أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

التفاعل الشعبي مع حرب لبنان


أخطر المظاهر السلبية في التفاعل الجماهيري مع حرب لبنان هو أخذ دور المتفرج الذي ينتظر بفارع الصبر انتهاء المبارة وإعلان الحكم عن اسم الفائز، دون تقديم أي جهد حقيقي من شأنه تغيير النتيجة، ومن المعلوم أن المتفرجين لا يحرزون هدفا.
النصر والهزيمة مسألة نسبية تختلف تجلياتها من بلد لآخر، فعلى سبيل المثال تعرضت كل من ألمانيا واليابان لهزيمة عسكرية
 – سياسية ساحقة في الحرب العالمية الثانية وفُرضت عليهما شروطا مذلة، إلا أن هاتان الدولتان تخطتا البعد السيكلوجي السلبي للهزيمة واجترحتا معجزة الإنبعاث، وهاهما الآن ثاني وثالث قوة اقتصادية في العالم وشعبهما يهنأ بالأمن والاستقرار .
في المشرق العربي عامة نتعامل مع ذات الموضوع من منظور نفسي عاطفي بحت، وهذا بدوره أدى إلى تحويل السياسة في العقل السياسي العربي كما لو أنها مجرد واقع افتراضي خيالي خاصة بالنسبة لأولئك الذين يراقبون من خارج حلبة الصراع الفعلية، وعليه يتم التعامل معها بسطحية وسذاجة تأخذ صيغة الهبات العاطفية والمنهج البكائي وردود الفعل الآنية، ويتم التعامل مع المعركة كما لو أنها مجرد ثأر قبلي يُراد منه إنزال أكبر عدد ممكن من القتلى في صفوف العدو، ومن هنا سيكون التفاعل عاطفيا محضاً مع الحدث وبناءً على التأثر الظاهري به بعد نزعه من سياقاته التاريخية – الاستراتيجية، فمثلا يسقط عشرات الشهداء يوميا وتتهدم مئات المنازل ولكن بصورة متفرقة ومبعثرة ويكون التفاعل مع الحدث باهتا، ولكن عندما تحدث مجزرة يكون عدد ضحاياها ربما أقل من معدل عدد الشهداء اليومي تتصاعد ردات الفعل ودعوات الانتقام ! بمعنى أن التغييرات التي يُحدثها العدو على أرض الواقع بشكل تدريجي تراكمي لا تلقى الاهتمام الكافي وأحيانا لا يؤبه بها، خلافا لما تحظى به الأحداث الدراماتيكية من اهتمام شعبي وإعلامي !
كما أن طغيان العامل النفسي على الوعي السياسي سيؤدي إلى زيادة حدة النقد وكيل التهم للآخرين وتحميلهم مسؤولية التقصير كنوع من تبرئة الذات والتخلص من عبء المسؤولية وإلقائها على الآخرين، فتشْتُمُ الجماهيرُ الأنظمةَ وجيوشها كما لو أن هذه الجماهير قامت بمهامها وواجباتها على أكمل وجه ! ولنفس السبب ستبقى الجماهير تبحث عن الزعيم المخلص وترفع صوره ليريحها من عناء العمل والتفكير أو لتحميله مسؤولية الفشل أذا كانت هزيمة، وهنا نلاحظ أن المغنّي الشعبي قد استبدل اسم صدام حسين بحسن نصر الله وأبقى على نفس كلمات الأغنية وحتى نفس اللحن ! وعلى نفس الخلفية فإن السجالات السياسية بين الأفراد بما فيهم المثقفين تأخذ شكل المناظرات والاستعراضات اللفظية والحدة والتطرف في الطرح دون أي حلول، وفي النتيجة يكون تأثير الفعل الجماهيري بالرغم من صدقه وعفويته لا شيء تقريبا ! والسبب ببساطة أنه لم يتم تأطير هذا الجهد ولا مراكمته أو البناء عليه ولا حتى توظيفه إعلاميا وسياسيا بالشكل الصحيح.
من المظاهر الأخرى للتعاطي السلبي مع الشأن السياسي الوطني هو نزع الحدث عن مقدماته التاريخية والفصل بين الأسباب والنتائج، كأن كل حدث مستقل بذاته ومعلق في فضائه الخاص، والتعامل مع الذاكرة الوطنية بانتقائية ومزاجية وظيفتها إسقاط الرؤية الخاصة على الواقع والوصول إلى نتائج تلائم المسلمات والأحكام المسبقة، ومثال على ذلك تناول وسائل الإعلام بطولات حزب الله كما لو أنها المرة الأولى التي يقاتل فيها العرب إسرائيل وأن تاريخ المقاومة قد ابتدأ للتو !! وبالطبع لا نقلل من شأن بطولات مغاوير حزب الله بل نقدرها ونحفرها في أعماق ذاكرتنا الوطنية، ولكنا لا نقبل أن يُسرق من ذاكرتنا الشعبية النموذج الفلسطيني في الصمود والبطولة والمقاومة.
مثال آخر: معلوم أن حزب الله لا يخطط للقضاء على إسرائيل ولا يخوض جهادا مفتوحا ضد المشروع الصهيوني ككل وقد أعلن مراراً أنه سيحل قواته المسلحة بمجرد تحرير مزارع شبعا، إلا أن الإسلامويين يتعاملون مع الحرب الدائرة في لبنان على أنها حرب الإسلام المقدسة الفاصلة والأخيرة، كنوع من إسقاط الفكرة على الواقع، الأمر الذي قد يسبب انتكاسة نفسية لدى الجماهير بمجرد أن تضع الحرب أوزارها وتخمد فوهات المدافع ويغوص الكل في وحل السياسة .
مثال آخر: بنى الساسة العرب وعلى مدى سنين طويلة وهماً في الخيال الشعبي مفاده أن لدى إسرائيل الجيش الذي لا يُقهر، وبناء على هذا الوهم تمت صياغة الخطاب السياسي الرسمي وجرت محاولات تدجين العقل العربي أمام هذا البعبع أو إظهار أي اختراق لهذه الأسطورة على انها النصر المبين، مع العلم أن هذه الأسطورة تم تحطيمها مرارا وتكرارا في معركة الكرامة وحرب تشرين وفي التصدي لإجتياحات لبنان العديدة وفي قلعة الشقيف وعبر الصمود البطولي في صيف أل 82 وعلى أبواب مخيم جنين وفي أزقة رفح وعيون الحرامية وعين عريك وكرم أبو سالم وقبل أيام على يد أحمد السناكرة ... ومن المفترض أن هذه الأسطورة قد فُرغت من محتواها إلا أنها ما زالت شعاراً سياسيا يتم تغذيته باستمرار.
إسرائيل ليست نمرا من ورق ولا هي قدرنا الأبدي، وهي في الحقيقة كيان قوي ولكن قابل للهزيمة إذا ما أحسنا التصرف، أما إذا ظل التفاعل مع الأحداث على هذا المستوى وبهذه النوعية من الأداء ستبقى جبهة الأعداء تنفذ مخططاتها دون أن تضع في حساباتها ردة فعل الجماهير، لأنها ببساطة تتعامل معها على أنها مجرد فقاعة هواء سرعان ما تتلاشى.

رام الله – آب 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق