أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 12، 2010

ملاحظات على هامش تقرير التنمية البشرية

خصصت مجلة "آفاق المستقبل" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية في عددها الثاني ملفا كاملا عن تقرير التنمية البشرية / الإنسانية في العالم العربي، ولا شك أن تركيز المجلة على هذا الموضوع إنما يعكس اهتمامها الواضح به، واهتمامها أيضا بتعميمه ليس على مستوى صناع القرار وحسب، بل وحتى يصل للمواطن العادي، حيث أن فتح هذا الملف على مصراعيه بات مسألة ملحة تقتضيها ضرورات قراءة الواقع والتعرف على وجهه الحقيقي بدون رتوش ولا مكياج، والعمل على تغييره، حيث أن قراءة الواقع بشكل علمي وموضوعي هي المدخل السليم لتغييره وتصحيح مساراته الخاطئة، وحتى يقف كل واحد منا عند مسؤولياته الوطنية.

وأهمية هذا التقرير لا تقتصر على قدرته في توليد مشاعر الصدمة والإحباط لكل من يقرأه، بل تكمن في محتواه الذي يكشف الواقع المتردي الذي تعيشه المجتمعات العربية، بالرغم من أن معظم ما ورد في التقرير هو من التفاصيل التي يحياها المواطن العربي يوميا ويكتوي بجلداتها ويلمس نتائجها بشكل أو بآخر، إلا أن قراءة الأرقام وتحليلها شيء مختلف تماما، سيّما وأنها تناولت مختلف جوانب الحياة.
فمثلا، لا ينعم المواطن العربي بحالة من الأمن الحقيقي والسبب في معظم الأحيان يعود لقمع السلطات، وأيضاً مسيرة التنمية متعثرة خاصة في الدول الفقيرة، ومعظم الحكومات تشوبها قضايا فساد إداري ومالي، والحريات معطلة على أكثر من صعيد، خاصة حرية التعبير، وهنالك ست دول تحظر قيام الأحزاب السياسية من حيث المبدأ، والصراعات الداخلية استنزفت الكثير من الأرواح والقدرات، كما أن الحقوق الفردية كثيرا ما تنتهك باسم الأيديولوجيا أو المذهب الرسمي للدولة، أو بسبب تفشي الروح الطائفية والعدائية، وممارسة العنف لا تقتصر على الأجهزة الأمنية فهنالك العنف غير المنظور الذي يُمارس في البيوت على النساء والأطفال، فضلا عن تفشي البطالة والفقر وتدني الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، إلى جانب التهديدات البيئية المختلفة، فالمياه الجوفية المتجددة تواجه معدلات استهلاك أعلى من معدلات تجددها، أيضا هنالك مخاطر التلوث والتصحر وانخفاض معدلات الإنتاج الزراعي، وكذلك ما زال شبح الأمن الغذائي يخيم على معظم الدول العربية وينذر بتفشي أمراض سوء التغذية .
والمؤشرات السلبية لا تتوقف على الدول الفقيرة، فالدول الغنية إذا ما وضعنا المؤشرات الاجتماعية والثقافية جانبا، فإنها ستعاني من مشاكل اقتصادية خطيرة بسبب اعتمادها على النفط بشكل رئيسي وكأساس للنمو مما خلق لها أسس بنيوية ضعيفة في اقتصادياتها.
وقد دأب البرنامج الإغاثي للأمم المتحدة على إصدار تقريره الدوري عن واقع التنمية البشرية في مختلف دول العالم، ومؤخرا ارتأى المختصون وصناع القرار في العالم العربي أن يصدروا تقريرا آخر خاص بالواقع العربي ولكن مع تغير اسمه ليصبح تقرير التنمية الإنسانية العربية، وقد صدر منه لغاية الآن خمسة تقارير حاولت أن تسد النقص في تقارير ال UNDP من خلال طرح ثلاثة قضايا كانت مهملة سابقا: وهي مسألة الحريات، إنتاج المعرفة وتداولها، وأخيرا قضية تمكين المرأة والتمييز الاجتماعي، أما في قضية الأمن فقد صار المعيار أمن الأفراد بدلا أمن النظام .
وفي تقريره عن التنمية البشرية فإن البرنامج عادة ما يقسم دول العالم إلى ثلاث مجموعات رئيسة استنادا إلى معادلة رياضية معينة، بحيث تُصنف الدول التي تتجاوز حاجز 0.800 نقطة في خانة التنمية البشرية المرتفعة، أما الدول التي تنحصر نقاطها ما بين 0.500 ~ 0.800 فتعتبر ذات تنمية بشرية متوسطة، وأخيرا تصنف الدول التي تقل نقاطها عن 0.500 في خانة التنمية المنخفضة، وبحسب هذا التصنيف تُعد الدول العربية عموما وبعد أخذ المعدل الحسابي لها كدول ذات تنمية متوسطة عند مستوى 0.699 نقطة، أي أنها أقل بدرجة من المعدل العالمي، والغريب في هذا الأمر أن الدول العربية كانت من بين الأفضل عند قياس مؤشرات الدخل القومي وحصة الفرد وحجم الإنفاق، ولكنها الأسوأ عند قياس مؤشرات التنمية الإنسانية الأخرى !! ما يؤكد مقولة أن العرب الأكثر ثراء والأقل تنمية.
في هذا التقرير تم تصنيف سبع دول عربية في خانة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، وهي دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، بينما صُنفت ثلاث دول عربية في خانة الدول ذات التنمية المتوسطة الأعلى من المعدل العالمي وهي الأردن، لبنان وتونس، بينما صُنفت عشر دول أخرى في خانة التنمية المتوسطة الأقل من المعدل العالمي وفي مقدمتها الجزائر وفلسطين وفي مؤخرتها جيبوتي واليمن بفارق كبير نسبيا ( 0.250 نقطة )، وبقراءة سريعة لهذه النتائج نلاحظ أن الدول النفطية ذات الدخل القومي المرتفع والكثافة السكانية المنخفضة هي التي جاءت مع الدول ذات التنمية المرتفعة والأعلى من المعدل العالمي، ولنا أن نفتخر بهذا الإنجاز سيما وأن هذه الدول كانت قبل ثلاثة عقود في خانة الدول المتوسطة والضعيفة، ما يشير إلى وجود برامج تنمية طموحة ومشاريع هامة تم تنفيذها خلال الفترة السابقة، ولكن السؤال في أي خانة ستوضع هذه الدول عند الأخذ بعين الاعتبار معايير أخرى كحرية التعبير والمشاركة الشعبية في القرار السياسي وفجوة النوع بين الرجال والنساء وإنتاج المعرفة !؟
الملاحظة الثانية أن السلطة الفلسطينية سجلت على نفس السلم 0.731 نقطة، أي أقل بدرجة طفيفة من حاجز الدول ذات التنمية المتوسطة الأعلى من المعدل العالمي، وهي بذلك تتجاوز عشر دول عربية لا تخضع لأي احتلال من بينها سوريا، مصر، المغرب، السودان، موريتانيا .. بعد أن كانت في فترة الاحتلال الإسرائيلي تصنف مع المناطق ذات التنمية المنخفضة أي دون أل 0,400 نقطة، علما بأن التقرير صدر عام 2005 أي في فترة كانت تشهد اجتياحات إسرائيلية متكررة للمدن الفلسطينية مع وجود مئات الحواجز العسكرية التي تقطع أوصالها، إلى جانب حالة من الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار، ولو أخذنا بعين الاعتبار الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الفلسطينية وتحديدا بعد العام 2007 والاستقرار الأمني الداخلي في المدن الفلسطينية وحجم المشروعات التي نفذت لتخطت فلسطين الحاجز الذي يفصلها عن المناطق الأعلى من المعدل العالمي، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازا آخر يُضاف إلى سجل المآثر الفلسطينية.
والملاحظة الأخرى أن الكويت احتلت المرتبة 33 عالميا والأولى عربيا في التنمية المرتفعة تلتها باقي دول الخليج وليبيا وآخرها السعودية في المرتبة 61، بينما احتلت الأردن المرتبة 86 عالميا والأولى عربيا في التنمية المتوسطة الأعلى من المعدل العالمي ومعها لبنان وتونس، أما فلسطين فقد جاءت في المرتبة 106 عالميا والثانية عربيا في التنمية المتوسطة الأقل من المستوى العالمي، وفي ذيل القائمة تأتي السودان في المرتبة 147 ثم جيبوتي وأخيرا اليمن في المرتبة 153 عالميا والأخيرة عربيا.
وضمن تصنيف مستوى الفقر البشري حسب التقرير الذي يضم مجموعة مركبة من ثلاثة معايير متداخلة وهي مستوى المعيشة، مستوى المعرفة وطول العمر، وما يتفرع عنها من معايير أخرى كالأميّة، التسرب من المدارس، الخدمات الصحية، الأمن الداخلي، توفر متطلبات الحياة الأساسية ... إلخ فإن الدول التي تحصل على نقاط أقل من 10 % تعتبر ذات فقر متدني، أما الدول التي تحصل على 30 % فأكثر فتعتبر ذات فقر مرتفع، وضمن هذا التصنيف هنالك أربع دول عربية حصلت على حوالي 35 % وهي السودان، اليمن، موريتانيا والمغرب، أي أنها من ضمن الدول الأكثر فقرا على مستوى العالم، ولكن حسب المعيار العالمي لخط الفقر والذي تم تحديده بأقل من دولارين يوميا للفرد، فإن عدد الفقراء العرب الذين يقبعون تحت هذا الخط، يتجاوز 34 مليون إنسان، أي ما نسبته 25 % من السكان، بعد أن كانت النسبة 32 % عام 1980.
وتناول التقرير أوضاع البطالة فقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 14.4% من قوة العمل، وأعتبر البطالة بين الشباب العربي من أعلى المعدلات في العالم، حيث تصل لنحو 40 %، وبالتالي فإن الدول العربية أمام تحدي توفير نحو 51 مليون فرصة عمل جديدة بعد عشرة سنوات.
أما عن الأمية - وهي أكثر ما يُقلق في التقرير - رغم أن الفجوة تضيق بين مستوى التعليم في العالم العربي والمستويات العالمية، فهي تقلصت من 18.2 % عام 1990 إلى 13 % عام 2000 وهي آخذة بالتقلص أكثر، حيث أن المستوى العالمي للتعليم يزيد عن 83 % بينما في العالم العربي 70.5 %، هذا بالمعدل العام، أما إذا ما تناولنا كل دولة عربية على حدة سنجد المفاجئات الصادمة، حيث تمثل المغرب أعلى نسبة أمية بلغت 44.4% تليها اليمن بنسبة 41.1 % ثم مصر 33.6 % ثم الجزائر 24.6 % ، تونس 22.3 % ، سوريا 17% السعودية 15 % ، وأقل الدول العربية في نسبة الأمية هي الكويت 5.5% ثم فلسطين 6.2 %، علما بأن نسبة الأمية في الدول العربية كانت قبل ثلاثة عقود تتراوح ما بين 50 ~ 80 % وهي الآن بحدود 30 % .
ويرصد التقرير تحت عنوان الفئات المستضعفة في البلدان العربية مجموعة من الظواهر السلبية، منها الزواج المبكر وما يترتب عليه من مضار صحية واجتماعية، حيث ترتفع هذه الظاهرة في كل من الصومال واليمن وموريتانيا وجزر القمر والسودان والمناطق الريفية بشكل عام بنسب بلغت 45% للفتيات اللواتي تزوجن في سن أقل من الـ18.
ويقف التقرير عند مظاهر أخرى مقلقة كالتمييز السلبي ضد النساء وما يسمى جرائم الشرف وتعرض النساء للاغتصاب أو للاضطهاد، وسيادة الثقافة الذكورية، وكذلك يرصد التقرير ظاهرة أخرى لفئة المستضعفين وهي الاتجار بالبشر، ومن الأمثلة عليها العمل القصري وعمل الأطفال، والاتجار بالأعضاء البشرية، وتُعد النساء والأطفال الأكثر تعرضاً لهذه الظاهرة السلبية.
وكانت الفئة الثالثة من المستضعفين هي اللاجئون العرب، حيث بلغ عدهم نحو 7.5 مليون لاجئ، أي نصف عدد اللاجئين في العالم، ويمثل الفلسطينيون والعراقيون الجانب الأكبر منهم، كما انتشرت ظاهرة اللجوء في دول عربية أخرى كالسودان والصومال.
أما فيما يتعلق بإنتاج المعرفة فيشير التقرير أن حجم ما ينتجه العالم العربي من أدب وثقافة لا يتعدى 0.8 % من الإنتاج العالمي، أي أن جميع الكتاب والمفكرين العرب وحتى الهواة ينتجون أقل من 1 % مما ينتجه العالم علما بأن العرب يشكلون 5 % من سكان العالم !! وهذا مؤشر على عدد الساعات التي يقضيها الإنسان العربي في المطالعة، ومؤشر على تفشي الأمية الثقافية في الشارع العربي، بحيث يستطيع أي متطرف أو متعصب إثارة الآلاف من الجهلة والغوغاء ضد أي كاتب تقدمي أو لحرق أي كتاب مستنير، الأمر الذي يجعل من هذه الأمية الكامنة أو الظاهرة عقبة كأداء أمام مشاريع الحداثة ونشر والعلم والثقافة.
والخطر الذي دق ناقوسه هذا التقرير، لا يتوقف على تعريف من أراد أن يعرف، أو كشف الحقائق المرعبة لمن كان يجهلها، بل في كونه أشار إلى أن تأخر الأمة العربية في الصعود إلى قطار المعرفة السريع لا يفقدها فرصة المنافسة أو اللحاق برحلة المستقبل وحسب، بل قد يؤدي إلى خسارة ما هو أهم، أي أن تفقد الأمة البنية التحتية للمعرفة بسبب نزيف العقول وهجرة الكفاءات، فقد هاجر إلى أمريكا وأوروبا 25 % من خريجي الجامعات خلال عقد التسعينات، وخلال عامي 1998 ~ 2000 هاجر أكثر من 15 ألف طبيب عربي للخارج، وعلى هذا قِــسْ.
والسؤال: كيف لأمةٍ تبلغ فيها الأمية والفقر والبطالة تلك النسب المخيفة أن تواجه تحديات العولمة، وأن تحقق متطلبات الولوج إلى عصر الحداثة ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق