أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

كيف أصبحت إيران المهزومة قطب إقليمي ؟

عندما تجرع الخميني كأس السم واضطر للموافقة على القرار الدولي رقم 597 والذي بموجبه انتهت الحرب العراقية الإيرانية، تحول العراق بعدها ودفعة واحدة إلى قوة إقليمية مهابة الجانب من شأنها أن تضع استراتيجيات الولايات المتحدة وإسرائيل على المحك، وقد جاء مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بغداد في أيار 1990 كاعتراف عربي رسمي بقوة العراق وبمكانته الجديدة وبنتائج انتصاره على إيران، وقد بدى حينها لدول الخليج العربي أنها قد تخلصت من شبح الهيمنة الإيرانية الذي عانت منه أيام الشاه، ثم اكتشفت هذه الدول أنها استبدلت شرطي الخليج الإيراني بآخر عراقي.

العراق بعد أن أزاح إيران جانبا بدأ يفكر بعقلية المتتصر الذي لاحدَّ لطموحاته السياسية، فأراد أن تعامله أمريكا ومن بعدها دول العالم كندٍ محترم لا كتابعٍ ذليل، وأمريكا التي غذّت أسباب الحرب سنين طويلة لعلها تنتهي بهزيمة الطرفين، لم تكن راضية عن نتيجتها التي توجت العراق كقطب إقليمي، وقد باتت قلقة من تنامي قوته العسكرية، فنصبت لصدام الشّرَك الشهير من خلال سفيرتها في بغداد التي زينت في عيني صدام اجتياح الكويت وقللت من شأنه، فكانت النتيجة احتلال الكويت ثم حرب الخليج الأولى ثم حصار شامل وعزلة دولية دامت ثلاثة عشر عاما توجت بحرب جديدة وباحتلال العراق كليا ووقوعه في قبضة المحتل الأمريكي.

العراق الذي أنفق مائة مليار دولار على سباق التسلح ومثلها وربما أكثر على حروب داخلية وخارجية، خرج من معادلة الشرق الأوسط الجديد كدولة ضعيفة محتلة تنهشها أقليات متصارعة وتفتك بها عصابات الإرهاب ومليشيا القوى الطائفية وتتهددها مخاطر الإنقسام والتفتت وتلعب بها مخابرات دول الجوار وغيرها، كلٌ يريد تصفية حسابات قديمة أو تحقيق مصالحه الخاصة على حساب شعب العراق ومستقبله.

أما إيران فقد خرجت من حربها على العراق مثخنة الجراح ومثقلة بالديون تئن تحت وطأة هزيمة عسكرية وبشرية ليست هينة، ثم مرت عليها سنين عديدة وهي خارجة بؤرة الضوء تداوي جراحها وتلملم صفوفها وتعيد ترتيب أوراقها من جديد، فما لبثت أن تعافت وتهيأت لجولة جديدة من سعيها في تصدير الثورة وإعادة إحياء حلمها القومي .

لم يكن موت الخميني بعد الحرب بعام واحد هو الفيصل ببدء مرحلة التغيير نحو سياسة براغماتية متحررة إلى حد ما من سطوة قم ومشهد وملاليها، فقد كان تولي رفسنجاني منصب وزير الدفاع قبل نهاية الحرب بعام بمثابة إيذان بقرب انتهائها وبتدشين مرحلة سياسية جديدة قوامها استبدال ولاية الفقية بسياسة قومية تتعامل مع واقع الدنيا أكثر من تعاملها مع عالم الآخرة، ثم جاء محمد خاتمي بإصلاحاته التي سرعان ما اصطدمت مرة ثانية برجال الدين المحافظين وانتهت بعودة التيار المتشدد المحافظ بقدوم أحمدي نجاد، الذي إن تميز بالبساطة والإستقامة والزهد إلا أنه شديد التمسك بما يراه حق إيران بأن تصبح قوة إقليمية نووية تفرض شروطها على المنطقة بأسرها.

طموح إيران في السيطرة على المنطقة وبسط نفوذها عليها لم يختلف في عهد الثورة عنه في أيام الشاه، فإن احتلت قديما جزر الإمارات الثلاث، فإن إيران الثورة رفضت إعادة تلك الجزر وأصرت على تسمية الخليج بالفارسي ولم تتوقف يوما عن سعيها الدؤوب في اختراق دول المنطقة واحتواء قواه الفاعلة والمؤثرة.

فبعد أن استولت على الطائرات الحربية العراقية التي لجأت إليها هربا من القصف الأمريكي، أطلقت مجموعات الثورة المضادة فيما أطلق النظام عليه مصطلح صفحة الغدر والخيانة، ثم استغلت فترة الحصار والعقوبات الدولية التي فرضت على العراق فقوت حزب الدعوة دعمت المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وبقية القوى الشيعية التي لعبت دورا هاما في الإطاحة بالنظام.

بعد الاحتلال دعمت كل الزعامات الطائفية والمليشيات المسلحة وفرق الموت وحتى حكومات الجعفري والمالكي الأمريكية ولم يقتصر لعبها بالقوى الشيعية وحسب، فالزرقاوي مثلا كان قد تعالج سرا لأكثر من عام في مستشفيات إيران ثم أطلقته ليعيث في العراق فسادا وتخريبا، وهي بذلك أي إيران لا تعبر عن حقد طائفي أو قومي أو عن رغبة بالثأر والإنتقام، بقدر ما هي ممارسة سياسية براغماتية لا تقيم وزنا للبشر ولا تحفل ببرك الدماء والأشلاء التي تفجرها يوميا في حواري وأسواق العراق.

فكما استغلت ضعف العراق واستفادت من حسابات صدام الخاطئة وأوهامه المدمرة، استغلت التركيبة الطائفية المعقدة في لبنان ونفذت من خلال حزب الله الذي لا تحتاج العلاقة بينه وبين إيران إلى براهين ودلائل، لا في شكلها المعلن ولا في مستوى تبعيتها، وإلى إيران تُضاف سوريا في أسلوبهما الفريد في مواجهة الشيطان الأكبر حتى آخر مواطن لبناني، وإذا قاربنا بين حزب الله في لبنان وحماس في غزة فنضيف حتى آخر مواطن فلسطيني.

إيران الواقعة بين فكي الكماشة الأمريكية في أفغانستان شرقا والعراق غربا تدرك أن الولايات المتحدة ستعجز عن فتح جبهة ثانية معها بعد أن تورطت في المستنقع العراقي، وهي برأيها فرصة تاريخية ينبغي استغلالها ليس لإسقاط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بل لتقاسم النفوذ معها، ومن هذا المنطلق تلعب في العراق بلا رحمة، وثم تحاول الأمساك بمزيد من أوراق الضغط لتقوية موقفها التفاوضي عبر إقامة ما تسمية فسطاط المقاومة الممتد من أصفهان إلى صور وصولا إلى غزة.

انشغال الجارتين النوويتين الهند وباكستان بأزمة كشمير والإرهاب والتطرف الطائفي وتداعياتها من ناحية وانكفاء مصر على ذاتها وتقاعصها عن ممارسة دور اقليمي يليق بحجمها وموقعها من ناحية أخرى أتاح المجال لإيران لتستفرد بالمواجهة وتبدأ بمشروعها النووي مدعومة من الجار الشمالي الروسي الذي بدأ يتململ ويحن إلى أمجاد السوفيات، وحدها تركيا تبقى مرشحة كقوة إقليمية بانتظار أن تأخذ دورها ولكن بعد أن تتعافى من أزمتها الاقتصادية وتوثق العلاقة بين العسكر والإسلاميين.

احتلال أفغانستان والعراق لم يكن قدرا محتوما لولا حماقات طالبان المتطرفة وحسابات صدام المتهورة، وكذلك حرب تموز التي جلبت الدمار للبنان لم تكن لتحصل لولا سياسات حزب الله التي تعمل وفق الأجندة الإيرانية، وحصار الأراضي الفلسطينية كلها ثم حصار غزة لم يكن ليحصل بدون وجود قيادات لحماس وضعت مصلحتها الحزبية الضيقة وولاءاتها الخارجية فوق مصلحة الوطن واتبعت سياسات مغامرة وعقيمة، وهذه الأقانيم التي ارتبطت بإيران بشكل أو بآخر شكلت مدخلا لها لتصبح قوة إقليمية تهيمن على المنطقة بعد أن تاجرت بعذابات شعوبها وسفكت الكثير من دماء أبنائها على عتبة الحسابات السياسية البحتة المغلفة بشعارات الدين والمقاومة.



شباط – 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق