أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

الكبت الجنسـي1



موضوع الجنس واحد من بين أكثر المواضيع أهمية في حياة الإنسان وأكثرها إلحاحا على فكره وضغطا على سريرته، فهو يحدد طبيعة مزاجه وهو الذي يأجج عاطفته ويحرر طاقته الداخلية، وطالما ظل الجنس حبيسا لدى الإنسان سيبقى مصدراً للقلق والتوتر ومحفزا لمراكز التنبيه في عقله الباطن، وهدفا يوميا لحياته يصرفه عن التفـكير في غيره من المواضيع، إلا أنه بالرغم من هذه الأهمية ما زال "الجنس " من بين المواضيع التي لا يتم تناولها في الثقافة العربية إلا بالخفاء وبالطرق الملتوية وبشكل خجول، ومن النادر أن يتم تناوله كموضوع علمي بشكل علني وجاد بعـيدا عن الخجل والضـغوطات الاجتماعية، وعادة ما يقترن الجنس في مخيلة الإنسان العربي "باللذة المسروقة "، "والمومسات " ، "والخطيئة " ، وهذا ليس بسبب ضعف الثقافة الجنسية أو بسبب غياب التربية الواعية فحسب بل وبسبب النظرة التاريخية للمرأة والجنس والتي اتسمت بالاحتقار والدونية ولحقها كثير من التشويهات.
من المؤكد أن للإنسـان حاجات أولية، حاجات لم تتغير في جوهرها منذ كان بدائيا، والفرق بين الإنسان والحيوان في هذا المجال هو إمكانية الإنسان التحكم في هذه الحاجات وتنظيمها، وتعود جمـيع حاجات الإنسان الأولية والثانوية إلى حاجة أساسـية أولى هي حفظ الذات، أي من خلال غريزة البقاء وغريزة الجنس .
ويقول الباحث بوعلي ياسين في كتابه الهام الثالوث المحرم أنه في بدايات المجتمع البشري ما كان الناس يعيشون ضمن تشكيلات اجتماعية بشكلها المعروف حاليا، بل في مجموعات بشرية، وكان إشباع الحاجة الجنسية حرا بلا قيود، فيقوم الإنسان بالجماع كما يقوم بأي نشاط آخر دون معيقات أو تعقيدات، ومع تطور المجتمع البشري بدأ تقنين الإشباع الجنسي وتهذيب الغرائز البدائية، فحدث أول تقييد للحرية الجنسية من خلال تحريم الزواج بين الآباء وبناتهم، ثم تحريم العلاقة الجنسية بين الأخوة والأخوات، وهكذا وصلت البشرية قبيل عصر الحضارة إلى مرحلة تحديد العلاقة الجنسية بين رجل واحد وامرأة واحدة وظهور الأسرة الأحادية القائمة على التزاوج بين اثنين فقط، أي أن هذا المسار التحريمي هو الذي سمى بالمجتمع البشري من مرحلة القطعان إلى مرحلة النظام الأسروي، إذ استطاع المجتمع البدائي أن يحد من ظاهرة التزاوج الجماعي، ومن ثم يصيغ نظامه الاجتماعي.
وقد كان تحريم القريبات في تلك المرحلة كما غيرها من التحريمات: يستولي الرعب على المتخاصمين فيتجنبون العودة للسقوط في دوامة العنف المتبادل ويتجنبون بعضهم بعضا، وهذا التطور في النظام الاجتماعي واكبه مسار تحريمي – تنظيمي بدأ بالحرية الجنسية المطلقة وانتهى بالكبت النسبي أي بفرض ضوابط وتحديدات اجتماعية معينة تتناسب مع تطور الوعي الإنساني ووصول البشرية إلى المجتمعات الحديثة .
والكبت الجنسي ينتج عن تحكم الفرد بطاقته الجنسية ومنع رغبته بها وحبسها إلى حين تفريغها في الوقت والمكان المناسبين أي بالطريقة التي تحددها طبيعة وثقافة المجتمع أي من خلال الزواج وإلا سيضطر إلى تفريغها من خلال وسائل أخرى، أو أنها ستبقى تؤرقه وتقض مضجعه تاركة آثارا سلبية عديدة.
فإذا كان الزواج قديما يمثل الحل السهل للمشكلة الجنسية، إلا أنه لم يعد الآن بنفس السهولة واليسر وذلك كاستحقاق تدفعه الإنسانية ثمنا لتمدنها، نتج عنه ما يعرف بالكبت الجنسي، وفي العصر الحديث تفاقمت هذه المشكلة نتيجةً لعاملين : الأول ذاتي والثاني موضوعي ، فإذا كان الأول يتعلق بطبيعة النفس البشرية وتكوينها البيولوجي والسيكولوجي فإن العامل الثاني يتعلق بالمجتمع ونظامه الأخلاقي وقوانينه السائدة، وهذان العاملان مترابطان ويؤثران على بعضهما البعض ضمن علاقة جدلية تأخذ شكل التناسب الطردي، إذا كلما زادت تعقيدات الحياة وضغوطات المجتمع زادت حدة العامل النفسي والجسمي وولدت الكبت الجنسي.
والأرضية الملائمة لتفاقم الكبت الجنسي أو انفلات الجنس من دائرة السيطرة الإنسانية الواعية تكمن في غياب التربية الحديثة التي تؤمّن نموا عاطفيا ونفسيا سليما للطفل وفي ضعف الثقافة الجنسية وفي تخلف نظرة المجتمع للجنس أو للمرأة بشكل عام، وتوفر هذه العوامل – وهي غالبا ما تكون متوفرة – وترافقها مع عوامل أخرى ستجعل من الكبت الجنسي مشكلة في غاية الأهمية والخطورة تهدد استقرار المجتمع، فمثلاً: غلاء المعيشة وارتفاع تكالبف الزواج وتعقيدات الحياة وترافقها مع أزمات خانقة عديدة أخرى وتبدل قيم المجتمع وغيرها من المشاكل الاجتماعية أدت جميعها إلى تأخير سن الزواج للجنسين مما يعني أن الشاب – والفتاة طبعاً - سيمر بفترة عصيبة مسكونا بالخوف من المستقبل الذي سيراه مظلما ومجهولا تنعدم فيه أدنى التأمينات والضمانات، كما أن استفحال ثقافة الاستهلاك في العديد من المجتمعات سيجعل من الفتاة المستلبة التي تشبعت بهذه الثقافة ومن جسدها مجالا للعرض والاستعراض أمام الشباب الذين سيرهقهم كبت اندفاعاتهـم وحاجاتهم العضوية.
ويقول د. علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين أن تناقض القيم الدينية والمواعظ الأخلاقية مع ما يذاع على الناس في وسائل الإعلام المختلفة التي تعرض آخر ما توصلت إليه في تجارة الإغراء والإثارة وما يشاهدونه على أرض الواقع، هذا التناقض سيولد لدى الشباب شخصيتان : إحداهما مخصصة لسماع المواعظ وتردادها، والثانية لممارسة النـزوات والمغامرات الجنسية.
والحلول التي قدمها بعض علماء المسلمين كحل للكبت الجنسي "كالجواري " ، "وزواج المتعة " ، " وزواج المسيار " ، والتي ما زالت مثارا للجدل، لا تعتبر حلولا كافية أو جدية فهي مقدمة للرجال فقط وللأغنياء منهم على وجه الخصوص، ومن الخطأ أن نعتبر أن " الكبت الجنسي " مشكلة تخص الذكور دون الإناث ، فهي تخص الطرفـين بنفس الدرجة .
أما عن الحلول "التحريمية " المتمثلة في منع الاختلاط وفرض النقاب واعتكاف المرأة في بيتها ما هي إلا حلولا سطحية تدور حول المشكلة ولا تدخل في جوهرها، فمن المعروف أنه كلما أمعن المجتمع في انغلاقه وتحشمه الظاهري وسجنه للنساء كلما تفاقم الكبت، وبالتالي الانحراف، ليس لأن الممنوع مرغوب فقط بل لأن هذا يتنافى مع المنطق الطبيعي وسنن الحياة، وفي المجتمعات المعزولة المغلقة التي تختفي فيها النساء من الشوارع والحياة العامة سيتجه الرجال نحو "الغلمان" وقد يلجأون لممارسة " الشذوذ الجنسي " .. والتاريخ مليء بالأمثلة.
وليس خافيا على أحد أن المرأة جميلة ومغرية في نظر الرجل الذي يبحث عن الجنس مهما كدست فوق جسدها من ملابس وغطاءات، إذ كلما غطت جزءا من جسدها كلما تحرك في خيال الرجل هاجسا جنسيا معينا وكلما حلّق خياله وتصويره الباطني لصورة المرأة المختزلة في أعماق ذاكرته، فهو ليس بحاجة إلى أي إغراء خارجي، فالموضوع عنده ذاتي بحت، يعتمل في داخله وتضطرم نيرانه في سريرته وثمة طاقة داخلية وحرارة محبوسة تبحثان عن مخرج ومتنفس وبأية طريقة _ في حالات معينة _ وهنا فإن إخضاع الإندفاعات الجنسية لن يأبه كثيرا لشكل المرأة ومدى تحشمها، وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد سيكون مستعدا لتفريغ طاقته وإطلاق اندفاعه الجنسي بأي اتجاه، والضابط الحقيقي المتحكم في الاندفاعات الجنسية هو التربية الصحيحة ( الأخلاق والقيم ) بغض النظر عن المظاهر والأشكال الخارجية .
وهذا لا يعني أن الإسلام عجز عن تقديم الحلول الجذرية للمشكلة الجنسية بل كان العجز في علماء الإسلام وشارحيه، فالذي يتمعن في آيات القرآن الكريم أولاً ثم ينظر إلى عامة الأحاديث المنسوبة إلى النبي بخصوص المرأة والجنس والحياة الجنسية ثانيا، وإلى ثقافة المجتمع الإسلامي في بداياته المتعلقة بنفس الموضوع ثالثاً، سيشعر بأنه ينتقل تدريجياً من عالم رحب واسع الآفاق مرن وميسّر إلى عالم ضيق يقطع الأنفاس ويرهب العقول، فالقرآن الكريم ترك فسحة كبيرة للناس كي يصيغوا حياتهم بأنفسهم في ظل مبادئه وأحكامه العامة، كما نصت الآية الكريمة: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" لكن هذا اليسر لم يناسب المتزمتين الدوغمائيين المتسلطين، فأعسروا على الناس وأرهبوهم دينيا مع إرهابهم سلطويا، ونتيجة ذلك تجنب الخطاب الديني التقليدي الخوض في موضوع الجنس إلا بمقدار ما يتماشى مع أنماط تفكيره ونظرته له.
ويرى د. هشام شرابي في كتابه الشهير مقدمات لدراسة المجتمع العربي إن الحل الصحيح لهذه المشكلة يبدأ في البيت، ثم المدرسة، وينتهي بثقافة المجتمع، والعكس صحيح طبعا، فأي خلل في إحدى هذه الحلقات سيحدث شرخا في الشخصية وتشويها لمفهوم الجنس، وعلى سبيل المثال : في مجتمعنا العربي نلاحظ أن الأسرة تحيط الأمور الجنسية بالسرية والخوف والتكتم الشديد فينمو الطفل ويبلغ سن المراهقة وهو معزول تماما عن حقيقة ما يجري حوله وما يدور في نفسه من تحولات وتبدلات فتنشأ عنده عقدة نفسية، ويصبح موضوع الجنس محاطا بالخجل بالرغم من أنه شأن من أهم شؤون الحياة، وبهذا تتحول الأسرة الى مؤسسة لتنظيم الجنس وتقييده، ولتهيئة الأطفال للزواج وتكوين أسر جديدة منسوخة عن الأسرة الأم، وإذا لم يسمح للطفل بأن يعيش حياته الجنسية الطبيعية ستجري في كيانه تبدلات مخيفة، ويغدو نفورا وجلا متحفظا كسير النفس يهاب السلطة وتنمو لديه إندفاعات جنسية غير طبيعية مثل الميول السادية، ويحل محل الكيان الحر الجريء : الطاعة والتأثر الشديدين، وقد أثبت علم النفس أن الكبت الجنسي يقتل روح التمرد في الفرد ويخضعه لإرادة الأب والسلطة، وهذا الإخضاع يؤدي بدوره الى عوارض نفسية مختلفة من اهمها ضعف القدرة على التساؤل الحر والتفكير المستقل إضافة إلى التشتت العقلي .
وفي هذا السياق يورد بو علي ياسين رأيه بإن إخضاع الإندفاعات الجنسية يتطلب الكثير من الطاقة والانتباه وضبط النفس، وبقدر ما تصبح القوى البيولوجية للطفل أو للمراهق عاجزة عن التوجه إلى العالم الخارجي وإلى إرضاء الدافع الجنسي، فإنها تفقد من قدرتها المحركة وجرأتها وإحساسها بالواقع ويصبح الطفل مكبوتا وفي مركز هذا الكبت تُكبت الحركة، الركض، الشقاوة، الذكاء، النشاط، أي كبت النشاط العضلي والذهني عموما، وهكذا تقف الأسرة البطريركية عائقا أمام الأطفال والشبيبة في تفتح شخصياتهم وتكونها بشكل صحي، وترغمهم على عكس إرادتهم في تطوير نفسياتهم وشخصياتهم مستخدمة في ذلك وسائل ردع وقمع عديدة .
وفي المدرسة - التي ستكون إمتدادا للبيت – حيث يتواجد في بعض الأحيان معلمين ليس في ذهنهم سوى فكرة غامضة عن حاجات الطفل الخاصة في مراحل نموه المختلفة، وبالتالي فإنهم يعاملون الأطفال بشكل كثيرا ما يؤدي إلى كبت نموهم العقلي والعاطفي، وإلى مشكلة المعلمين تضاف مشكلة "المناهج " التي تفتقر إلى الثقافة الجنسية والتربية الجنسية الصحيحة، ومن البديهي ان الطفل والمراهق ما لم يتلقى حاجته من المعرفة الجنسية في البيت أو المدرسة فإنه سيبحث عنها في الشارع وفي الكتب الرخيصة أو الأفلام الإباحية، وفي ظل وضع كهذا سيكبر الطالب وهو لا يعرف شيئا عن الجنس الآخر ويتصوره كشيء مجهول ورهيب، سرعان ما تظهر نتائجها المدمرة عند أول مواجهة بين الجنسين، كأن يحصل الاغتصاب أو الإعتداءات الجنسية المختلفة أو أحيانا تنشأ علاقة حب وهمية عارضة ما تلبث أن تنهار وينهار معها الكيان العاطفي لكلا الطرفين، وأحيانا يتم زواجا سريعا أي قبل أن تكتمل عناصره من المحتمل أن يجر التعاسة والشقاء للزوجين، فبسبب الجهل وانعدام الثقافة الجنسية وسيادة المفاهيم الخاطئة عن الرجولة فإن الرجل قد يجعل من الليلة الأولى للزواج ليلة إغتصاب وعدوان تترك جروحا نفسية بليغة لأمد طويل بحيث تصبح الحياة الزوجية مستحيلة .
إن الكبت الجنسي كنتيجة لهذا الواقع سيؤدي إلى توقف النمو النفسي والعاطفي لدى الإنسان وبالتالي فإن هذا الكبت سيدفعه إلى الإنحراف والشذوذ وإلى تكون ميول إجرامية وعدوانية واستبدادية، وتوعز د. نوال السعداوي الصفات الدكتاتورية والتسلطية عند الحكام الظلمة إلى الكبت الجنسي، وتقول أن طاقتهم النفسية والجنسية المكبوتة انحرفت عن طريق الحب والعلاقات الحميمة الى البطش والسيطرة والعدوان، وهذه الصفات هي دعائم الوصول الى الحكم في عالم تسود فيه قيم الحرب والتدمير والنظام الطبقي الإستغلالي، وهؤلاء وغيرهم من المكبوتين والمعقدين جنسيا يعانون من مشاكل ما في علاقتهم بأجسادهم يعجزون بسببها عن إقامة علاقات سوية مع الآخرين .
في حين أن التربية في أجواء الحب والتفاهم ستؤدي الى النضوج الجنسي وبالتالي النضوج العاطفي، هذا النضوج يساعد الإنسان على إقامة علاقة مستقرة مع الجنس الآخر، مشبعة نفسيا وفكريا وجسديا تشكل فيها العلاقة الجنسية – في إطار الزوجية _ الوسيلة الأساسية للتعبير عن الحب، أي على عكس ما يؤدي إليه الكبت الجنسي وعدم النضوج العاطفي من تحول الطاقة الجنسية المكبوتة إلى عدوانية وإلى تضخيم الحقد والكره والأنانية، وداخل النفس "المكبوتة" ستنمو عدوانية أخرى ناتجة عن الإضطهاد والقمع الذي يتلقاه الإنسان من محيطه ومن أجهزة القمع في الدولة ويتلقاه العامل المأجور من رؤسائه وفي حياته اليومية وكذلك معظم فئات المجتمع " المقموعة " .
والكبت الجنسي لا يكون فقط لغير المتزوجين إذ أن المرأة التي لا تُشبع حاجتها من خلال الممارسة مع زوجها ستعاني من أسوأ أنواع الكبت الجنس، فالجنس من القضايا التي تترك أثرا بالغا في بناء المرأة السيكلوجي، وقد توارثت المرأة الشرقية مفهوما سلبيا مفاده أن الرغبة الجنسية من حق الرجل فقط، فهي بذلك وعاء جنسي له يفرغ فيه ملذاته، وهو مفهوم موجود عند الرجل أيضا، جعل منه ذريعة ليمارس الجنس مع زوجته بمنتهى الأنانية والغلظة، أي أن الجنس في المجتمعات الشرقية عموما عملية غير متكافئة يفتقر غالبا إلى الحب، لذلك قد يصبح الجنس عند المرأة مصدر قلق وتعب نفسي وجسدي، يولّد لديها صراعا نفسيا مريرا بين رغبتها في إشباع حاجاتها العضوية والعاطفية وبين إحساسها بالإثم والذنب إذا ما طالبت بذلك، الأمر الذي جعل من هذه العملية أن تقترن في ذهنية المرأة بالمهانة والسلبية، فعدم مشاركة المرأة في هذه العملية مشاركة كاملة، سيجعلها تشعر بالحرمان والتوتر النفسي والعصبي، وبالتالي ستغدو مشوشة ومضطربة تفرغ طاقتها وحرارتها الداخلية بأشكال مختلفة، فتلجأ الى إثارة المشاكل وخلق العداوات واستغابة الناس كتعويض عن هذا النقص .
وبالنتيجة سيولد الكبت الجنسي عدوانية وكره للآخرين سيقوم الفرد بتصريفها في الحياة الزوجية وفي المحيط العائلي ضد الشريك الآخر وضد الأطفال وضد الآخرين بشكل عام.
ويؤكد بوعلي ياسين على أن الإنسان المكبوت ليس بقادر على العمل الخلاق مثل الإنسان المشبع جنسيا، لأن الحرمان الجنسي يضعه في نفسية وعقلية معيقة للعمل والعكس صحيح فالإنسان المشبع جنسيا غير مستعد للقيام بعمل مغترب خارج عن إرادته، عملاً لا يرى فيه تحقيقا لإنسانيته، بل يطلب عملا يتناسب وإمكانياته العقلية ويتوافق مع مواهبه ومهاراته ويجد فيه متعة وإبداع، لهذا فإن الإنسان المقموع والمكبوت هو الإنسان الصالح لأغراض الطبقة المتسلطة لأنه مهيأ فكريا للقيام بأي عمل يطلب منه مهما كان شاقا وبأقل الأجور ودون أي مطالبة بالحقوق .
كذلك فإن الكبت الجنسي يمهد نفسيا وعقليا للإستهلاك اللاعقلاني كتعويض وسلوان عن الحاجة الجنسية غير الملباة، ومن أجل ذلك اخترع الرأسماليون مؤسسة الموضة، وهي النبع الذي لا ينضب للسلع الوهمية الجديدة والمتجددة، وإلى جانب الموضة سيظهر الإعلان التجاري الذي سينطلق من الكبت الجنسي وسيركز على المرأة ويوجه دعايته إليها بالدرجة الأولى، باعتبارها موضوعا للجنس لا ذاتا، أما المرأة المستهدفة من الإعلان فلن تتأثر بالسلعة الممدوحة فحسب بل إنها ستتأثر أكثر بإمرأة الإعلان نفسها وستميل إلى تقليدها.
أما الرجل المستهدف من الإعلان فسيبدأ بتكوين صورة مثالية عن إمرأة الإعلان وعن جمالها وفتنتها، صورة مفتعلة زائفة ليصدم بعدها بالواقع ويبدأ بالإنسلاخ عنه ومن ثم الاغتراب، فتجذبه المرأة لا من حيث أنها ذات وإنسان ومشاعر بل من حيث أنها عطر وملابس وزينة، وهكذا تتشوه العلاقات الإنسانية وتفسد العلاقة بين الزوجين .
ومقابل الكبت الجنسي هنالك الضعف الجنسي، أي فقدان الفرد القدرة على الممارسة الجنسية وفقدان الرغبة أو الاستمتاع بها، وبالتالي سيخسر الفرد واحدة من أهم متع الحياة وركن من أهم أركان العلاقة الزوجية، وهذا الضعف إما بسبب عوامل بيولوجية أو نتيجة تأثيرات خارجية أو الأمران معا نظرا لترابطهما وتأثير كل عامل على الثاني.
فالأزمات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع وتتنامى يوما بعد يوم ستجعل الإنسان مضطربا محبطا محتقنا بكل محفزات الانحراف أو الانكفاء والتقوقع أو حتى الانتحار، خاصة وأن هذه الأزمات كانت سببا ونتيجة في آن معا لتخلف المجتمع وفقره وتراجعه، كذلك يفعل الشعور بالخوف من المستقبل ورؤيته بصورته الكئيبة، ومثل هذه البيئة ستؤدي إلى ضعف الرغبة الجنسية وستقيد قدرة الإنسان وربما ستشلها وستفقده الرغبة في كل شيء وبالتالي حرمانه من متعة الإقبال على الحياة ومتعة الإحساس بها ومتعة تذوق الجمال والفن، الأمر الذي سيفضي في النهاية إلى فقدان ثقته بنفسه لأن القدرة الجنسية والرجولة في نظره وجهان لعملة واحدة، ونتيجة فقدانه ثقتع بنفسه ستشوه علاقته بجسده وبالتالي تشوه علاقته مع الآخرين، فيغدو متوترا ومحبطا ويائسا ويغضب لأتفه الأسباب، فكما أن الكبت الجنسي يولد صراعا مريرا مع الذات فإن الضعف الجنسي هو أيضا سيؤدي إلى خلل في وظائف الجسم بشكل عام سينعكس على عقله وصحته وسلوكه وعلاقته مع نفسه وبالمجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق