أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 13، 2010

نماذج عبثية لبعض الحركات الإسلامية


تشهد العديد من البلدان الإسلامية صراعات داخلية طاحنة وحروباً أهلية مدمرة، لم يجنِ أهلهامن ورائها إلا الموت والفقر والتخلف، ولم يشفي غليل أمراء الحروب في تلك البلدان مشاهد الدماء والضحايا والخوف النازف من عيون الأطفال، فراحوا يهتفون باسم الله مع كل ضحية يذبحونها على "الطريقة الإسلامية" ! ويكبرون مع كل مجزرة يرتكبونها لإشباع غرائزهم البدائية.

ويمكن فهم الأسباب والدوافع الحقيقية لتلك الحروب على أنها صراعات قبلية في مناطق تتحكم العقلية القبلية في بناها الاجتماعية والسياسية وحتى في مرافق الدولة، أو أنها حرب بالوكالة لأطراف خارجية ولكن تغذيها عقليات طائفية متعصبة ومجموعات من
 المنتفعين، أو أنها نتيجة توفر عوامل داخلية أخرى عادة ما تغذي نزعة الحرب في المناطق المهملة كشعور القبائل والأقليات بالتهميش والتمييز العنصري والظلم الاجتماعي، أو نتيجة انسداد الآفاق في وجه الشباب وانعدام الفرص لحياة كريمة ورؤيتهم للمستقبل بصورة قاتمة، أو لملء الفراغ الذي خلفه انكسار وتعثر المشاريع الوطنية والتحررية والتقدمية، أو هي لجوء الدولة لحماية مصالحها وفرض سيادتها على أراضيها، ولكن بالعنف والقمع السلطوي ... ولكن ما لا يمكن فهمه هو زج الدين في لب الصراع، وخلط ما هو ديني مع ما هو سياسي، وإحاطة ما هو دنيوي بهالات من القداسة، وإدعاء الكل باحتكار الصواب وامتلاك الشرعية المطلقة من السماء، سيّما وأن جميع المتصارعين ينتمون إلى نفس الدين !!

في اليمن مثلا تدور معارك طاحنة بين القوات الحكومية وقبائل "الحوثيين"، وكلا الطرفين يكبّران ويهللان مع كل قذيفة مدفع أو صلية رشاش، حتى لو انتهت في صدر طفل أو في فناء دار !! وفي العراق يفجر بعض متعصبي الشيعة مساجد السنة، ثم يقتل بعض متعصبي السنة كل من قاده حظه العاثر ليشتري من سوق شعبي في مناطق للشيعة، ثم تهاجم عصابات المهدي قوات البدريين، أو يتحالف الطرفان ليفتكان بالصدريين، وهم جميعا من نفس الطائفة !!

في السودان ومنذ أن صار النميري "الرئيس المؤمن" وحتى عهد "الخليفة" البشير، خاض النظام حربا شعواء ضد الإنفصاليين في الجنوب، وكانت ماكينة الإعلام تصف "جون جارانغ" وأتباعه بأبشع التهم وتصنفهم مع الخونة والمارقين، وبعد سنين طويلة من الصراع الدامي الذي أهلك الحرث والنسل تحالف العدوّان، وصار "المارق" "نائبا" للرئيس "المؤمن" ثم ما لبث إعلاميو النظام وأبواقه حتى تكيفوا مع العهد الجديد، ولم تكن هذه مأساة البلاد الوحيدة، فقبل أن تهدأ طبول حرب الجنوب دقت طبولٌ أخرى في الشرق، وهذه المرة من دارفور.

في دارفور قُتل أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان وهُجر أكثر من مليون إلى دول الجوار، نتيجة صراع عقيم استفادت منه الأطراف الخارجية فقط، بينما خسر النظام سمعته ومصداقيته في العالم رغم كل الشعارات البراقة التي حاول تسويقها ورغم محاولاته الحثيثة لتصوير حربه على إنها دفاعا عن الإسلام، علما بأن جميع سكان الإقليم مسلمون سنة !

في لبنان خاض "حزب الله" مغامرته المجنونة بعد أن تعمد إستفزاز إسرائيل بهدف جرها إلى حرب توقع أن تكون "محدودة" تعيد ترتيب أوراق المنطقة كما تشتهي مرجعيات الحزب العابرة للحدود، ولكن النتائج كانت كارثية حيث سقط آلاف الضحايا من المدنيين العزل وحل بالبلاد خرابٌ غير مسبوق في بنيته التحتية، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها اعترف السيد "نصر الله" بأنه أخطأ بالحساب، وأنه لو كان يعرف النهايات لما أقدم على البدايات ! ومع ذلك عد ذلك نصرا إلهيا !! ثم أعادت حماس نفس السيناريو بعد أقل من ثلاثة سنوات ولكن دون أن تستفيد من اعتراف قائد الحزب بخطئه، فجرّت القطاع إلى حرب مدمرة أتت على ما كان لديه من بقايا حياة ومن مقومات صمود، وفي اعتراف مشابه صرح "مشعل" أن كل هذا الدمار مجرد "أذى عابر" وأن المقاومة لم يمسها سوء، فخسارة ألف وخمسائة شهيد ليست مهمة ! بل أن السيد "هنية" أعلن بأنه مستعد لقبول فناء غزة عن بكرة أبيها وغير مستعد أن تسقط حكومته العتيدة !!! وأيضا تم احتساب كل الخسائر كنصر إلهي مجلجل !!

وفي مصر خاضت الجماعات الإسلامية حربا شرسة ضد النظام راح ضحيتها مئات من ضباط الجيش وأفراده ومئات من المدنيين العزل ومئات من السياح الأجانب، إضافة إلى مقتل واعتقال الآلاف منهم، فضلا عن خسائر اقتصادية واجتماعية لا تقدر، وبعد كل هذا أعادت قيادات الجماعة قراءة الإسلام من جديد، لتكتشف أنها كانت مخطأة، وأن الرئيس الذي قتلته احتسبته في عداد الشهداء، وأنه يتوجب نبذ العنف الداخلي، وحل القضايا الشائكة بالحوار ... على كل حال، الإعتراف بالذنب فضيلة !

وفي منتصف تسعينات القرن الماضي وبعد أن تنكر النظام لنتائج الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون، اجتاحت الجزائر موجة عنف لا يشبهها في التاريخ إلا دمار قرطاجة على يد الرومان، وكان المهاجمون يجتاحون القرى النائية ويقتلون أهلها وأطفالها وشيوخها ويسبون نسائها مستخدمين الفؤوس والمعاول والحراب في مشاهد عنف بدائي تترفع عنه وحوش البراري، وبعد كل مذبحة كان تفوح روائح فساد النظام والجيش، وتُسمع صرخات المتعصبين الإسلاميين وهم يكبّرون ويهللون مزهوين بنصرهم المبين على جموع من المدنيين العزل.

وتصل الملهاة ذروتها عند الحديث عن الصومال، وللعلم، فالصومال يشهد حربا أهلية مستمرة منذ الإطاحة بِ"زياد بري" عام 1991، وهو حاليا مثلا يُضرب في الفوضى والتخلف، ومؤخرا صوت البرلمان بالإجماع على قانون لتطبيق الشريعة الإسلامية في هذا البلد الذي ينعم بالخيرات ! لتصبح لديه حكومة إسلامية بناء على طلب متمردين إسلاميين معارضين للنظام، ولكن المشكلة ليست في وقوع قسم كبير من الصومال خارج سيطرة المؤسسات الممثلة بالبرلمان والحكومة، بل هي في عدم رضى المتمردين الإسلاميين الذي يسيطرون على وسط الصومال وجنوبه على طريقة تطبيق الشريعة، أو عدم اقتناعهم بمستوى إيمان الحكومة ! وفي النتيجة ورغم أن الطرفين يدعيان تطبيق الشريعة, إلا أن العمليات القتالية بينهما متواصلة وتجرُّ على البلاد مزيدا من الخراب والدمار !!

ولم تكتفِ محاكم التفتيش بمشاهد البؤس والظلم الذي يلف البلاد، ولا بصور الجوع والحرمان الذي أنهك العباد، وأفواج المشردين الهائمين على وجوههم في الصحارى القاحلة، وعصابات القرصنة والتدخل الأجنبي وانعدام الأمن والنظام .. فبدأوا بقطع الأيادي والأرجل والجَلد والرجم بالصخور .. كما حدث للطفلة البريئة التي رُجمت حتى الموت في "كيسمايو" دون محاكمة ودون التعرض للجناة الحقيقيين كونهم من "المجاهدين" !

في نيجيريا وبعد 10 سنوات على تطبيق الشريعة الاسلامية في ولايات الشمال، تراجعت حماسة المنادين بها، وتصاعدت حدة الاتهامات المنددة بانتهازية الطبقة السياسية التي تزعم أنها تطبق الشريعة، بعد أن تأكد الناس من كذب المتاجرين بالدين، وبعد أن رأوا الخراب والخواء في تجربة بائسة تعمدت بأنهار من الدم وأكوام من الجماجم تمخضت عن حرب أهلية مدمرة، فقد جاءت الدعوات لتطبيق الشريعة آنذاك متزامنة مع عودة الديموقراطية إلى نيجيريا في ختام ديكتاتورية عسكرية استمرت 15 عاما، ففي تلك الفترة كان الناس يطالبون بتطبيق الشريعة بهدف وضع حد للظلم والفساد والفوضى، ثم تبين أن بعض المنتفعين من النخب السياسية استفادوا من الموجة الديموقراطية وركبوها لتحقيق مآربهم الشخصية، وفي النهاية لم يتغير شيء، بل وتفاقم الفساد أكثر !!

في الباكستان وبعد حرب ضروس بين الحكومة والطالبان وقع الرئيس زرداي أخيرا على قانون تطبيق الشريعة الاسلامية في "وادي سوات"، وذلك بعد إلحاح البرلمان للمصادقة على القانون للوفاء بمتطلبات اتفاق سلام توصلت إليه الحكومة المحلية مع حركة طالبان باكستان، يقضي بوقف الحرب بين الجانبين مقابل تطبيق الشريعة الاسلامية، ومع هذا، لم يؤدي تطبيق الشريعة من قبل الحكومة ولا من قبل الطالبان نفسها إلى وقف نزيف الموت في الإقليم المضطرب ولم يؤوي جموع المهجَّرين الفارين من المعارك، ولم يطعم آلاف البطون الجائعة التي تفترش الصحراء وتلتحف بردها القارص في واحدة من أقل مناطق العالم أمنا وأكثرها شقاء.

والمأساة الكبرى تتجلى في أفغانستان، فبعد سنوات طويلة من "الجهاد" جاءت جماعة الطالبان وقررت أن المجاهدين ليسو مجاهدين! وأنه يتوجب قتالهم وكنس البلاد من فلولهم، فدخلت البلاد مرة ثانية في حرب أهلية لم تترك ورائها منزلا خلى من قذيفة أو عائلة خلت من قتيل أو معاق، ورغم قساوة الظروف التي يعيشها الناس هناك، ورغم القهر والقحط والرعب الجماعي، إلا أن الطالبان أصرت على تقديم نموذج مختلف وفريد من نوعه في الحكم "الإسلامي"، صار هذا النموذج قرينا لكل ما يُقال وما يُكتب عن الإستبداد والقمع والتخلف والقهر الاجتماعي بأبشع صوره.

وما تقدم مجرد أمثلة من الواقع على نماذج بائسة قدمتها بعض حركات الإسلام السياسي، نماذج أقل ما يُقال عنها أنها فاشلة وأنها جرّت على البلاد والعباد الويلات والمصائب وحرمت المجتمعات من فرص التقدم والتطور، بل وحتى من فرص الحياة بأبسط صورها، فقد وصلت الإمور ببعض الجماعات أن صورت الإسلام كدين حرب وعقيدة قتال قادرة على جعل أي شخص أن يضع حزاما ناسفا على خصره، ثم يتجه إلى سوق يعج بالمارة لقتل أكبر عدد ممكن منهم، فيتحوّل الناس في نظره إلى مجرد أعداء ينبغي سحقهم !! وبذلك تمكنت تلك القناعات الأيديولوجية الغريبة من تجريد الإنسان من مشاعر الشفقة والرحمة، وتحويله إلى أداة للقتل أقرب إلى الحيوان الآدمي منه إلى بني البشر !

هذه النماذج التي مثلتها محاكم التفتيش الصومالية والطالبان الأفغانية والسلفية الجهادية والقاعدة وغيرها والتي أعطت لنفسها سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ، فصار كل واحد منهم مفتيا وحاكما وشرطيا، وحتى النماذج الأرقى نسبيا والأقرب إلى روح العصر والواقع كنموذج الأخوان المسلمين وما تفرع عنهم من جماعات وأحزاب، معظمها تقريبا جعلت تطبيق الشريعة الإسلامية وسيلتها للظفر بالسلطة وللتحكم بالعباد، وحتى لو افترضنا حسن النوايا فهي جعلت تطبيق الشريعة أهم من الإنسان، وتناست أن الناس الذين ستطبق الشريعة عليهم جائعون، وبالكاد يجدون الخبز والدواء، ويعيشون في بيئات ينعدم فيها الأمن والنظام، في بيوت متهالكة لا تقيهم بردا ولا تمنع عنهم حرا، ولا تحميهم من رصاص المتقاتلين وبطشهم، وأن كل نظرياتهم عن تطبيق الشريعة وممارساتهم لها لم تزد هؤلاء إلا فقرا وتخلفا ولم تورثهم إلا الجهل والحقد.

وقد فشلت هذه النماذج لأنها اختزلت الإسلام العظيم بكل معانيه الرائعة ومقاصده السامية ومراميه النبيلة وتجربته الرائدة .. اختزلته في نظام عقوبات ينتهك كرامة الإنسان ويتعارض مع أبسط حقوقه، وجعلت منه مجرد شكليات تتعلق بالمظهر فقط، دون أن تقدم إجابة واحدة حقيقية على الأسئلة التي تحاصر الإنسان المقهور في هذا الزمن العصيب.

فشلت لأنها ركزت على الأمور السطحية والهامشية وتغافلت عن القضايا الكبرى والمصيرية التي تواجه الأمة، وهذا السقوط في شراك الوهم وصغائر الأمور قادها نحو مزيد من الضياع والتشتت، وفشلت لأنها لجأت للعنف والحروب بدلا من التنمية والتقدم، فالحرب أينما حلت يحل معها البؤس والعذاب والشقاء، ليس على جبهات القتال وحسب، بل وفي حياة الناس المباشرة وفي مستقبلهم، وبشكل خاص في المناطق التي تشهد صراعات داخلية وحروبا أهلية، ولا يقتصر هذا الأمر على البلدان الإسلامية، إذ أن الحروب بلا أخلاق مهما ادعى القائمين عليها، وهي لا تجر ورائها إلا الخراب والدمار والويلات خاصة للناس المدنيين الأبرياء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق