أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

ديموقراطيات استبدادية


كثير من الأنظمة الديكتاتورية تسوّق نفسها للعالم على أنها نموذج فريد من الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، في حين أنها في حقيقة الأمر تحيط نفسها بغلاف ديموقراطي زائف وتمارس من ورائه أبشع أنواع التسلط والاستبداد، ولا يقتصر الأمر على الممارسات بل هو أصلا في صلب هيكلية الدولة ونظامها السياسي وطبيعة التركيبة السياسية والاقتصادية التي تحكمها.

الولايات المتحدة كمثال بارز رغم أنها تخلصت من العبودية بعد الحرب الأهلية ومن العنصرية ضد السود أواسط الستينيات، إلا أنه ما زال فيها أشكالا عديدة من العنصرية والاستعباد، وليس بالضرورة أن تكون موجهة ضد السود والملونين، كما أن نظامها الانتخابي تعتريه الكثير من نقاط الضعف، حيث لا يستطيع الترشح للرئاسة أو لعضوية الكونغروس أو حتى للمجالس المحلية إلا من كان ذو ثراء فاحش أو من ترضى عنه دوائر الصهيونية والحزبين الحاكمين، بغض النظر عن مضمون برنامجه الانتخابي.


وفي عالم اليوم هنالك نظام رأسمالي متوحش يدّعي الديموقراطية وهو أبعد ما يكون عنها، وأمريكا تتزعم هذا النظام وتسميه "العالم الحر"، ورغم أن الديموقراطيين هم من يحكمون البلاد حاليا إلا أن فكر "المحافظين الجدد"، تراه ماثلا في أكثر من موقع وليس فقط في أوساط الحزب الجمهوري، وهذا الفكر العنصري المتعالي يدعو إلى مبدأ "عصبة الديمقراطيات" وقد صرح بذلك علانية "ماكين" مرشح الحزب "الجمهوري" في الانتخابات الأميركية الأخيرة، حيث صنف العالم إلى قسمين ديمقراطي وغير ديمقراطي، ودعى الدول الديمقراطية أن تتحالف ضد الدول غير الديمقراطية، وهو يرى إسرائيل بحسب هذه النظرية مثال للدول التي يجب دعمها وضمها لهذه العصبة.

نظام الأبار تهايد في جنوب أفريقيا كان يمارس شكلا متقدما من الديموقراطية وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، ولكن ديموقراطيته كانت حكرا على البيض، بينما السود يقبعون في كانتونات الفصل العنصري ومحرومون من أبسط حقوق الإنسان، تماما كما كانت ديموقراطية روما وأثينا قائمة على نظام طبقي يسحق الفقراء ويضهد العبيد ويجعل منهم مجرد حيوانات متصارعة يتسلى بمقتلها الإثرياء وعلية القوم.

إسرائيل تشبه إلى حد كبير نظام الإبار تهايد في جنوب أفريقيا، فلدى إسرائيل نظام ديموقراطي تدعي أنه واحة خضراء وسط صحراء قاحلة من الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، ولديها قضاء قوي وصحافة تتمتع بهامش واسع من الحريات، ولكن في حقيقة الأمر هي عبارة عن أسبارطة الجديدة ومجتمع عسكري يرى أن مبرر وجوده بقاءه في حالة حرب دائمة، كما لو أنها جيش له دولة، وهي أساسا دولة قامت بالعدوان والاحتلال وإلغاء الآخر ومحاولة نفيه من التاريخ وإقصائه كليا من الجغرافيا، وما زالت تنتهك القانون الدولي وتمارس كل نماذج إرهاب الدولة المنظم وأبشع جرائم الحرب والجرائم المصنفة ضد الإنسانية .. والأمثلة أكثر من أن تعد وأن تحصى لأنها ما زالت تمارس بشكل يومي. وهي بآلتها الإعلامية تريد من العالم أن يصدقها عندما تقول بأن جيشها لم يستخدم الفسفورالأبيض في عدوانه على غزة، وأن يصدق بأن الجيش الإسرائيلي من أكثر الجيوش في العالم تمسكا بالأخلاق حينما يمنح أسرة في غزة خمس دقائق لإخلاء البيت قبل أن يهدم فوق رؤوسهم !

إيران التي يحكمها نظام الملالي ونظرية الولي الفقيه، ما هي إلا شكل من الثيوقراطية الأوليغاركية، أي الثيوقراطية التي تحكمها مجموعة من رجال الدين تدعي أنها تستمد شرعيتها من لدن السماء، وعلى مدار التاريخ كانت النتيجة الحتمية لكل الأنظمة الثيوقراطية هو التحول إلى دكتاتورية تدّعي الحصانة والحق الإلهي لتبرير التفرد بالسلطة والقرار، وحتى تديم تسلطها على رقاب الناس فإنها تلجأ عادة إلى تبني خطاب سياسي يقوم على شعارات دينية طوباوية، ومبالغة في حجم خطر العدو الخارجي بهدف تحييد الجبهة الداخلية وفرض موالاة الشعب، إضافة إلى استخدام المال والعسكر والإعلام. ويتساوى في هذا حكم الثيوقراطية الإيرانية كل الأنظمة الشمولية حتى لو ادعت العلمانية والاشتراكية والشيوعية في أي بلد من بلدان العالم.

والحكومة المقالة في غزة هي أيضا شكل آخر من الثيوقراطية الأوليغاركية، فهي تدعي أنها حكومة ربانية اختارها الله لإنقاذ القضية الفلسطينية من أيدي الفاسدين، وبعد أن صعدت لسدة الحكم بقوة الديموقراطية وظلت تتغنى لسنة كاملة بأنها جاءت بالانتخابات وأنها خيار الشعب، ها هي الآن تتنكر لأبسط قواعد الديموقراطية وتمنع إجراء الانتخابات، فضلا عن عجزها من مواجهة الأسئلة المصيرية التي باتت تحاصرها وتفرض استحقاقها فصارت تتهرب من الإجابة بمزيد من الجمل الثورية والشعارات الدينية العاطفية، وعلى الأرض تمارس مزيداً من القمع والبطش والضرائب ومصادرة الحريات وفرض رؤيتها الأيديولوجية وبرنامجا الحزبي على على عامة الناس.

أما بقية الدول العربية فلا حاجة لذكر أمثلة عن القمع والإستبداد والقهر المسلط على العباد، ليس لأنها كثيرة، بل لأن هذه الأنظمة أساسا لا تدعي أنها ديموقراطية ولا تجري فيها أية انتخابات ولا يتم فيها تداول السلطة إلا بالوراثة أو بالإنقلابات، فهي خارج نطاق العنوان الذي نتحدث عنه.

وهذا بطبيعة الحال لا يعيب الديموقراطية نفسها، بل يعيب فهمها وممارستها، فالديموقراطية ليست شكلا واحدا ولا هي قالب جامد، ولا يكفي تبني كل مظاهرها الخارجية وممارسة قواعدها المعروفة، رغم أن هذا مطلوب وأساسي، ولكن جوهر الديموقراطية لا بد أن يقوم على أسس معينة أهمها صيانة حقوق الإنسان واحترامه وضمان حقه في اختيار طبيعة النظام الذي يحكمه، وأن يتم تداول السلطة بطريقة سلمية عبر صناديق الانتخابات بشكل دوري منتظم، وهي بهذا المعنى تكون شكل الحكم الوحيد القادر على منع الظلم والاستبداد ومسائلة السلطة الحاكمة إذا أخطأت بل وتغييرها إذا تمادت في غيها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق