أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

طـيور الجـنّة


طيور الجنة هي قناة فضائية مخصصة للأطفال تنفرد عن غيرها بأسلوبها الشيق الذي يعتمد على الأغاني والأناشيد الموجهة للأطفال بشكل رئيسي، وأعتقد أن مؤسس هذه المحطة هو واحد من بين أكثر الناس الذين استفادوا من الدين لخدمة تجارتهم، ولسنا هنا بصدد تقييم المحطة من الناحية الفنية والمهنية، ولا يعنينا حجم الأرباح التي تجنيها، فالتجارة مشروعة وليس لأحد أن يعترض على ذلك، كما أننا لا نعترض على توجهها السياسي ولا نستنكر انحيازها الواضح لجهة معينة، فمن حق كل جماعة سياسية أن تنشئ لنفسها قنواتها الفضائية وأدواتها الإعلامية، ولا ندعي أنها أول محطة فضائية تستثمر في مجال الدين، إذ أن المحطات الدينية بالعشرات إضافة إلى عشرات الوعاظ والمشايخ ومقدمو البرامج الدينية المنتشرون في مئات القنوات الأخرى الذين صاروا نجوما إعلاميين يتقاضون أجورا تضاهي ما يتقاضوه نجوم السينما وربما أكثر !
 وهذا ليس مستغربا فكما أن هنالك قنوات متخصصة في الرياضة وأخرى في الأخبار أو الأفلام أو الأغاني .. هنالك أيضا مجالات الدين والإفتاء، وهي جميعها مجالات مربحة وتجارة رائجة، فما الغريب في طيور الجنة ؟!

بداية لا بد أن نقر لهذه المحطة أنها تقدم بعض البرامج المفيدة والتربوية، ولكن، من جهة أخرى فقد نجح صاحبها بتحويل اسم ولديه إلى "ماركة تجارية" تجعل الأطفال عاجزين عن مقاومة إغراء شراء المنتجات التي طُبعت عليها صورهم، فالمكعب الذي اخترعه عالم رياضيات فرنسي قبل ثلاثين سنة صار "مقدساً" لأن صورة الطفلين عليه، والحصّالة التي لا تختلف عن باقي الحصالات التي خبرناها صغارا صارت ماركة تجارية تحيطها هالة من "الإيمان"، والحقائب المدرسية صارت تنافس أشهر الماركات العالمية، وكذلك الألبومات الغنائية ورنّات الهاتف النقال والمسجات وكل ما يدر ربحاً، ونحن نعلم أن الدافع والمحرك الأساسي لجميع القنوات الفضائية هو "البزنس" بغض النظر عن محتوى ومضمون ما تبثه، فالربح هو البوصلة وما عدى ذلك مجرد اجتهادات متباينة في الاستحواذ على أكبر قدر من المشاهدين، الذي سيُتَرجَم على شكل إعلانات تجارية ورسائل مدفوعة الثمن تدر أرباحا طائلة، وكل ما سبق يمكن استيعابه في نطاق الشطارة التجارية التي يمارسها الجميع.

وإذا كانت هذه القنوات تخاطب الغرائز والعواطف دون العقول، وكان جمهورها من الناس البسطاء، فإن ما يثير مخاوفنا أكثر هو طبيعة البرامج التي تقدمها محطات الأطفال بالذات، إذ أن الأطفال كالوعاء الفارغ تملأه بما تشاء بكل بساطة، وما نزرعه في أطفالنا اليوم سنجنيه غدا، ومن المؤسف أن يتم استغلال الطفولة دون أدنى مراعاة لنتائج هذا الاستغلال على مستقبل أجيالنا، فعندما تقوم محطة دينية ما بتقديم طفلة تشبه الملائكة في بهائها ونقاءها ويتم تلقينها كلمات لا تفهم منها شيئا، أو أن يُطلب منها ترديد دعاء بأن ينصر الله الإسلام والمسلمين، ستأتي محطة تبشيرية وتقدم طفلة تضاهي الأولى جمالا وروعة ولكنها ستدعو أن ينصر الله طائفتها على من عاداها، ثم تأتي محطة هندية وتطلب من طفلتها أن تستدعي آلهتها بأن ينصر الهند والهندوس على الفرس والمجوس .. وهكذا، وهذا هو في الواقع استغلال براءة الأطفال لتسويق مفاهيم سياسية ليس لهم فيها ناقة ولا بعير.

وبدلا من زج هؤلاء الأطفال في صُلب القضايا السياسية والأيديولوجية المعقدة، وبدلا من استخدامهم كأدوات في معاركنا وحروبنا – بغض النظر عن مدى قناعتنا بعدالتها، لأن كل الأطراف المتصارعة تؤمن بعدالة قضاياها - لنربّيهم على المفاهيم الإيجابية ونعمق في نفوسهم قيم الخير والتعاون والمحبة، ولِنَغْرزَ فيهم أن الله محبّة وأن السلام من أسماءه الحسنى وأنه أرحم الراحمين، وأن الدين الصحيح هو التقوى وعمل الصالحات، لا الحروب والقتل والدمار، وعلينا أيضا أن نعزز فيهم حب الأوطان والانتماء للمجتمع الإنساني ككل دون إقحامهم في القوقعة الطائفية أو الحزبية الضيقة.

وما يستدعي الانتباه حقيقةً هو مضمون وكلمات بعض الأغاني والأناشيد التي تقدمها محطات الأطفال، وعلى سبيل المثال هنالك أغنية تقدمها طفلة بعمر الورود ومن المفترض أنها مقبلة على الحياة ولكنها تتحدث عن سكرات الموت ! وهنالك أغنية أخرى مقدمة من قبل مجموعة أطفال في غاية الروعة وبصوت ملائكي ولحن ساحر، ولكن كلماتها وللأسف تدعو للقلق !! إذ أنها تقول: " لما نستشهد بنروح الجنة .. لا لا تقولوا علينا صغار ..." والسؤال هو لماذا نجعل أطفالاً بعمر البراعم التي لمّا تتفتح بعد يتغنّون بالموت والتضحيات، ويستنكرون علينا أن نسمّيهم أطفالا !! فهذه الأغنية اختزلت الحياة بأكملها بقيمة واحدة هي الشهادة، وصوّرت الموت بأبهى صوره وجعلت منه شيئا عاديا ليس مقبولا وحسب بل ومطلوبا لذاته، فبعد الموت مباشرة ستأتي الجنة بطيباتها ونعيمها، وما علينا لا أن نستعجلها ! إذاً لماذا نستنكر على إسرائيل قتل الأطفال والشيوخ والشباب !! أليس هذا مطلبهم ومنتهى أمانيهم وذروة أحلامهم !! ولماذا نستغرب بعد ذلك تكاثر الانتحاريين وتناسلهم السريع !!

الموت هو الموت مهما كانت تسميته، والحياة هي أعظم هبة من الخالق عز وجل ولا يجوز أن نفرط بها، والطفولة حق مقدس لكل إنسان، ولا يجوز لأحدٍ أن يسلبه هذا الحق تحت أي مسمى ومهما كان جمال الشعار الذي يختبئ خلفه، وبدلا من التغني بالموت الأولى أن ندعو للحياة وأن نجعل من لحظاتها مفعمة بالحياة، وأن نغنّي للأرض وندعو لإعمارها، وأن نعتني بالطفولة ونُعِدُّ للأجيال الطالعة أسس البناء القوي لحياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقا.

أيار – 09

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق