أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

بعد ستة عقود على النكبة، كيف يرى العالم صورة إسرائيل الآن ؟!


عبد الغني سلامه

لماذا تفلت إسرائيل من العقاب في كل مرة رغم حملات الإدانة والإستنكار شديدة اللهجة ؟! وهل جنوح إسرائيل المتزايد نحو العنف هو نتاج سيطرة المستوطنين والمتدينين المتطرفين عليها أم هو تعبير دقيق عن حقيقة وجوهر الدولة العبرية ؟!

دماء في عرض البحر

مع إشراقة شمس اليوم المتمم لشهر أيار 2010 استيقظ العالم على أنباء مجزرة جديدة اقترفتها إسرائيل أثناء اعتراضها لـ "أسطول الحرية" المتوجه إلى قطاع غزة المحاصر والذي كان على متنه 750 متضامنا، جاؤوا من 40 دولة حاملين معهم مساعدات إنسانية، ومع الساعات الأولى من فجر ذلك اليوم الكئيب في تاريخ الإنسانيةكانت تتكشف عناصر مجزرة مكتملة الأركان نُفذت مع سابق الاصرار والترصد ضد هؤلاء النشطاء الدوليين العزل في عملية عدوانية أطلق عليها "رياح السماء"، حيث هاجمت وحدات إسرائيلية في المياه الدولية سفن المتضامنين ما أسفر عن مقتل تسعة عشر متضامنا.


وعلى إثر المذبحة بدأ سيل الإدانات والاستنكارات يتدفق دون توقف من مختلف دول العالم، وهرع سفراء إسرائيل في عدة عواصم إلى مقار وزارات الخارجية بعد أن تم استدعاؤهم للاحتجاج والإدانة، وانطلقت تظاهرات ومسيرات أمام ممثليات دبلوماسية إسرائيلية عديدة، وحُددت مواعيد بناء على مطالبة فلسطين ودول أخرى لاجتماعات هيئات أممية وإقليمية.

فإذا كانت إسرائيل قد اعتادت معاملة الفلسطينيين بهذا القدر من العنف، فإنها هذه المرة تعاملت مع مواطنين ينتمون لأربعين دولة دون أن تخشى ردود أفعال دولهم، ولتظهر مدى قوتها الغاشمة واستخفافها بالقانون الدولي، علما بأنه كان بمقدور القوات الإسرائيلية منع "أسطول الحرية" من التقدم دون الاعتداء عليه، ولكن إسرائيل عوضا عن ذلك قامت بقرصنة في عرض البحر وهاجمت بعنف ووحشية دون أن تأبه لسمعتها أو لردة الفعل الدولية.

ولا يمكن تفسير ما قامت به القوات الإسرائيلية إلا بعد التفكير بحقيقة الموقف الإسرائيلي في الوضع الراهن، فإسرائيل رغم أنها متفوقة عسكرياً ومتقدمة اقتصادياً، ورغم أن النظام العربي ضعيف وممزق، ورغم الانقسام الفلسطيني الذي يعطي إسرائيل مزايا هائلة، فإنها تتعرض إلى انتقادات دولية متزايدة، تتحول أحياناً إلى حملات قانونية وإعلامية وشعبية متنوعة؛ تظهرها على حقيقتها كدولة عنصرية، وتؤكد خسارتها الفادحة معركة الرأي العام العالمي، وقد باتت مهددة بالمقاطعة والعقوبات والعزلة ونزع الشرعية عنها، وإذا استمر الوضع بهذا الاتجاه الذي يسير فيه بالسنوات الأخيرة، فلن يطول الوقت كثيراً حتى ينعكس على سياسة البلدان المختلفة المؤثرة على القرار الدولي خصوصاً في أوروبا وأمريكا.

إسرائيل بين سمعتها الدولية ودورها الوظيفي

بنشوء إسرائيل في أعقاب الحرب الكونية الثانية تحدد لها دور وظيفي معين، يندرج في إطار ترتيبات النظام الدولي الجديد الذي رسمه المنتصرون في تلك الحرب الطاحنة، وظل هذا الدور بمثابة الضمانة الأكيدة التي تعطي إسرائيل قوة التفوق على جيرانها ويثبّت وجودها على الساحة الدولية، الأمر الذي مكّن إسرائيل من استغلال هذه المكانة أبشع استغلال على مدار عمرها الذي أنهى عقده السادس بسنتين، حتى لو كانت ممارستها تلك تلحق بصورتها أفدح الأضرار، وتسبب لحلفائها الإحراج.

وقد سعت إسرائيل ومنذ نشأتها أن ترسم لنفسها صورة مثالية في إطارين: الأول الإطار العالمي كدولة ديموقراطية متقدمة تعيش وسط صحراء من التخلف والديكتاتورية، والثاني هو الإطار الموجه ليهود العالم كدولة يهودية خالصة تمثل واحة أمان لليهود المضهدين والفارين من عنف "اللاسامية"، ولكن صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه وتمسكه بحقوقه الوطنية وإبرازه لشخصيته السياسية كان هو العقبة الكأداء التي حالت دون تعميم هذه الصورة، والمحك الذي فضح زيفها وجعلها تتداعى كبيت من الكرتون، وقد ساهمت إسرائيل بنفسها ومن خلال ممارساتها التعسفية في فضح هذه الصورة من داخلها، وقد تمثل هذا بوضوح حينما أفاق العالم على صورة الجندي المدجج بالسلاح وهو ينكل بالطفل والمرأة الفلسطينية والمواطن البسيط الذي لا يحمل سوى حجر ويدافع عن وجوده وعن حقه في الحياة.

قادة إسرائيل يعترفون بتراجع مكانتها الدولية

أجمع كبار المعلقين الإسرائيليين على تدهور مكانة إسرائيل الدولية إلى حضيض غير مسبوق، وما يدلل على ذلك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن إسرائيل لم تعد تتمتع بتلك السمعة التي حظيت بها لسنوات طويلة، من حيث كونها الدولة المستضعفة المحاطة بالأعداء، فهنالك تقرير غولدستون، وملاحقة الضباط الإسرائيليين في أنحاء أوروبا، وحملة المقاطعة الأكاديمية ضد الجامعات الإسرائيلية، وتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا ومع تركيا بشكل خاص، وحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في العديد من دول العالم، فضلا عن العديد من الانتقادات التي وجهتها حكومات ومنظمات غير حكومية أوروبية بسبب سياساتها العدوانية والعنصرية.

ولم تقتصر هذه المظاهر على الرأي العام الغربي، فقد امتدت لتشمل دوائر الأوساط اليهودية نفسها، ومنها ظهور لوبي يهودي جديد في الولايات المتحدة (جي. ستريت)، يرفض الإنحياز الأعمى لإسرائيل وحكوماتها الذي يعبر عنها عادة اللوبي الإسرائيلي التقليدي (إيباك)، وظهور قرين يهودي أوروبي له، يحمل ذات التوجهات هو (جي. كول) وهذه اللوبيات اليهودية الجديدة تطالب بإنقاذ إسرائيل من نفسها ومن سياساتها الحمقاء.

في استطلاع للرأي نظمته المفوضية الأوروبية، قبل سنوات قليلة، تبيّن أن غالبية الأوروبيين يعتبرون إسرائيل خطرا على السلام العالمي، لا بل أن إسرائيل في هذا الاستطلاع تقدمت على إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان، في تهديد السلام العالمي. وقد ساهم في حفر مسار هذا التحول النوعي في الرأي العام الغربي إزاء إسرائيل إجراءاتها التعسفية بحق الفلسطينيين، ثم تعمق هذا المسار أكثر مع السياسة المتشددة التي تنتهجها الحكومة اليمينية الحالية في كل ما يتعلق باستئناف المفاوضات وتوسيع الاستيطان في الأراضي المحتلة.

وهكذا بدأت معالم تلك الصورة المخادعة التي صنعتها إسرئيل لنفسها تبهت وتنهار، وباتت تظهر على حقيقتها، بوصفها دولة دينية أصولية، ودولة مارقة تستهتر بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، ودولة استعمارية وعنصرية، تحتل أراضي الغير، وتمارس ضدهم إجراءات تمييزية، وتكاد إسرائيل أن تفقد مكانتها كابن مدلل للغرب، الذي تعتبر نفسها جزءا منه، وباتت في نظر العديد من الأوساط السياسية داخل أمريكا نفسها أحد مصادر كره العالم العربي للولايات المتحدة، ومن أهم مسببات نشوء جماعات التطرف والإرهاب فيها، ومن عوامل الخلاف الأوروبي الأميركي.

اليوم، ليس لإسرائيل سوى القليل من الأصدقاء في أوساط اليمين أو اليسار في أوروبا وأمريكا، وصورتها سلبية جداً لدى الرأي العام العالمي، وهي تخسر بالرغم من إحساسها بالربح الناجم عن القوة وشعور الغطرسة والتفوق. ولكن مع كل هذا لا يمكن الاعتماد فقط على خسارة إسرائيل على الصعيد الدولي، وفي المعركة على الرأي العام، إذ إن خسائرها تلك لا يقابلها نجاحات عربية أو فلسطينية، ذلك أن نجاح العرب أو الفلسطينيين خصوصا في معركتهم ضد إسرائيل يتطلب تعزيز التضامن العربي وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، وتحسين إدارة الصراع على الأرض والإرتقاء بالعمل الديبلوماسي على الساحة الدولية، أي بمعنى آخر يتطلب الأمر من العرب والفلسطينيين تطوير قدرتهم على استثمار الخسائر الإسرائيلية.

تقدم إسرائيلي رغم الخسائر

من مؤشرات التغير الإيجابي في الموقف الأوروبي خاصة ما أعلنته إسبانيا بأنها ستعرض على الاتحاد الأوروبي رفع مستوى التمثيل الفلسطيني إلى مستوى سفارة، والمبادرة التي طرحها وزيرا خارجية إسبانيا وفرنسا بالإعتراف بالدولة الفلسطينية، وأيضا الموقف الأوروبي من قضية القدس واعتبارها عاصمة فلسطينية ورفض الإجراءات الإسرائيلية فيها، ومقاطعة منتجات المستوطنات، هذه كلها مؤشرات إيجابية يمكن أن يُبنى عليها، وأحد أعمدة هذا التطور هو الموقف الفلسطيني وطريقته في الأداء الديبلوماسي والتزام الطرف الفلسطيني بكل ما عليه من اتفاقيات، ولكن في مقابل الصورة السلبية لإسرائيل نرى أنها تحقق نجاحات عديدة، فمثلا أعلن صالون الكتاب بباريس دعوة إسرائيل كضيف شرف لدورته الحالية، كما أطلقت بلدية باريس اسم "بنغوريون" على أحد ميادينها العامة، وفي اليونسكو تمكنت إسرائيل من تأجيل مناقشة قرار يخص القدس في المجلس التنفيذي الأخير باليونسكو، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حيث جرت العادة بأن يتم إدراج القرارات المتعلقة بفلسطين علي جدول أعمال المجلس التنفيذي دون عقبات، وقبل ذلك قضية تأجيل التصويت على تقرير غولدستون في جنيف، ومؤخرا انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). وقد جاءت هذه العضوية بعد ثلاث سنوات من طلب الانضمام، أي أنه كان هناك وقت كاف للتحرك والضغط على الأعضاء الـ 31 في المنظمة لمنع هذه العملية.

بهذا المعنى فإن إسرائيل تحقق انتصارات مهمة وبدعم أميركي أوروبي كبيرين، وهي انتصارات تعزز مواقف الحكومة الإسرائيلية بأنّها مهما فعلت لن تخسر دعم العالم. وبموازاة هذه النتائج فإن الأسئلة التي تطرح نفسها هي ما الفائدة الحقيقية من كل التحركات الجارية على مستوى الرأي العام العالمي لإدانة الاحتلال؟ ولماذا أخفق العرب والفلسطينيون في توظيف الخسارة التي منيت بها إسرائيل على صعيد سمعتها الدولية ؟! وهل الخلل في أداء الديبلوماسية الفلسطينية أم هو في موازين القوى ؟ وبالتالي هو تعبير عن حالة الضعف العربي عامةً ؟

الديبلوماسية العربية والفلسطينية، تقصير أم سوء تقدير للموقف ؟

الدكتور نبيل شعث عضو مركزية فتح ومفوض العلاقات الدولية في الحركة أكد في اتصال هاتفي معه خاص بِ "آفاق المستقبل" أنه كان هنالك تقصير من الجانب الفلسطيني، وبالذات في موضوع انضمام إسرائيل إلى منظمة OECD، موضحا أن الفلسطينيون بدأوا بالهجوم السياسي على هذا الموضوع في آخر ثلاثة أشهر علما بأن محاولات إسرائيل وسعيها للإنضمام قد بدأت قبل ثلاثة سنوات، وأشار إلى أنهم اكتشفوا الموضوع في وقت متأخر، وأنه لم يكن هنالك تصدي حقيقي له، وفي الجانب الآخر ألمح "شعث" إلى أن منظمة OECD خضعت للإبتزاز الصهيوني والأمريكي، حيث ضغطت أمريكا عليها كي تمنح إسرائيل العضوية كجائزة لها وتحفيز على العودة إلى مسار المفاوضات والعملية السلمية. وأضاف أن قصة انضمام إسرائيل للمنظمة الأوروبية تفاعلت على المستويات الحكومية فقط بعيدا عن أي تفاعل شعبي.

ولدى سؤاله عن وضع صورة إسرائيل في المرحلة الحالية وكيف يقيمه، أجاب "شعث" بأن إسرائيل تعيش اليوم واحدة من أسوأ أوضاعها خصوصا بعد حربها على غزة وبعد عدوانها على أسطول الحرية في عمق المياه الدولية، وما ساعد في فضح صورة إسرائيل الحقيقية توقف العمليات الاستشهادية الفلسطينية التي كانت إسرائيل تستخدمها في التشويش على الصورة الفلسطينية، وأضاف "شعث" أن صورة إسرائيل اليوم في وضع المعتدي والمستوطن والمغتصب والمنتهك لحقوق الإنسان، ولكنه أشار أن وضع إسرائيل في أمريكا أقل سوءً بسبب تشويش الإعلام الصهيوني، وأكد على وجهة نظره بأنه حتى اليهود المؤيدين للسلام والرافضين للاحتلال وسياسة نتنياهو لن يتخذوا موقفا ضد دولة إسرائيل، ولكنه يعتقد إذا ما صعّد الرئيس أوباما من حملته ومن مواجهته لإسرائيل فإن صورتها ستسوء بشكل واضح وكبير كما هو الحال في أوروبا.

ونفى د. شعث وجود علاقة مباشرة بين دخول إسرائيل هذه المنظمة وبين بدء المفاوضات غير المباشرة، موضحا أن أمريكا كانت تحاول إقناع الأوروبيين إعطاء نتنياهو حوافز للإنخراط مجددا في العملية السلمية، وفي تعليقه على هذه النقطة بالذات أشار أن الفلسطينيين يدفعون مرة ثانية ثمن عناد الإسرائيليين وثمن قبولهم وثمن كذبهم، وهذا أمر مزعج جدا ويضيف على كاهل الفلسطينيين المزيد من الضغوطات، وعن طبيعة دوره في هذه المرحلة أجاب "شعث" بأنه مكلف في حركة فتح بالعلاقات الدولية وأن واجبه تصعيد الضغوطات الشعبية على الحكومات الأوروبية لما فيه صالح القضية الفلسطينية لأن الحركة تؤمن بأهمية دور الحركات الشعبية والرأي العام في الدول الديموقراطية.

وفي موضوع تأجيل التصويت على قرار يخص القدس في اليونسكو طالب تجمع النقابات المهنية الفلسطينية بتحقيق جدي بشأن التأجيل، واتهم التجمع في بيان له المراقب الفلسطيني الدائم لدى المنظمة بتحمل المسؤولية. وكذلك اتهمت حركة حماس السلطة الفلسطينية بتكرار الإخفاق الذي حدث في تقرير "جولدستون"، وألمحت أن السلطة تساعد إسرائيل في كل مرة في الخروج من مأزقها الدولي.

"إبراهيم خريشة"، سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة في جنيف ووكيل وزارة الخارجية الفلسطينية، أجاب على هذا الموضوع في حديث خاص مع "آفاق المستقبل" قائلاً: "عدم المعرفة هو سبب هذه الضجة، أو محاولة الاصطياد في الماء العكر من قبل البعض، فمثلا ما حدث في تقرير جولدستون والضجة التي أثيرت حوله، لاحظنا أنه عندما أعدنا طرح القضية بعد أسبوع من التأجيل وحصلنا على القرار الذي نريد من بعدها لم يعد أحد يتحدث بالموضوع" وأضاف "خريشة" بأن "من يقوم على رأس العمل الديبلوماسي هو الذي يعرف حيثيات الموضوع وما يجري وراء الكواليس، ونحن في المنطقة العربية لدينا ثقافة سلبية مفادها أطلق الرصاصة التي في جيبك عالسريع، بالرغم من وجود حكمة شعبية أخرى تقول أنه من الشجاعة أن تشهر سيفك، ولكن الحكمة هو أن تعرف لمن ستوجه ضربتك وكيف ومتى؟ في العمل السياسي هنالك توقيت مناسب لكل خطوة، ومن الخطأ استخدام كل الطلقات دفعة واحدة، ونحن الآن ليس لدينا سوى المقاومة الشعبية والعمل السياسي الديبلوماسي، وهذه الأشكال المتاحة للنضال، ونحن نعمل في وسط دولي له مصالحه وتعقيداته، ولكن الأطراف المعارضة والخصوم السياسيين لا يتفهمون هذا ويبدأون بالاتهام، ما حدث في اليونسكو شبيه إلى حد ما بما حدث مع جولدستون، وأقول لمن هو مهتم بالقدس تفضل وقدم لها الدعم الحقيقي".

ولدى سؤاله عن التغير في الموقف الدولي من القضية الفلسطينية أكد "خريشة" بأن فلسطين الآن تعيش أفضل حالاتها على المستوى الدولي، وقال: "أنا بحكم عملي كسفير في جنيف أتعاطى مع 180 سفير لمختلف دول العالم، كنت ألاحظ وخاصة في الفترة الأخيرة، أن الموقف الدولي والأوروبي بشكل خاص أصبح أكثر قربا من الموقف الفلسطيني وأصبح أكثر تفهما للمطالب الفلسطينية"، ويفسر "خريشة" هذا التطور الإيجابي في الموقف الدولي بأنه جاء نتيجة عوامل مختلفة، أولها حرمان إسرائيل من مبرراتها التقليدية بوجود صواريخ وعمليات انتحارية تهدد أمنها، وأن إسرائيل في عدوانها الأخير على غزة حاولت تبرير ذلك بأنها كانت تخوض حربا على الإرهاب ولكن النتيجة التي رآها العالم هي استهدافها للنساء والأطفال والمدنيين العزل باستخدام أسلحة دمار محرمة دوليا، ثم جاء تقرير غولدستون والذي هو يهودي صهيوني ولكنه أدان جرائم إسرائيل وتحدث بوقائع عن انتهاكات وجرائم حربية وجرائم ضد الإنسانية اقترفتها إسرائيل، ومن العوامل الأخرى التي يضيفها "خريشة" أن الموقف السياسي الفلسطيني متماسك ويعبر عنه من خلال برنامج الحكومة الهادف إلى بناء مؤسسات الدولة على حدود ال 67 والتزام بالشرعية الدولية، وهذا ما ساعد على خلق خطاب فلسطيني مقبول دوليا، يقابل ذلك وجود حكومة إسرائيلية يمينية متشددة يقف على رأسها "ليبرمان" لا تلتزم بالاتفاقيات، وقد حاولَت أكثر من مرة إحراج المسؤولين الأميريكيين بما فيهم الرئيس أوباما نفسه، بإصرارها على مواصلة الاستيطان، ويؤكد "خريشة" أن الإسطوانة المشروخة التي طالما استخدمتها إسرائيل كقصة المحرقة واللاسامية أصبحت مستهلكة وغير قابلة للهضم، وأن كل هذه العناصر مجتمعة وضعت إسرائيل في وضع صعب، ويرى أن هنالك ثمة تغير إيجابي، ولكن بعض الدول كأمريكا ما زالت تضع أمن إسرائيل فوق أي اعتبار، وهذا التغير ما زال دون مستوى الطموح ولم يصل مرحلة فرض مقاطعة على إسرائيل. ولكنه يعتقد أنه مع مراكمة الإنجازات واستمرار هذا الوضع السيء لإسرائيل فأنه خلال سنة سيكون هنالك تغيرات أكبر وأهم. ويرى "خريشة" أن التطرف والتشدد الإسرائيلي ووجود حكومة يمينية تقود إسرائيل الآن وهو عمليا ما سيقودها إلى الهاوية، لأن القوة والغطرسة التي تمارسها إسرائيل لن تحقق لها الأمن والسلام، فالسلام الحقيقي يتحقق فقط بالإعتراف بالحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، وإبرام معاهدة سلام على أساس مبادرة السلام العربية.

الديبلوماسية الفلسطينية إنجازات وإخفاقات

من الإنجازات التي حققتها الديبلوماسية الفلسطينية نجاحها باستصدار قرار من الجمعية العامة في آب 2003 وانتزاعها رأي استشاري من المحكمة الدولية في لاهاي في تموز 2004 بشأن جدار الفصل العنصري، حيث أصدرت المحكمة فتوى اعتبرت فيها أن بناء هذا الجدار غير شرعي وطالبت بهدمه، ولكن الإخفاق الآخر للديبلوماسية العربية والفلسطينية على وجه الخصوص يتمثل في ضعف متابعة هذه القرارات.

وفيما يخص فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الجدار أشار ممثل المنظمة في جنيف "إبراهيم خريشة" في حديثنا معه إلى خطأ وقع فيه الفلسطينيين، وهو العزوف عن المسار القانوني للقضية الفلسطينية، وأضاف: "صحيح أن لدينا شرعية وطنية وشرعية تاريخية وشرعية دولية، ولكننا بحاجة إلى شرعية قانونية تعتمد في عملها على القانون الدولي، وهذا يعزز المسار السياسي، وقد لجأنا لهذا المسار لأول مرة عام 2003، وكان إنجازا مهمّاً حيث أصدرت محكمة لاهاي فتواها بشأن الجدار، ولكن للأسف لم يتم استغلال هذه الفتوى بالشكل المطلوب، وأصبحت ذكرى تاريخية، ولكن مع هذا أنا أتولى متابعة العديد من الملفات الدولية وقد شرحت للرئيس محمود عباس المسارات التي سنعمل عليها ومتطلباتها، وقد أبدى اهتماما شديدا بالموضوع ودعما كاملا لكل ما نحتاج، وحاليا نعمل بخطوات هادئة ومدروسة لتأسيس شرعية قانونية للمسألة الفلسطينية في الساحة الدولية وهذا يحتاج بعض الوقت، وقد أسسنا دائرة قانونية في وزارة الخارجية الفلسطينية لتقوم بدورها في هذا الموضوع، ولا شك أن هناك قرارات دولية هامة في صالحنا ونعمل نعمل عليها ونراكم هذه الانجازات".

إسرائيل تفلت من العقاب في كل مرة

تفاجأ الكل بالوحشية التي تعاملت بها إسرائيل مع نشطاء السلام في "أسطول الحرية". البعض فسر ذلك بأن إسرائيل تسرعت وتورطت في الموقف نتيجة سوء تقدير من جانب الجيش، والبعض الآخر يؤكد أن ما جرى كان مخططا له مسبقا، بقصد توجيه رسالة تحذير لكل من يفكر بالتضامن مع أهل غزة مرة أخرى. بمعنى أنها رسالة سياسية بامتياز وليست حالة شاذة، وهي تكريس لنهج الغطرسة والإستخفاف بالقانون الدولي الذي اعتادت عليه إسرائيل. فهي ليست المرة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، التي تقترف فيها إسرائيل مجازر وجرائم حرب من هذا النوع، لأنها كما وصفها صائب عريقات "دولة مارقة فوق القانون"، مع أن دول أخرى كانت مارقة تمت محاسبتها من ألمانيا النازية إلى جنوب إفريقيا إلى يوغسلافيا .. وهنالك العديد من القيادات والجنرالات المجرمة التي تم نبذها عن المجتمع الإنساني وتم تقديمها للمحكمة الدولية. ولكن لماذا دائما لإسرائيل وضع مختلف ؟!!

ما فعلته إسرائيل في فلسطين، من جرائم تستحق بسببها العزلة والعقاب، ولكنها كانت تفلت كل مرة لأسباب عديدة ومختلفة، يمكن تلخيصها بثلاثة أسباب رئيسة هي الدعم الأميركي اللامحدود، واقتصار الدور الأوروبي على الجانب الاقتصادي وعزوفها عن اتخاذ مواقف سياسية جدية، وأخيرا حالة الضعف العربي الإسلامي.

الدعم الأمريكي يمكن فهمه من خلال فهم المعادلة السياسية الكونية التي تتحكم فيها أمريكا وتلعب فيها إسرائيل حجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن أمريكا وحسب رأي "د. نبيل شعث" ستضع مصلحة إسرائيل واحتياجاتها الأمنية فوق الاعتبارات الأخلاقية والسياسية، وعن طبيعة الموقف والدور الأوروبي وحسب رأي "إبراهيم خريشة" فإن التغييرات الحاصلة في الموقف الأوروبي لم تصل مرحلة النضج اللازمة لإحداث تغييرات جذرية في موقفها السياسي، سيما وأنا ما زالت تعاني من تبعات وإرث المحرقة والهولوكست، أما عن ضعف الموقف العربي فحدث ولا حرج. ومن الجدير بالذكر أن ضعف الموقف العربي لا يقتصر على ضعف الدور السياسي والديبلوماسي الذي تلعبه الأنظمة بل هو أيضا ضعف في الموقف الشعبي.

وضعف الموقف الشعبي العربي والإسلامي هو بحد ذاته عبارة عن إشكالية متعددة الجوانب والمظاهر، أهمها أن الفعل الجماهيري يأخذ شكل الهبّات العاطفية والإرتجالية الذي يفتقد البرنامج والإستراتيجية، ولا يمتلك آليات بناء ومراكمة الجهود، وأحيانا يخطئ في تحديد الهدف، ويزيد من عمق الإشكالية محاولات بعض القيادات السياسية والإعلامية الاستفادة من ردات الفعل الشعبية لمصالحها الخاصة، وأخطر ما في الموضوع أن ردات الفعل الفلسطينية تكون أحيانا متسرعة وغير مدروسة وبالتالي تستفيد منها إسرائيل وتجيرها للتغطية على جرائمها وتحويل الرأي العام بالاتجاه المضاد، لذلك فقد دأبت إسرائيل أن تمعن في سياساتها دون أن تضع في حساباتها ردة فعل الجماهير، لأنها تعتبرها مجرد ظاهرة صوتية وفقاعة هواء سرعان ما تتلاشى.

أما حركات التضامن الدولية ونشطاء السلام، الذين يمثلون واحدة من أنبل الظواهر الإنسانية، ما زالوا غير قادرين على إحداث خروقات جوهرية في الضغط على حكوماتهم، أو التأثير على مراكز صنع القرار في العالم، فما زالت حركاتهم محدودة وهم أصلا في بلدانهم منعزلين عن الحياة السياسية وليست لديهم قوة انتخابية هامة، ولكنهم بكل تأكيد قد أحدثوا نقلة نوعية في توجيه الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، ولعل ما حدث على سفينة مرمرة التركية من مجزرة دموية أحدثت ردات فعل غير مسبوقة تندد بالجريمة الإسرائيلية أوضح مثال على ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق