أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

فجور القوة .. وأوهام النصر


وسط هتافات التكبير والتهليل وبين زخات الرصاص لم تخفِ القيادة الحمساوية فرحتها الغامرة بما أسمته التحرير الثاني لقطاع غزة !! وقبل أن نندهش من التحرير الثاني علينا أن نتسائل متى تم التحرير الأول ؟؟ ثم نحاول فهم معاني الفرح السائل من عيون الفاتحين بهذا النصر المبين !! وهل فعلاً عجز السجين الطامح لوراثة السجن عن إخفاء ابتسامة النصر لأن النص المتعجل كان أقوى من الممثِّل؟؟ كما قال محمود درويش، أم لأن مفهوم النصر لدينا في هذه البقعة من العالم يختلف عما يعرفه الآخرون وله معنى خاص بنا – نحن الذين أبتلينا بخطاب مدجج بآيات النصر - !!!
وطالما أن خطاب القيادة السياسية والميدانية يَعِدُ دوماً بالنصر القريب وبالفتح المبين وبحرق الأرض تحت أقدام الغزاة وبالرد المزلزل ...إلخ، ثم تأتي النتائج مخيبة للآمال، أقأ فإنه لمن الطبيعي أن يشعر هؤلاء المتعطشين للنصر والمتلهفين لإنجاز ما بحاجتهم لإحراز أي نصر، خاصة بعد أن عجزوا عن إلحاق الهزيمة بالعدو المركزي وبعد أن فشلوا بترجمة شعاراتهم على الأرض، وبالتالي سيبحثون عن أي عدو تسهل هزيمته لإشباع هذه الحاجة غير الملبّاة، وسيضخمون أي إنجاز تحقق مهما كان ضئيلا لإقناع أنفسهم بصوابية ما أقدموا عليه، والنتيجة البديهية بعد استبدال اسم العدو أن يُلحِقوا أبشع الأوصاف بهذا العدو الجديد لتبرير هذا التحول وتسويق هذا النصر.
ومن جانب آخر فإن هؤلاء الشبان مشبعين بكل معاني القوة حد التخمة، بدءً من القناع الذي يعفيهم من تحمل أي مسؤولية شخصية، مرورا بالأسلحة النارية والقذائف الصاروخية وصولاً للقوة الجسدية المفعمة بالطاقة والتي يتدفق فيها الأدرينالين بمعدلات قياسية، وانتهاءً بفتاوي دينية تجيز لهم فعل كل شيء، وأن ما ينتظرهم شيئان لا ثالث لهما إما النصر أو الجنة، فإذا كان المفهوم الزائف للنصر أكسبهم دناءة المنتصر، فإن العوامل السابقة ستجعلهم يمارسون فجور القوة.
عاملان آخران سيفسران لنا مدى وحشية وقسوة ما شهدناه في غزة إبان الإنقلاب الأسود وما تلاه، أولاهما ما يُعرف بتماهي الضحية مع الجلاد، أي عندما تبدأ الضحية بتقليد ممارسات العدو وإعادة إنتاج صورتها على شاكلتة تماما، وثانيهما نتائجُ حربٍ نفسيةٍ تحريضيةٍ شنّـتها حماس بإتقانٍ حيناً وبشكل مفضوح وساذج أحيانا، لم تكن موجهة ضد الشعب وحسب بل وعلى أتباعها أولاً، وقد تجلت في سياسة التخوين والتكفير وضرورة اسئصال الخونة والجواسيس والقضاء على أوكار الفساد ... إلخ.
ومن المعروف أن هؤلاء الشبان قد خبروا الانتفاضة الأولى أطفالا وعاشوا سنوات عمرهم ضمن ظروف القهر والاستبداد في ظل مشاهد العنف والدمار والقتل وتعرضوا للإذلال والإهانة على يد جنود الاحتلال، الأمر الذي خلق في دواخلهم رغبة خفية للانتقام ونزوع محموم نحو الثأر وميل شديد لممارسة العنف.
ومن نافل القول أن استجابات الناس وتفاعلهم مع عنف الاحتلال ليس متساويا لا بالقدر ولا بالكيفية، وهنا سنجد أن رد الضعفاء عبر ممارسة العنف ضد أبناء جلدتهم هو في اغلب الأحيان رد فعل غرائزي منبثق من حالة اليأس والشعور بالعجز وافتقاد القدرة على ممارسة أي تكتيك آخر يمكن من خلاله ان يواجه حالة الظلم المسلطة عليه، إذ أن هذه الفئة باتت مقتنعة بتفوق العدو المطلق ثم أخذت تكيف وعيها على أساس هذه الإعتقاد عبر الخوف منه أولا ثم محاكاته وتقمص شخصيته وتقليد حركاته وانتهاءً بتطبيع العقل وتدجينه.
والحقيقة أن شواهد حالة التماهي هذه أكثر من أن تُعَد ولعل أبرزها استخدام نفس مصطلحات الاحتلال وأساليبه : مناطق أمنية مغلقة، نصب حواجز تفتيش، استخدام اللاب-توب مع كشوفات بالمطلوبين، اقتحام البيوت، إخراج الجنود المستسلمين وهم عراة تحت وابل الرصاص، تجميع الأهالي في ساحة المدرسة وهم رافعي الأيدي، منع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى، وهنالك ممارسات فاقت في وحشيتها ما عهدناه من الإسرائيليين : إلقاء شاب من فوق برج سكني، تقطيع الأصابع، التمثيل بالجثث، السحل بالشوارع ،،، وما خفي أعظم.
التحريض الذي مارسته حماس لم يبدأ بفضائية الأقصى، بل هو استمرار طبيعي لنهج الحركة وطبيعتها الاستبدادية منذ أن كانت إحدى تشكيلات جماعة الأخوان المسلمين، وما العنف الذي مارسته القوة التنفيذية إلا نتاج حتمي لأيديولوجيا حزبية دينية تقوم على إيمان جازم بامتلاك الحركة للصواب واحتكارها للحقيقة، الأمر الذي سيمنح أتباعها الشعور بالإستعلاء على باقي البشر وسيغذي بالضرورة اتجاهات العنف والتعصب، وبالتالي فإن الحركة ومن منطلق إيمانها بأنها هي بالذات من يمثل الإسلام التمثيل الصحيح ومن شذَّ عنها شذَّ عن الدين وضل سواء السبيل .. هذه النظرة الإستعلائية تجعل منها وكذلك أي حركة إسلامية متشددة تنظر إلى نفسها على أنها أكبر من النقد لأنه سيعني هنا نقد للإسلام ذاته، ولهذا السبب لن تجد أي منها تمتلك منهجا علميا للنقد والمراجعة أو تعترف بأنها أخطأت ذات يوم !! وبالبحث في أدبيات الأخوان المسلمين سنجد ما يدعم هذه الفرضية ويثبت مصداقيتها، خاصة وأن جذور التشدد في الفكر الاخواني مستمد من أيديولوجيا نابعة من الفقه الأصولي المتشدد المنغلق والذي يأخذ موقفاً متزمتا من القضايا الاجتماعية وموقفا ديماغوجيا من القضايا السياسية.
إذاً وتماشيا مع هذه الرؤية الأيديولوجية ستكون التربية الحزبية قائمة على مبدأ الطاعة العمياء وتنطلق باتجاه القضاء على كل الخصوم الذين ما هم إلا كفرة ومنافقين يتوجب محاربتهم بلا هوادة، وقد ذكرنا سلوك الملثمين بالأسود بسلوك الفاتحين في التاريخ الغابر وشهوتهم للنهب والظفر بالغنائم، ولكنهم كانوا هذه المرة مدفوعين بثارات شخصية وأحقاد حملوها سنين طويلة.
أما الإعلام الخارجي الموجهة للرأي العام فمن المؤكد أنه ليس بهذا الوضوح، ليس من منطلق ممارسة التقية والباطنية وحسب، بل لأن عامة الناس لا تتقبل الفكر المنغلق المتعصب وتميل بطبيعتها للتعايش السلمي وللتعددية الفكرية والسياسية، ولهذا السبب دأب الناطقون باسم حماس على زعزعة ثقة الجمهور العربي والفلسطيني بالقيادة الفلسطينية وعلى تشويه صورتها وإظهارها كعملاء للأمريكان وجواسيس لإسرائيل ومعادية للإسلام وقد تخلت عن المقاومة وساومت على الثوابت ... إلخ، مستخدمين في حربهم الإعلامية هذه كل فنون الديماغوجيا والتضليل وقلب الحقائق.
والعنف الذي ربّتْ حماسُ أبنائها عليه وكان ظاهريا موجه ضد الاحتلال – وكان فعلا كذلك في أحيان كثيرة - لم تتوقف خطورته عند حد كونه أداة في مواجهة الخصوم، بل عندما بدأ يتحول إلى فكرة عقائدية تتجه لتشكيل حالة من التقديس الجامح لفكرة العنف نفسها والإيمان الذاتي المطلق بمستخدميه، الأمر الذي حول المجتمع بأكمله إلى عدو وهمي لهذه الجماعة، ولهذا فان حماس وبعد انتصارها السريع على فتح في غزة لم تعد ترى من نفسها الا الوجود الأحق والأفضل، ولا مجال هنا لتقبل الآخر.
وقد كشفت تصريحات قيادة حماس وممارسات أفرادها في الأيام اللاحقة للإنقلاب عن طبيعة هذه الحركة الإقصائية الرافضة لأي شكل من المشاركة والتعايش مع الآخر، وخاصة بعد أن سمعنا دعوات اسئصال العلمانية والزندقة وإقامة المجتمع الإسلامي بالمواصفات الحمساوية، ثم قيام الملثمين بتحطيم وحرق محطات الإذاعة والتلفزيون وفرض رقابة صارمة على وكالات الأنباء والحد من حرية الصحافة لإسكات أي صوت مخالف، كل هذا تمهيدا ومقدمة لإقامة نظام شمولي على أنقاض الكيانية الوطنية التي بنتها وأرست دعائمها فتح.
والحقيقة أن العنف مارسه المجتمع الفلسطيني تجاه بعضه البعض، وقد شمل كافة التنظيمات ولم يقتصر فقط على أتباع حماس أو أعضاء القوة التنفيذية، ولكن ما ميّز العنف الذي مارسته حماس هو مبرراته الدينية ومنطلقاته الأيديولوجية، التي وسمته بالشدة والقسوة لأنه من وجهة نظرهم جهاد في سبيل الله ونهي عن المنكر وقتال ضد الفئات الضالة وإقامة حكم الله ..
وإذا أضفنا إلى عامل الاحتلال القهر الاجتماعي والاقتصادي الذي يتعرض له الفلسطينيون سنصل إلى حقيقة مفادها إن العنف في الأراضي الفلسطينية فضلا عن الأسباب التي أشرنا إليها ما هو إلا تعبير عن تخلف اجتماعي وإحتقان وكبت نفسي يُمارس تحت مظلات دينية أو ثورية، لذا نلاحظ زيادة حدته في قطاع غزة حيث القطاع ذو كثافة سكانية هي الأعلى من نوعها في العالم وحيث المخيمات الضيقة والفقر وحيث البطالة والتخلف الاجتماعي ... كلها ظروف بالغة القسوة وتعتبر مناخا ملائما لترعرع وإزدهار ثقافة العنف والتطرف ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق