أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 05، 2025

العبودية في العالم العربي

 

اليوم الثاني من ديسمبر كل عام، هو اليوم العالمي لإلغاء الرق والعبودية في العالم.. وبهذه المناسبة أود التأكيد على نقطتين صادمتين، الأولى: رغم حظر العبودية في أرجاء العالم كافة، إلا أنها ما زالت موجودة بمظهر جديد يسمى العبودية المعاصرة.. وعدد العبيد في العالم حوالي 40 مليون شخص معظمهم نساء وأطفال. الثانية: نحن العرب من بين أوائل الشعوب التي مارست العبودية، وقد سبقنا الولايات المتحدة بنحو ألفي سنة، وتخطيناهم بمراحل من حيث أعداد العبيد وحجم هذه التجارة اللاأخلاقية، والمفجع أننا آخر شعب وافق على إلغائها.

كانت تونس السباقة؛ حيث ألغت العبودية سنة 1846 أي قبل فرنسا بسنتين، وقبل الولايات المتحدة بعشرين سنة. فيما أعلنت الإمبراطورية العثمانية عن إلغاء العبودية رسميا عام 1889، بعد 24 سنة من أميركا، أما مصر فألغتها عام 1884، قطر 1952، الإمارات 1963، السعودية 1962، سلطنة عُمان 1970، موريتانيا 1981، ثم ألغتها مرة ثانية 2007. وما زالت في موريتانيا ظاهرة العبودية العنصرية؛ حيث تهيمن النخبة الناطقة بالعربية، على مفاصل الدولة، وهؤلاء يعرّفون أنفسهم على أنهم بِيض، ويمثلون ثلث السكان. أما المُستعبَدون فهُم السود، ومن يُطلق عليهم لقبُ "الحراطين"، ويُشكل الحراطين والسود المستعبدين نحو 40% من السكان، وهم محرومين من الكثير من حقوق المواطنة. وبقية السود غير الناطقين بالعربية الذين لم يُستعبَدوا يشكلون نحو 30% من السكان. وبشكل عام، يُشار إلى جميع السود في موريتانيا باسم "عبيد".

عموما ما زالت تقاليد العبودية سائدة في موريتانيا، وبشكل أقل في بعض مناطق السودان، وحتى في ليبيا، وبعض الدول الإفريقية، وتشمل الاستغلال الجنسي، والسخرة في مجالات الزراعة وتربية الماشية، وظل الاتجار بالعبيد ووهبهم، جزءاً من النظام الاجتماعي والثقافة المحلية في بعض تلك المجتمعات باعتبارهم "ملكية خاصة" يمكن إعارتهم أو وهبهم أو بيعهم للغير، ولا يحق لهم الزواج دون موافقة أسيادهم، أو امتلاك أي شيء أو وراثته، أو الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة.

في المشرق العربي تركزت العبودية في شبه الجزيرة العربية، وحتى الآن ما زالت بعض دول الخليج لا تعترف بتاريخ العبودية وتحظر الحديث عن هذا الماضي. بينما أقدمت قَطر على اتخاذ خطوات أولى بهذا الاتجاه؛ فافتتحت عام 2015 متحف "بيت بن جلمود" الذي يسلط الضوء على معاناة العبيد، ويُظهر بشكل صريح دور الإمارات الخليجية في الرق وتجارة العبيد التي كانت تدر أموالا طائلة في قبل قرنين.

كان الرق منتشرا في منطقة الخليج العربي منذ قرون بعيدة، وكان امتلاك العبيد مصدرا للتباهي ودلالة على مكانة الشخص الاجتماعية. ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين ازدهرت تجارة العبيد، حيث أدى ازدياد الطلب العالمي على التمور واللؤلؤ في منطقة الخليج إلى خلق حاجة ملحة للأيدي العاملة ما دفع التجار العرب على الإقدام على اختطاف أناس من شرق أفريقيا وتصديرهم عبر ميناء زنجبار إلى أسواق العبيد في الجزيرة العربية.

والأكثر غرابة في مصادر العبيد هو اختطاف أطفال ونساء أفارقة كانوا في طريقهم للحجاز لتأدية فريضة الحج، فيأتي التجار والمسلحون على قوافلهم وتختطف بعضهم، أغلبهم يُباع في أسواق خاصة علنية، وآخرين كان يتم خصيهم للخدمة في القصور وفي خدمة الكعبة والمسجد النبوي، ويطلق عليهم "الأغوات". وهي ظاهرة ما زالت قائمة حتى الآن، لكنها في طريقها للانقراض.. لسبب بسيط هو عدم قدرتهم على الإنجاب، خاصة بعد منع الإخصاء بالقانون.

وفي عشرينيات القرن العشرين احتكرت اليابان تجارة اللؤلؤ، وبدأت كاليفورنيا تصدر التمور فانهارت تجارة التمور واللؤلؤ في الخليج العربي، وصار التجار عاجزين عن تحمّل نفقة هذا العدد الكبير من العبيد الذين كانوا يعملون في الغوص واستخراج اللؤلؤ وفي مزارع النخيل ما دفعهم للتخلص من عدد كبير جدا منهم.

ما تزال بعض دول الخليج العربي تمارس العبودية ولكن بأشكال عصرية مواربة، أولها النظرة العنصرية لذوي البشرة السمراء حتى لو كانوا مواطنين، أي العائلات التي كانت مستعبدة سابقاً ثم اندمجت في المجتمع، وأيضا في ممارسات قهرية تنطوي على إجبار الملايين من العمال المهاجرين للعمل في ظروف قاسية بأجور متدنية أو حتى بلا مقابل مادي، والإقامة في مساكن لا تتوفر على الشروط الإنسانية، وما يمكنهم من ذلك "نظام الكفالة" السائد في أغلب بلدان الخليج العربي، وهو ما يسمح بتوظيف عمّال أفارقة وآسيويين وعرب شريطة أن يتركوا جوازات سفرهم في عهدة صاحب العمل، ولا يمكنهم مغادرة البلاد أو تغيير وظائفهم من دون الحصول على إذن منه، وحتى لو ظلمهم ولم يدفع أجورهم في أغلب الأحيان لا يتمكنون من تقديم شكوى للمحاكم.

العبودية المعاصرة هي عجز الأفراد عن مواجهة القهر الموجه ضدهم، وعجزهم عن منع استغلالهم بالتهديدات والعنف والإكراه والخداع واستغلال طاقاتهم الجسدية والإجبار على الزواج، وأيضا تجارة تهريب البشر في المناطق الحدودية.. أو هي سوء المعاملة والتنكيل والإهانة والتخلف عن دفع أجورهم، واحتجازهم وتقييد حركتهم وحرمانهم من بعض حقوقهم الإنسانية.. ومثل هذا الشكل من العبودية المعاصرة نجدها في استخدام مدبرات المنازل (الخادمات)، وتسجل لبنان الدولة الأكثر ممارسة لهذا النوع من العبودية، تليها دول الخليج العربي والأردن، حيث يُنظر لهذه الفئة من المستخدمين والمستخدمات وكأنهم ليسوا بشرا، تماما كما كان يُنظر للعبيد.

وبحسب تعريف العبودية المعاصرة تأتي الدول الإفريقية في المقدمة من حيث معدلات العبودية، حيث تبلغ نسبتهم 7.6 في الألف، تليها شرق ووسط آسيا، ثم أوروبا، تليها الدول العربية بمعدل 3.3 في الألف (تنتشر هذه العبودية في 11 دولة عربية أبرزها سوريا والإمارات)، ثم الأميركيتان الشمالية والجنوبية. وهذه البيانات مختلفة عن بيانات الإتجار بالبشر، رغم الصلة العضوية بين الظاهرتين.

احتلت سوريا خاصة خلال فترة الحرب الأهلية مركز الصدارة في العبودية المعاصرة، وتمثلت في الإتجار بالبشر واستغلال الفقراء والأرامل وابتزازهم، وتجنيد الأطفال واستغلالهم في أعمال شاقة وغير مشروعة، وتزويج القاصرات، وإجبار النساء والفتيات على ممارسة الدعارة، وأيضا إعادة افتتاح أسواق النخاسة، كما فعلت داعش وغيرها. الأمر نفسه حصل في العراق خلال فترة الاضطرابات والفتنة الطائفية. وتكرر في السودان، في الخرطوم ودارفور. وهذه الممارسات تظهر دوما في كل مناطق النزاع المسلح، خاصة في الحروب الأهلية، وتكون النساء والأطفال الضحية الأولى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق