أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

لسنا استثناءا على هذه الأرض



بما أن الأرض نفسها ليست استثناءً في نظام الكون كما يشير علماء الفضاء، إذ تعرضت الكرة الأرضية خلال عمرها البالغ 4.7 مليار سنة لعشرات من الضربات الفضائية التي كانت في كل مرة تحدث تغييرا جذريا في أشكال الحياة بحيث يقضي على معظمها ويبيدها، وحتى اليوم ما زالت الأرض على مرمى حجر فضائي يهدد وجودها برمته، فلماذا سيكون للبشر - سكان هذا الكوكب - استثناءً في نظامه الذي لا يجامل ولا يرحم، وفي هذا المقام يذكر لنا التاريخ أنه وبعد أن استقر البشر فوق هذا الكوكب وأنشؤا نظامهم الاجتماعي وفي سياق تطورهم التاريخي قد انقرضت قبائل وهلكت شعوبا ودولا وأبيدت حضارات عتيدة كانت تظن أنها مخلدة، ولم يبقى منها الآن سوى صفحات في أرشيف التاريخ، واليوم وبعد أن امتلك الإنسان تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم فإن الجنس البشري برمته سيتحدد مصيره بكبسة زر يتحكم فيها مجموعة من الحمقى والمهووسين وبذلك ستطوى صفحتهم وإلى الأبد.
ولا أدري لماذا يصر البعض على اعتبار أن العرب أمة فوق قوانين الطبيعة وخارج مجرى التاريخ ولا تنطبق عليهم جدليات التطور الاجتماعي ونواميس الكون الصارم، فإذا كانت الأمة العربية قد اجتازت ظروفا بالغة الصعوبة والتعقيد في العصور الغابرة وكانت في كل مرة تنبعث من جديد، فليس هذا معناه أن نركن إلى طائر العنقاء الذي سيخرجنا من عنق الزجاجة وأن ننام على أمجادنا التي تجاوزها التاريخ.
العرب ومنذ ما يزيد عن خمسة قرون لم يقدموا إسهاما ذو شأن في الحضارة الإنسانية الحديثة ولم يتزحزح مكانهم عن أخر الطابور الذي يتلقى وينتظر ما ينتجه العالم المتحضر، ببساطة لأنها أمة برعت في تأليف النصوص وتقديسها وإنتاج الشعارات وتحنيطها وصنع القادة والزعماء وتأليههم والطواف في فلك الأصنام التي تصنعها بأيديها، وطالما بقوا كذلك فإن التغني بالماضي والإيمان بمستقبل الأمة – دون أن تفعل شيئاً – يعد مجازفة كبرى.
والشعب الفلسطيني لم يكن محصنا تماماً من الأمراض التي أصابت الجسم العربي، فهو وإن كان يرزخ تحت الاحتلال ويكابد الذل والهوان ويقدم الشهداء والتضحيات ويجترح معجزة الصمود والبقاء، إلا أن بعض زعاماته السياسية تتقن فن الرفض أكثر من غيرها منذ الكتاب الأبيض وقرار التقسيم وحتى يومنا هذا ولم يجن شعبنا من هذا الرفض إلا المزيد من التراجع والتنازل وإنزال سقف مطالبه مرة بعد مرة حتى أصبحت بالكاد محصورة في توفير رواتب الموظفين.
وقد أدركت القيادة الفلسطينية السابقة مزايا البراغماتية وأهمية التكيف والتلائم مع المتغيرات منذ أن أصدرت نقاطها العشر وبالتالي اقتحمت المجتمع الدولي، وحتى دخلت في ممر مدريد الإجباري ومن بعده أوسلو الذي كان باختصار فن التكيف مع معطيات ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة العراق وانقسام الدول العربية وحصار م.ت.ف الذي كاد أن يودي بها.
وحال الشعب افلسطيني اليوم لا يخفي على أحد والمأزق الذي نحن فيه جد خطير أما الذي ينتظرنا فهو أخطر، ولذلك دون أن نجد وقتأ للتأمل أو جرأة للنقد والمراجعة الشجاعة أو مساحة كافية للحوار دون تخوين أو تكفير وبدون أن ننزع هالة القداسة عن كل المسلمات ونكسر القشرة الصلبة التي أحاطت بالنصوص قديمها وحديثها ومنعتنا من استخدام عقولنا لقرون طويلة، وبدون وقفة صادقة مع الذات لن يكون مصيرنا أفضل من الشعوب التي طواها التاريخ لأن الذي احتلها كان متفوقا عليها بالعلم والتنظيم، ولا حتى أحسن من مصير الديناصورات التي لم تستطع التكيف مع البيئة الجديدة التي صنعها نيزك فضائي انتصر على صخور الأرض الرواسي.


رام الله – نيسان 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق