أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

هذا العالم المجنون



منذ أن خطى الإنسان بقدميه أولى خطواته على هذه الأرض، بدأ برحلة من العذاب والخوف والصراع الذي لا ينتهي، وظلَّ في جهد دؤوب يبحث عن الأمن ولا يجده، يتلمّسُ خيوط الأمل وأطواق النجاة في نزاع سرمدي بين الحق والباطل وبين الجمال والقبح وبين الأمن والخوف ،،
في بدء الخليقة كانت الحياة تتسم بالتعاون والتشارك ضد عدو رئيسي يتمثل في قوى الطبيعة القاسية وظواهرها الغامضة، فكان الإنسان يبحث عن مأوى يحميه من تقلبات الطقس ويقيه وحوش الفلاة ،، وبعد أن تشكلت العائلة ثم القبيلة صار يبحث عن مأوى ينأى فيه عن أخيه الإنسان ،، إذ صار الصراع على المراعي ومناطق النفوذ.
وعندما وصلت البشرية في سياق مأساتها الحتمية ورحلتها نحو الشقاء طور الدولة والإمبراطورية صار القتل أشد والدماء أغزر، وتأصل الخوف وسكن القلوب وبات دافعا للإنقضاض على الآخر قبل أن يفكر هذا الآخر بالهجوم ،،
ومع تطور الحياة تغيرت معطياتها وأدواتها مما أنعكس على السلوك البشري والوعي الإنساني عامةً، بدءً من نشوء الملكية الخاصة وصعوداً، فتطورَ الصراع وتعقد بأشكال مختلفة ودوافع عديدة.
فإذا كانت شريعة الغاب تهب الحياة للأقوى وقانون التطور يرشح البقاء للأصلح، فإن بني الإنسان لم يشذوا يوما عن هذه القاعدة – صراع البقاء – فعندما كان عدد سكان الأرض إثنان فقط قتل أحدهما الآخر ! ولم يكن حينئذ تنافس على الممرات التجارية ومنابع النفط وأسواق العالم الثالث ،، بل كانت نوازع الشر والغرائز البدائية تدفعه نحو القتل وانتزاع ما يعتقد أنه ملكٌ له وبأية طريقة، وقد احتاجت البشرية لآلاف السنين لتشذّب سلوكها وتهذّب آدميتها وتستجيب لفطرتها ونداء الخير في أعماقها ،، وتُغلِّب الجانب الإنساني على الحيواني فيها ولتصل أخيرا إلى ما يعرف حاليا بحقوق الإنسان والحياة المدنية المتحضرة.
ولم تفلح الديانات السماوية ولا الشرائع الأرضية أن تحسم الأمر تماما وتحرر الإنسان من شروره، وإنما استطاعت فقط أن تنير لنا الدرب وترشدنا إلى طريق الحق والخير ولتكون ديدنا ودليلا، وستحتاج إلى قوة الحق وأحيانا حق القوة لتحقق للإنسان العدالة والكرامة والأمن، فبدون سلطة وقوانين وقوة تنفذها وتحميها لن ينتصر الخير، وسيبقى المجال مفتوحا لفئة معينة أن تبقى مجبولة بالشر والكراهية والجهل، وسيبقى الإنسان يراوح بين إنسانيته ونقيضها تراوده النفس الأمار بالسوء دوما فيرتد في لحظات الضعف إلى بدائيته.
وفي سياق هذه الرحلة الدرامية الطويلة المخضبة بالقهر والأنات، خاضت البشرية آلاف المعارك والحروب واقترفت ملايين الجرائم والمذابح وسالت أنهر من الدماء وتكدست أكوام من الجماجم تطاول الجبال، ولم تكن شهوة القتل وقسوة القلوب مقتصرة على شعب معين أو فئة دون أخرى ولم تخف حدتها في أي مرحلة من التاريخ ولم تتوقف قط، حتى الإنسان الأوروبي الذي يتشدق بالتحضر ويتغنى بالديموقراطية وحقوق الإنسان كان حتى أمدٍ قريب جدا يمارس أبشع وأحط الجرائم بحق شعوب العالم الثالث ،، ولا نعتقد أن البشرية قد تخلصت من بدائيتها وبرئت من أدرانها المتوحشة حتى هذه اللحظة، أو أنها وصلت مرحلة النضج في رقيها واكتمال إنسانيتها، فما زال أمامها الكثير، خاصة وأن أساليب الصراع وأدوات القتل قد جرى عليها تطورات مذهلة ومجالات التنافس تنوعت وتعددت ساحات الصراع واتسعت لتشمل معظم مناحي الحياة.
لقد شهد القرن العشرين بدايات طيبة ومبشرة في المجالات العلمية والفلسفية والفكرية كادت أن تنتقل ببني البشر نقلة نوعية، لولا مسلسل الحروب والدمار والقتل الذي جعل منه قرنا دمويا بامتياز، عاش فيه سكان الكوكب مذبحة يومية مفتوحة وصلت فيها معدلات القتل أرقاما كادت أن تتساوى مع معدلات الولادة !! إلا أنه شهد في الجانب الآخر إنجازات علمية عظيمة وتطورات مذهلة في مجالات غزو الفضاء والتقدم العلمي والتكنولوجي وثورة في عالم الاتصالات وتبادل المعلوماتية ،، وشهد إعلاءً لمكانة الإنسان ورفاهيته وحقوقه المدنية والطبيعية وتنظيما للحياة من خلال القوانين المحلية والدولية، ولكن المشكلة أنه كلما تقدمت الإنسانية في مجال تراجعت في آخر وكلما اخترعت شيئا ليسعدها أو ليخفف عنها أعباء الحياة تكشـفت له أوجه سلبية عديدة، وحتى الآن لم يجترح الإنسان حلولا شافية لمشكلاته الكبرى بل أن بعضها قد تفاقم وبعضها الآخر برز بأشكال جديدة ! هل هي سـنة الحياة ونظام الطبيعة ؟ أم هو غرور الإنسان وجشعه ؟؟ !!
وبينما يلفظ هذا القرن أنفاسه الأخيرة ما زالت شعوبا كثيرة ترزخ تحت وطأة الحروب الأهلية وقسوة القتل ومجانية الموت والدمار ،، وتمارس فيه الجرائم بأساليب الإنسان الأول في مرحلة ما قبل اكتشاف النار !!
فإذا كان التاريخ الحديث قد شهد أفظع الجرائم على يد النازية والفاشية والصهيونية، فإن مسلسل جرائم بني الإنسان ما زال مفتوحا على مصراعيه وينفذ بكل بشاعة وخسة، إذ تسفك بدم بارد أرواح أبرياء وتزهق نفوس على أيدي مجرمين قتلة تجردوا من كل معاني الإنسانية وعاثوا في الأرض فسادا وتخريبا.
والعنف ليس الآفة الوحيدة التي ابتلي بها سكان الأرض ،،،
الإستيلاء على السلطة كان محور الصراع تاريخيا، وقد مورس العنف من قبل الفئات الساعية للسلطة أو المدافعة عنها – فالسلطة بحد ذاتها هي عنف منظم – والزعامات كانت تستخدم الناس حطبا في حروبها هذه للإستحواذ على السلطة وكانت تجد في المبررات الأيديولوجية والدينية وقودا لهذا الحطب، وبما أن الناس تتكتل عادة ضمن قبائل وطوائف وشيع وأحزاب وأن الإنسان يجد نفسه ضمن المجموعة المعينة ويجد فيها السند والحماية، فكان يخترع الفكرة الناظمة التي توحد هذه المجموعة ثم يتعصب لهذه الفكرة لتصب في مصالحة الخاصة أو الجمعية، وهذا التعصب يقوده للتطرف، والعنف والتطرق متلازمتان تغذي إحداهما الأخرى كما هو معلوم.
واليوم فإن آفة العالم هي التعصب وهو الذي يفرخ إلى جانب التطرف العنصرية وبالتالي كراهية الآخر، وكم من الأرواح أزهقت وكم أنهر من الدماء أسيلت لأن كل فرد كان يظن نفسه صاحب الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأنه عجز عن تصور الآخر وهو يحمل فكرة مخالفة.
غباء الإنسان لم يوظفه فقط ضد أبناء جلدته وحسب بل ضد الكوكب برمته !! فما زال التسلح النووي يهدد بفناء العالم، والتصحر يزداد مساحة وتجريف الغابات والعمران يلتهم الأراضي الزراعية، والتلوث البيئي يخرب البحار واليابسة، والاحتباس الحراري وثقب الآوزون والأمراض الجديدة الفتاكة التي تتكاثر كل عام وغيرها ... وكلها نتائج سلبية لما اقترفته يد الإنسان من إثم وعدوان على الطبيعة .
أمام هذا النهج التخريبي تجد الإنسانية نفسها أمام خيارين : إما الاستمرار في الانتحار الذاتي وتدمير الكوكب الذي استضافنا وجعلنا الله خلفاء عليه، أو احترام أنفسنا وأجيالنا القادمة واحترام البيئة ونظام الطبيعة وعدم التعدي عليه، فتكون نجاة كوكبنا ونجاتنا معه ،، ومن المفيد أن نذكر هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي وحدها المسؤولة عن فساد العالم وتلوث بيئته فهي الوحيدة التي عارضت مقررات مؤتمر كيوتو الذي
انعقد في اليابان مؤخراً ودعى لاتخاذ مجموعة خطوات من شأنها أن تحد من التلوث البيئي وتنقذ كوكبنا من عبث الإنسان وجشعه .
تنفق الولايات المتحدة على موازنتها العسكرية ما يقرب مليار ونصف دولار يوميا أي ما يعادل موازنة دولة صغيرة لسنة كاملة ! ويلقي سكان شمال الأرض من الأطعمة يوميا في مكبات النفايات ما يكفي لإطعام سكان الأرض بينما يتضور الأطفال جوعا في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ! 10 % من سكان العالم يمتلكون 90 % من الأموال والأغلبية الساحقة من البشر هم تحت خط الفقر ! ينفق الأثرياء مليارات الدولارات على ترفهم ومجونهم فيما يموت الأطفال في أفريقيا من أمراض من المفترض أنها انقرضت منذ زمن ! الأمية والجهل واستغلال النساء والأطفال والجرائم والمخدرات وغيرها من المفارقات العجيبة في هذا العالم المجنون وهي من الكثرة والغرابة بحيث يستحيل وصفها أو اختزالها في مقالة واحدة أو حتى في مجلدات ..
حلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، وبشر الأنبياء والرسل بالهداية وأضائوا مشاعل تفضي إلى عالم السعادة الأبدية، وبنى الرسول محمد ( ص ) مجتمع الفضيلة في المدينة، ونادى زرادشت وبوذا وكونفوشيوس بالأخلاق، ووضعت القوانين السماوية والبشرية ضوابط الحق والعدل، وتغنى الشعراء بالحب، وتكلم الفلاسفة عن الحقيقة، وبحث المفكرين عن الخير والسمو، وقطعت البشرية مشوارا نحو الإنسانية، إلا أنها كلها ومضات مضيئة في ليل طويل ..
وقال إينشتاين: هنالك حقيقتان: وجود الكون وغباء البشر، فإذا كنت أشك في الأولى فلا أشك في الثانية ..
أيها الناس : لكل منا دين ومذهب ولون وعرق ودولة وقبيلة وطريق ومعبد وحلم وحدود وتاريخ ومستقبل ... ولكنا جميعا نشترك في نفس الكوكب ونفس الهواء ونفس المصير وخالق واحد لا يفضل أحدٌ على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، فلا يستخفنَّ أحدٌ أحَدا ...
وتعالوا نتقاسم خيرات هذا الكوكب بأمن وسلام ...

مجرد صرخة في وادي

إنسان عادي
3000 ق.م ~ 2000 م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق