصراع عليها هي سلطة تحت الاحتلال وبلا صلاحيات ولا تمتلك موارد ولا ثروات حقيقية، فهل هؤلاء المتصارعون مجانين وعميان ؟! الحقيقة أنهم ليسوا كذلك بالمطلق، ولكن الموضوع له علاقة بما هو بعد السلطة وبما هو أبعد من البرنامج السياسي، أي هو صراع بين المشروع الوطني الذي تمثله فتح ومعها فصائل منظمة التحرير ذو الطبيعة الوطنية والساعي لبناء دولة فلسطينية ومجتمع مدني، ومشروع الإسلام السياسي الذي تمثله حماس وحلفائها ذو الطبيعة الدينية والساعي لبناء دولة إسلامية وفرض القضايا الأممية الكبرى ( المشروع الإسلاموي العالمي ) على حساب المشروع الوطني.

وطالما أن المشروعين متناقضين في المنطلقات والأهداف وأسلوب إدارة الصراع وبناء التحالفات، فإن كل منهما سيَحُدُّ من تقدم الآخر، واستمرار هذا الوضع سيلحق أفدح الخسائر بالشعب الفلسطيني وبقضيته وبحاضره ومستقبله، وبما أن أي منهما عاجز تماما عن إلغاء الآخر أو محوه عن الخارطة - ولا ينبغي له أن يفكر بهذا الاتجاه - فلا حلَّ أمامهما ألا بالحوار وقبول كل منهما الآخر، أي الالتقاء على برنامج الحد الأدنى والاتفاق على طريقة موحدة لإدارة الصراع، إلى أن يتحقق الهدف المشترك وهو دحر الاحتلال، وما بعد ذلك فلا ضير من وجود صراع سياسي لأن هذا من طبيعة البشر، ولكن ليكن بطريقة حضارية تستند إلى دستور وقوانين وآليات النظام الديمقراطي التعددي بحيث يكون للشعب الدور الأساسي والرأي الأول والأخير .

اليوم، يلقي كل طرف اللوم على الآخر، ويتهمه بالمسئولية عما وصلت إليه أوضاع القضية من تردي وتراجع، والحقيقة أنه بسبب التنافس والصراع بين الطرفين ( المقاوم والمفاوض ) لم يكن هنالك أي تنسيق أو تناغم أو تكامل بين العمل العسكري وبين العمل السياسي، فلم يأخذ أي منهما فرصته في النجاح، فالمفاوضات لا يمكن أن تنجح في ظل سلسلة من العمليات التفجيرية، والعمل العسكري على طريقة قوى المقاومة يؤدي إقحام الشعب في معركة مفتوحة بلا نهاية بحيث يقدم تضحيات باهظة دون نتائج ملموسة، أما تلازم المفاوضات مع المقاومة وتسليحها بهدف سياسي يجعل من المقاومة عملية سياسية بامتياز ويفتح لها آفاق الانتصار الحقيقي.

أما حصر أشكال المقاومة في نمط واحد فسيؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة المقاومة نفسها في مقتل، فالعمليات الإستشهادية مثلاً توقفت لأسباب معينة، إما أنها استنفذت أغراضها أو أنها صارت غير ممكنة لأسباب عمليانية فنية، أو لأية أسباب أخرى، المهم أنها توقفت رغم حاجة قوى المقاومة الملحّة لها، ورغم تهديداتها بأنها تنوي تنفيذها في عمق إسرائيل، وعلى ما يبدو أن المقاومة قد استبدلت هذا النمط من العمليات بالصواريخ، واستبدال أساليب المقاومة هو أمرٌ جيد ومطلوب من الناحية التكتيكية، ولكن ماذا سيكون مصير المقاومة بعد أن تمكنت إسرائيل من منع إطلاق الصواريخ سواء من خلال السيطرة الميدانية على أرض المعركة، أو من خلال قرار مجلس الأمن على غرار القرار 1701 الذي فَرَضَ على حزب الله التوقف عن إطلاق صواريخه ؟!

قد يجيب البعض بأن المقاومة ستجترح أساليب جديدة، وهي إجابة مقبولة من الناحية النظرية، بل هي الإجابة الصحيحة التي يجب على قوى المقاومة أن تعتمدها، لكن تجربة "حماس" بالذات في أشكال العمل العسكري الأخرى محدودة جدا، فجميع عملياتها العسكرية السابقة تكاد تنحصر في العمليات الاستشهادية وفي إطلاق الصواريخ، كما أن الرأي العام الشعبي الذي خلقته حماس بات لا يرى من المقاومة إلا الصواريخ، والخوف أن تُصاب الجماهير بخيبة أمل وإحباط في حالة توقفها، أو أن تصل بها الأمور إلى حد اليأس والقنوط من جدوى المقاومة بكل أشكالها، أو القناعة بعدم جدواها "ككل" بعد أن تبين حجم الخسائر والكوارث التي تجرها نتيجة ردة فعل إسرائيل التي تتسم بالقسوة البالغة والبطش حد الإفراط.

أما وضع المقاومة في موقف الدفاع وحصر عملياتها في دائرة ردات الفعل، فهو وقوع في الفخ الإسرائيلي واللعب في الساحة التي يستدرجها إليها في الوقت والمكان الذي يحدده، ويعني سد أي أفق سياسي لأي انتصار حقيقي ممكن أن تحققه، لأن الانتصار الحقيقي الذي يؤدي إلى تغييرات إستراتيجية لا يمكن أن ينجم عن عمل دفاعي محض، بل يحتاج هجوم استراتيجي، وطبعا هذا الهجوم لا يشترط أن يكون هجوما عسكريا بالمعنى التقليدي، بل هو الهجوم السياسي الذي تُستعمل فيه كافة أشكال المقاومة الوطنية.

وإذا كانت معطيات المرحلة لا تسمح بممارسة الكفاح المسلح وفتح جبهة عسكرية مع العدو فإن ذلك لا يعني الاستكانة والاستسلام بأي حال، فهنالك النضال الشعبي المدني بأشكاله العديدة، من مظاهرات احتجاج ومسيرات شعبية واعتصامات وإضرابات وعمليات فدائية مسلحة ضد أهداف عسكرية، يصاحبه هجوم دبلوماسي وسياسي على الساحة الدولية، واستخدام القوة الأخلاقية والمعنوية للقضية الفلسطينية والاستفادة من عدالتها في كسب التأييد الدولي، وتوظيف تضامن العالم الحر معها، والإستفادة أيضا من القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بحيث يكون هجوما شاملا ومدروسا ومتناغما، بلغة سياسية واحدة وبخطاب سياسي موحد ضمن برنامج وطني تتفق عليه جميع القوى الوطنية والشعبية وتشترك في تنفيذ فعالياته، أي بمعنى توظيف كل إمكانات الجماهير وفتح جميع جبهات الصراع الشعبية والعسكرية والثقافية والسياسية .. ولكن بوحدة وطنية متحققة على الأرض وتحت قيادة واحدة تخاطب العالم بلغة واقعية يفهمها ويتعاطى معها.

هذه عناصر القوة الفلسطينية والتي ثبت أنها قادرة على قلب الطاولة وفرض رؤيتها للحل، وقدرتها على رفض أي حل لا يناسبها، ولكن استخدام هذه العناصر بقوة ونجاعة يتطلب أولاً إنهاء حالة الانقسام والتشرذم على الساحة الفلسطينية .

عبد الغني سلامه – كانون 2 - 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق