أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 13، 2010

الحصة الغائبة والفرصة الضائعة


الكثير من الأهالي وحتى من التربويين وبعض الإدارات المدرسية يجهلون أهداف حصة التربية الفنية والرياضية وضرورتها في حياة الطالب، ويعتقدون أن هذه المواد فُرضت عليهم لغرض الترفيه وتسلية التلاميذ من عناء الدروس العلمية الأخرى، متجاهلين حيوية هذه المواضيع وأهميتها لتنمية عقل الطفل وتطوير ذكائه وبناء صحته النفسية، وبذلك تضيع فرصة الإسهام في خلق جيل جديد ومختلف، ويمتلك القدرات الإبداعية الخلاقة القادرة على انتشالنا من حالة الضياع والهوان، هذا النمط من الإدارات هو سبب فشل وتردي العملية التربوية بسبب جهلها وضيق أفقها ومحدودية معارفها، لأنها تعيش بعقلية استاتيكية نمطية تقتل الابتكار والخيال وتحاصر التذوق بالجمال، وتعتقد أن مثل هذه الأنشطة قد تشغل الطلبة عن متابعة دروسهم العلمية.
وحتى نوقف حالة التدهور التربوي والانحطاط الثقافي والفني الحاصلة، ونحدُّ من النتائج الخطيرة الناجمة عن تجاهل هذه المواضيع، لا بد من اقتناعنا بأن جميع نظريات التربية الحديثة تؤكد على أهمية دروس الفن والرياضة والموسيقى في تكوين شخصية الطالب وتطوير قدراته الذهنية وتحسين مستويات تحصيله العلمي، فالطفل عندما يرسم أو يركب قطعة فنية يبدأ بالتفكير والتأمل ويحس وينفعل ويستطلع ويبحث ويكتشف ويشغّل جميع حواسه، فيستفز خلايا دماغه ويطلق طاقتها الكامنة، ويمرن أنامله ويحسن من توافقه العصبي / العضلي، فيكتسب بذلك المهارات الفنية والعادات الراقية وتنمو لديه ميزة الذوق الرفيع والإحساس المرهف والوجدان المفعم بالحب والعاطفة.

وأيضا فإن التربية الفنية تُكسب الطلبة القيم الإنسانية والأخلاقية وتقوّم سلوكهم عن طريق تشكيل الخامات والتفكير الحر أو ترجمة الطاقة الذهنية والتعبير عن الخيال المحلق بالرسم، وبهذا تتنّشط عقولهم وتزداد معارفهم ومداركهم للأشياء المحيطة بهم وتتغير عاداتهم بطريقة إيجابية ويزداد ترابطهم وتعاونهم مع الآخرين، بمعنى أن التربية الفنية ستجعل منهم أكثر توازناً وتحقق لهم الانسجام المطلوب بين عقولهم وعواطفهم، كما أن للتربية الفنية تأثيراً بالغ الأهمية في تغيير أنماط سلوك وعادات الأطفال وطرائق تفكيرهم، وإعدادهم لمواجهة الصعاب في حياتهم العملية والتغلب عليها، وهذا شيء ايجابي جدا لصحة الطفل الفكرية والنفسية والإبداعية.

كما ويسعى الفن بطريقة فعالة في تنمية الصفات الشخصية الإيجابية للطفل كشعوره بكيانه وإيمانه بذاته وتنمية ثقته بنفسه، إذ يسهم الفن بأشكاله العديدة في تدريب حواس الطفل وجسمه وعقله بأسلوب التخطيط واللون والتشكيل المتحرر من كل قيد وعن طريق الأعمال الفنية النافعة المبتكرة، فينمو على إثر ذلك العقل المستكشف الخلاق، وقد أثبتت الدراسات وجود علاقة بين رسوم الأطفال ونموهم وتطور ذكائهم، فهي تتيح لهم الفرصة لإعادة اكتشاف وتشكيل العالم المحيط بهم وفق ما يروه مناسباً في عملية تشترك فيها قواهم البصرية والذهنية والعضلية، ليبدعوا أشكالا عفوية تزيد من ثقتهم بقدراتهم وتجعلهم يشعرون بأهمية وجودهم باعتبارهم أفراداً فاعلين ومؤثرين في هذا الوجود، فضلا عن ذلك فهي تعودهم على الصبر وروح المثابرة في العمل والتعاون مع الآخرين واحترام أعمالهم وآرائهم وتشجعهم على تبادل وجهات النظر فيما بينهم والإفادة من الخبرات الجديدة المكتشفة في بعض الأطفال.

أي أن مادتي الفن والرياضة تساعدان الأطفال على الاندماج في دروسهم الأخرى بطريقة سلسة عن طريق تحفيزهم وتشويقهم إليها، وتقوي أبدانهم وتنشط الدورة الدموية لتزيد من منسوب الدم المحمل بالطاقة والمتدفق إلى أدمغتهم، كما تهيئ لهم فرص التنفيس وتفريغ الطاقات الكامنة وتهذب من شعورهم بالنشوة وتشغلهم فترة معينة من الزمن عن انفعالاتهم وأفكارهم ومشاكلهم التي تؤرقهم، كما تعودهم على أسلوب البذل والعطاء في عملهم وتعاملهم مع الآخرين والاعتماد على ذاتهم وخبرتهم في التعبير.

أما الموسيقى فهي غذاء الروح بها يسمو الإنسان ويحلق ويرتقي في عوالم خيالية حالمة، ومن الخطأ أن يُنظر لها كمادة ترفيه وحسب، فهي تنمي الحس الجمالي وتوسع خيال الطفل وتفتح أمامه الآفاق الرحبة للخلق والإبداع، والنظر للعالم بروح صافية ونفس نقية، والموسيقى تهدئ الطفل وتعيد توجيه انفعالاته بشكل سليم، وتخفف من حدية النزعات العدوانية لديه وتهذب نفسيته وتمتص كل الغضب والتفاعلات العنيفة المكبوتة في دواخله وتحسن من مزاجه وتجعله أكثر تقبلا لتلقي العلوم المجردة.

والخلاصة أن حصص الرياضة والفن والموسيقى ينبغي اعتبارها بنفس أهمية بقية المواد العلمية، وكذلك بقية الأنشطة اللامنهجية التي ستفعل في الطلبة ما لم تستطيع بقية المواد الدراسية أن تفعله، فهي تفجّر إمكاناتهم الإبداعية وتحفز الجوانب المختلفة من عقولهم، ابتداءً من التفكير المنطقي وإتباع منهج التجريب العلمي حتى تنمية الخيال .. وتستطيع أن ترتقي بهم لتمكنهم من ارتياد العالم المحيط بهم وتجعلهم في وفاق معه والاعتزاز به، وأن تترك أفضل الأثر والفاعلية في صناعة الجيل الطالع وتنشئته على حب الجمال وتنمية الميول والاتجاهات المبكرة لديه بذائقة فنية عالية.

وبالرغم من المزايا الكبيرة لحصص الرياضة والفن والتربية الموسيقية، غير أن بعض مدارسنا وللأسف تصر على أن تضرب بعرض الحائط كل نظريات التربية الحديثة، حين تتجاهل هذه المواد وتقلل من أهميتها أو تلغيها تماماً من مناهجها وحصصها الدراسية، ليجد حينها بعض مدرّسي الفن أو الرياضة راحة في هذه الحصص وإجازة غير شرعية يدفع ثمنها الطلبة ومجتمعنا ككل، لأنهم غير مهتمين أصلا بتطوير وتنمية مواهب تلامذتهم، إن لم يكن هُم أنفسهم بحاجة إلى تهذيب وتدريس المبادئ الأولى في الفن والرياضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق