أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

الاستعراضات العسكرية لمواجهة إسرائيل أم لمواجهة السلطة ؟!


لم تكن المأساة التي ألمت بجباليا في أثناء العرض العسكري الأخير لحماس هي الأولى من نوعها إذ سبقتها حوادث عديدة ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء في سياق عمليات التحضير لعبوات ناسفة كانت تتم في وسط الأحياء السكنية، ولن تكون الأخيرة طالما أن معالجة الموضوع تتم بهذا الشكل الباهت من قبل السلطة أو بإلقاء اللوم على الاحتلال في كل مرة كما دأبت حماس وغيرها أن تفعل.

وإحساسنا بالفاجعة يدفعنا للسؤال عن جدوى مثل هذه الاستعراضات والهدف منها ! ولمن هي موجهة في الأساس ؟ فمن المعلوم أن الاستعراضات العسكرية التي تجريها الجيوش الرسمية تحمل في طياتها رسالة موجه للأمم الأخرى حتى تهاب جانبها وتصبح بذلك جزءً مهما من المعادلة السياسية للمنطقة، وأحيانا أخرى قد تلجأ بعض الحركات الثورية لعمل استعراض قوة من نوع ما هدفه استنهاض طاقة الجماهير وردع القوى المضادة للثورة دون أن تعرض الأهالي للخطر، ومما لا شك فيه أن الحكمة تقتضي دوما إخفاء عناصر القوة عن العدو ومفاجأته بها في الوقت المناسب، أي استخدامها في سياقها الصحيح وليس كنوع من الاستعراض الفارغ كما كان حال صواريخ القاهر والظافر والحسين والعباس التي أوصلت الأمة إلى نتائج كارثية.
وجميعنا يدرك تماما أن إسرائيل تعرف الحجم الحقيقي للفصائل الفلسطينية وتعرف نوع تسليحها ومقداره وأسماء القادة وعناوينهم ومخططاتهم ... ليس لذكاء أجهزتها الأمنية أو تفوقها النوعي، بل لأننا نصرح عن كل شيء وفي كل وقت في الشوارع وعلى الفضائيات وبالمجان، وعليه سيكون الحديث بأن هدف حماس أو غيرها من تنظيم الاستعراضات العسكرية هو لإخافة إسرائيل هو استخفاف بعقول الناس بل وإهانتها، خاصة وأننا نعي تماما بأن نوعية الأسلحة التي تملكها فصائل المقاومة والتي تظهرها دوما في استعراضاتها المسلحة لا تحسم الصراع بل ولا تشكل عامل إيذاء حقيقي لجيش الاحتلال على الأقل من ناحية عسكرية مهنية، فمثلاً الأسلحة الرشاشة والبنادق وقذائف الأر بي جي لم يتم استعمالها من قبل حماس في السنوات السابقة وبشكل خاص في أثناء عدوان السور الواقي واجتياح المدن، وليس خافيا على أي متابع للشأن الفلسطيني أن أسلوب حماس في المقاومة يعتمد بشكل رئيسي على العمليات الإستشهادية داخل الخط الأخضر وبعض العمليات التفجيرية هنا وهناك.
أما الصواريخ محلية الصنع فقد تبين لنا أن من بين مائة صاروخ بالكاد يصاب إسرائيلي واحد أو يتضرر بيت ما وأن أكثرها تسقط في الخلاء فضلاً عن قوتها التفجيرية المحدودة ودقتها التي تكاد تكون معدومة، ومقابل خسائر معنوية بسيطة وتخويف لسكان سديروت لحقت بالشعب الفلسطيني خسائر مادية وبشرية وسياسية فادحة من المتعذر تعويضها.
أما العمليات التفجيرية داخل الخط الأخضر فلا يتسع هذا المقال للحديث عنها خاصة وأنها رسخت في المخيال العالمي صورة الإسرائيلي الضحية والفلسطيني الإرهابي الذي لا يتورع عن تفجير نفسه وسط جموع المدنيين، واستدرجتنا كما أراد لنا العدو إلى ساحته حيث يمتلك أدوات اللعب ويتفوق، وسمحت لشارون أن يكتل من حوله شظايا المجتمع الإسرائيلي وأن يوحدهم في مواجهة الطرف الفلسطيني لاغيا بذلك حدود التناقضات الداخلية التي كانت تعتمل في المرجل الإسرائيلي وتنتظر موعد الانفجار، وكانت مواقيت تلك العمليات وأهدافها في كل مرة تشكل هدية لشارون يستغلها لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية وتمنحه الذرائع التي يحتاجها لفرض أمر واقع جديد.
وللأسف وبكل مرارة لم نرى بعد كل هذه السنوات التي تخللتها عشرات العمليات التفجيرية نجم عنها عدد من القتلى الإسرائيليين يربوا على الألف; لم نرى الجموع الغفيرة من الإسرائيليين وهم يحزمون أمتعتهم ويصطفون بطوابير طويلة في مطار اللد، ولم نرى قطعان المستوطنين يلوون أذيال الهزيمة ويهربون إلى داخل إسرائيل، بل رأينا تهافتا عربيا وإسلاميا على استقبال شارون وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأننا ببساطة لم نحسن التصرف وعوضا عن تدارك أخطائنا وتصويب أوضاعنا تسابقنا على الميكروفونات كل يبدي مزيداً من التطرف الكلامي ضمن سباق محموم على كسب إعجاب المستمعين المترفين.
ففي كل يوم ينهال علينا قادة الفصائل وناطقيها الرسميين بوابل من التصريحات النارية مستغلين إلى أقصى حـد إمكانيات اللغة العربية الهائلة وسحر مفرداتها مرددين ذات الجمل الثورية والشعارات العريضة: حق المقاومة المشروع، طهارة سلاح المقاومة، الدفاع عن الشعب، الانتقام للشهداء .... ومع أنها شعارات لا نختلف معها من حيث المبدأ والمضمون إلا أن استخدامها يتم لأغراض الاستهلاك الإعلامي وفي غير موقعها الصحيح لتحقيق مكاسب حزبية معينة وتجييرها للمصلحة الفئوية الخاصة، وللرد على هذه الشعارات نذكر ببعض أبجديات العمل الوطني:
فمثلاً الدفاع عن الشعب يعني ببساطة اتخاذ الإجراءات التي من شأنها درء الخطر عن الناس وتأمين الحماية لهم في حال تعرضهم لهجوم من قوى معادية، ونحن نعلم بأن الدبابات الإسرائيلية حين تجتاح مدينة ما لا يستطيع أفراد المقاومة بأسلحتهم البسيطة أن يوقفوا هذا العدوان أو أن يمنعوا تلك الدبابات من قصف الأحياء السكنية أو هدم البيوت أو اعتقال النشطاء أو قتل وترويع الأطفال ... ليس لقصور أو جبن بهم - لا سمح الله - بل لأن موازين القوى مختلة بشكل فادح، في حين أن العمل السياسي والهجوم الدبلوماسي والإعلامي غالبا ما كان يقلل من حدة الهجمة الإسرائيلية أو يوقفها أو يجعل العدو يفكر مليا قبل الإقدام على خطوة مجنونة، فالضغوطات العالمية لا تستطيع إي دولة في العالم بما فيها إسرائيل أن تتجاهلها كلياً، وهذا لا يعني بأي حال عدم جدوى المقاومة المسلحة بل هذا يدعونا لتنظيم هذه المقاومة وجعلها فعالة وتعطي النتائج المرجوة التي تتناسب مع حجم التضحيات، وذلك بأن نختار بدقة الهدف والمكان والتوقيت وأن نتحلى بالخطاب السياسي الواعي ووحدة الموقف.
وفي هذا السياق فقد أوقع الخطاب الديماغوجي حماس في ما يشبه المأزق بعد أن أعلنت وقف عملياتها العسكرية انطلاقا من غزة في الوقت الذي اشتدت فيه حدة الهجوم الإسرائيلي على القطاع، ولولا الخطابات الملتهبة عن الصمود والمقاومة وتلقين العدو الدروس القاسية في حال أقدم على أي اعتداء وعن دورها في الدفاع عن الشعب ... لما كان هنالك أي مأزق، إذ من الطبيعي أن نشهد في المعارك حالات الكر والفر والتقدم والانسحاب، على أن يرافق التكتيك العسكري خطاب عقلاني مرن لا يحمّل أكثر من طاقته.
كما أن حديث قادة حماس عن المقاومة وحق الدفاع عن النفس يوحي أنها تتحمل لوحدها مسؤولية المقاومة والدفاع عن الشعب واحتكار إرث المقاومة الشعبية، وهذا التفاف على الحقيقة التاريخية ومغاير للواقع، كما أن ادعائها بحق الظهور المسلح بحجة الدفاع عن الشعب وحقها المشروع بالمقاومة ما هو إلا استغلال لسحر اللغة وتضليل للرأي العام.
الدفاع الحقيقي عن الشعب ليس بالاستعراضات المسلحة، والمقاومة الوطنية ليست كلمة مطلقة يجري استعمالها كيفما شاء ولا تكون بالمزايدات وليست شاشات التلفزة ميدانها ولن تنجح بموقف سياسي مشرذم ولا يجوز أن تتحمل مسؤوليتها جهة واحدة تدعي احتكار الصواب وأنها ظل الله على الأرض.
سلاح المقاومة الحقيقية لا يستخدم في الأعراس والمهرجانات أو لحل التناقضات الداخلية ولا حاجة للإعلان عنه والتلويح بـه والتهديد والوعيد - حتى بدون مناسبة - بالتصدي لمحاولات إسقاطه أو نزعه وجعل هذا الموضوع سبباً لإحراج السلطة أو المزايدة عليها، فالسلاح الطاهر يجب أن يكون سرياً ولا يظهر إلا في الوقت المناسب وضد العدو فقط، والمقاومة ليست فقط بندقية وحزام ناسف وخطاب ناري يتوعد بإحراق الأرض تحت أقدام الغزاة ... والمقاومة لا تنتهي إذا اختفت الأسلحة من الشوارع والمسيرات أو إذ أماط المسلحون عن لثامهم أو إذا ساد القانون والنظام وانتهت فوضى السلاح والفلتان الأمني.
فالمقاومة الوطنية هي إرادة الشعب التي لا تنضب وتوقه للحرية والتصاقه بالأرض وصموده فوقها وهي تطلعه نحو المستقبل وتمسكه بحقوقه المشروعة، وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ كان الشعب الفلسطيني يجترح أدواته في النضال ويبتكر بعبقريته وسائل المقاومة ويبدع في التضحية والفداء ولم تعيه الحيلة في أي حقبة مهما اشتد سوادها وضاقت عليه السبل أن يعبر عن ذاته وأن يجد لنفسه السلاح وأن يقاوم بشتى الأساليب، فالحصول على السلاح ليس هو المشكلة بل المهم كيف يستخدم هذا السلاح.
والمقاومة الوطنية لا يجوز أن تكون مجرد ثأر قبلي تثور وتتصاعد حدتها بعد كل عملية اغتيال ثم لا تلبث أن تخمد بعد أن تسكن ثورة الدم، لأنها في هذه الحالة تصبح مجرد ردة فعل على كل عملية اعتداء ووقوع في الفخ الإسرائيلي واللعب في الساحة التي يستدرجنا إليها في الوقت والمكان الذي يحدده، وذلك للاستفادة من المناخ السياسي المواتي الذي ينجم بعد ردة الفعل الفلسطينية إما لتحقيق مكاسب سياسية أو للخروج من مأزق داخلي أو للتخلص من الضغوطات الدولية.
فالمقاومة الوطنية يجب أن تكون فعل واعي خلاق ومبادرة ذكية وإقدام شجاع تحدد خطواتها وتكتيكاتها وفقا للمصلحة الوطنية العليا أولاً ولا تخضع لحسابات الفصيل الضيقة واعتباراته الداخلية.
وأمام الوقائع التي تتجلى على الأرض يوما بعد يوم والتحولات المهمة في خطاب حماس في الآونة الأخيرة وانتقالها التدريجي من الراديكالية إلى البراغماتية بات من الواضح أن همها الأول هو الوصول للسلطة – وهذا ليس عيباً – فهو حق مشروع لأي حزب سياسي وحماس هي أساساً تعبير عن حزب سياسي، وما الاستعراضات المسلحة التي تجريها إلا محاولة لاستعراض القوة أمام السلطة حتى تترك لها نصيبها من الحصة، وأمام المجتمع الدولي لتذكره أن لا حل إلا بموافقتها وعلى الدول الكبرى أن تبادر بفتح قنوات الاتصال والمفاوضات معها، وهذا في صلب العمل السياسي وعليها أن تعترف بذلك بدلا من ادعائها الطهارة الثورية والترفع عن الخوض في التفاصيل السياسية ورفضها الانغماس في وحل العمل السياسي وترك ذلك للسلطة منفردة ثم بعد ذلك تأتي لتنتقدها وتشبعها شتماً.
فإذا أرادت حماس أن تعبر عن الشعب الفلسطيني وعن قضيته فعليها أن تدرك بأنها قضية سياسية أولاً وأخيراً يتطلب العمل لها ومن أجلها الغوص في الطين والخوض في أدق التفاصيل ودون خداع للشعب والكف عن لغة الخطابة فقد سئمنا منها بعد عقود طويلة من تكرارها، فهي لن توصلنا إلى نصر ولن نرى منها إلا صورتنا ذاتها على جدران الخيبة.
وأخيرا نقول إن المجد وفرحة النصر الذي تحقق في غزة من حق الشعب الفلسطيني عامةً بكافة شرائحه الاجتماعية وأطيافه السياسية، والشرف الأكبر للمقاومة والصمود عائد للشعب بأطفاله ونسائه وشيوخه وناسه العاديين الصابرين المرابطين، وليس من حق أي طرف أن ينسب هذا الشرف لـه دون غيره أو يدعي بأنه هو الوصي على المقاومة والناطق باسم الشعب، مع تقديرنا للدور الريادي لفصائل المقاومة كافة التي قدمت التضحيات وقوافل الشهداء والأسرى.


أيلول / 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق