الفهم الحقيقي لمعنى الشرف وفضح التشويهات التي لحقت به سيقودنا للحديث عن ظاهرة خطيرة لطالما عانى المجتمع منها ، وبشكل خاص " المرأة " التي كانت تدفع الثمن غاليا من دمها وجروحها التي لا تندمل ، ألا وهي ظاهرة القتل على خلفية شرف العائلة .
ومن الجدير بالذكر أن قتل المرأة بدم بارد ليس بالظاهرة الجديدة في حياة البشرية ، فقد كانت الشعوب البدائية تقدم أجمل الفتيات قربانا للنهر حتى لا يفيض ، أو تحرق المرأة التي مات زوجها لتخدمه حتى في مماته
، وكان المحرك الأساسي لهذه الظواهر هو ضعف المرأة ونظرة المجتمع لها تلك النظرة الدونية ، باعتبارها هي فقط جالبة العار والكوارث والمصائب ، أما الرجل السيد فهو الشريف الطاهر صاحب الحق في الحياة والتمتع فيها دون منافسة .
وانطلاقا من تفسير الرجل لمفهوم الشرف ، كان وما زال يقدم على قتل المرأة وإنهاء حياتها إذا ما أقدمت على أي عمل يستنكره المجتمع ، وكثير من النساء المقتولات كانت تثبت براءتهن بعد التحليل الطبي وتشريح الجثة ، أي بعد فوات الأوان ، أو أنهن تعرضن للاغتصاب بالإكراه ، وطبعا ليس هذا هو الظلم الوحيد الذي لحق بالمرأة بل الظلم الكبير هو الذي لحق بالمجتمع من جراء تشوه مفهوم الشرف ، وهنا فإن المرأة تقتل أكثر من مرة وبأكثر من شكل ، تقتل حين يغرر بها ، وتقتل حين ينفذ بها أقاربها حكم الإعدام ، وتقتل إذا كان أخاها شكاكا أو كان موتورا أو كان مهووسا بالقتل ، وتقتل إذا كان أباها مشوها ومريضا ، وتقتل إذا كان عشيقها مخادعا محتالا ، وتقتل إذا كانت أمها مقموعة ومستلبة وتكرر أمراض مجتمعها في نفسيتها المضطربة ، وتقتل إذا كان ابن عمها عاجزا عن نيل رضاها وعاجزا عن ضمها إلى حظيرة ممتلكاته ، وتقتل تحت ألف ذريعة وبألف لون وبألف سكين تقتل إذا ما حاولت أن تمارس حقها الطبيعي في اختيار شريكها ، وتقتل إذا استجابت لنداء غريزتها ، وتقتل إذا كانت جاهلة وإذا كانت متعلمة ، وتقتل إذا رفضت الرضوخ لشروط العائلة الظالمة ، وتقتل إذا طالبت بحريتها ، وإذا حققت شخصيتها وإذا أخطأت وإذا أصابت ، وتقتل نتيجة لسادية الرجل ومخاوفه وظنونه ، بعض الآباء اغتصبوا بناتهم وخوفا من افتضاح سفاح القربى كانوا يقتلوهن ثم يقذفوهن بأبشع التهم _ ليغسلوا "شرف " العائلة _ !!!.
الخلل ليس في القانون فحسب لأنه نتاج ثقافة المجتمع ، فهو يتساهل مع القاتل وربما يشجعه لأن المجتمع يفعل نفس الشيء ، يعتبر القتل وهو أبشع الجرائم أهون من الزنى ، وأي شرف هذا الذي سيدافع عنه القاتل بعد أن تغطس في مستنقع عار القتل وسفك الدماء ، وأي شرف هذا الذي يبيح للرجل ممارسة الجنس ومعاشرة المومسات ويقتل المرأة لمجرد الشك والظن ، وأي شرف هذا الذي يترك الرجل الزاني حرا طليقا متغنيا بجولاته وغزواته النسائية ثم يقتل المرأة لأنها ضعيفة ، مع أن الطرفان قد أقدما على نفس الفعل ، وأي شرف لمجتمع يتباهى بسرد بطولات الرجل الجنسية ويشهر خنجره في وجه المرأة التي مارست نفسي الشيء ، وأي شرف لمجتمع يبجل القاتل ويمنحه وسام الشجاعة بالرغم من أنه كان أجبن من أن يقتل المعتدي _ شريك المرأة في الزنى _ .
وأي شرف لمجتمع يتناسى أراضيه المحتلة ومقدساته المدنسة وكرامته المهانة ومستقبله المهدور وحريته المكبلة وواقعه المتخلف وحكامه الظلمة وأعدائه الذين يذيقونه المهانة في كل لحظة ، ولا يتذكر بعد كل هذا إلا المرأة وسلوكها الجنسي .
وأي شرف لمجتمع لا يثور على الظلم ولا تهتز له قصبة أمام بطش الأعداء وجيوشه التي تحتل المدن تلو المدن ، في حين نراه يرعد ويزمجر ويستشيط غضبا وتهتز أركانه ويزلزل بنيانه أمام " المرأة " عندما تمارس نفس ما يمارس معظم الرجال في الخفاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق