أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

أمريكا والحركات الإسلامية


تقديم:
لن ينجح المشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة العربية مالم يستتب الأمن الإستقرار وتبدأ الجماهير بتقبل هذا المشروع والتعايش معه، ومن نافل القول أن هذا الشرط لم يتحقق حتى الآن ولن يتحقق طالما بقي نَفَس المقاومة والرفض حيٌ في ضمير الجماهير وطالما بقيت جذوة الجهاد متقدة وتتجدد من جيل لآخر.

المشروع الإسرائيلي بدأ بحلم إسرائيل الكبرى وأطماع توسعية تنتهي حيث يستطيع الجندي الإسرائيلي أن يصل، والآن تقلصت هذه الأحلام وانكمشت خلف الجدار، وطبعا بعد أن فشلت فكرة طرد الفلسطينيين للخارج وانهارت أوهام هضمهم وضمهم للدولة العبرية فوجدت إسرائيل نفسها في مواجهة المأزق الحتمي الذي فرض عليها تغيير استراتيجيتها بالكامل.
المشروع الأمريكي الذي يطمح بالسيطرة على العالم وجد نفسه أمام المأزق العراقي الذي يفرض عليه البحث عن تكتيكات بديلة تضمن له الاستمرار أو الخروج بأقل الخسائر.
ومن المعروف أن المشروعين يتقاطعان في نقاط عديدة بل ويكملان بعضهما ويخدم كل منهما الآخر وبالتالي فإن الاستراتيجية البديلة التي يتوجب عليهما إيجادها طالما أن عدوهما مشترك يجب أن تكون استراتيجية موحدة تلتقي عند هدف واحد.
الثورة الفلسطينية وهي التعبير الأبرز عن رفض الجماهير العربية للمشروع الإمبريالي الصهيوني ونقطة التصادم الساخنة مع المعادلة السياسية الكونية، بعد أن استنفدت قوتها العسكرية المحدودة في المواجهة مع إسرائيل في معارك بيروت وبعد أن دخلت بكامل طاقتها الجماهيرية في الانتفاضة الأولى، وجدت نفسها في مواجهة حقائق سياسية وواقع موضوعي بالغ القسوة كانت تعبيراته الأهم نهاية الحرب الباردة بانهيار الحليف السوفياتي وانهيار النظام العربي إثر حرب الخليج الأولى وأمام ذلك وجدت نفسها أمام خيارين إما التكيف مع المعطيات الجديدة والإنحناء أمام العاصفة أو الاستمرار على نفس النهج الذي سيخرجها من دائرة الفعل والتأثير وتعريض المشروع الوطني برمته لخطر الفشل والانسحاق.
وفي النتيجة وقّعتْ م.ت.ف اتفاق أوسلو وتبنت خيار السلام كخيار استراتيجي وعليه تم إنشاء السلطة الوطنية كتجسيد لهذا الاتفاق بما يعني ذلك قبول الجمهور الفلسطيني هذا التوجه والانخراط فيه وصياغة حياتهم الجديدة على هذا الأساس.
النظام الرسمي العربي كان يريد الصلح مع إسرائيل وإنهاء حالة الحرب منذ زمن وقد بدأت في ذلك مصر ثم تبعتها الأردن وأخيرا جميع الدول العربية ( مبادرة بيروت 2002 ) وقد بدأت قطاعات وشرائح مهمة من الجماهير العربية تتقبَّل الفكرة وتستسيغها وتكيّف وعيها على هذا الأساس .
الجماهير الشعبية ناقمة وساخطة ورافضة للهيمنة الأمريكية، ولأنها قوى غير مؤطرة فإن قواها وطاقاتها سرعان ما تتبدد، أما القوى المنظمة التي بقيت تغرد خارج السرب فهي الحركات اليسارية والقومية والإسلامية، وبما أن الأحزاب القومية واليسارية قوى ضعيفة وذات تأثير محدود ولا تحظى بقاعدة جماهيرية منظمة كما هو حال الحركات الإسلامية، فقد كانت هذه الأخيرة محط أنظار السياسة الأمريكية وحجر الزاوية في استراتيجتها الجديدة.
جماعة الأخوان المسلمين :

جماعة الأخوان المسلمين حاليا تعتبر أكبر وأقوى حزب جماهيري في العالمين العربي والإسلامي وهي إلى جانب هذه القوة الجماهيرية الضخمة تتمتع بفكر ديني مرن ومنفتح وذات توجهات سلمية ( مقارنة مع الحركات الجهادية الأخرى ) الأمر الذي سيرشحها للعب دور بالغ الأهمية في السياسة الأمريكية الجديدة.
ومن اللافت أن جماعة الأخوان المسلمين قد نشأت في الإسماعيلية كحركة اجتماعية / دينية وليست كحركة مقاومة مسلحة في مدينة تعج بجنود الاحتلال الإنكليزي ! كما أنها طوال فترة الحكم الملكي لم تكن حزبا معارضا ذو تأثير، أما بعد الثورة بقليل فقد تورطت في حادث المنشية ضمن محاولة لاغتيال عبد الناصر ثم خاضت على إثرها معركة شرسة مع النظام لا تزال أصداؤها الإعلامية حتى يومنا هذا .
وفي الأردن فقد افتتح الملك المؤسس أول دار للجماعة في نهاية الأربعينيات لتكون جزءً من النظام السياسي الأردني توفر له الشرعية وتضمن له الأمن والاستقرار، وقد ظلت الجماعة الحزب السياسي الوحيد الذي يعمل بالعلن.
اما في سوريا فقد خاضت صراعا دمويا مع النظام في الوقت الذي كانت فيه سوريا قلعة العروبة في مواجهة مخططات كامب ديفيد ومنع الدول النفطية من الانجرار خلف مشروع التسوية الأمريكية.
أما دول الخليج وبشكل خاص الكويت فقد كانت جمعية الإصلاح هي المظلة والواجهة التي من خلالها تنشط الجماعة وتمارس دورها الإعلامي والتمويلي سواء في حرب أفغانستان أم في مناكفة منظمة التحرير .
وفي فلسطين فقد كان المجمع الإسلامي الجهة الوحيدة التي تعمل بالعلن وبترخيص رسمي من سلطات الاحتلال التي كانت تغض الطرف عن نشاطاتها طالما أنها لا تؤمن بالكفاح المسلح وتركز على النشاط الإرشادي وكانت تنظر بعين الرضى للدعاية الإعلامية المناوئة للتوجه الوطني التي تكفر المنظمات الفلسطينية العلمانية، ولما قامت الانتفاضة الأولى حاولت إسرائيل إيجاد ودعم قوة سياسية مناهضة لمنظمة التحرير فوجدت ضالتها في حماس.
الأخوان المسلمين ومنذ زمن طويل لم يمارسوا الكفاح المسلح ولم يؤمنو بالعنف كمنهج للتغيير ولم يسعوا لتغيير الأنظمة العربية أو وراثتها لإقامة دولة الخلافة، بل ظلوا محافظين على توازن محدد مع هذه الأنظمة وكان دخولهم اللعبة السياسية على أساس المشاركة في البرلمانات وأحيانا مشاركة محدودة في الحكومات وليس أكثر من ذلك، فهم يسعون لتغيير ثقافة المجتمع بالإتجاه الذي يصل بهم إلى حيث يريدون، أما الحركات الجهادية التي انبثقت عنها فقد لجأت للعنف والتفجيرات كوسيلة لإجبار المجتمع على تغيير ثقافته ومسلكه وتصادمت مع الأنظمة التي هي بطبيعتها قمعية.
هذه الإطلالة السريعة على تاريخ الحركة يقودنا لخلاصة مفادها أن الدور الوظيفي الذي لعبته جماعة الأخوان كان يدور في محورين: مناهضة القوى الوطنية والتحالف مع الأنظمة الرجعية.


الاستراتيجية الأمريكية :

غالبا ما تلجأ الدول المعادية في محاربتها للشعوب إلى تكتيك يعرف بالثورة المضادة بهدف اختراق الحصن الداخلي وتشويش الوعي الشعبي وتقويض ركائز الصراع وخلق قوى موالية، وتستغل في سبيل تحقيق هذا الهدف البنى الاجتماعية المتخلفة القائمة على الطائفية والعصبوية والقبلية والمستعدة للتحالف مع العدو لحماية مصالحها الفئوية الضيقة، وأحياناً تؤدي بعض القوى هذه الخدمة للعدو حتى دون أن تدرك ذلك والتاريخ يعج بالأمثلة .
وبما أن التاريخ ليس قدرا منزلا ولا هو حلقات متصلة من مؤامرة كبرى بقدر ما هو نتاج تفاعل الشعوب وقواها الفاعلة مع محيطها الخارجي، وأن السياسة لا تقبل الفراغ فعليه فإن القوى الكبرى كالولايات المتحدة لن تترك الأمور للصدف ولن تجلس على مقاعد المتفرجين وستحاول جاهدة أن لا تفقد السيطرة وبالتالي فليس من المستغرب أن تلجأ للتكتيك الذي طالما استخدمته في تغيير مسار الأحداث وترتيب الأوراق وفقا لمصالحها وبما يخدم أهدافها الكبرى، أي ستلجأ لاستغلال العامل الديني كما سبق أن فعلت في أفغانستان .
كذلك فعل السادات فبعد أن قرر الدخول في الفلك الأمريكي قام أولا بطرد الخبراء السوفيات ثم أطلق جميع الإسلاميين من المعتقلات وسمح لهم بحرية الحركة وفتح لهم المعسكرات والمنابر الأمر الأذي أدى إلى بروز جماعات التكفير والهجرة والحركات الجهادية .
وأمريكا ومن خلال دول الخليج جندت الآلاف من الشبان لحرب السوفيات في أفغانستان، ومن خلال باكستان خلقت حركة الطالبان وفي النتيجة ظهر تنظيم القاعدة، بمعنى أوضح فإن الإسلام الأصولي نما وترعرع تحت المظلة الأمريكية وفي كنف الأنظمة الموالية لها وعلى مرأى ومسمع منها بل وبكل الدعم المالي والإعلامي .
بعد نهاية الحرب الباردة بهزيمة المعسكر الإشتراكي وجد الأمريكان أنفسهم متفردين في العالم ولا يدرون ماذا يفعلون بكل هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة لدولة متخمة بالقوة وتحكمها عقلية الكاوبوي ومع خوفهم من القوى الدولية المحتملة سواء في الاتحاد الأوروبي أم في شرق أسيا صار لزاما على أمريكا البحث عن عدو جديد وتكثيف مناطق انتشارها العسكري في البؤر الساخنة في العالم وقد وجدت ضالتها في الإرهاب.
وكما قدم لهم صدام من قبل بعنجهيته المبررات لدخول المنطقة العربية بجنودهم وعتادهم، جائت القاعدة هذه المرة وفي الوقت المناسب لتعلن بدء الحرب الأمريكية للسيطرة على العالم باسم الحرب على الإرهاب أي يوم 11 أيلول في غزوة منهاتن.
هل هو انقلاب السحر على الساحر كما حدث للسادات ؟ أم هو تمرد الإبن العاق ؟ أم هو استمرار للمخطط السري ؟ سؤال ستجيب عليه الأيام، ولكن ما هو واضح الآن ان الإسلام السعودي صار مفرخة للإرهابيين تقض مضاجع النظام نفسه، وأن كرة الثلج بدأت تتحرج وستأخذ في طريقها كل شيء وأن الجماهير الشعبية تحتقن وتراكم غضبها وتنتظر لحظة انفجار البركان، ولا بد لأمريكا من عمل شيء ما.
صحيح أن أمريكا ما زالت تمسك بأطراف اللعبة وتتحكم بها إلى حد ما وهي في هذا السياق تستغل القاعدة لصناعة الرعب ( المبرر الذي تقوم عليه السياسة الأمريكية الحالية ) وفي نفس الوقت تروّج للديموقراطية ( على الطريقة الأمريكية وحسب مقاساتها ) لاستبدال الأنظمة " الفاسدة " التي صارت منبعا للإرهابيين وسببا في إحراجها، بأخرى أكثر ولاءً وأكثر ثباتا بحيث ترتبط مصالحا معها وتسـتمد شرعيتها من الشارع ، ما يضمن نجاح المشروع الأمريكي في المنطقة لعقود قادمة.
إذاً أمريكا تفكر في ترويض الجماهير وامتصاص نقمتها وتحسين صورتها امامهم وتحاول تحقيق ذلك من خلال ما تسميه الإسلام المعتدل في مناطق معينة من ضمنها فلسطين، ومن خلال ربط المصالح الطائفية معها في مناطق أخرى كالعراق، ومن أجل هذا الهدف خصصت موازنات ضخمة وبرامج إعلامية ومحطات تلفزة وإذاعات وخطط طويلة الأمد وأعادت قرائتها للمنطقة للتعرف على تاريخها وثقافتها والقوى المؤثرة فيها.
وهنا يأتي فوز حماس في الانتخابات وتقلدها للسلطة أمرا متوقعا ومنسجما مع هذا الطرح، وهذا التغيير في الرؤية جاء بعد أن فشلت مفاوضات كامب ديفيد وباتت كل من أمريكا وإسرائيل مقتنعتان بضرورة استبدال القيادة الفلسطينية بأخرى قادرة على الحل وتتمتع بحضور جماهيري قوي، وحماس وجمهورها الواسع – حتى هذه اللحظة – لا تؤمن بالحل السلمي وليس لها مصلحة فيه وبالتالي ستبقى سيفا مشرعا يهدد أي تسوية ويعكر صفو أي أمن طالما أنها أي حماس ليست طرفا فيه.
ومن هنا فإن تولي حماس السلطة وجرها إلى التسوية ومن ثم دخولها البوابة الدولية ونزع صفة " الإرهاب " عنها هو الضمانة لنجاح التسوية واستمرارها، وحماس قادرة على إقناع جمهورها بسياسة المراحل والتدرج والواقعية والهدنة طويلة الأمد وهنالك العديد من تصريحات القادة الحمساويين التي تبين بما لا يدع مجالا للشك التغير والنضوج السياسي في خطاب حماس ونهجها.
ولكن تأثير حماس لن ينحصر على الساحة الفلسطينية فحسب فموقع حماس في ضمير ووجدان العالم الإسلامي والرمزية التي تمثلها ولأنها جائت من الأرض المقدسة ولأنها تجاهد العدو بشكل مباشر ... هذه العوامل ستمنح حماس القوة الكافية لتكون نموذجا يحتذى لجميع الحركات الإسلامية ولتأسر قلوب الجمهور الإسلامي وتقنعهم بطروحاتها حتى لو كانت على غير المتوقع، فمعلوم أن الفتوى الدينية أقوى تأثيرا من التصريح السياسي فهي تلامس القلوب وتريح العقل من عناء التفكير ولها خاصية الإلزام والإخضاع .
ومما تقدم لا يعني أن الأخوان المسلمين هم عملاء لأمريكا ولا يعني إطلاقا أن حماس ستكرس نفسها لخدمة المشروع الأمريكي، فهذا الفهم الخاطيء منبعه عقلية المؤامرة التي أرفضها تماما وتنطلق من آلية التفكير ذات الاستقطاب الحاد التي لا ترى إلا الأبيض والأسود فإما أن تكون مجاهدا اسشهاديا أو عميلا متساقطاً !! ولإزالة اللبس أؤكد أن وقائع التاريخ ومجريات الأحداث تصنعها قوانين الجدل الكوني وتفاعل الشعوب مع بعضها وتأثيراتها المتداخلة وتقاطع المصالح أو تضاربها عند نقاط معينة.


تموز 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق