أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 03، 2025

فلسطين في فكر الإخوان المسلمين

 

في المسألة الفلسطينية، يجدر الانتباه إلى أنّ جماعة الإخوان بعد أن بدأت تخرج من مصر، أطلقت على فروعها تسميات معينة، تعترف بموجبها بالدول القائمة؛ في سورية صار اسمها: الإخوان – ولاية سورية، في لبنان: الإخوان – ولاية لبنان، في الأردن: الإخوان – ولاية الأردن.. وهكذا، في فلسطين تم إلحاق فرع الضفة الغربية بتنظيم الأردن، وفرع غزة بتنظيم مصر. ويبدو أن تغييب كلمة فلسطين لم تكن سقطة إملائية؛ فأدبيات الإخوان تسخر من اعتبار فلسطين قضية فلسطينية، فهي قضية إسلامية، بل إن فلسطنة القضية أضر بها، وحرمها من التضامن الإسلامي.. إلخ. وكأنَّ جموع المسلمين كانت زاحفة بجيوشها لتحرر فلسطين، فجاء الفلسطيني وقال لهم قفوا عندكم، لا حاجة لنا بكم، فنحن لوحدنا قادرين على التحرير!

في أدبيات الإخوان وفي اجتماعاتهم الداخلية، وخطبهم المنبرية، في كل مرة يتم التطرق للقضية الفلسطينية، كان فقط من مدخل شيطنة منظمة التحرير، وشيطنة قياداتها، واتهامها بالعمالة والتفريط والتنازل والفساد.. حتى في زمن ما قبل أوسلو، أي في زمن الفدائية، وفي ذروة كفاح المنظمة السياسي والعسكري، وخوضها أشرس المعارك ضد إسرائيل.. 

حركات الإسلام السياسي عموما لا تؤمن بالقومية العربية، وتصفها بالمقيتة والنتنة، ولا تؤمن بالنـزعة الوطنية؛ وبالتالي فهي لا تعترف بالهويات الوطنية السياسية؛ بل أنها تمثل مشاريع تفكيكية للدولة الوطنية المعاصرة، وفي الفكر الإخواني، أرض فلسطين مجرد وقف إسلامي، فهي ليست ملكا للشعب الفلسطيني (الذي وُجد وعاش على أرضه بثبات ملحمي قبل كل الديانات وبعدها).. وبالتالي لا حاجة لإبراز كيانية سياسية، ولا شخصية وطنية فلسطينية، ولا حاجة لتمثيل سياسي لهذا الشعب.. (أهم هدف مركزي للصهيونية هو تغييب أي وجود سياسي للشعب الفلسطيني)..

حتى مفهوم الوطن في الفكر الإخواني مغيب وضبابي، فالوطن عندهم هو الدين، أما الشعب فيُستبدل بمصطلح "الأمة"، وهي جموع المسلمين في العالم.. ما يعني أن رابطة الإخواني بالمسلم الأندونيسي أهم وأقوى من رابطته بابن جلدته إذا لم يكن مسلما، وبتعبير أدق إذا لم يكن إخوانيا.. والصراع مع إسرائيل هو صراع ديني، أي بين المسلمين واليهود في حرب دينية شمولية.

قبل صعود حماس، كان الخطاب الإخواني (خاصة في فلسطين والأردن) يرتكز على معاداة منظمة التحرير، والفصائل اليسارية والعلمانية.. وكانوا يعتبرون أنفسهم في مرحلة الإعداد؛ أي بناء الجوامع، والمراكز الإخوانية، والتركيز على النشاط الدعوي والتنظيمي، ولم يكن واردا لا في الخطاب ولا في الممارسة محاربة الاحتلال. لذلك، سمحت إسرائيل للإخوان بممارسة نشاطهم الدعوي، ومنحت "المجمع الإسلامي" في غزة تصريحا رسميا منذ السبعينيات، وهو أهم مركز للإخوان في فلسطين. وقد استمر ذلك حتى العام 1989، حيث اختلفت الصورة كليا بعد ظهور حماس.. لكن أغلب أفكارهم تجاه القضية الفلسطينية ظلت كما هي.

بعد انطلاقة الانتفاضة (1987)، وجد الإخوان أنفسهم بين خيارين: الاستمرار على الوضع السابق، وهذا يعني عزلهم جماهيريا، أو الانخراط في الانتفاضة، ومقاومة الاحتلال.. فاختاروا المقاومة، وصار اسمهم "حماس"، وكان هذا السبب الأهم في تنامي شعبية الحركة.

وبهذا التحول تكون الحركة الإسلامية في فلسطين قد خطَت أولى خطواتها باتجاه تحولها إلى حركة وطنية، لكنها ظلت تعيد خطابها التقليدي وتؤكد أنها جزءًا لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين، وفي تصريحات عديدة لقيادات حماس أكدت أن قائدها الفعلي هو المرشد العام للجماعة، الذي تدين له بالسمع والطاعة ويحظى بثقتها التامة. ما يعني أن حماس أعلنت بوضوح أن قضيتها الأساسية هي قضية الإخوان، ومشروعها هو مشروع الإخوان.

مشروع الإخوان في الأساس لم يضع قضية فلسطين في مركز اهتماماته، ولم يعلن الجهاد لتحرير فلسطين، وانصب اهتمامهم على هدف تغيير الأوضاع الداخلية في البلدان العربية الإسلامية وتعزيز مكانة الجماعة، وأصبح الصراع على السلطة في كل بلد تتواجد فيه الجماعة هو قضيتها الأساسية، ودعمها لحماس لم يكن بهدف التحرير، بل لتعزيز موقع الإخوان المسلمين في النظام السياسي الفلسطيني، وتوظيف المقاومة لخدمة أهدافها، وكسب تأييد الشعوب الإسلامية لمشروعها السياسي.

إذا كانت "فتح" وفصائل منظمة التحرير امتدادا للمشروع الوطني القومي، فإن "حماس" تُعتبر امتدادا لمشروع الإسلام السياسي الذي تقوده جماعة الإخوان؛ وبالتالي فإن الخلاف بين فتح وحماس هو خلاف بين مشروعين مختلفين: المشروع الوطني الذي يهدف إلى تثبيت الهوية الوطنية، والساعي لبناء دولة فلسطينية ومجتمع مدني، ومشروع الإسلام السياسي ذو الطبيعة الدينية، والساعي لبناء دولة إسـلامية وفرض القضايا الأممية الكبرى (المشروع الإسلاموي العالمي) على حساب المشروع الوطني. 

ورغم المساحة الشاسعة للجانب النظري العقائدي في أيديولوجية حماس؛ إلا أنها لم تكن هي السبب في خلافاتها مع فتح، وهنا يجدر القول بأن "فتح" لا تخوض صراعا فكريا ضد الإسلام السياسي، لأنها لا تمتلك أي أيديولوجيا فكرية، وليس لديها مشكلة مع الدين، وكل الأيديولوجيات خارج مجال اهتمامها، والشيء الوحيد الذي يثير خلافا أو اتفاقا معها هو ما يتعلق بالجانب السياسي ومفاهيم الصراع وأدواته، والمفاهيم الاجتماعية والاقتصادية لمرحلة النضال وما بعد التحرير، ومن هنا إذا أردنا تحديد مواقع الاشتباك والالتقاء بين الحركتين يتوجب علينا التفتيش فقط في هذه الجوانب، بمعزل عن القضايا الدينية والنظرية والفلسفية الأخرى.

على ضوء المعطيات التي تشكلت بدءأ من العام 2005، وجدت حماس فرصتها السانحة للانتقال للخطوة التالية: وهي قيادة السلطة الفلسطينية تمهيدا للظفر بمنظمة التحرير، وقيادة المشروع الفلسطيني برمته، بمعاييرها وتوجهاتها الخاصة.

وعلى مدى نحو عقدين تمسكت في حكم قطاع غزة، لأن السلطة توفر الأرض (لا يهم إذا كانت محررة أو تحت الاحتلال) وتوفر القوة والنفوذ والمال والإعلام، وكل ما يلزم لحكم الناس وفرض أنماط اجتماعية واقتصادية عليهم، ثم خاضت خمسة حروب لم يتحقق منها أي منجز سياسي، بل ظلت الأوضاع تتدهور وتتراجع حتى حلت نكبة جديدة مع حرب الإبادة.

سياسيا، رهنت موقفها لصالح قوى خارجية، وأدخلت الشعب في أتون معاركها لخدمة أجندات ومحاور إقليمية، ولأن فلسطين مجرد "نكاشة أسنان" بحسب تعبير الزهار، وشعبها مجرد خسائر تكتيكية بحسب تعبير مشعل، جرى تقديم فلسطين وشعبها قربانا للمشروع الإخواني الذي تقاطع مع مصالح وأجندات تلك الدول (قطر، إيران، تركيا، سورية الأسد). وبالمناسبة خليل الحية وصف أهل غزة بالقرابين.

نوفمبر 05، 2025

العبودية في العالم العربي

 

اليوم الثاني من ديسمبر كل عام، هو اليوم العالمي لإلغاء الرق والعبودية في العالم.. وبهذه المناسبة أود التأكيد على نقطتين صادمتين، الأولى: رغم حظر العبودية في أرجاء العالم كافة، إلا أنها ما زالت موجودة بمظهر جديد يسمى العبودية المعاصرة.. وعدد العبيد في العالم حوالي 40 مليون شخص معظمهم نساء وأطفال. الثانية: نحن العرب من بين أوائل الشعوب التي مارست العبودية، وقد سبقنا الولايات المتحدة بنحو ألفي سنة، وتخطيناهم بمراحل من حيث أعداد العبيد وحجم هذه التجارة اللاأخلاقية، والمفجع أننا آخر شعب وافق على إلغائها.

كانت تونس السباقة؛ حيث ألغت العبودية سنة 1846 أي قبل فرنسا بسنتين، وقبل الولايات المتحدة بعشرين سنة. فيما أعلنت الإمبراطورية العثمانية عن إلغاء العبودية رسميا عام 1889، بعد 24 سنة من أميركا، أما مصر فألغتها عام 1884، قطر 1952، الإمارات 1963، السعودية 1962، سلطنة عُمان 1970، موريتانيا 1981، ثم ألغتها مرة ثانية 2007. وما زالت في موريتانيا ظاهرة العبودية العنصرية؛ حيث تهيمن النخبة الناطقة بالعربية، على مفاصل الدولة، وهؤلاء يعرّفون أنفسهم على أنهم بِيض، ويمثلون ثلث السكان. أما المُستعبَدون فهُم السود، ومن يُطلق عليهم لقبُ "الحراطين"، ويُشكل الحراطين والسود المستعبدين نحو 40% من السكان، وهم محرومين من الكثير من حقوق المواطنة. وبقية السود غير الناطقين بالعربية الذين لم يُستعبَدوا يشكلون نحو 30% من السكان. وبشكل عام، يُشار إلى جميع السود في موريتانيا باسم "عبيد".

عموما ما زالت تقاليد العبودية سائدة في موريتانيا، وبشكل أقل في بعض مناطق السودان، وحتى في ليبيا، وبعض الدول الإفريقية، وتشمل الاستغلال الجنسي، والسخرة في مجالات الزراعة وتربية الماشية، وظل الاتجار بالعبيد ووهبهم، جزءاً من النظام الاجتماعي والثقافة المحلية في بعض تلك المجتمعات باعتبارهم "ملكية خاصة" يمكن إعارتهم أو وهبهم أو بيعهم للغير، ولا يحق لهم الزواج دون موافقة أسيادهم، أو امتلاك أي شيء أو وراثته، أو الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة.

في المشرق العربي تركزت العبودية في شبه الجزيرة العربية، وحتى الآن ما زالت بعض دول الخليج لا تعترف بتاريخ العبودية وتحظر الحديث عن هذا الماضي. بينما أقدمت قَطر على اتخاذ خطوات أولى بهذا الاتجاه؛ فافتتحت عام 2015 متحف "بيت بن جلمود" الذي يسلط الضوء على معاناة العبيد، ويُظهر بشكل صريح دور الإمارات الخليجية في الرق وتجارة العبيد التي كانت تدر أموالا طائلة في قبل قرنين.

كان الرق منتشرا في منطقة الخليج العربي منذ قرون بعيدة، وكان امتلاك العبيد مصدرا للتباهي ودلالة على مكانة الشخص الاجتماعية. ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين ازدهرت تجارة العبيد، حيث أدى ازدياد الطلب العالمي على التمور واللؤلؤ في منطقة الخليج إلى خلق حاجة ملحة للأيدي العاملة ما دفع التجار العرب على الإقدام على اختطاف أناس من شرق أفريقيا وتصديرهم عبر ميناء زنجبار إلى أسواق العبيد في الجزيرة العربية.

والأكثر غرابة في مصادر العبيد هو اختطاف أطفال ونساء أفارقة كانوا في طريقهم للحجاز لتأدية فريضة الحج، فيأتي التجار والمسلحون على قوافلهم وتختطف بعضهم، أغلبهم يُباع في أسواق خاصة علنية، وآخرين كان يتم خصيهم للخدمة في القصور وفي خدمة الكعبة والمسجد النبوي، ويطلق عليهم "الأغوات". وهي ظاهرة ما زالت قائمة حتى الآن، لكنها في طريقها للانقراض.. لسبب بسيط هو عدم قدرتهم على الإنجاب، خاصة بعد منع الإخصاء بالقانون.

وفي عشرينيات القرن العشرين احتكرت اليابان تجارة اللؤلؤ، وبدأت كاليفورنيا تصدر التمور فانهارت تجارة التمور واللؤلؤ في الخليج العربي، وصار التجار عاجزين عن تحمّل نفقة هذا العدد الكبير من العبيد الذين كانوا يعملون في الغوص واستخراج اللؤلؤ وفي مزارع النخيل ما دفعهم للتخلص من عدد كبير جدا منهم.

ما تزال بعض دول الخليج العربي تمارس العبودية ولكن بأشكال عصرية مواربة، أولها النظرة العنصرية لذوي البشرة السمراء حتى لو كانوا مواطنين، أي العائلات التي كانت مستعبدة سابقاً ثم اندمجت في المجتمع، وأيضا في ممارسات قهرية تنطوي على إجبار الملايين من العمال المهاجرين للعمل في ظروف قاسية بأجور متدنية أو حتى بلا مقابل مادي، والإقامة في مساكن لا تتوفر على الشروط الإنسانية، وما يمكنهم من ذلك "نظام الكفالة" السائد في أغلب بلدان الخليج العربي، وهو ما يسمح بتوظيف عمّال أفارقة وآسيويين وعرب شريطة أن يتركوا جوازات سفرهم في عهدة صاحب العمل، ولا يمكنهم مغادرة البلاد أو تغيير وظائفهم من دون الحصول على إذن منه، وحتى لو ظلمهم ولم يدفع أجورهم في أغلب الأحيان لا يتمكنون من تقديم شكوى للمحاكم.

العبودية المعاصرة هي عجز الأفراد عن مواجهة القهر الموجه ضدهم، وعجزهم عن منع استغلالهم بالتهديدات والعنف والإكراه والخداع واستغلال طاقاتهم الجسدية والإجبار على الزواج، وأيضا تجارة تهريب البشر في المناطق الحدودية.. أو هي سوء المعاملة والتنكيل والإهانة والتخلف عن دفع أجورهم، واحتجازهم وتقييد حركتهم وحرمانهم من بعض حقوقهم الإنسانية.. ومثل هذا الشكل من العبودية المعاصرة نجدها في استخدام مدبرات المنازل (الخادمات)، وتسجل لبنان الدولة الأكثر ممارسة لهذا النوع من العبودية، تليها دول الخليج العربي والأردن، حيث يُنظر لهذه الفئة من المستخدمين والمستخدمات وكأنهم ليسوا بشرا، تماما كما كان يُنظر للعبيد.

وبحسب تعريف العبودية المعاصرة تأتي الدول الإفريقية في المقدمة من حيث معدلات العبودية، حيث تبلغ نسبتهم 7.6 في الألف، تليها شرق ووسط آسيا، ثم أوروبا، تليها الدول العربية بمعدل 3.3 في الألف (تنتشر هذه العبودية في 11 دولة عربية أبرزها سوريا والإمارات)، ثم الأميركيتان الشمالية والجنوبية. وهذه البيانات مختلفة عن بيانات الإتجار بالبشر، رغم الصلة العضوية بين الظاهرتين.

احتلت سوريا خاصة خلال فترة الحرب الأهلية مركز الصدارة في العبودية المعاصرة، وتمثلت في الإتجار بالبشر واستغلال الفقراء والأرامل وابتزازهم، وتجنيد الأطفال واستغلالهم في أعمال شاقة وغير مشروعة، وتزويج القاصرات، وإجبار النساء والفتيات على ممارسة الدعارة، وأيضا إعادة افتتاح أسواق النخاسة، كما فعلت داعش وغيرها. الأمر نفسه حصل في العراق خلال فترة الاضطرابات والفتنة الطائفية. وتكرر في السودان، في الخرطوم ودارفور. وهذه الممارسات تظهر دوما في كل مناطق النزاع المسلح، خاصة في الحروب الأهلية، وتكون النساء والأطفال الضحية الأولى.

نوفمبر 01، 2025

المتحف المصري الكبير

 

بعد 23 سنة من وضع حجر الأساس، وكنتاج لدراسات تاريخية وأركيولوجية وهندسية، وباستخدام أحدث التقنيات العصرية، والتي كلفت مبالغ طائلة وبُذلت فيها جهود مضنية سيتم اليوم افتتاح المتحف المصري الكبير، بحضور عدد من قادة ورؤساء العالم، ووسط تغطية إعلامية واسعة..

المتحف ليس فقط مجرد تجميع لتماثيل ولوحات وقطع أثرية وعرضها في مكان واحد، وليس الهدف منه تنشيط السياحة، للمتحف أدوار أكبر وأهم، ومن وراء هذا الحدث الضخم يمكن فهم العديد من الرسائل والدلالات، وعلى ثلاثة مستويات: حضارية، إستراتيجية، وسياسية.

في المستوى الحضاري سيتم عرض مائة ألف قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر، لتنقية الصورة النمطية التي تحصر مصر القديمة بحاكم مستبد (الفرعون) وسحرة، وشعب مسخّر لبناء الأضرحة والأهرامات.. تلك الآثار تحكي قصة أقدم حضارة إنسانية وربما أهمها، وأنها لم تكن مجرد منحوتات ومسلات ومدافن؛ بل كانت منجزات عظيمة تحققت في مصر القديمة سواء في بناء الدولة ومؤسساتها وطبيعة الحكم، أو في التطور الذي أحرزته في العلوم والهندسة والطب والزراعة والتوثيق والفضاء، وأيضا تجاه قضايا الإنسان والمرأة والعمل والجمال والفنون..

في المستوى الإستراتيجي يجري التأكيد على أن مصر أول دولة في التاريخ الإنساني، قبل كل الحضارات الأخرى امتلكت حكومة ومؤسسات وجيش محترف ونظام حكم مكتوب.. وهي أقدم دولة ما زالت تحتفظ بحدودها السياسية، ووحدة أراضيها، ما يعني أنها ستظل مستقرة، ولن تتعرض لأي تهديدات بالتجزئة أو التقسيم.

في المستوى السياسي تبث رسالة قوية وواضحة بأن دولة تقيم هكذا متحف بهذه الضخامة والدقة والروعة إنما هي دولة قوية ومستقرة وآمنة ومقتدرة.. وباستخدامها تلك التقنيات المتطورة في طريقة البناء وعرض المقتنيات والتنظيم والإدارة يعني أنها دولة تنتمي للعضر الحديث بلغته وأدواته وأساليبه، ومنفتحة على المستقبل؛ وبالتالي فإن مصر الآن جاهزة لأن تستعيد مكانتها التي تستحقها في صدارة المنطقة والإقليم، وأنها تسعى لأن تكون مصدر إشعاع ثقافي وحضاري لكل العالم، ما يعني أنها منفتحة على العالم سياسيا وحضاريا وثقافيا، ولديها كل ما يؤهلها لتبوؤ الصدارة.

وما يبدو واضحا أن مصر قد انحازت لهويتها الأصلية، أي الهوية المصرية بالمعنى الثقافي والحضاري والسياسي والتاريخي، وبذلك تكون قد حسمت معاركها وترددها بين هوية دينية أيديولوجية التي أرادها الإخوان والإسلام السياسي عموما، وبين هويتها القومية العروبية بالمعنى العرقي والشوفيني كما أراد لها بعض الناصريين وغلاة القومية العربية..

أي أن مصر ستكون دولة عصرية حداثية، تستمد هويتها من تاريخها وموروثها الثقافي والتاريخي، التي تمتد جذورها إلى خوفو ورمسيس وحتشبسوت، وإلى عصور الاحتلالات الفارسية واليونانية والرومانية، وحتى عصور الخلافة الإسلامية المتعاقبة، بحيث يكون لكل مرحلة بصمتها وأثرها، في مجتمع عصري أراد صهر كل تلك الثقافات ليست في المنحوتات والمسلات التي دُونت عليها، بل في وجه مصر وهويتها الحالية، التي ستظل الشقيقة الكبرى لكل الدول العربية.

هنئيا لمصر هذا الإنجاز الضخم، وهو مصدر اعتزاز وفخر ليس لمصر وحدها، بل لكل العرب، وللإنسانية جمعاء.

 

أكتوبر 29، 2025

مغالطة رجل القش

 

عندما تخوض حوارا مع أي شخص فإن أكبر خطأ ترتكبه هو محاولتك إقناعه بوجهة نظرك، وتغيير قناعاته.. سيُبحُّ صوتك، ولن تنال إلا الصداع وحمّة البال.. الحوارات في ثقافتنا ليست بهدف التوصل إلى الحقيقة، أو محاولة فهم ما يجري، أو لتقريب وجهات النظر.. الحوارات خاصة حول القضايا المشحونة عاطفياً عبارة عن معركة، الهدف منها هزيمة الشخص المقابل، أو استعراض ما لدى كل طرف من معلومات، أو هي مباراة في الكلام، وهي أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني أو محاولة كل طرف تفهم وجهة النظر الأخرى..

حتى لو لم تكن طرفاً في النقاش، إذا كنت تستمع لحوار بين شخصين ستمارس الخطأ نفسه؛ ستنحاز تلقائيا لمن يشبهك في التوجه والفكر، يعني اللي من جماعتك.. وسترفض كل ما يقوله الطرف الثاني بغض النظر عن مدى صحته.. وإذا كان الموضوع جديدا عليك، وليس لديك أفكارا مسبقة عنه (خبر عاجل، أو إشاعة مثلا) ستصدق أول تحليل تسمعه أو تقرأه، خاصة إذا لامس عواطفك، ومن بعدها سترفض أي تحليل آخر.. لأننا اعتدنا الانحياز لأحكامنا وتصوراتنا المسبقة، وللشعارات التي حفظناها سابقا. السؤال لماذا يحصل هذا الشيء؟

لأننا نحب أن نبقى في مساحتنا المريحة، كل ما نشأنا عليه، وما حفظناه وتلقيناه شكّل أفكارنا وتصوراتنا ومفاهيمنا، التي صارت معيارنا للحكم على كل شيء، وهذه الأفكار استقرت في عقلنا الباطن، وصارت جزءاً من تكويننا النفسي، تمنحنا الشعور بالراحة والطمأنينة، وتجعلنا نعتقد أننا فاهمين وخاتمين العلم.. وبالتالي أي زحزحة أو خلخلة لهذه الأفكار تعني هزاً عنيفاً للشخصية، لأننا نربط بين أفكارنا وشخصيتنا التي تمنحنا إحساسنا بوجودنا وقيمتنا وكرامتنا، وعليه فإنّ هـزَّ تلك الأفكار والمفاهيم سيُفهم تلقائيا على أنه تعدٍ على الشحصية وعلى الكرامة.. ومن هنا يصبح الدفاع عن الأفكار المسبقة دفاعا عن الكرامة.. خاصة وأننا نعتقد أن هزيمتنا في الحوار هزيمة شخصية تدعو للدفاع والثأر وليس لمحاولة الفهم وتصويب الأفكار..

هذا يفسر لماذا تغضب وينهز بدنك حين تقرأ تعليقا لشخص يتعارض مع قناعاتك، فتبدأ بشتمه وشلِّ عرضه، رغم أنك لا تعرفه، وليس بينكما أي اتصال شخصي.

هـزّ فكرة الشخص المقابل يعني دعوته لمغادرة أرضه المريحة، مغادرة الإطمئنان والأمان، والشروع بالتفكير.. التفكير يصرف طاقة تعادل 24% من الطاقة التي نصرفها في العمليات الأيضية، وهي عملية مرهقة ومتعبة، وكل إنسان يحاول قدر المستطاع تجنب التفكير واللجوء للتسليم بما هو حوله وما في داخله، أو التفكير العاطفي الرغبوي الذي يمنّي النفس ويريحها.

المشكلة أننا في دفاعنا عن أطروحاتنا لا نستخدم أسلوب النقاش التحليلي المبني على الحجة والبرهان وإمعان العقل، نلجأ للعواطف، وبالصوت العالي، ومهاجمة الخصم، وغالبا ما نقع في مصيدة المغالطات المنطقية. وأولها شخصنة الموضوع، نهاجم الشخص ولا نناقش الفكرة. سواء كان هذا الشخص يجلس قبالتك، أو كان صاحب نظرية أودعها في كتاب، ونال عليها جائزة نوبل.. فمثلا قد تشكك في قانون الجاذبية، لأنّ نيوتن كان انتهازيا ويكيد لزملائه..  

أو تقع في مغالطة أُخرى تسمى "مغالطة رجل القش"، وهي تخيّل وجود شخصية مصنوعة من القش يسهل هدمها أو تدميرها (مثل الفزاعة)، فتبدأ بمهاجمتها حتى سحقها، لتعطي انطباعا لخصمك أنك دحضت حجتة (أفحمته، وأسكتّه)، في حين أن ما تم دحضه هو حجة لم يقدمها الخصم، وليس لها علاقة بالموضوع.. وهذه حيلة للتهرب من تحمل المسؤولية، والتهرب من حجج ومقولات الخصم، والتهرب من تقديم إجابة حقيقية، لأنك في واقع الأمر عاجز عن ذلك، فلجأت إلى رجل القش وحطمته موهما نفسك أنك انتصرت..

في أغلب الأحيان نقع في هذه المغالطة للتحايل على الذات، قبل أن يكون ذلك تحايلا على الخصم أو الجمهور.. لأن من يفعل ذلك حقيقة هو عقلك اللاواعي، ودون تخطيط منك.. لذا البعض لا يحتاجون مفكرين وخبراء ومحللين سياسين لإقناعهم.. يحتاجون علماء اجتماع وأطباء نفسيين لمعالجتهم.. خاصة من غسلت الجزيرة أدمغتهم.

الإعلاميون الشعبويون وغيرهم ممن يجيدون حيل المناورات لا يقعون في المغالطات المنطقية عن جهل، بل يمارسونها عن وعي، على سبيل المثال: في مؤتمر علمي تقدمت شركة أدوية بطرح دواء معين، فجاء عالم من شركة أخرى وبيّن بالحجة والبرهان والأدلة أن هذا الدواء فيه أضرار جانبية خطيرة، وغير مفيد، وربما يؤدي إلى الوفاة.. فيقوم مندوب الشركة للدفاع عن دوائها باستخدام حيلة رجل القش، فيقول للعالِـم: من أنت حتى تشكك في دوائنا؟ إن شركتكم لا تلتزم بمعايير البيئة وتفتقر لإجراءات السلامة العامة، ولا تراعي حقوق العمّال.. فهل سيقبل المؤتمر ووزارة الصحة بهذه الحجة وتقول: طالما أن الشركة الفلانية تخالف قوانين البيئة فإن الدواء التي طرحته الشركة الأولى مقبول وسليم؟

لو طبقنا هذا المثال على حواراتنا الساخنة التي تدور رحاها الآن حول تداعيات حرب الإبادة على غزة، سنرى نادي مشجعي المقاومة في دفاعهم عنها يهاجمون السلطة وفتح.. فبدلاً من محاولة تفّهم الواقع ومعطياته، وتحمّل المسؤولية، وإجراء مراجعة نقدية وتقييم الأخطاء والاعتراف بها بشجاعة.. عوضا عن كل ذلك يكون دفاعهم بالتهجم على السلطة.. تنسيق أمني، خيانة، سلطة أوسلو، دايتون.. حسناً، لنفترض أن السلطة فاسدة ولعينة والدين، وما تقولونه صحيحا، السؤال: ما علاقة هذا بالموضوع؟ وهل هذه حجة مقبولة وبرهان دامغ أن كل ممارسات حماس وما فعلته صحيحاً، وما تسببت به سواء أثناء الحرب أو المفاوضات أو التوقيع على خطة ترامب وغير ذلك من مواضيع كان صواباً مطلقاً؟ أم هذه حيلة للتهرب وإلقاء المسؤولية على أي طرف.. السلطة، الأنظمة العربية، خذلان الشعوب العربية، تآمر العالم، العربدة الأميركية..

نتآمر على أنفسنا حين نمعن في إنكار النتائج، ونرفض الاعتراف بأخطائنا، ولا نقر بأن حساباتنا كانت ارتجالية، ورهاناتنا وهمية، وأننا أدرنا الصراع بطريقة بدائية، وبعقلية حزبية مغلقة.. نتآمر على شعبنا حين نرفض تحمّل المسؤولية، ونهين ذكاءه إذا اعتقدنا أننا بألاعيب السياسة وبخطابات صوتية وشعارات متآكلة نستطيع الاستمرار في خداعه، وحكمه..

أكتوبر 26، 2025

ما الذي فعلته حماس بالمقاومة؟

 

هل حماس تمثّل المقاومة؟ هل خدمتها ومشت بها خطوات إلى الأمام؟ أم أضرتها، ولكمتها بالضربة القاضية؟ لنتابع..

بمجرد أن بدأت حماس تمارس المقاومة المسلحة في مستهل تسعينيات القرن الماضي تفجرت أربع إشكاليات على الفور، الأولى: حصر مفهوم المقاومة بالعنف والعمل المسلح، الثانية: الزعم بأنها النموذج الصحيح والوحيد للمقاومة والتجسيد الحقيقي والحصري لها، الثالثة: طبيعة الأسلوب التي اتبعته في ممارستها للمقاومة، والرابعة: هدفها السياسي الحقيقي من وراء تصعيدها أعمال المقاومة..

أولاً: أدى اختزالها مفهوم المقاومة بالكفاح المسلح إلى استبعاد بل وازدراء كافة أشكال المقاومة الأُخرى، وأهمها المقاومة الشعبية والمدنية، وبالتالي استبعاد قوة الجماهير والحيلولة دون مشاركتهم الفعلية في المقاومة؛ مع التأكيد أن حماس ليست الوحيدة المسؤولة عن إهمال وإضعاف المقاومة الشعبية والمدنية. فالعمليات العسكرية لا يقوم بها أفراد الشعب العاديين من الناس المدنيين، بل تؤديها مجموعات صغيرة جدا، والجمهور يتحول إلى متابع ومشجع (وأحيانا متضرر)، فمثلا في الانتفاضة الثانية رفعت حماس سقف الانخراط في المقاومة إلى درجة مستحيلة (العمليات الانتحارية)، وفي هبَّة القدس 2021، التي انتقلت إلى الضفة الغربية وانتشرت في مدن وبلدات الداخل وكادت تتحول إلى انتفاضة شعبية شاملة، دخلت حماس على الخط بصواريخها فوأدت الانتفاضة في مهدها وحولت المواجهة إلى حرب صاروخية. تماما كما فعلت في العام 2014. وفي حرب الإبادة غابت تماما مشاهد مشاركة النسوة والكهول والأطفال في المقاومة، كما شاهدناها طوال العقود الماضية مقرونة بصور الإباء والكرامة والاستبسال، وبدلا من ذلك تحول دورهم إلى مجرد محاولات النجاة، والنزوح المتكرر، والبحث عن كيس طحين، أو خيمة.. في مشاهد بائسة وحزينة، هذا لم يعنِ فقط استبعادهم من ميدان المواجهة، بل خلق حالات احتقان وغضب ومشاعر انكسار وخوف، وظهور النزعات البدائية، لدرجة أن فكرة المقاومة والتضحية بحد ذاتها صارت مستهجنة ومرفوضة.. هذا كله بعيدا عن الصورة المثالية التي يُراد منها تضخيم مقولات الصمود والفداء والبطولة، التي أخذت منحى تضليلي دعائي يتناقض مع الواقع. لأن المقاومة ودور الجماهير في حالة المقاومة المدنية والانتفاضات الشعبية يختلف جذريا عنها في حالة الحرب، خاصة عندما تكون شديدة القسوة والعنف.

ثانياً: بمجرد هيمنتها على قطاع غزة زعمت حماس بأنها النموذج الصحيح والوحيد للمقاومة، وعمدت إلى القضاء على كافة فصائل المقاومة والكتائب المسلحة، بحجة توحيد السلاح، وضبط الأمن، وأبقت على الجهاد الإسلامي لأنه تحت الحماية الإيرانية. حتى أن الزهار وصف الصواريخ التي تطلقها جهات أخرى غير حماس بالصواريخ الخيانية. وعندنا شنت هجومها الأخير لم تستشر ولم تنسق مع أي طرف.

ثالثاً: اتسم أسلوبها في ممارستها للمقاومة بالعنف، الذي لا يميز بين العسكريين والمدنيين، كما جرى في العمليات التفجيرية "الانتحارية"، وإطلاق الصواريخ غير الموجهة بدقة، وخطف الأسرى المدنيين.. قد يعترض البعض بقوله أن كل الإسرائيليين أهدافا مشروعة، لأنه مجتمع عسكري ولا يوجد شيء اسمه مدنيين.. في وثيقة حماس التي أصدرتها في الشهر الثالث من بداية الحرب استخدمت مصطلح "المدنيين الإسرائيليين" 10 مرات، وأكدت الوثيقة أن الحركة "تتجنب استهداف المدنيين".. كما أنَّ التأكيد على وجود "مدنيين إسرائيليين" تكرر مراراً على لسان قادة الحركة، إلا أن ذلك لم يترسخ كثقافة وممارسة لدى معظم قياديي وكوادر ومنتسبي "حماس"، الذين ينكرون وجود مدنيين في إسرائيل، ويرون الإسرائيليين كتلة صماء، الأمر الذي يفيد إسرائيل إعلاميا، ويغذي عصبيتها وعنصريتها التي تتأسس على التوحد في مواجهة الخطر الخارجي. إضافة إلى أن استهداف المدنيين أضر كثيرا بسمعة النضال الفلسطيني، وأتاح لإسرائيل وإعلامها وسمه بالإرهاب.

رابعاً: في جولات تصعيدها للعمليات المسلحة كان واضحا أن الهدف الحقيقي من ورائها هو إفشال مشروع التسوية البداية أتت بالتزامن مع انطلاق عملية السلام في مؤتمر مدريد حيث شهدت الموجة الأولى من سلسلة عمليات انتحارية، والموجة الثانية قبيل مقتل رابين وبدء تنفيذ المرحلة الثانية من أوسلو، والغريب أن تلك العمليات توقفت كليا بمجرد وصول نتنياهو للحكم، فيما يبدو تناغما وتحالفا غير مباشر مع اليمين الصهيوني، والالتقاء على الهدف ذاته.. والأغرب أن الجولات التالية ظهرت مجددا إبان الانتفاضة الثانية، بالذات كلما ظهرت مؤشرات قرب التوصل إلى حل سياسي، أو بالتزامن مع وصول أي مبعوث أميركي أو دولي.. والأشد غرابة أن العمليات الانتحارية توقفت كليا قبيل اغتيال أحمد ياسين، فهل أدركت حماس متأخرة مدى الضرر الذي جلبته تلك العمليات؟ أم أنها استنفذت أغراضها؟

الأسلوب الثالث في المقاومة تمثل في إعلان الحرب، أي المبادئة ومحاولة توجيه الضربة القاضية لإسرائيل، وهو أسلوب لا يتفق مع نهج حماس السابق، ولا مع نهج المقاومة الفلسطينية عبر قرن من الزمان، ولا يتفق مع نهج الحرب الشعبية التي مورست عالميا. وهو فوق قدرة وطاقة الشعب الفلسطيني.

جاءت هجمات السابع من أكتوبر، ومحاولات التصدي للعدوان بمثابة ذرورة الكفاح المسلح ضد إسرائيل، أي أقصى ما يمكن الوصول إليه من إعداد وتسليح وتدريب وضخ إعلامي. مع أن الكفاح المسلح مورس من قبل كافة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية منذ عقود طويلة، لكن التجربة المكلفة والقاسية أوصلت إلى نتيحة مفادها ضرورة التحول إلى أشكال أخرى من المقاومة، بعدما وصل هذا النهج نهايته المسدودة منذ زمن بعيد، واستحالة نجاحه في تحقيق هدف تحرير فلسطين.

ولأن التنظيمات الفلسطينية لا تقيّم تجاربها، ولا تأخذ العبر من التاريخ، ويعتقد كل فصيل أنه من يجسد المقاومة، وأنه بدأها وعليه احتكارها، بل وعليه تجريب حظه بها، وعلى حساب الشعب وضد مصالحه وضد مستقبله.. بسبب ذلك قدمت حماس الذريعة لإسرائيل لأن تدمر القطاع، وأن تهدم مدينة تاريخية اسمها غزة، وبالتالي هدر تجربة مائة عام من النضال الفلسطيني، في سبيل إعادة إختراع العجلة.

ومع اعتمادها أسلوب شن الحرب، بدأت تطالب بوقفها منذ اليوم الثاني، واعتبرت أن مجرد إيقافها نصرا تاريخيا.. فطالما أن الحرب الطريق الصحيح لنيل الحرية والتحرر فلماذا نوقفها؟ وها هي الحركة تطالب بهدنة 10-15 سنة، السؤال ماذا ستفعل أثناء الهدنة؟ هل ستوقف المقاومة؟ وماذا ستفعل بعد انتهائها؟ هل ستعاود الحرب؟

ما حصل فعليا أن حماس وضعت فكرة المقاومة في مأزق سنحتاج سنوات حتى نستطيع الانفكاك منه..