أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

سقط القناع


في تحليلاتنا السابقة كنا نعتقد أن تيارا معينا داخل حماس هو المسؤول عن تصعيد العنف من حين لآخر، وهو الذي يدفع باتجاه التصادم مع فتح، ولم نكن واثقين تماما من قولنا أن إسرائيل وافقت على إجراء الانتخابات وسهلت وصول حماس للسلطة لتوريطها في العمل السياسي وجعلها تتحمل مسؤولية الشعب تمهيدا لتغيير خطابها السياسي كمقدمة لازمة لإجراء تسوية نهائية معها بعد أن فشلت في ذلك مع فتح.

لقد أخطأنا في تحليلنا الأول وصدقنا ما كانت تروجه قيادة حماس في حديثها عن الوحدة الوطنية وحُرمة الدم الفلسطيني والشراكة السياسية والحوار الأخوي ... لأننا في داخلنا كنا نريد أن نصدقهم، ولأنه كان يرعبنا سيناريو الحرب الأهلية، فتعلقنا بهذا الوهم على أمل أن يكون حقيقة .. والخطأ الثاني الذي وقعنا فيه هو توهمنا بأن التسوية المزمع عقدها مع حماس ستكون على كل الوطن أي دولة بحدود أل 67 ... ولم نتوقع حتى في أسوأ كوابيسنا أن ما يُخطط له من تسوية ستكون بعد تقسيم الوطن وانسلاخ غزة بالكامل.
تغافلنا عنهم رغبة منا، إما كسلا ذهنيا أو تفاؤلا لا تدعمه أسس موضوعية .. أنا مثلا ألغيت قناة الأقصى حفاظا على صحتي .. لم أكن أقرأ رسائلهم الإلكترونية، قاطعت الجزيرة .. تعامينا جميعا عن رؤيتهم مجردين من الهالات التي أحاطوا أنفسهم بها، لكني وكثيرون آخرون كنا نسمع دبيبهم تحت نوافذنا وظلالهم الثقيلة تنسل إلى أحلامنا، رأيناهم يحرقون الكتب، ويقضمون تراثنا وحكاياتنا الشعبية، ورأيناهم يهدمون مستقبلنا، يفجرون مقاهي الانترنت وصالونات التجميل، ينتظرون أطفالنا على باب المدرسة ليقتلوهم انتقاما من أبيهم، ويلقون قنابلهم على مدرسة أخرى، يحرقون أثواب أمهاتنا المطرزة بنقش كنعاني قديم، يسطون على حاضرنا كي يبنوا ماضيهم، يحرقون سفن الديموقراطية التي أوصلتهم للسلطة كي يبقونا في جزرهم القمعية، كان يجب أن نرى هذا المشهد الحزيراني الكئيب قبل ذلك بكثير لو كنا أكثر ذكاء أو أكثر شجاعة في قول الحق، كان يجب أن تعرف الأم التي ألبست إبنتها المريول في السابعة أنها ستعود به مضرجة بدمها في الثامنة لأن ثمة لص يتربص بها، وأن الأب الذي هيأ إبنه لدرس الحساب أنه سيعود مثقلا بثقافة الموت حيث يعلمه أستاذ متثاقف، كان حريٌُ بنا أن نتوقع تحطيم عود المغنّي الفنان جمال النجار لأنهم قرعوا قبل ذلك بكثير طبول الحرب، كان يجب أن نعرف حينما حرّموا الموسيقى أنهم سيعزفون لغزة لحن الوداع الأخير، كان ذلك كله جليّا في نبرة صوتهم وفي الشرر المتطاير من أعينهم، في بلاغة خطابهم عن الجهاد المقدس، وفصاحة لسانهم المعبأ بالحقد، في تعجلهم دخول الجنة، في تشوقهم لرؤية الدم والتوضؤ به، في خطابهم التحريضي على منابر الجوامع وفي صلاة العيد، في تربيتهم الحزبية، في تعويدهم على الطاعة العمياء، في فتاوى القتل، في عقلية التكفير والتخوين.
بعد كل هذه المقدمات من المفاجيء أن نتفاجأ ومن المدهش أن نندهش ... المفاجأة الوحيدة المنطقية في هذا السياق هو مقدار الوحشية الذي فاق التوقع ومقدار الغباء الذي أذهل حتى أنصارهم ،، وأن تصل بهم الوقاحة بأن يبثوا صور أعدام خصومهم والتمثيل بجثثهم وسحلها في الشوارع، وبث صور الجنود المستسلمين وهم شبه عراة ليثبتوا أنهم امتدادا طبيعيا لصنّاعهم الذين وفّروا لهم كل مقومات النجاح في هذه الغزوة الجاهلية.
إذاً ستكون مشاهد إنزال علم فلسطين ودوْسِ كوفية عرفات ونهب منزل أبو جهاد وأبو مازن وسحْل الجندي المجهول في شوارع غزة مجرورا بحمار، وحرق مقرات الأمن ومؤسسات السلطة الرسمية وغير ذلك من مشاهد مخزية أمراً متوقعا ومنسجماً مع مخططات تدمير الكيانية الفلسطينية وتفريغ الهوية الوطنية من محتواها وإهانة رموزها تمهيدا لتمزيق الوطن وإقامة جمهورية الزهار الإسلامية.
أما مشاهد القتل وحملات الإعدام وقطع الأصابع وسحل الجثث وتنخيل الأجساد بالرصاص فهي امتداد طبيعي لتربية حزبية موتورة خرجت من مجاري غزة ونمت على مزابلها ورعتها عقول مضطربة ونفسيات مريضة، كانت تنطلق من ورؤية إقصائية ومن نرجسية مفرطة وإدعاء باحتكار الصواب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق