أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

جذور العنف في التراث الأصولي الإسلامي
والحرب على الإرهاب

مفهوم العنف والإرهاب:

إذا تناولنا الإرهاب أو العنف من منظور علمي بمعزل عن السياسة سنجد أن الإرهاب هو عبارة عن سلوك تكمن ورائه أسباب موضوعية تدفع مرتكبها لأن يأتي بالعمل الإرهابي، وبما أن جميع تصرفات الإنسان تنطوي على عنصر نفسي سيكولوجي وأن كل سلوك ورائه دوافع سابقة ولا يمكن أن يأتي من فراغ، فإن مجمل الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة والتي تولد شعورا بالظلم والقهر تعد أسباب كافية لأن تدفع بالإنسان إلى سلوك يرد عن نفسه هذا الظلم ويدفع عنها القهر بأي وسيلة وليس شرطا أن يقترن هذا السلوك بالعنف، خاصة وأن الإنسان بطبعه بصورة عامة يميل للسلام ويتجنب المشاكل، إلا أن الأشخاص الذين لم يتلقوا تربية صحية ولم يكونوا مشبعين عاطفيا أو جنسيا ويعانون من كبت داخلي واضطراب عاطفي سيلجأون للعنف في سلوكهم، وكلما زادت حدة الإضطرابات النفسية وأنواع الكبت التي يعانون منها كلما زادت حدة العنف وحلت القسوة محل الشفقة ونزعة الإنتقام بدلا من التسامح، ولكن هذا لا يعني أن الناس العاديين لن يدافعوا عن أنفسهم وسيقبلون بالذل والهوان، بل على العكس إذ أن وعيهم وإنسانيتهم السوية ستجعلهم ينتظمون ويردون بشكل أكثر فاعلية وتأثيرا.

وهنا سنجد أن رد الضعفاء والمضطهدين عبر العنف هو في اغلب الأحيان رد فعل غرائزي غير مدروس منبثق من حالة اليأس والشعور بالعجز وافتقاد القدرة على ممارسة أي تكتيك آخر يمكن من خلاله ان يواجه حالة الظلم المسلطة عليه، وباعتبار العنف عملا منبثقا عن ظروف غير عادية فهو بهذا المعنى يُعد إستثناء ترجمته الظروف غير العادية إلى قناة للتعبير الحاد عن الشعور بالغضب المخزون، لذلك فان العنف لا يتقيد بقواعد معينة بل انه يكتسب فعاليته وقوته من كونه غير مقنن وغير مسيطر عليه، ومن هنا فانه مخيف ومرعب، لأن منبعه الغريزة الثائرة المتحفزة وبوصلته هي فقط كل ما يخدم القضية التي غضب من أجلها، بما ان العنف سيؤدي بالضرورة إلى العنف المضاد فإن دائرة العنف متى ما ابتدأت من الصعب تخيل نهايتها .. فالسلطة سترد على عنف الجماعات، والجماعات سترد على عنف السلطة فضلا عن العنف المتبادل بين الجماعات نفسها، وبالتالي فان الإضرار المتوقعة ستطال كافة طبقات وفئات المجتمع .

إن غريزة البقاء التي تتملك الإنسان بالكامل ربما تقوده لردود أفعال أكثر قوة من الفعل نفسه ... لذلك عندما يتعرض فريق ما لمحاولات إقصاء من قبل الآخرين سيلجأ للعنف - حتى لو كان مسالما بطبعه - ليحافظ على وجوده أولاً ولأنه يعتقد إنه على صواب ويمثل الحقيقة ثانيا، وفي بعض الأحيان يتحول العنف إلى فخ حيث يعمد النظام الحاكم إلى إثارة العنف لاصطياد المعارضة في لعبة العنف المضاد من أجل القضاء عليها وتصفيتها بصورة قانونية أو تشويه صورتها ومبادئها بعد أن تورطها بالدماء.

والأخطر من ممارسة العنف هو ذلك التحول الدراماتيكي الذي يمكن أن يحققه العنف عندما يعجز كوسيلة أساسية عن الوصول للغاية المنشودة فيصبح هدفا بحد ذاته ثم يصبح عقيدة تجد مبرراتها في تأويل النصوص والإسترشاد بأمثلة عنيفة من التاريخ ،، وبالتالي ستتحول بالتدريج أدوات العنف إلى غايات أساسية للتدمير الذاتيوالخارجي، فتفقد الجماعة كل قدرة على إعادة التوازن الداخلي وستنشأ من داخلها المجموعات الأكثر حدية والأشد تطرفا وهكذا.
إذا فالعنف لا تتوقف مشكلته عند حد كونه أداة بل قد يتحول إلى فكرة عقائدية تتجه لتشكيل حالة من التقديس الجامح لفكرة العنف والإيمان الذاتي المطلق بمستخدميه، مما يحول المجتمع بأكمله إلى عدو وهمي لهذه الجماعة، ولهذا فان الجماعة التي تمارس العنف وتنغمس فيه إلى حد تقديسه لاترى من نفسها الا الوجود الأحق والأفضل إذ لامجال هنا لتقبل الآخر.

وعلى مدار التاريخ لم تنجح أي جماعة تتخذ العنف والتطرف أسلوبا وحيدا في تحقيق أهدافها الكبرى ولم تحظ بشرف إحداث أي تغيرات جذرية تاريخية، ومن هنا فإن أصحاب هذا النهج عندما يخفقون يقودهم الوهم بأن ما عجزوا عن تحقيقه بالعنف سينجحون فيه بمزيد من العنف، ولكن عندما يكتشفون انهم لا يحققون شيئا تسيطر عليهم حالات اليأس والإحباط والجمود والانعزال، أو ربما سيبحثون عن أهداف سهلة ليقنعوا أنفسهم بتحقيق إنجاز ما، وغالبا ما تكون هذه الأهداف السهلة من المدنيين العزل، هذا الفشل مرده أن طبيعة العنف وتشكيلته الذاتية تحمل في بذورها سمات الانفعالية وتسعى لتحقيق إنجازات مستحيلة لأنها تتجاوز سنن الطبيعية ونواميس الكون وتتناقض مع قوانين التطور التاريخي التي تحتم على عملية التطور أن تتم عبر مراحل تاريخية طويلة وبعقلانية.

وإذا اعتبرنا أن هزيمة الإنسان داخليا ستؤدي به أحيانا الى العنف، فإن الخطورة تكمن عندما يجد أناساً معنيّين بشحذِهِ وزيادة فعاليته وتوظيفه لأهدافهم الخاصة، أي أن المشكلة لا تتوقف عند كونه أمراً إنفعاليا، بل تكمن الخطورة الأساسية في توظيفه سياسيا أي عندما ينجح العنف في اختراق البنى الرئيسية للمجتمع بحيث يصبح مهيمنا على كافة أنشطتة ويصبح هو اللغة الوحيدة في العمل والخطاب الوحيد المسيطر والمنظار الضيق والوحيد الذي يرسم الحقائق والرؤى، فيغدو المجتمع برمته على حافة الانفجار في أي لحظة، وهنا فإنه لا ضمانة بأن لا يبقى العنف جاثما في الأوكار منتظرا فريسته، فيصبح العنف الذي اعتبرناه إستثناء هو القاعدة .

وتصور جماعات العنف بأن ممارسة اللاعنف هو استسلام ذليل ناتج عن موقف الضعف والخوف، وبالتالي فان العنف هو موقف القوة والشجاعة فقط، وهذا ليس صحيحا، إذ أن طبيعة الإنسان تتكون من جانبين انفعالي وعقلاني، وعندما يضعف الجانب العقلاني يسيطر الإنفعالي فلا يعود بوسعه ان يعالج الموقف بروية وحكمة ويصاب بالعجز والوهن وتنفجر الحالة الانفعالية عنده على شكل فعل عنيف كرد دفاعي يعطيه شعورا وهميا بالقوة والشجاعة، أي أن العنف هنا ما هو الا قناع لضعف حقيقي يعيشه العنيف بشكل لاواع.

والحقيقة أن اللاعنف عمل يتطلب الكثير من الصبر والجلَد والتعقل، وهو مختلف كليا عن السلبية والاستسلام، وهو فعل بطولي يتطلب سيطرة تامة على الذات وصمودا نفسيا قويا أمام الانفعالات التي تثيرها إغراءات الانتقام والقمع والثار،
drawGradient()
فبقدر ارتجالية العنف فان اللاعنف يحمل في طياته قوة التفكير والحلم والقدرة على إدارة الأزمة بحكمة.

بعد العنف يأتي التعصب وبينهما علاقة طردية، فالإنسان بطبيعته يعيش ضمن مجموعات ( الطائفة، القبيلة، العشيرة، الحزب، القرية، البلد، الجنس ... ) وهذه المجموعات تنقسم عاموديا وأفقيا حسب ما يجد الفرد نفسه وحسب ما يرى مصلحته، ويتوقع منها أن تؤمّن له الحماية والأمن وأن تلبي مصالحه من خلال الاستفادة مما يُعرف بقوة الجماعة، وهنا حسب نوع انتماء الفرد للجماعة ونظرته لها سينشأ التعصب أو التعاون، فإذا كانت نظرة نفعية أنانية ويريد أن يوظفها لخدمة مصالحه الخاصة وأمنه الشخصي سيتعصب الفرد للجماعة وسيتكتل الأفراد الذين يشتركون بنفس الرؤية مع بعضهم، وعلى أرضية هذا التعصب سينمو كره الآخر وتزداد الرغبة بممارسة العنف، فالعنف والتعصب كلاهما يغذي الآخر.
وسنرى لاحقا أن البيئة الاجتماعية تلعب دورا هاما في تنمية بذور العنف وخاصة لدى الشبان، وأن معظم أيديولوجيات العنف والتطرف قد نشأت بدايةً في ظروف غير سوية كالفقر والجهل والعشوائيات، ثم نمت وترعرعت على أيدي مشبوهة لخدمة قضايا ومصالح أبعد ما تكون عن مصالح الفئات الاجتماعية نفسها التي تمارس العنف، كما هو حال التفجيرات العشوائية ذات الصبغة الطائفية في العراق مثلا وهي التي ينفذها أناس مضللون وترعاها قوى دولية معادية، وغني عن القول أن العنف والإرهاب لا وطن لهما ولا دين ولا يقتصران على ملة محددة ولم تخلو منهما بقعة ما في أي زمان ..

وإذاً دوافع العنف كثيرة وليس أهمها البيئة والمناخ والصفات الوراثية التي تحدد أنماطا محددة من السلوك الاجتماعي وتفرض ثقافة خاصة تطبع بها المجتمع، وإنما أيضا الأوضاع السياسية والاقتصادية والهزائم العسكرية وحالة التراجع الشعبي وهبوط مستوى الانتماء الوطني، التي تضغط على كاهل المواطن وتبقيه متوترا متحفزا، والتي كلما ازدادت سوءا كلما زاد من حدة العنف وبالتالي ستزيد من الاحتقانات والكبت والقهر الذي يعتمل في الدواخل ويتراكم ولا يجد له متنفسا إلا من خلال العنف الذي غالبا ما يوجه ضد الطرف الأضعف.

وبما أن المجتمعات العربية عموما تمر في مرحلة انتقال تاريخي حاسم، فإن هذه الصيرورة التاريخية ستشهد حدوث تحولات كبرى أو بدايات في عمليات التحول وبالتالي سيصيبها كل ما يصيب المجتمعات الإنسانية خلال مراحلها الانتقالية وسيرها من مراحل السبات التاريخي المحافظ إلى مراحل التجديد والتغيير والتحديث، كما حدث في أوروبا إبان الثورة الصناعية وفي أمريكا خلال الحرب الأهلية .. بحيث يترافق مع مرحلة التحولات التاريخية بعض ظواهر الفوضى والعنف.

إذا فالمجتمع العربي طوال هذه الفترة قد يشهد أحيانا بعضا من مظاهر العنف والفوضى الشديدتين، بحيث يكاد أن يكون العنف صفة عامة لشرائح وفئات اجتماعية معينة، ولن يقتصر العنف على سلوك الآباء تجاه أسرهم أو سلوك الذكور تجاه الإناث والكبار تجاه الأطفال أو في التناقض الحاد بين الأجيال، إنما سيشمل أيضا أشكالا أخرى عديدة، بما فيها المجال السـياسي وأخـيرا التعـبير الصارخ عن العنف وهـو " الجريمة " .

وتبدو علامات العنف على مختلف نواحي السلوك سواء في سياقة السيارة بسرعة جنونية أو بالتعامل العنيف مع أدوات وأثاث المنزل، وتخريب المرافق العامة والتعامل النـزق والعصبي مع الآخرين، أو من خلال السلوك العدواني والسادي أثناء تنفيذ الجرائم ، حيث لا يكتفي المجرم بالسلب والنهب بل تراه يسلك سلوك الوحوش في القتل والتعذيب والانتقام بلا مبرر .

ومن الجدير بالذكر أن هذا العنف إن كان قد بدى الآن بشكله الفج وتعبيره السافر، إلا أنه كان قد بدأ صغيراً، مثال ذلك نظرة البعض البدائية إلى النواحي الجمالية بحيث تبدو له وكأنها معادية ومنفرة، فإذا رأى وردة برية يريد أن يغتالها ويقطفها لنفسه، وإذا شاهد عصفورا مغردا أو غزالا شاردا فأول ما يفكر به هو كيف يصيده ويقتله، وهذا ليس دليلا على الأنانية فقط بل هو بوادر عنف ورغبة في القتل سوف تنمو وتكبر مع تزايد الأزمات والانهيارات وغياب البرامج الوطنية في التوعية والتثقيف والتربية على أسس وطنية إنسانية، وهذا العنف مرشح للاستمرار والزيادة طالما بقيت نفس الظروف والمحفزات موجودة في المجتمع .

ويُضاف إلى ذلك العنف السياسي، سواء من قبل أجهزة الأمن والمخابرات التي تمارس أبشع صنوف التعذيب مع المعتقلين، أو من قبل الجماعات المسلحة التي تفجر الأماكن العامة وترهب الناس وتقتل دون تمييز، وأيضاً العنف الكلامي أثناء النقاشات السياسية والفكرية، فنلاحظ حدة التطرف في الطرح وحدة التناقض في المفاهيم بين مختلف الأطراف .
الحرب المزعومة على الإرهاب :

بعد انتهاء الحرب الباردة بين العملاقين الدوليين أمريكا والإتحاد السوفياتي بهزيمة الأخيرة وذلك في العقد الأخير من القرن الماضي، وجدت أمريكا نفسها متفردة في العالم تعربد وتقتل وتحتل الأوطان كما يحلو لها، وقد انكفأت الحركات الثورية وتراجعت أمام الهيمنة الإمبريالية، فيما الدول الكبرى ما زالت تعد العدة لتأخذ مكانتها على خارطة العالم السياسية كندٍ حقيقي ومقتدر في مواجهة الغطرسة الأمريكية، فهي المرة الأولى في التاريخ ينشأ فيها نظام أحادي القطبية وهذا أمر تعلم أمريكا علم اليقين أنه لن يدوم طويلا لأنه ببساطة يتناقض مع نواميس الطبيعة وحركة التاريخ، لذا وقبل أن تتمكن دول شرق آسيا أو الاتحاد الأوروبي من تبؤا مكانتها كقوة اقتصادية كبرى بادرت أمريكا بخطوة استباقية لاحتلال منابع النفط في الشرق الأوسط كمدخل أساسي للتحكم في الأسواق العالمية وشرط للإمساك بشريان العالم الاقتصادي.

في هذا السياق بدأت أمريكا بالبحث عن عدو استراتيجي يغطي الغياب المدوي لغريمها السابق، خاصة وأنها فقدت مبرراتها الأخلاقية التي كانت تسوقها للعالم في مكافحة الشيوعية والأنظمة الديكتاتورية، فوجدت ضالتها في الإسلام، ومع صعود المحافظين الجدد لسدة البيت الأبيض والذين هم في الأساس يمثلون شركات نفطية ويحملون أفكار يمينية ذات نزعة متطرفة وأطماع توسعية وخطط للنهب والسلب ومشبعين بثقافة الكاوبوي، شرع هؤلاء الحكام الجدد للولايات المتحدة بوضع الخطط والاستراتيجيات وخلق المبررات السياسية والأخلاقية لحربهم الجديدة.

والحرب التي تشنها أمريكا تحت شعار مكافحة الإرهاب وتضع المسلمين فيها خصما رئيسا، هي في جوهرها حرب سياسية اقتصادية بحتة لا علاقة للدين بها، إلا بقدر ما تستغله كغطاء وذريعة لتغطي على أهدافها الحقيقية المتمثلة في السيطرة على منابع النفط وإقامة قواعد عسكرية في المناطق الساخنة من العالم لإدارة حربها الكبرى للسيطرة والهيمنة على العالم أجمع.

هذه المقدمة بدت لي ضرورية لتوضيح الدوافع الحقيقية لحرب أمريكا على ما تسميه الإرهاب، وللتأكيد على أن ما تسميه أمريكا إرهابا هو ليس إرهابا بالضرورة، فكل العالم يدرك أن الراعية الأولى للإرهاب في العالم هي أمريكا نفسها بل هي سبب ومبرر وجود العنف والتطرف والإرهاب في كل بقاع العالم .. وهي الآن تطلق هذا الوصف على كل من يخالفها من الأنظمة التقدمية أو حركات التحرر .

وقد احتل مفهوم الإرهاب المرتبة الأولى بين المفاهيم الفكرية والسياسية المختلفة في الآونة الأخيرة على مستوى العالم، وقد تعددت تعريفاته تبعا لكل جهة أرادت تعريفه ويمكن القول أن معظمها قد تقاطع عند نقطة مفادها أن الإرهاب هو أية أعمال عنف أو تخريب يقوم بها أفراد أو منظمات أو دول لتحقيق أهداف سياسية تؤدي لإثارة الرعب في نفوس المدنيين، وعادة ما تكون ضحايا الإرهاب عشوائية دون أن تكون طرفا ضالعا في الصراع أو تمتلك أية فرصة للرد، وقد استغلت كل من أمريكا وإسرائيل مصطلح الإرهاب لأقصى حد خاصة بعد أحداث 11 أيلول بقصد التمويه والتغطية على جرائمهما وتشويه صورة النضال الوطني ومنعه من كسب التأييد الدولي، علما أن ما اقترفته أمريكا من عمليات إبادة جماعية ودعم لأعتى الأنظمة الشمولية ومن حروب وتنكيل بحق الشعوب واحتلال لأراضي الغير تعتبر أبشع أنواع الإرهاب المنظم، كما أن الاحتلال بحد ذاته هو أعلى مراتب الإرهاب وما تقترفه إسرائيل من جرائم قتل وقصف واستهداف للمدنيين وعقاب جماعي وعمليات الإستيطان وغيرها تعتبر جرائم ضد الإنسانية، ومع ذلك وبسبب الماكينة الإعلامية الصهيونية وبعض الأبواق العربية تمكنت إسرائيل من خداع العالم وتصوير الكفاح الوطني الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال بأنه عين الإرهاب !!

وإذا اعتبرنا أن هجمات 11 أيلول والاعتداءات التي تلتها في لندن ومدريد قد مثلت ذروة التهديد للمجـتمعات الغربية ( الكافرة حسب الظواهري ) فإنها في نفس الوقت قد سلطت الضوء على تنظيم القاعدة وطرحت سؤالا جوهريا يتطلب إجابة متأنية معمقة، والسؤال هو هل ما قام به هؤلاء الإنتحاريون كان مجرد عمل عبثي من قبل شبان ملأ اليأس قلوبهم ولم يجدوا وسيلة للدفاع عن قضيتهم العادلة سوى التفجير !؟ ثم ما هي هذه القضية العادلة !!!

ولو اقتصر الأمر على مهاجمة عواصم الإمبريالية لركزنا الإجابة باتجاه محدد، إلا أن استهداف المدنيين بالقتل والتفجير وبشكل عشوائي في الساحات والأسواق في العراق ومصر والجزائر والمغرب وعمان والرياض والباكستان وأفغانستان وغيرها سيغير مجرى الإجابة كليا، الأمر الذي يستوجب منا أن نعرف دوافعهم ومبرراتهم أولا ثم نضع إجاباتنا بعد ذلك.

وبالبحث في خطابهم سنجدهم يصفون تلك الهجمات الإرهابية بالغزوات، وهي تسمية لها دلالة رمزية تحاول أن تضفي صفة القداسة على أعمالهم ضمن محاولة مكشوفة للإنخراط في التاريخ المقدس للمسلمين حينما كانت غزواتهم بهدف نشر الإسلام والعدل في ربوع الأرض، أي أنها عملية ردم للهوة الزمنية السحيقة بين تاريخين وزمنين بقصد إسقاط الدلالات الرمزية التاريخية على الحاضر والربط بين الحركتين، حركة الإسلام الأولى وحركة تنظيم القاعدة، والإيهام بأن الأخيرة إمتداد طبيعي للأولى.

وقد دأب منظروا هذه الجماعات - شأنهم شأن كل الأصوليات الأخرى في المسيحية واليهودية - على تبرير أعمالهم ومنحها مسوغات أخلاقية أمر بها الله سبحانه مباشرة، والإيحاء بأن خطابهم مستمد من السماء لا من الأرض وهو فوق حسابات البشر ويتسامى فوق نزعاتهم الدنيوية ويتعالى على حساباتهم السياسية ويتجاوز ما يدركونه بعقلهم المحدود، وأن أصحاب هذا الخطاب هم وحدهم من يملكون الحكمة الإلهية ووحدهم القادرون على فهمها ولهم الحق الحصري في تفسيرها.

هذا الفهم الإطلاقي للدين يقود أصحابه على جعل الصراع في مضمونه يتجاوز ما نعرفه نحن عن أسس الصراع ومحاوره التقليدية كالصراع العربي الصهيوني أو صراع الجماهير الشعبية ضد الاستعمار أو صراع الإنسانية لكسر المعادلة المختلة بين الشمال والجنوب أو صراع الطبقات المسحوقة ضد الفساد والبنى المهيمنة عليها .. إنها من وجهة نظرهم أكثر من ذلك بكثير .. إنه صراع بين مثاليات ومطلقات متناقضة أي صراع الإيمان ضد الكفر والخير ضد الشر والعدل ضد الظلم .. وفي المحصلة سيكون صراع بين نموذج الإسلام الذي تراه القاعدة ضد كل ما لا يشبهه في العالم .

وهذا الفهم الخاطيء للإسلام واستبداله بأيديولوجيا متشنجة ليس لها من مشروع سوى الموت وبأبخس الأثمان، سيؤدي إلى تشويه الإسلام وجعله في معاداة البشرية برمتها بوجودها ومنجزاتها ومستقبلها، وسيتحول تدريجيا إلى مرجعيات دينية لاهوتية تنتج الإنتحاريين وتهدد السلم العالمي ككل.

وإن استغلت أمريكا هذا الموضوع لتبرير مظالمها وإعتداءاتها وتقديم الذرائع لاحتلاها بلاد المسلمين، فهذا لا يعني أن ما يجري في بعض البلدان العربية من قتل وخطف وترويع وتفجير وقطع للرؤوس هو ليس إرهابا لمجرد أن أمريكا تصفه كذلك .. أو لمجرد أن أمريكا تحاربه !!


جذور العنف في التراث الأصولي الإسلامي :

في الحقيقة إن ظاهرة الإرهاب في التراث العربي لها تاريخها ودوافعها وأمثلتها العديدة وتجلياتها المختلفة ... ولدراسة الظاهرة لا بد من التعرف على جذورها وأسـبابها ومبرراتها، ومن أجل ذلك سـنميز ما بين الإطـار النظري للظاهرة ( الأيديولوجيا المحركة ) وبين التطبيقات الموضوعية لها ( البيئة الإجتماعية للإرهابيين أنفسهم ) .

وسنحاول أن لا نستخدم مصطلح " الإرهاب "حتى لا نقع فريسة غزو المصطلحات الأمريكية وسنستخدم عوضا عنه مصطلحات العنف والتطرف والغلو، والغلو أول ما ظهر في التاريخ الإسلامي كان على يد القرّاء وحفظة القرآن الذين عجزوا عن فهم معانيه واستيعاب مراميه بسبب جذورهم البدوية فافترستهم سطوة تقديس النصوص، وفي النهاية فقدوا ثقتهم في حُكم الإمام علي عندما قبل التحكيم فشرعوا في وجهه السيوف وقتلوه بالفعل، فصار الخوارج مثلا في التطرف والغلو .. إلا أن الإرهاصات الفكرية للتشدد كانت قد تأسست على يد الفقيه أحمد بن حنبل في نهاية العصر العباسي الأول عندما تحزب الخلفاء لفكر المعتزلة وحاولوا إجبار الفقيه على القول بخلق القرآن، فما كان منه إلا الرفض والصبر على سياط الخليفة، فكان خوفه من فكر المعتزلة وشيوع علم الكلام وقلقه من انتشار كتب الفلاسفة التي اعتبرها هرطقات تؤدي للكفر دافعا ومبررا للتشدد والدفاع عن المدرسة الفقهية التقليدية.

بعد إبن حنبل جاء تلميذه أحمد بن تيمية في فترة تعرض فيها الإسلام لمحنة كبرى وغزو تتري أكل الأخضر واليابس، فأسقط المغول حينها الخلافة العباسية ودمروا بغداد ثم أعلنوا إسلامهم، ولكنهم أرادوا أن يحكموا البلاد بشريعة تيمورلنك، فتصدى لهم الشيخ وكفّرهم وطالب بالخروج عليهم، فزُج به في السجن حيث أمضى شطرا من حياته، وهناك في الأسر وضمن ظروف معادية بالغة القسوة كتب أهم مدوناته ودعى الناس للعودة إلى جذور الدين والعقيدة حتى مات تاركا وراءه تراثا أصوليا بنت عليه الحركات الجهادية المعاصرة فكرها الخاص.

فإذا كان إبن حنبل قد شهد بدايات انهيار الدولة العباسية فيما شهد ابن تيمية انهيارها الفعلي فقد شهد محمد بن عبد الوهاب بدايات انهيار الإمبراطورية العثمانية ومعها شهد ما اعتبره عصر فساد المجتمع الإسلامي وتفشي الموبقات والخزعبلات، فأعلن الجهاد على التصوف والصوفيين وكل من اعتبرهم من المشركين ودعى إلى نقاء العقيدة كما دعى لها شيخيه من قبل، فقام الموحدون والأخوان بغزواتهم على القبائل المجاورة والتي ثبتت في النهاية حدود دولة آل سعود وثبتت معها فكرهم وأيديولوجيتهم الخاصة.

وفي وقت لاحق من القرن التاسع عشر برز مسار آخر وتحديدا في مصر المحروسة، وقد دشنه بداية جمال الدين الأفغاني القادم من الهند، ثم تلاه الشيخ محمد عبده تلميذه وحلقة الوصل مع تاليه الشيخ محمد رشيد رضا.

وقد حمل الأفغاني مفاهيم الحرية ومقاومة الظلم ومشاركة الشعوب في شؤون الحكم والسياسة والكفاح الوطني، وهي أمور لم تكن مألوفة حتى ذلك الوقت فالشعب قد استكان للخنوع وتكيف مع الواقع، فيما حمل محمد عبده مفاهيم الإصلاح القائم على تحرير الفكر من كل قيد وعلى تجديده على أسس عقلانية، وشن حملة على الخرافة والتقليد، أما رشيد رضا فكان استمرارا لذات النهج مع تحويرات هنا وهناك إذ أخذ بأسلوب التربية طريقا للإصلاح واهتم بتكوين جمعيات إصلاحية وابتعد قليلا عن السياسة مع اهتمامه ببناء علاقات وثيقة مع آل سعود والهاشميين.

وسنرى كيف التقط تلميذ رشيد رضا الشيخ حسن البنا أفكار الثلاثة وأخذ منهم مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ثم انقلب عليهم بعد تأسيس جماع الأخوان المسلمين، فإذا كان الأفغاني وعبده قد انضما للمحفل الماسوني ظنا منهما أنها وسيلة لخدمة المسلمين وكذلك وثقا علاقتهما في فترة ما بالإنجليز على نفس القاعدة، فإن البنا وعلى نفس المبدأ قد تحالف مع الملك فاروق وأشاد به وتحالف مع النحاس والسعديين واتصل بالألمان وهادن الإنجليز وحاول دخول البرلمان غير مرة.

أي أن البنا آمن بالتقية أسلوباً ومارسها فعليا، فهو من ناحية يدعي أن جماعته ما هي إلا جمعية خيرية مسالمة تنأى بنفسها عن الدخول معترك السياسة ومن ناحية أخرى تجده ينثر بذرة العنف في صفوف الجماعة ويؤسس التشكيلات التي سيوكل إليها تنفيذ المهمات السرية والتي تتخذ طابع العنف كالفرق الرياضية والجوالة وفرق الرحلات ومعسكرات التدريب ثم التنظيم السري، وهي بمجملها تشكيلات شبابية تختفي تحت شعارات رياضية وكشفية ويتم خلالها التدريب والتحريض والتهيئة لتنفيذ ضربات معينة، وهذه التشكيلات وما تحمله من أفكار عنف كانت مستترة في الخفاء ولكنها كانت بندا أساسيا من بنود خطة مرحلية أعلن عنها صراحة البنا في المؤتمر الخامس للجماعة، فقد أسند للجهاز السري فيما بعد مهمات عديدة، ومن بين المهمات التي أُتهم بها تفجير مساكن لليهود وقتل أحد القضاة وقائدا للشرطة وحيازة متفجرات ثم دعم الإنقلابيين على ملك اليمن وضلوعهم بقتل رئيس الوزراء النقراشي والذي كان سببا بمقتل البنا نفسه، ثم ضلوعهم فيما بعد الثورة بمحاولة إغتيال عبد الناصر في حادثة المنشية ..

إذا لاحظنا كيف حوّل البنا المدرسة الإصلاحية ( الأفغاني، عبده، رضا ) إلى جماعة تؤمن بالعنف وسنلاحظ كيف ستخرّج من تحت عبائتها أكثر التنظيمات تطرفا وغلواًً ( التكفير والهجرة، الجهاد .. ) .

وفي الحقيقة فإن بذور العنف لدى الأخوان وغيرهم من الجماعات الإسلامية مردها الأيديولوجي عائد لإيمان أتباعها بأن الله قد ميز أتباع الدين الإسلامي على غيره من الديانات الأخرى وأن هذا الدين يمثل الحقيقة المطلقة ويحتكرها دون سائر الأديان والمعتقدات، وبالتالي فإن من يحملون راية هذا الدين هم ظل الله على الأرض والقيمون على دينه .. ثم يأتي الإعتقاد التالي بأن أهل السنة والحديث هم ممثلوا الإسلام الصحيح، وهذه الإصطفائية التراتبية والإيمان الجازم بامتلاك الصواب سيمنح بالضرورة الشعور بالإستعلاء والسمو عن باقي البشر وستغذي بالضرورة اتجاهات العنف والتعصب، وستجعل من المسلم المنضوي تحت راية الجماعة يؤمن بأن جماعته بالذات هي من يمثل هذا الدين التمثيل الصحيح ومن شذ عنها شذ عن الدين وضل سواء السبيل ويتعين عليه أن يرده إلى الصراط المستقيم .. وهذه النظرة الإستعلائية تجعل من الحركات الإسلامية تنظر إلى نفسها على أنها أكبر من النقد بل وترفض أن يوجه لها أي نقد وبأي شكل لأنه سيعني هنا نقد للإسلام ذاته، ولهذا السبب قلما تجد جماعة إسلامية تمتلك منهجا علميا للنقد والمراجعة أو تعترف بأنها أخطأت ذات يوم !! فباستثناء المراجعات التي قام بها أمراء الجماعة الإسلامية داخل السجون المصرية واعترافهم ببعض الأخطاء كقتل السادات وبعض المراجعات الخجولة والمرتبكة للجماعة الإسلامية في الجزائر لم نشهد أي مراجعة نقدية لأي جماعة أخرى، وبالبحث في أدبيات الأخوان المسلمين سنجد ما يدعم هذه الفرضية ويثبت مصداقيتها، فمثلا سنجد العبارات التي تزرع التعصب في نفوس الشـباب مثل : " أيها الأخ العزيز إن في نسبتك إلى الله تبارك وتعالى أسمى ما يطمح إليه الطامحون وفيها كل معاني العزة والمجد، وأي شرف أكبر من أن ترى نفسك ربانيا بالله صلتك وإليه نسبتك " ، كما سنجد أن مقارنتهم بين عضو الأخوان مع المسلم العادي أن الأول ربانيا قائما على الحق أما الآخر فإن غايته في الحياة هي لقمة العيش كالأنعام بل أضل سبيلا.

وقد اعتبر الهضيبي المرشد العام للجماعة أن دعوة الأخوان هي الإسلام نفسه ولم يقل انها مقتبسة عن دعوة الرسول أو تسير على هديها أو أنها تُنسج على منوالها .. بل صورها على أنها الإسلام بحد ذاته وبصورته النقية الخالصة، وهذه الرؤية ستقود صاحبها إلى أن يرفض كل الأشخاص أو الأفكار أو الاتجاهات التي لا تتبنى نفس الخط الأخواني، أي رفض الآخر والعمل على إقصائه لأن ذلك بحد ذاته ضرب من ضروب الجهاد وإعلاء لكلمة الحق ومحاربة للفئة الضالة !! ولا شك أن هذا النهج في التنشئة من شأنه أن ينتج أفرادا متعصبين منغلقين مندفعين برؤيتهم للحد الأقصى ومستعدون لعمل أي شيء.

المصدر الآخر لجذور التشدد في الفكر الاخواني متمثل بالأيديولوجيا الوهابية / السعودية، وهي أيديولوجيا مستمدة من الفقه الأصولي المتشدد المنغلق والتي تأخذ موقفاً متزمتا من القضايا الاجتماعية وموقفا ديماغوجيا من القضايا السياسية والتي نشأت بداية على يد محمد بن عبد الوهاب ذو الأصول البدوية، ويشير المفكر المصري طارق حجي إلى هذه النقطة بعمل مقاربة بين أسلوب تفكير ونمط حياة سكان الخليج العربي المطلين على البحر وما في ذلك من انفتاح نسبي، وبين سكان صحراء نجد المغلقة حيث الكثبان الرملية تحيط بالبشر من كل جانب على امتداد مئات الأميال مما يعطي مناخا مجافيا قاسيا يولد شعورا بالضيق وحدة بالتصرف قد تنعكس على أفكارهم ونمط معاشهم.

فبعد أن أعطى ابن عبد الوهاب الفقيه الشرعية الدينية لآل سعود وأصبحت الوهابية هى مصدر الشرعية للنظام، تمكن الملك عبد العزيز من تأسيس مملكته بمساعدة البدو الذين شرّبهم تعاليم الوهابية ولقّنهم مفاهيم الجهاد وتكفير الآخرين كمبرر لغزوهم واحتلال أراضيهم، فكل من ليس وهابيا من المسلمين مشرك، وكل يهودي ونصرانى كافر، ولا بد من جهاد الجميع، هؤلاء البدو الوهابيون اشتهروا باسم " الإخوان " وكان اسمهم كافيا لدب الرعب في قلوب الناس لما اشتهروا به من مذابح مروعة .

أراد الملك بعدها تكوين تنظيمات اخوانية خارج الجزيرة العربية عوضا عن الاخوان البدو المشاغبين، بهدف نشر الوهابية فى بلاد المسلمين مع التركيز على مصر والهند، والعمل على تحويل الصوفية فى مصر الى الوهابية.

وقد دعم النظام إنشاء حركات وتنظيمات للشبان المسلمين وكان من بينها جماعة أنصار السنة وهى حركة وهابية خالصة يقودها الشيخ الأزهرى حامد الفقى صديق الملك عبد العزيز، وفى النهاية أنشئت حركة الاخوان المسلمين بديلا عن اخوان عبدالعزيز ولكنها تحمل اسمهم ونفس شعارهم، وكان هدفها المعلن هو التربية الاسلامية، وهدفها المستتر هو الوصول للحكم لاقامة دولة وهابية.

عن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس البسيط، أن ينشئ آلاف الشُّعَبْ والفروع للإخوان فى العمران المصرى من الإسكندرية إلى أسوان، واستطاع انشاء الجهاز السري العسكرى الى جانب التنظيم الدولى للإخوان.

عن طريق الاخوان المسلمين المصريين انتقلت الوهابية والنفوذ السعودي إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى الشام شرقا وإلى الجاليات الاسلامية فى أوروبا وأمريكا فضلا عن الهند والباكستان، واليوم فإن مجمل ما تنفقه المملكة العربية السعودية على نشر ثقافتها الدينية في ربوع العالم كبناء مساجد تتبعها ودعم فقهاء ووعاظ موالين لها وغير ذلك من مواد دعائية وإعلامية يصل إلى ملياري دولار سنويا، وبهذه الأموال استطاع الاخوان تقديم الفكر الوهابى للمثقفين المسلمين والطبقة الوسطى في اسلوب عصرى مفهوم يختلف عن اسلوب محمد بن عبدالوهاب الفقهى الاصولى الجاف، ثم صاغوا الوهابية فى شعارات سياسية مقبولة لجماهير المسلمين مثل الاسلام هو الحل وتطبيق الشريعة، دون الخوض فى التفصيلات.

أهم من ذلك كله أن الاخوان المسلمين أجهضوا المشروع الإصلاحى التنويرى للشيخ محمد عبده الذي كان يعد بالكثير لصالح الهدف السياسي السعودي، واستطاعوا نشر الكثير من المفاهيم الوهابية المتشددة والتي تأخذ طابع العنف والتعصب ضد الغرب والمسيحيين واليهود وطابع التخلف والتزمت في قضايا المرأة والمجتمع .

الدليل على ذلك ان ما كان محمد عبده يقوله منذ قرن من الزمان فى دعوته الاصلاحية أصبح هرطقة وكفراً فى عصرنا الحالى يستوجب القتل !! فإذا بدأ القرن العشرين بأفكار الكواكبي وقاسم أمين وهدى شعراوي فإن القرن الحادي والعشرين قد بدأ بفتاوى تحريم استخراج شهادة ميلاد لأطفال الإسلاميين في القاهرة، وتحريم استخدام الثلج في بغداد، وتفجير مقاهي الإنترنت في غزة !! .

التطور الآخر ولعله الأكثر أهمية تمثل في فكر سيد قطب من خلال كتابيه الشهيرين معالم في الطريق وجاهلية القرن العشرين اللذين سيغيران من البنية الفكرية للحركة الإسلامية برمتها، فقد صاغ قطب هذين الكتابين وهو على فراش مرضه في ليمان طره وقد تقمصته عقلية الشهيد الذي ينتظر نهايته ولا يملك تغييرها فأصبح يستعجل أنجاز مهمته قبل أن تنقضي أيامه ويفوت الأوان، فنادى بضرورة إسقاط النظام وإقامة يوتوبيا الخلافة على أنقاضها، ووصف المجتمع بالجاهلي رفض كل أشكال الحكم الأرضية لأن الحاكمية لله فقط.

تتسلل كتبه خارج الزنزانة ويلتقطها شباب طحنتهم ظروف بالغة القسوة وأرهقهم البحث عن أجوبة سهلة لأسئلة صعبة ما فتئت تحثهم وتدفعهم للخروج على الوضع الراهن بأسرع ما يمكن، شبان خبروا العشوائيات والأزمات الخانقة والقمع السلطوي والفقر والبطالة والقهر الاجتماعي وما إلى ذلك من بيئة مجافية لا تورث إلا العنف والحدة ومن تربة لا تنبت إلا التطرف والحقد على كل شيء ..

وفي ذروة التحولات الاجتماعية السياسية يأتي الرئيس المؤمن أنور السادات كبهلوان يتوهم أنه قادر على الإمساك بكل الخيوط فيطلق العنان للإسلاميين ويحررهم من السجون ويدعمهم بل ويفتح لهم معسكرات التدريب ظنا منه أنه سيلعب بهم داخل الجامعات وسيكنس بهم مخلفات العهد الناصري وبقايا الماركسيين .. وفي النهاية انقلب السحر على الساحر وانتهى المشهد المأساوي بحادثة المنصة .

وطوال عهده الذي تجاوز العقد بعام واحد ترعرت الحركات الإسلاموية وفقصت من بيوض الأخوان تنظيمات وتشكيلات عدة، وتخرّج مشايخ وخطباء أجادوا تماما صناعة الكلمة وتسويق الأشرطة بملايين النسخ، وامتلأت الأرصفة بكتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وخطب الشيخ كشك وعمر عبد الرحمن والقرضاوي وغيرهم ممن دخلوا سباقا محموما في الاستحواذ على عقول وأفئدة الشبان، ثم تمكنت الجماعات الاسلامية من السيطرة على الجامعات، وخرجت الأمور عن سيطرة النظام ودخلت البلاد مرحلة اللاعودة ..

بعض المتدينين الذين عجنهم الفقر في ما اعتبروه " المجتمع الجاهلي " أرادوا أن ينبذوا هذا المجتمع في ضمائرهم ويمارسوا التقية انتظارا للفرج، ولكن آخرين رفضوا هذا المبدأ السلبي وشرعوا بممارسة المفاصلة الكاملة مع المجتمع فهجروا مجتمع الكفر - اسوة بالرسول الذي هجر مكة - ولكنهم أقامو يثربهم على تخوم المجتمع وناصبوه العداء .. كان شكري مصطفى مؤسس جماعة التكفير والهجرة هو نتاج مجتمع قريته في الصعيد التي أدمنت الخروج على القانون وامتهنت التهريب، وكانت أفكاره استمرارا لنهج المطاريد المعشعش في رأسه، ولكن هذه المرة بثوب إسلامي ..

عاد الإسلاميون للسجون والمعتقلات مرة ثانية حيث هناك يطفو الرعب البدائي من السجان وحيث ظروف القهر والتنكيل تجعل السجين يحس نفسه كفأر في مصيدة وأحياناً يتأجج الكُرْه في دواخل البعض حتى يصبح الهواء مشبعا به وينقل عدواه للآخرين، وقد يفقد السجين هنا إنسانيته إذا ما فقد اتزانه فتبدأ غرائزه بتحريكه .. في هذه السجون وُلدت أفكار التعصب والحقد على المجتمع ونشأت مفاهيم التكفير، وولدت التنظيمات التي لا تؤمن إلا بالعنف كتنظيم الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية وغيرها.

في هذه الفترة المفصلية من تاريخ مصر والحركات الإسلامية شهدت البلاد أحداثا جسام وتغيرات جذرية ليس في مصر وحدها بل في المنطقة ككل كان لها أثرا هاما على تطور الفكر الجهادي للحركات الإسلامية، حيث دخلت مصطلحات ومفاهيم جديدة من نوع: الولاء والبراء، التتريس، الخروج على الحاكم، قتل المرتد، إلزام أهل الذمة" المسيحيين " بدفع الجزية، تحريم السياحة، نبذ المجتمع الجاهلي، إلزام النساء بارتداء النقاب، تطبيق الشريعة، الحاكمية لله، دار الإسلام ودار الكفر .... هذه المفاهيم باتت عماد الأيديولوجيا الجديدة ومحور خطابها الإعلامي وبرنامجها العملي، وهي وإن كانت موجودة أصلاً في التراث الإصولي الإسلامي إلا أن إعادة إحيائها على يد فقهاء الحركات الجهادية مسألة تندرج في إطار تسييس الدين وتوظيفه لأهداف سياسية حزبية .

داخلياً أدت سياسة الانفتاح إلى إزدياد الهوة بين طبقات الشعب وتعميق الظلم الاجتماعي، وانتشر الفساد في مؤسسات الحكم، وتحولت المساجد إلى بؤر توتر ومراكز تصدير لأفكار التعصب والغلو، بينما هبط مستوى العديد من الجامعات وتراجع دورها الحضاري، فمدرجات الطلبة التي تتسع إلى بضعة مئات على أكثر تقدير صارت تُحشر فيها الآلاف من الطلبة الذين بالكاد يرون استاذهم أو يسمعون ما يقوله، والمختبرات تكدست فوق طاقتها الإستيعابية وهاجر الكثير من الأساتذة المميزون وأصبحت الجامعات مكانا مكتظا لا يختلف عن وسط البلد يتجمع فيه الشباب ومعهم شقاؤهم ورعبهم من المستقبل بينما أعداد الخريجين تفوق كثيرا حاجة البلد ضمن توزيع غير متوازن، وكانت النتيجة مزيدا من الشبان ينخرطون في التنظيمات الجهادية وهجرة الكفاءات للخارج حيث أن الدولة لجأت للحل الأسهل وهو المزيد من البطالة المقنعة.

وخارجيا كانت نهاية حقبة السبعينيات مفصلا هاما في تاريخ تطور الحركات الأصولية وبدء ما سُمي بالصحوة الإسلامية التي تأثرت إلى جانب العوامل الداخلية السابقة بحدثين هامين: إنتصار الثورة الخمينية في إيران وبدء الحرب الأفغانية بدعوى الجهاد ضد الشيوعية والكفر .. ومما لا شك فيه أن هذين الحدثين كان لهما صدى واسع في كل البلاد العربية، وقد أرادت الجماهير العربية من إيران أن تسد الفراغ السياسي الذي تركته مصر الخارجة عن الصف العربي بعد توقيعها كامب ديفيد وأن تشكل البديل الإسلامي لفشل الخيار القومي ووصوله حائط التجزئة، أما الحرب الأفغانية فقد رأى فيها الشباب العربي النموذج الجهادي الذي يحلم به كل من يتوق للجنّة أو من أراد صب جام غضبه على معسكر الكفر.

في الجزائر أدت خيبة أمل الجماهير العريضة في أداء جبهة التحرير الوطني التي تفردت بحكم البلاد ثلاثة عقود متتالية وما لمسوه منها من فساد وقمع للحريات طوال فترة حكمها وهي التي تُوجت بأزمة اقتصادية خانقة، أدى ذلك كله إلى بروز تيار ديني يبشر الناس بالحل ويطرح نفسه بديلا إقصائيا لكل ما هو موجود، وتتشابه نفس العوامل والنتائج إلى حد كبير في كل من تونس والمغرب.

في حقبة التسعينات هُزم العراق وانقسمت البلاد العربية على نفسها وتفكك الاتحاد السوفياتي، وأطلت الفتنة برأسها في الجزائر، وانتهت الحرب الأفغانية وبرز الطالبان وتنظيم القاعدة ودخلت البلاد والعباد في المرحلة الأمريكية ومعها دخل العالم ما عُرف بالحرب على الإرهاب.

إذاً لاحظنا من خلال هذا التحليل السسيولوجي كيف نمى وتشكل هذا التراث الأصولي، وكيف كانت أفكار إبن تيمية التي ورثها بن عبد الوهاب ثم حملها المودودي وسيد قطب هي الحاضنة الفكرية التي نمت فيها أفكار التطرف والغلو وتكفير الآخرين والتي صارت أساس بنية الحركات الجهادية فيما بعد بدءً من التكفير والهجرة والجهاد الإسلامي حتى تنظيم القاعدة، وكان للأخوان المسلمين الدور الخفي والداعم والحاضن لكل تلك الأفكار.

فالإخوان المسلمين إذاً - وهم أول وأكبر وأهم جماعة إسلامية في العالمين العربي والإسلامي - ليسوا مجرد تنظيم سياسى بقدر ما هم ثقافة دينية وأيديولوجيا يجرى اعداد المجتمع على مهل للايمان بها وللتضحية فى سبيلها باسم الاسلام، وبهذه الأيديولوجيا وهذه الرؤيه الدينية يتم تقسيم الوطن والعالم كله إلى معسكرين معسكر الاسلام ومعسكر الكفر، وتقوم فلسفة الحاكمية لله وتكفير المجتمع وضرورة الجهاد لإقامة الدولة الإسلامية وبالتالي فإن الخطاب الأخواني والإسلاموي عامة لن يحمل في طياته مفاهيم العفو والصلح والمسالمة بل سينادي بالعنف وحمل السلاح والقتال في سبيل الله .. وهذه الأفكار يسهل تسويقها في ظل تربية دينية للفرد تصل به الى حد إلغاء عقله واخضاعه للسمع والطاعة بدون مناقشة.

وثمة ثلاثة عوامل أخرى هامة أسهمت في تشكل ظاهرة العنف والتطرف في المجتمعات العربية والإسلامية وهي التنشئة الدينية والمناهج المدرسية والدروس الدينية التي يتلقاها الشباب في المساجد، وطبعا ليس المقصود هنا الإسلام بحد ذاته بل طريقة فهمه وطريقة تناقله من جيل لآخر، فالمسلم ينشأ في ظل تربية دينية تقليدية تحمل في طياتها مفاهيم متوارثة - بعض منها غيبية ومشوهة - عمرها مئات السنين الأمر الذي أكسبها مزيدا من الثبات والتسليم، ثم يشب الطفل عن الطوق ومعه تلك المفاهيم دون أن يفكر بمناقشتها أو نقدها لأنها في نظره عبارة عن مسلمات وثوابت نهائية، ثم تأتي المدرسة ومناهج التعليم ومن بعدها الشيخ في المسجد ليكرسوا جميعاً تلك المفاهيم ويشرّبونها للأجيال بطريقة التلقين التي لا تعطي فرصة للمراجعة والتفكير والنقد البناء، فتنشأ الأجيال على الغيبيات والخرافات والبديهيات، وغني عن القول أن تلك التربية تعوّد الأبناء على التسليم والخضوع في جو من الإرهاب الفكري، وبذلك يتهيأ الشباب نفسيا وذهنيا لقبول الأفكار المتطرفة التي يطرحها عليهم بعض مشايخ الدين الذين نصبوا أنفسهم قيمين عليه وشارحين لمفاهيمه قد أساؤوا فهم الإسلام وصوّروه على أن دين حرب وجهاد متواصل ضد كل غير المسلمين ( وأيضا ضد من هم خارج الطائفة أو الجماعة ) وأن آيات القتال في القران الكريم قد جبت ونسخت كل آيات العفو والسلم والتسامح، وأن المسلم يجب أن يبقى في حالة قتال مستمرة إلى أن يدخل آخر إنسان على الأرض في دين محمد ( ص ).

وبعد الحاضنة الفكرية تأتي الظروف الموضوعية القاهرة فتكتمل الدائرة وتدور عجلة الإرهاب لتطحن بين رحاها طموحات الشباب وتسحق إقبالهم على الحياة التي سيرونها بصورتها القاتمة الكئيبة، ولهذا السبب من الخطأ أن نرد ظاهرة العنف في الجماعات الاسلامية إلى الأسباب الاجتماعية وحدها رغم أهميتها القصوى، فأسامة بن لادن مثلا مليونير من أصل بدوي ولم يختبر الفقر قبل لجوئه إلى أفغانستان، وكذلك الظواهري إبن مدينة وسليل عائلة برجوازية مثقفة ولكن تجدهم مصدرين لأكثر الأفكار تخلفا وتطرفا .. وكذلك فليس كل من جاع أو نشأ في الفقر لجأ للحركات الجهادية وليس كل أتباعها من الجهلة والأميين أو أنصاف المثقفين .. فالظاهرة التي نتحدث عنها معقدة ومتشابكة ولا يمكن الإحاطة بها بتلك السهولة والتسطيح ولا يجوز تفسيرها استنادا لسبب واحد فقط، فكما لها إرهاصات فكرية موغلة في القدم لها أسباب سياسية ودوافع اجتماعية وعوامل نفسية تتغير على الدوام وتختلف من بلد لآخر.

في السعودية مثلا نشأ جيل جديد من الوهابيين متأثراً بسيد قطب وآرائه الحادة اكثر من تأثره بالفقهاء الرسميين فى النظام السعودى، هذا الجيل السعودى الوهابى أخذ التقية عن الاخوان المسلمين وتحرك فى هدوء تحت السطح، ومع تراكم الفساد والانحلال فى الأُسر الحاكمة وتحالفها مع امريكا أثمر الطرح الاخوانى تطورا فى عقلية هذا الجيل فأخذ يهمهم بتكفير الحكام طبقا للتكفير العام الذى نادى به سيد قطب، ثم جاءت الفرصة لهم بالجهر بالمعارضة بعد احتلال صدام للكويت وصرخة الأسرة السعودية تستنجد بأمريكا لتنقذها من غزو صدام لتؤكد عدم أهليتها للحكم بعد عجزها عن حماية الشعب بعد كل ما أنفقته من بلايين فى شراء السلاح، إذاً فقد تولدت المعارضة السعودية من رحم حرب الخليج متأثرة بالانفتاح على الاخوان، وهكذا يرتد مرة ثانية كيد الدول إلى نحرها.
كما كان للعرب الأفغان دورا هاما في تصدير فكر التطرف والإرهاب في البلدان العربية خاصة بعد أن تكشف الوجه القذر للحرب الأفغانية الأهلية وعاد المجاهدون من حيث أتوا حاملين معهم تجربتهم وخيباتهم وأفكارهم وإحباطاتهم، لتستقبلهم بعد ذلك بلدانهم بالسجون والمطاردة ونظرات الشك والريببة والاتهام فلا يجدون مناصا من التقوقع والإنكفاء، أو مزيدا من التطرف والهجوم المضاد على المجتمعات التي نبذتهم سابقا وها هي تنبذهم الآن مجددا، ثم يجد البعض منهم في العراق الجديد القابع تحت الاحتلال الأمريكي مهربا أخيرا أو فرصة لتجديد ذاتهم والتعبير عنها، ولكن هذه المرة في ظل إعلام فضائي يبحث عن الإثارة ويضخم من أراد ويلمّع من يشاء لحسابات سياسية معقدة.

إذاً في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السيئة التي أشرنا لها والتي باتت تطبق على صدور الناس وتصور المستقبلَ للشباب في أحلك صوره وتجعلهم يفقدون بدورهم مع هذه الصورة السوداوية أي بارقة أمل بـه، وبالتالي ستنسدُّ في وجوههم الآفاق وتصبح حياتهم بلا معنى وبلا قيمة، وبوحي من هذه الأيديولوجيا الأصولية المتزمتة التي تواسي يأسهم وتداعب عواطفهم بأماني غيبية وتمنّـيهم بالخلاص الآخروي من هذا الهوان بشعارات براقة وخطاب ديماغوجي يصور لهم الدنيا بأنها فانية وزائلة وما عليهم سوى الزهد بها والإقبال على الآخرة حيث النعيم المقيم والحور العين والقطوف الدانية ... في هذه البيئة الاستثنائية كان من الطبيعي أن ينشأ ما عُرف " بثقافة الموت " .

وفي ظل ثقافة الموت يدب اليأس محل الأمل وتموت الرغبة وتضمحل قيمة الحياة لأنها باتت بلا جدوى ومن هنا على المرء أن يستعجل الموت للخلاص من جحيم الدنيا وخطايا البشر، وبالتالي فإن قيمة الحياة ستتساوى مع الموت، ثم تأتي ثقافة المجتمع التي تكرم الشهيد وتجعله في مصاف الأنبياء وتخلق منه أسطورةً للبطولة والفداء ،، بعد كل هذا يجب أن لا نستغرب من تكاثر أعداد الإستشهاديين والإنتحاريين الذين تسول لهم نفسهم سهولة الموت وسهولة قتل الآخرين .

مع تأكيدنا على أن الموت حالة طبيعية وحلقة من حلقات الحياة ومنه تُولد الكائنات .. إلا أن الإنسان بفطرته الطبيعية ينفر منه ويتحاشاه بشتى السبل ويتشبث بالحياة بكلتا يديه بل ويقبل عليها بنَهم وشغف .. إلا أن أؤلئك المضطربين نفسياً والمكبوتين والمقهورين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت حتى استبد بهم القنوط وانحرفت فطرتهم وتاهت بوصلتهم سيجدون في الموت عزاءً وخلاصا .. أما الشهداء الذين قضوا نحبهم دفاعا عن مبادئهم وأوطانهم ومقدساتهم وهم ممتلئون حباً بالحياة ومفعمون بالحنين لأهلهم وأحبتهم فهم يمثلون أعلى درجات الشجاعة والتضحية .

ومع تأكيدنا أيضا على أن الإسلام الصحيح والذي هو في جوهره دين تسامح ومحبة يدعو للحوار والتعايش السلمي بين بني البشر، وقد أعطى للحياة قيمة عليا وكرّمَ الإنسان وأعتبر أن حرمة دمه لا تدانيها حرمة، وهو قبل أي شيء آخر دين رحمة وإنسانية ينبذ العنف والإكراه ويحرم القتل والاعتداء ويدعو المسلم للإقبال على الحياة وإعمار الأرض ويحثه على البحث والتفكير والتأمل في جمال الخلق وعظمة الخالق ...

إذاً من أين جاء هؤلاء الغلاة بهذه الأيديولوجيا العنيفة ؟ ومن أين يستمدون فتاويهم بالقتل والتفجير ؟! وكيف يحللون دم المسلم لمجرد مخالفته رأيهم ؟! للإجابة على هذه الأسئلة سنميز مرة ثانية بين قادة تلك التنظيمات التي تؤمن بالعنف وتعتبره الوسيلة الأساسية لنشر الإسلام وبين أتباع هؤلاء القادة من الشبان والفتية .. فإذا كان قادة التنظيمات الذين يمثلون رأس الهرم التنظيمي هم الذين يشرعون العنف ويصدرون الفتاوي ويحرضون الشبان ويعبئونهم بأفكارهم مستندين إلى تراث أصولي يضرب جذوره عميقا في التاريخ ويستحضرون أمثلة تطبيقية لهذا التراث لا حصر لها من تاريخ الدولة الإسلامية، فإنهم يشتركون مع قاعدة الهرم التنظيمية من الشبان المندفعين بصفات وطباع محددة وسمتها ظروف اجتماعية وسياسية معينة خلقت منهم شخصيات مضطربة ونفسيات موتورة ذات مخزون كبير من الكُرْه ونظرة سلبية تجاه المجتمع والناس وتجد ضالتها في العنف وتنسجم مع ذهنية التحريم، ومع التربية الحزبية الصارمة التي تتسم بالسرية والتراتبية القائمة على مبدأ الطاعة العمياء والتسليم بصحة كل ما يُقال وتنفيذ كل ما تُؤمر به ، فإن قادة التنظيمات ينجحون في نهاية المطاف بتضليل الشبان والقضاء على آخر ذرة رحمة من قلوبهم ليحيلوهم إلى قتلة وأداة تنفيذ لا تملك إلا السمع والطاعة.

وهذا النمط من العقلية المستلبة التي تقودها عقليات غاية في الذكاء الموجه أو في الغباء - لا فرق بينهما في هذه الحالة – من الطبيعي أن تعمي عينيها عن الآيات الكريمة من القرآن الكريم التي تفتح الآفاق رحبة أمام الإنسان ليتقدم ويتطور وتغض الطرف عن الأحاديث الشريفة التي تدعو للتواضع والرحمة وتفتح عيونها فقط على تفسيرات مغلوطة لآيات الجهاد وأحاديث منسوبة للنبي الكريم تتحدث عن القتل وسفك الدماء، وبوحي من هذا الفهم المشوه تنشأ عقلية التكفير والتخوين وبالتالي معادة الآخرين وهدر دمهم لأن ذلك من وجهة نظرهم هو الجهاد في سبيل الله .

وقد استغلت التنظيمات الجهادية هؤلاء الشبان المعبئون بثقافة الموت إلى أقصى درجة وجعلت منهم قرابين رخيصة تذبح على عتبة طموحاتها السياسية وأهدافها الخفية، بنفس الدرجة التي تم فيها استغلال تلك التنظيمات نفسها لتنفيذ أجندات سياسية خارجية، على يد نفس الجهات التي تدعي محاربتها .. وعلى رأس تلك الجهات تأتي الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

فإذا كان هذا التحليل ينطبق على التنظيمات الإسلاموية في العالم بشكل عام فإنه أشد وضوحا في فلسطين حيث سنضيف إلى جانب القهر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يتعرض له عامة المسلمين سنضيف قهر الاحتلال وقمعه، حيث أن ممارساته الوحشية اللاإنسانية بحق المواطنين لها أبلغ الضرر على نفسياتهم ووعيهم، فعندما تدخل مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح إلى تجمع سكاني معين لنسف منزل أو اعتقال مجموعة أو قتل مناضل ... ستجعل بقية المواطنين متفرجين يائسين محبطين يتجرعون الظلم ويبتلعون الإهانة ويكبتون القهر، يدمرهم الشعور بالعجز أو الإحساس بالتقصير أو الشعور بالخوف فتتراكم مثل هذه المشاعر الرهيبة في صدورهم وتتأجج نيرانها وتضرم لهيب الثورة والتمرد فيها، وتدفعهم للانتقام والثأر والدفاع عن النفس والوطن، وهذا رد فعل طبيعي على ظروف الاحتلال، أي أن ظروف الاحتلال ستجعل من الإنسان الفلسطيني إنسان يحيا حياة غير طبيعية كما فطر الله سائر البشر، فهو إما مطارد في الجبال أو مكبل في السجون أو قلق ينتظر لحظة الانفجار ويتوقع الموت أو السجن في أي لحظة يعاني من الظلم و المهانة، والظلم له مذاق مر لا يعرفه إلا من أحس به ويصعب وصفه بالكلمات والإنسان متى تجرع الظلم وتعرض للاضطهاد سيصبح من الصعب عليه أن ينظم حياته بشكل طبيعي، وسيحفز هذا الظلم مراكز التنبيه في وعيه لتجعله يقظاً على الدوام، متحفزاً قلقاً مستعداً للمفاجئات والتغيرات الجذرية في حياته الخاصة أو في مجتمعه بشكل عام، ولأن الإنسان المحتل سيواجه صعوبات كبيرة في التكيف ستضعف عنده العقلية النمطية ليحل محلها عقلية متحفزة يقظة، إما انها ستعيد إنتاج وعيها الوطني على أسس إنسانية حضارية ثورية وتنتظم على أساس الاستعداد للتضحية ويترسخ انتماؤها ويتعمق، وإما أنها ستتطرف وتأخذ الحد الأقصى، أو أنها ستعجز وترضخ وتبدأ بتقبل الواقع حتى تعلن استسلامها في النهاية، فإذا كان الاتجاه الأول ستظهر نتائجه من خلال الالتزام الوطني والثوري والمشاركة السياسية والجماهيرية فإن الخيار الثاني سيدفع صاحبه لممارسة العنف بأي اتجاه ودون وعي، فيما الخيار الثالث سيبدأ صاحبه أولاً بالخوف ثم محاكاة العدو وتقمص شخصيته وتقليد حركاته وينتهي بتطبيع العقل وتدجينه .

فإذا أردنا الحديث عن العنف في المجتمع الفلسطيني وطبعا لا نقصد العنف الموجه ضد الاحتلال بل العنف الموجه تجاه بعضه البعض، فإن الحديث يشمل كافة التنظيمات ولا يقتصر فقط على أتباع حماس أو أعضاء القوة التنفيذية أو كتائب الأقصى ... ، ولكن ما يميز العنف الذي تمارسه حماس هو مبرراته الدينية ومنطلقاته الأيديولوجية، التي ستوسمه بالشدة والقسوة لأنه من وجهة نظرهم جهاد في سبيل الله ونهي عن المنكر وقتال ضد الفئات الضالة وإقامة حكم الله .. وتكمن خطورته أيضاً في أن مقترفي العنف من القوة التنفيذية سيقدمون على فعلتهم دون أن تهتز لهم قصبة وسيسوّغون جرائمهم وسيبررونها بفتوى دينية .. ومن الممكن أن يصوروا الحرب الأهلية على أنها جهاد مشروع لإقامة دولة الإسلام ... !

وفي الحقيقة فإن العنف في الأراضي الفلسطينية فضلا عن الأسباب التي أشرنا إليها فإنه تعبير عن تخلف اجتماعي وإحتقان وكبت نفسي يُمارس تحت مظلات دينية أو ثورية، لذا نلاحظ زيادة حدته في قطاع غزة حيث القطاع ذو كثافة سكانية هي الأعلى من نوعها في العالم وحيث المخيمات والجوع والفقر والمجاري المفتوحة والبيوت الضيقة التي تتكدس فيها عائلات كبيرة فوق بعضهم البعض وحيث الأطفال يهيمون في الشوارع والشباب لا يجدون متنفسا وحيث البطالة والتخلف الاجتماعي ... كلها ظروف بالغة القسوة وتعتبر مناخا ملائما لترعرع وإزدهار ثقافة العنف والتطرف ..


الخلاصة

فكما أشرنا في المقدمة أن أمريكا تقتات على الإرهاب وتحتاج هذه الحرب مثل حاجتها للنفط وتعتبر أن حربها المزعومة على الإرهاب هي مبرر وجودها ورسالتها الأخلاقية للعالم وهي حجتها أمام دافع الضرائب وشعارها أمام الناخب الأمريكي، وبدون خصم قوي ( نظريا في الإعلام وفي عقول الناس فقط ) تصبح المواجهة سخيفة ولا معنى لها، وبالتالي إذا لم يكن هذا الخصم موجود أصلا فلا بد من إيجاده وإذا كان ضعيفا فلا بد من تضخيمه.

وقد أدى الربط الجائر بين الإرهاب والإسلام إلى تشويه صورة العرب والمسلمين بشكل عام في أذهان العالم بل وإلى تشويه الإسلام نفسه، وقد زاد من حدة هذا التشويه التصريحات الجوفاء التي يطلقها أمراء الحرب في البلاد المنكوبة بالإرهاب سواء على شاشات الفضائيات أم على مواقع الإنترنت، وهذا التشويه ترك آثارا بالغة السوء على الإنسان العربي سواء في معاملته في دول الغرب أو في نظرته لواقعه وحيرته مما يجري، وتخبطه وضياعه بين مفاهيم الجهاد والإرهاب وبين المقاومة والعنف.

واليوم فإن الإرهاب يُعد من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع العربي ومن أهم الأسباب التي أدت إلى تراجعه والإساءة إليه والإساء لصورة المقاومة والنضال الوطني عامة، ففي الجزائر مثلا أدت الصور المرعبة للمذابح الفظيعة التي أقترفتها جماعات إرهابية موتورة تدعي الإسلام إلى فقدان تعاطف العالم مع جبهة الإنقاذ حينما تمت مصادرة نتائج الانتخابات التي فازت بها آنذاك، وفي مصر أدت التفجيرات العشوائية واستهداف السواح إلى التشويش على المعارضة السياسية ضد النظام، وفي العراق أدت تفجيرات القاعدة وأعمال التطهير العرقي الطائفي إلى تشويه صورة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وفي فلسطين أدت العمليات الإستشهادية التي راح ضحيتها مدنيين إلى تشويه الصورة النقية للنضال الفلسطيني العادل والمشروع، وحتى في أفغانستان فقد أدى التداخل بين الحرب الأهلية ومقاومة الأحتلال الروسي إلى تشويه الصورة في المشهد الأفغاني، إذا عمليات تشويه المقاومة وربطها بالإرهاب وإن كانت تتم على يد الإعلام الأمريكي والإسرائيلي إلا أن الأطراف الداخلية وبحماقتها تسهم في هذا الاتجاه وتفيده بأكثر مما كان يحلم.

وأخيراً يمكننا القول أن ما يُسمى بالصحوة الإسلامية والتي حملت بين طياتها أفكار التطرف والعنف قد برزت وانتشرت بعد فشل كل من الخيار القومي والإشتراكي وانكفاء الإسلام العقلاني المعتدل ومحاصرة حركات التحرر في العالم أجمع، والتي ترافقت مع أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية أدت إلى حالة تدهور وانهيار مستمرين على مختلف المجالات مع تفشي البطالة، وتدني مستوى الذوق الإنساني، إلى جانب الاختناقات والكبت الجنسي وأزمات المجتمع وارتفاع تكاليف الحياة ... وبالتالي إيصال الفرد في بعض الحالات إلى مرحلة انعدام الأمل ودفعه نحو التطرف أو السلبية، وهذا بطبيعة الحال سينتج عنه شعور بالإحباط العام وإحساس بالفراغ الروحي، ومن البديهي أن هذا الفراغ الناجم عن هذه السلسلة من الإخفاقات والهزائم المتتالية يستدعي بالضرورة إيجاد البديل ... البديل الذي يعد بالحل ويمـنّي الروح.

وقد كان لإنتشار المحطات الفضائية الدينية دورا مكلا في هذا السياق، إذ تتبارى هذه المحطات فيما بينها على استقطاب المشاهدين من خلال مقدمي برامج - ممثلون بارعون - يلبسون لباس الدين ويقدمون ثقافة سطحية تعمق من الذهنية الغيبية وذهنية التحريم وترتكز على الفلسفة المثالية وتقدم وجهة نظر الأنظمة الرسمية التي طالما ركبت الموجة وتساوقت مع التيار، ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن الخطاب الديني للمؤسسة الرسمية وخطاب الجماعات الأصولية ( الإسلام السياسي ) يتشابهان بالمضمون والكيف ولكن يختلفان بالكم وبالحدة.

ويمكننا القول أيضاً أن النسبة العظمى من أعضاء الجماعات الاسلامية هم من الطبقات الدنيا في المجتمع المحرومة من أبسط حقوقها الطبيعية والتي نشأت في بيئة القهر والحرمان والتخلف وسحقتها ظروف مجافية بالغة القسوة شملت كل مناحي حياتها حتى التلوث البيئي والأمراض وسوء التغذية، مما يعني أن حركة الجماعات الإسلامية هي في جوهرها حركة احتجاج اجتماعية سياسية اقتصادية في مواجهة الظلم الاجتماعي والتمايز الطبقي وفساد الطبقة الحاكمة والهزائم السياسية، ولكنها وسمت نفسها بميسم ديني ولبست ثوب الإسلام لأن الثقافة الدينية حسب ما توصلت إليه من قناعة هي الأقرب منالا والأسهل وصولا والأكثر محاكاةً للعاطفة الدينية عند العامة والمنسجمة مع ظروف تنشئتهم وتتناسب مع مستويات ثقافتهم، والتي يجدون فيها العزاء والسلوى والجنة الموعودة، ولكن ما أسهم بانتشارها ونجاحها هو تقاطعها مع مصالح حيوية لمراكز قوى داخلية وأخرى خارجية لها حسابات سياسية خاصة بها ولكنها استخدمت تلك الفئات في مخططاتها المشبوهة.

وتبقى الحقيقة أن كل أعمال القتل والتفجير الموجهة ضد المدنيين هي أعمال جبانة يمارسها أناس جبناء بمعنى الكلمة لأنهم لا يواجهون أعدائهم بل يغدرون بهم ولا يتركون أي فرصة للتكافؤ العسكري أو المعنوي بينهم وبين ضحاياهم، وهم غالبا ما يختارون الأبرياء هدفا سهلا لإنتصاراتهم المشبوهة لأنهم معادون للإنسانية في أقدس معانيها ويضربون نقطة ضعفها المتمثلة بالضعفاء من الأطفال والنساء والشيوخ .

والخلاصة أن أفكار التطرف والعنف ليست موجودة في الأيديولوجيا الدينية وحسب، فهي موجودة فعليا لدى الحركات الإسلامية والمسيحية واليهودية على حد سواء، وهي أيضا موجودة ومورست فعلا عند الشيوعيين والرأسماليين والعلمانيين والثوريين وكل الطغاة والمستبدين .. ولم يعجز أي منهم عن اجتراح النصوص والمبررات التي تجيز له القتل والإرهاب ،، ولو أردنا استعراض أمثلة على عنفهم لملئنا صفحات وصفحات ..

وفي النهاية يمكننا القول بكل ثقة بأن أفكار العنف والتطرف والتشدد التي تتشدق بها الجماعات الإسلاموية الأصولية ليست من الإسلام الحقيقي بشيء ولا تمت له بصله، بل هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف، ولو استعرضنا بشكل سريع اختلاف الجماعات الإسلاموية في شكلها ومضمونها على امتداد العالم الإسلامي وعلى مدار التاريخ لتوصلنا إلى حقيقة بسيطة ومدهشة ودامغة في آن واحد: وهي إن الإسلامويين كانوا دوما يشبهون بلدانهم في بنيانها ونمط حياتها ومستوياتها الفكرية والاقتصادية بل وفي شوارعها وأزقتها ونوعية حكامها، وهذا ليس غريبا إذ أن تنوع البيئات سيؤدي إلى تنوع فهم الأفكار وكيفية التعامل معها، فإذا كانت الإفكار متاحة للجميع فإن الفرق يكمن في اختلاف بناء هذه الأفكار وترتيبها، فالخوارج مثلا نشأوا في فترة الإضطربات والقلاقل التي عصفت بالمجتمع أيام الصراع الدموي بين علي والأمويين، أما المعتزلة فقد ظهروا في البصرة وبغداد في أوج التقدم الحضاري للدولة العباسية، وفي عصرنا الراهن لاحظنا كيف أنتج الفقر والتخلف في أفغانستان حركة طالبان وكيف أنتج الإزدهار والتطور في ماليزيا وتركيا حكومات ديموقراطية منفتحة على العالم، وكيف تأثر شكري مصطفى بقريته التي تمتهن التهريب والخروج على القانون فأنتج فكرا خوارجيا متطرفا، وكيف خرجت من عشوائيات القاهرة في إمبابة الإفكار العشوائية لعدد من منظري الجماعات الجهادية على عكس ما يطرحه مفكرين متنورين في جامعات مصر المختلفة، وكيف خرجت من أزقة غزة الضيقة المكتظة المزدحمة نماذج عنيفة للإسلام السياسي تختلف عما تنتجه مدن الضفة الأكثر رحابة منها، وهكذا، أي أن ثبات العقيدة الإسلامية بحد ذاته لم يحل دون تنوع سلوك المسلمين الذي هو في المحصلة نتاج للمجتمع وسبل عيشه، بمعنى أن البيئة كانت تلعب دوما دورا حاسما في إنتاج الفكر الديني تزمتاً أو انفتاحاً .

واليوم فإن كل من تجد هذه الأفكار المتطرفة صدى في نفسيته المضطربة أو من يراها في مرآة روحه الصدئة أو يجد لها قبولا في عقله المريض وتعبيرا عن شخصيته الموتورة والمكبوتة والمأزومة، وكل من يبحث عن الشهرة والمغامرة وأراد أن يعوض عن نقصه بصورة الملك المتوج ولا فرق عنده إن تُوّج على كومة من الجماجم، وكل من افترسته أوهام الانتقام والنصر السهل .. أي من هؤلاء سيصبح إرهابيا بكل سهولة بغض النظر عن بيئته الاجتماعية، خاصة وأن أمراء الإرهاب متوفرون في كل حي ونادي في زمن الأمركة والعولمة والفضاءات المفتوحة.


المصادر

1. الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية، خليل عبد الكريم، دار مصر المحروسة، القاهرة – 2004 .
2. الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية، خليل عبد الكريم، سينا للنشر، القاهرة، ط 2 – 1997 .
3. الشيخ حسن البنا، زياد سلامه، دار البيارق، ط 1 – عمان – 2001 .
4. الذين ظُلموا ، محمد محفوظ، رياض الريس للكتب والنشر، ط1، لندن – 1988 .
5. الديموقراطية أولا الديموقراطية دائما / عبد الرحمن منيف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ط1 ( 1992 )





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق