أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 04، 2025

متاهة المفاوضات

 

تستخدم إسرائيل المفاوضات لكسب الوقت، وللتغطية على أهداف أبعد بكثير من موضوع التفاوض، وهي بارعة في هذا التخصص، فعلت ذلك في مفاوضاتها مع منظمة التحرير، واستغلت المفاوضات كغطاء لتمرير مخططاتها الاستيطانية والتوسعية وفرض الحقائق على الأرض في الضفة الغربية، وها هي تعيد اللعبة ذاتها في مفاوضاتها غير المباشرة مع حماس، تستغلها لإطالة أمد الحرب، وتحقيق المزيد من المنجزات، وتغيير خرائط المنطقة، بل إنها جعلت منها أداة من أدوات الحرب والقتل والتشريد.. وجعلت جميع الأطراف الأخرى (حماس، الشعب الفلسطيني، الأمة العربية، دول العالم..) جميعهم يقفون في وضعية المتفرج وفي انتظار نتائج جولات المفاوضات، لا يفعلون شيئا سوى الترقب والرجاء أن تنتهي المفاوضات بهدنة وإعلان وقف إطلاق النار.. بينما الاحتلال يواصل القتل والتدمير.

مشكلة حماس أنها تعتقد أن الرهائن الإسرائيليين هم ورقة ضغط قوية ومؤثرة في مجرى التفاوض.. وهذا نابع من اعتقادها أن إسرائيل في عدوانها تستهدف القضاء على حماس.. وأن الستين ألف قتيل فلسطيني هم مجرد أضرار جانبية..

في الحقيقة أن إسرائيل لم تشن الحرب بهدف القضاء على حماس (قبل الحرب وعلى مدى سنوات كانت تسمح بتمرير الأموال القطرية لدعم حماس)، ولم تشنها بهدف استرداد الأسرى.. هذا ما يقوله إعلامها الرسمي وما تسوقه الجزيرة، وهو مجرد تضليل ودعاية انطلت على الكثيرين، لقد بات واضحا ما هي أهداف إسرائيل الحقيقية من العدوان: التخلص من عبء السكان في القطاع، لتغيير الميزان الديموغرافي، من خلال قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وتهجير من تبقى منهم (إما قسريا أو قسريا ولكن تحت مسمى الهجرة الطوعية)، والإسراع في مخططها الاستيطاني التوسعي التهويدي في الضفة الغربية (تحت غطاء الحرب، وضجيجها الإعلامي، وبحجة 7 أكتوبر)، وتغيير خارطة الشرق الأوسط الجيوسياسية، والتخلص من كل المخاطر الأمنية المحتملة (حزب الله مثلا) لتضع نفسها في المكانة الجديدة ضمن الخارطة الأوسع، وفي سياق ترتيبات نظام دولي وإقليمي جديدين، بحيث تتربع على قمته، وتكون لها اليد الطولى، والكلمة النهائية..

وقد خسرت في سبيل تحقيق هذه الأهداف ما يربو على ال400 قتيل (منذ 8 أكتوبر)، ومليارات الدولارات، وضحت بسمعتها في العالم، وخسرت صورتها التي طالما سعت لتكريسها كضحية، وممثلة ليهود العالم، وجزء من الحضارة الغربية.. لم تقدم تلك الخسائر من أجل عشرات الرهائن، وهي غير مستعدة لخسارة أثمن فرصة تاريخية تحصل عليها طوال تاريخها، وهي فرصة تهجير الفلسطينيين، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية، بل وعلى الكيانية الفلسطينية والهوية السياسية التي تجسدها منظمة التحرير، باختصار فرصتها الذهبية لتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد عبء إنساني على العالم، ومشاريع إعمار للدول المانحة والشركات العابرة للقارات..

لذلك، حتى لو أسفرت المفاوضات عن هدنة، فإنها لن توقف الحرب (ستكون بصور وأشكال أخرى)، ولن تتوقف عن المضي في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، ونحن كفلسطينيين سننشغل كثيرا في تداعيات الحرب، سنحتاج سنوات طويلة وثقيلة للتعافي من آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.. قد ننجر إلى حرب أهلية، أو إلى فوضى أمنية، ونرتد إلى زمن العشائر والميليشيات المسلحة (وإسرائيل تخطط لذلك، وتسعى إليه).

لو كانت حماس تقاتل فعليا، بمعنى أنها تمتلك أدوات حقيقية للردع، أو للدفاع عن النفس، أو لإجبار العدو على مسار معين، أو لدفعه للتراجع، أو إبطاء تقدمه، أو إحباط مساعيه لقلنا لها وبكل قوة واصلي الحرب.. وكل الشعب معك.. لكنها حقيقة لا تمتلك شيئا من هذا كله.. بل إن وجودها بحد ذاته (ووجود الرهائن) هو الذريعة الأساسية لإطالة أمد الحرب، ودون أن تدفع إسرائيل أي ثمن سياسي، فهي في الإعلام الغربي تقاتل "منظمة إرهابية".

بالعودة إلى موضوع المفاوضات، في هذه الحرب، والأربعة حروب السابقة لم تخض حماس أية مفاوضات سياسية، كانت بعد كل حرب تفاوض على قضايا مطلبية وآنية (مطار، ميناء، مساحة الصيد البحري، عدد الشاحنات، ودخول مساعدات، فك الحصار، المعابر..)، وفي هذه الحرب العدوانية تفاوض فقط على إنهائها، وبالشكل الذي يضمن بقاءها (كحركة)، ويسمح لها بالعودة إلى الحكم بطرق خلفية بعد ذلك.. وطالما أن إنهاء الحرب لمصلحة الشعب الفلسطيني (وهو بالتأكيد لمصلحته) فلماذا خاضت حماس الحرب من الأساس؟ ولماذا خاضتها بصفتها جيش، وعلى شكل حرب، مع دعاية إعلامية تصورها كقوة عملاقة وجبارة لديها كتائب مسلحة، وألوية، وصواريخ، وأنفاق!!

في الواقع لم تخض حماس مفاوضات سياسية، ولا يمكنها ذلك، لأن الطرف الآخر (الإسرائيلي والأميركي) لا يراها جهة سياسية، بقدر ما يراها في أحسن الأحوال تهديد أمني.. ولأن دول العالم وهيئاته ومنظماته الرسمية لا تعترف بحماس كجهة سياسية، تمثل الفلسطينيين، وبالتالي سقف المفاوضات محدود، ولهذا بذلت حماس كل جهدها للدخول مع أميركا كطرف، على أمل أن تعترف بها، وأن تسمح لها ضمن صفقة غير معلنة بالعودة إلى حكم غزة، مدركة مصلحة إسرائيل وأميركا من وراء ذلك، أي بتثبيت الانقسام وتكريسه للأبد، لأن الانقسام أضمن طريقة لوأد حلم الدولة الفلسطينية. وبذلك تكون إسرائيل قد حولت "التهديد الأمني"، إلى فرصة وأداة لتحقيق أهدافها بعيدة الأمد.

لكن نتنياهو لن يستطيع فعل ذلك، ببساطة، لأن اتهامات خصومه السياسيين ستطيح به وتنهي مستقبله، اتهامه بدعم حماس (قبل الحرب)، والسماح بتمويلها، والتغاضي عن أنشطتها، وعن تنامي قوتها.. وبالتالي هو معني الآن (ومن خلال الحرب) لإظهار أقصى مدى ممكن من البطش والقسوة والإجرام لتبرئة نفسه من تلك التهم، ولإثبات أنه هو من حارب حماس، وهو من قضى عليها.

إذا تعاملنا بشجاعة وصدق ووعي وطني مع معطيات الحرب ونتائجها الكارثية، بمعنى أن يتحمل كل طرف مسؤولياته بعيدا عن الخطابات الشعبوية والشعارات والغيبيات، وأدركنا أن انسحاب حماس من المشهد لا يعني أبدا نهاية المقاومة، ولا يعني تصفية القضية، ولا يعني "صبرا وشاتيلا" جديدة، فالمذابح تحصل يوميا منذ 18 شهر (بوجود حماس وأسلحتها)، يمكن حينها أن نجترح حلا سياسيا للخروج من هذا المأزق بأقل قدر ممكن من الخسائر، أي بما يضمن بقاء الشعب فوق أرضه وإحباط مخطط التهجير.. عدا ذلك، سندفع ثمنا غاليا، وحينها سنفقد كل الخيارات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق