أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 25، 2025

الدولة والجماعات الإسلامية وتبادل الأدوار


في ردهم على قرار الدولة الأردنية بحلّ جماعة الإخوان المسلمين وجّه نشطاء اتهامهم للحكومة (ولكافة الأنظمة) أنها تشن حربا على الإسلام، وتستهدف العقيدة.. إلخ، فهل هذا الإدعاء صحيح؟

وبحسب المرحوم نصر حامد أبو زيد فإن الفرق بين جماعات الإسلام السياسي والنظم السياسية فيما يتعلق بالتطرف والتشدد والمفاهيم الرجعية هو فرق وهمي، فرق في درجة التشدد وكيفية إظهاره، وفي الأسلوب والأدوات.. لكن النتيجة واحدة، إخضاع المجتمع لمفهوم مغاير للدين يخدم الطرفين، بحيث يجر المجتمع إلى حالة دينية مغرقة في التدين الشكلي والشعارات الغيبية والتشدد في قضايا لم يرد ذكرها لا في الكتاب ولا في السنة ولم يطلبها الدين أساساً.

في الحقيقة ظاهرة أحزاب الإسلام السياسي جزء من ظاهرة أكبر وأشمل، تشترك فيها الدولة ومؤسساتها الرسمية والتعليمية والمدنية وحتى الجماهير أنفسهم، يشتركون جميعا في المفاهيم والخطاب الديني السائد، هم متشابهون فكريا وثقافيا ودينيا، الخلاف فقط سياسي وحزبي وعلى السلطة، جميعهم يرجع إلى نفس المصادر الفكرية والفقهية والأدلة الشرعية سواء المتطرفين أو من يوُصفون بالمعتدلين؛ في الجوهر لا فرق بين خطاب داعش وجبهة النصرة، وبين الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وبين الخطاب الديني الرسمي.. الاعتراض على داعش لأنها طبقت أفكارها بشكل مستفز ومتوحش ومبالَغ فيه، والاعتراض على الإخوان أو على أي حزب ديني آخر هو اعتراض سياسي له علاقة بالسلطة والانتخابات والنفوذ والهيمنة على عقول الجماهير، أو بالتحالفات السياسية الإقليمية وأجندة الممولين. أو هو خلاف على تأويل الدين ومن يحتكر تمثيله، وتعبيرا عن هذا الخلاف يتهم رجال الدين الرسميين مشايخ الجماعات الإسلامية بأنهم متطرفين وإرهابيين، فيما تتهم تلك الجماعات رجال الدين الرسميين بأنهم فقهاء سلاطين، ومتملقين، أو حتى منافقين..

في الواقع الدولة (لا أقصد الأردن تحديدا، فهذا ينطبق على جميع الدول) لا تحارب الإسلام كدين وعقيدة وشعائر وعبادات وثقافة شعبية.. ليس للدول أي اعتراض على أركان الإسلام وأركان الإيمان ومفاهيم العقيدة وجميع الطقوس الدينية، ولا تمنع أحد من ممارسة تدينه، الدولة همّها الأول والأهم البقاء والحفاظ على مصالحها وحدودها وأمنها ونظامها.. وما عدا ذلك تفاصيل هامشية.

وتاريخيا كانت الدولة تحتمي بالجماعات الدينية وبرجال الدين وبتأويلها الخاص للدين وباحتكارها له، وكان هذا السبب الأقوى والأهم لبقاء الدول واستمرارها، وكانت المؤسسة الدينية المستفيد الأول، وظل التعايش بينها قائما. وحالة التوافق أو تبادل الأدوار التي كانت قائمة ومستقرة في تنظيم هذه العلاقة لا يمكن أن تستمر للأبد، ولا بد من إعادة تشكيلها من حين إلى حين وفقا للطرف الأقوى..

الدولة هي التي ترعى المساجد مثلا، فهي تتدبر كافة مصاريفها (من خلال وزارة الأوقاف) كالبناء، والمصاريف التشغيلية، ورواتب العاملين فيها، مثل خطيب صلاة الجمعة، الإمام، المؤذن، الحارس.. وبدون الدولة (أو على الأقل موافقتها) لا يستطيع الأهالي بناء المساجد والإنفاق عليها.. ولا يبدو واضحا هل تفعل الدولة ذلك لوجه الله، وإيمانا منها بأهمية المسجد بالنسبة لكل مسلم؟ أم لأغراض أخرى؟

لكن من الواضح أن الدولة تريد إبقاء سيطرتها على المسجد، فتحدد لخطيب الجمعة موضوع الخطبة، وتراقب أنشطة المسجد ورواده، وستفصل أو تعتقل أي موظف يتبع الأوقاف أو أي شخص إذا ما خرج عن خط الدولة خاصة السياسي والأمني.

ومع ذلك، في العديد من المناطق فقدت الدولة سيطرتها الكاملة على المسجد، وسمحت لجماعة دينية ما تولي السيطرة عليه، أو أنها أُرغمت على ذلك، ولكن لنبحث عن أسباب الخلاف..

الأمر ذاته ينطبق على لجان الزكاة والمؤسسات الإعلامية والجمعيات الخيرية التي تتبع الجماعات الإسلامية، والتي تشكل اقتصاد موازي وضخم وقائم بذاته، وفي كثير من الأحيان لا يخضع لرقابة الدولة، وتستخدم الجماعات تلك الجمعيات في استقطاب الأتباع وكسب شعبيتها التي ما أن تتضخم حتى تبدأ في ابتزاز الدولة، والاستفادة منها في الانتخابات.

وأيضا رياض الأطفال ودور القرآن الكريم، التي تستخدمها في استقطاب الأطفال والفتية والشبان وتستغلهم فيما بعد لتنفيذ قراراتها باندفاع ودون سؤال.

والدولة لا تكتف بالمشاركة في الاحتفالات والمناسبات الدينية، بل تشارك في محاربة حالات التنوير، واعتقال أي مفكر يخرج عن السياق التقليدي أو يأتي بفلسفة دينية حداثية، أو منع أي عمل فني أو أدبي يطرح مفهوما تحرريا تقدميا منفلتا عن ضوابط السلفية، لا بل أحيانا تجابه المظاهر المدنية العلمانية الطبيعية التي يصنفها فقهاء التشدد والسلفية بأنها خارجة عن الدين، مثل أزياء النساء، والحريات الشخصية، وحتى سن قوانين غير عصرية متشددة تعود لبيئة القرن الثاني الهجري مثل قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة، فضلا تمسكها بالمناهج الدراسية التي وضعها الإخوان والقوى السلفية الأخرى. ورعايتها "كليات الشريعة" المصدر الأهم للفكر الديني السياسي، ومنبع رجال الدين الرسميين والجهاديين، ورعايتها كافة المؤسسات الإعلامية التي تروج لخطاب التشدد وخطاب الإسلام السياسي.

ما حدث فعليا أن الدول صارت تزاود على الجماعات الإسلامية بالتطرف والتشدد وإغراق المجتمع بالمفاهيم الدينية، في الأردن ظل التحالف بين النظام والإخوان المسلمين منذ أربعينات القرن الماضي حتى العقد الأخير، حين بدأت تظهر معالم التشقق والخلاف والصراع.. في سورية أيام بشار وقد يستغرب القارئ مدى حرص النظام آنذاك على إتاحة المجال لنمو وازدهار الخطاب الديني المتشدد، وإتاحة المجال للقوى الجهادية والسلفية لممارسة أنشطتها، حتى على حساب القوى العلمانية (بغض النظر عن النوايا والأهداف) كانت النتيجة واحدة والممارسة واحدة.. في مصر بدأت هذه العلاقة وتبادل المصالح منذ بداية عهد السادات.. في السودان طبق نظام النميري الشريعة (قبل البشير).

وما حصل لاحقا أن الدول بعد أن فقدت سيطرتها واهتزت عروشها اعتقدت أن المزاودة على الإسلاميين سيجعلها تكسب الشعب، وأنَّ قمع الجماعات الإسلامية سيساهم في الحد من التطرف، وسيجعلها قادرة على تصدير نسخة معدلة من الدين بتأويل خاص يمكنها من الاستمرار والبقاء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق