أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 17، 2010

من الذي ســمّم أجـوائنا ؟!


معركة إعلامية يشتد وطيسها ساعة بعد أخرى تدور رحاها على صفحات الجرائد الصفراء ومواقع الإنترنت وشاشات الفضائيات، وأبطال هذه المعركة مجموعة من أشباه المثقفين، ومشاريع فاشلة لكتّابٍ جدد، وصحافيون يبحثون عن الشهرة والمجد على حساب أعصابنا، ويبنون لأنفسهم ممالك من الوهم حتى لو كان ذلك على أنقاض سمعة شعبنا التي سعوا بجد ومثابرة على إيصالها للحضيض.


فكلّما تصفحت بريدك الإلكتروني تنهال عليك الرسائل والمقالات من كل حدب وصوب، وإذا ما تجاهلتها ستجد أصداء هذه الحملة الإعلامية المسعورة أينما وليت وجهك .. في الفوردات وصالونات الحلاقة ومجالس العزاء، الجميع يفتي، والكل صاروا خبراء في السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع وأسباب الانبعاث الحراري، إشاعة واحدة تحتاج أقل من يوم واحد حنى تجتاح عقول الناس وتغير مواقفها رأسا على عقب، لا أحد يدقق ولا أحد يبحث، كل ما يريده الناس أخبار الفضائح أو الاستماع لتحليل سطحي يداعب عواطفها ويريحها من عناء التفكير، الخبر مهما كان مصدره يدخل من الأذنين ويخرج عبر الألسنة الطويلة دون أن يمر على الدماغ، وإذا ما مر هناك سيجده مقفلا وإلى إشعار آخر.

فرسان التحليل الأشاوس لا يعجبهم أحد، ولا يرضيهم شيء سوى صورهم النرجسية في مرآتهم السحرية التي تصورهم خبراء لا يشق لهم غبار، أقوالهم مقدسة ومن يختلف معها خائن عميل أو كافر مرتد، ولأنهم عباقرة فهم قادرون على الغوص في قلوب الآخرين فيحللون نفسياتهم ويكتشفون دوافعهم، فإذا ما قام أحد من خصوهم بلقاءٍ مع العدو لأي سبب وتحت أي إطار فإنه يصير خائنا مرتميا في أحضان أعداء الأمة، وإذا ما قال مسؤول غربي أو إسرائيلي كلمة حق بأحد خصوهم قالوا أن الأعداء يلمعونه ويجهزونه لمرحلة قادمة، وإذا ما تعرض هذا المسؤول نفسه لهجمة إعلامية مضادة قالوا أن الأعداء يريدون حرقه لأنه أصبح غير ذي صلة وانتهت صلاحيته كعميل، وإذا ما اجتهد في موقف سياسي صاروا أكثر منه خبرة ودراية وهم وحدهم أصحاب الرؤية الصحيحة والقول الثاقب والرأي السديد، وإذا ما افتتح هذا المسؤول صرحا ما أو نفذ مشروعا يخدم الناس قالوا أنه يريد تحسين شروط الاحتلال، وإذا ما تحدث في السياسة قالوا الأجدى به أن يفتتح شارعا أو مدرسة، وإذا ما ارتكب أحدهم خطيئة صاروا كلهم ملائكة يجلدون بسياط الفضيلة، وإذا ما تحدث أحدُ من القيادة عن السيادة الوطنية والخطط الطموحة قالوا إن هؤلاء لا يملكون السيادة على غرف نومهم ولا يتحركون إلا بتصريح، ثم فجأة يجعلونهم هم أنفسهم قادرين على تحريك طائرات العدو وتوجيه دباباته أينما أرادوا، وقادرين على إعطاء الأوامر لإسرائيل أن تقصف أو تتوقف أن تقتل أو تسامح، هم الذين يوجهون الإستراتيجية العليا لإسرائيل !!

المضحك المبكي أنهم في مقالاتهم يتهمون خصومهم دوما أنهم لا يحترمون عقول الناس وأن تبريراتهم لا تنطلي على طفل صغير، بينما هم لا يجيدون سوى تصيّد الأخطاء وتضخيمها والتركيز على النقاط السلبية وفهم الأمور من زواياهم الضيقة ورؤاهم المنغلقة، يرددون نفس العبارات كديباجة ممجوجة، ويرفعون نفس الشعارات التي تجاوزها الزمن، يسقطون الماضي على الحاضر، ويتنبؤون بالمستقبل كقارئة الفنجان، ويطلقون الفتاوى كما لو أنهم في حسبة يبيعون البطاطا والخس، مشاعر الناس لا قيمة لها، النيّل من خصومهم هو منتهى غايتهم ومهما كانت النتيجة، مشبعين بعقلية المؤامرة ونظرية الأحجار على رقعة الشطرنج، الكلمة تخرج من أفواههم بكل خفة لأن الناس في نظرهم مجرد متلقين ينتظرون آراءهم العظيمة !!

في فتح كما في حماس هنالك إنجازات وإخفاقات، وفي الضفة كما في غزة هنالك إيجابيات وسلبيات، ولكل فرد من هذا الشعب توجهاته وقناعاته، ولكل إنسان أخطاؤه وأحلامه، فتعالوا إلى كلمة سواء، ولنترفع عن هذه التـرّهات، ولتتوقف كل الحملات الإعلامية التي تبث الفُرقة وتعمق الانقسام، ولتتكسر كل الأقلام المشبوهة، ولنتجه كلنا نحو المستقبل، فعندما نفتش عن الأفضل في خصومنا سنجد الكثير .

أما أشباه الكتّاب هؤلاء فهم في حقيقة الأمر لا يكتبون سياسة، بل هم مجرد أدوات لآخرين لهم توجهات أيديولوجية أو أجندات سياسية، أو هم ينطلقون من أحقادهم، وفي أحسن الأحوال هم أناس صادقون ومتحمسون للفكرة ولكنهم مندفعون نحوها للحد الأقصى وينقصهم النضوج والعلم بأدب الاختلاف وقواعد الكتابة الجيدة، ولكن النتيجة واحدة فقد تسممت أجواؤنا وصار الوضع مقززا ويدعو للاشمئزاز.

" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " صدق رسول الله.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق