أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 22، 2025

أصدقاء، وصداقات

 

ثمة صديق لك (وربما شلة أصدقاء) جمعتكما الأقدار منذ سنوات الطفولة أو الشباب، وظلت الصداقة دافئة وممتدة، وتنبض بالحياة.. هذا الصديق بالذات ربطتك به كيمياء خفية، فكان عاديا أن تحتفظ بصداقته، خاصة بعد مروركما بالتجارب القاسية وامتحانات الحياة الصعبة.. احتفظ بصداقته، وتمسك به، فهو عملة نادرة..

أصدقاؤك القدامى أيام المدرسة، وحتى الجامعة، ليس بالضرورة هم أصدقاؤك الآن، وليس شرطا أن تظل متمسكا بهم، فبعد كل تلك السنين، صار لكل صديق عالمه الخاص، وأفكاره وتوجهاته وهمومه.. فعندما كنا صغارا لم يكن همنا سوى اللعب والمتعة، وهذه لا تفـرّق، وما أن كبرنا حتى بدأت حيواتنا تتمايز وأفكارنا تتباين والمسافات بيننا تتباعد.. فيحدث أن تلمح أحدهم على الرصيف المقابل فتشيح وجهك للاتجاه الآخر.. أو تتصافحان بابتسامة مصطنعة وتتبادلان الأسئلة: شو أخبارك؟ وين أراضيك؟ نصحان، مشيّب، بعدك شباب.. إلخ، ثم يمضي كل واحد في طريقه..

طبعا، هنالك دوما أشخاص فُرضوا عليك في مرحلة ما، أو نشأت بينكم صداقة بمستوى معين.. أحيانا يزورونكم على شكل كوابيس، أو كذكرى ثقيلة مثقلة بالغباء، تتمنى لو تعرف كيف تنزعهم من ذاكرتك، وتطردهم إلى أقاصي الأرض..

قد يظل من إرث الماضي صديق (أو أكثر) تربطك به وشائج خاصة، وتشتاق إليه.. لم تلتق به منذ سنوات، وعندما تلتقي به ولو صدفة سيكون أول لقاء دافئا، تستعيدان الذكريات، وتعرفان أخبار بعضكما، وأين انتهت بكم الحياة، وعلى أي شاطئ قذفتكم أمواجها.. قد تعود المياه إلى مجاريها، وكأن تلك الفجوة الزمنية لم تكن، فتواصلان صداقتكما.. وقد يكون ذلك اللقاء كافيا، فتتبادلان أرقام الهواتف، وعلى الأرجح لن يتصل أحد بالآخر، أو تتبادلان عناوينكما على صفحات التواصل، فتعود الصداقة افتراضية، وعن بعد..

وثمة صديق عزيز بينكما ذكريات جميلة ومغامرات شيقة، وقد مضت سنوات كثيرة لم تره، ولم تسمع عنه.. ستبحث عنه بإلحاح على شبكات التواصل (التي جمعت الناس بطريقة مدهشة وغير مقصودة)، وبعد جهد جهيد ستعثر على اسمه، ستبادر بطلب صداقته، أو مراسلته على "الواتس".. ستتحدثان مطولا، وستضحكان على هَبل أيام "الزمن الجميل"، وسيسأل كل واحد الآخر عن أصدقاء مشتركين منتشرين في عموم الكوكب.. ستتعاهدان على التواصل وتبادل الزيارات في أقرب فرصة.. وهذا نادرا ما يحدث، وسيستأنف كلٌ منكما حياته القديمة والمعتادة، وقد أُضيف إليها ميزة وضع "لايك" على منشور أو تهنئة بمناسبة اجتماعية.. لكن دفء العلاقة تبخر، وصارت مجرد ذكرى..

في كل مرحلة عشتها كان لك صديق مقرب، وبانتقالك إلى المرحلة التالية نسيته، وكسبت صديقا جديدا، على الأغلب لفترة مؤقته، مع أنك كنت تعتقد أن صداقتكما ستظل للأبد.. هذا زمانيا، أما مكانيا فالأمر مشابه تماما: في الجامعة لك أصدقاء، وفي مكان العمل لك أصدقاء، ومن بين جيرانك لك أصدقاء، وفي النادي أو المقهى لك أصدقاء.. وهؤلاء لا يعرفون بعضهم بعضا.. وتظن نفسك الرابط العجيب بينهم.. وفي الواقع كل واحد منهم يحمل الشعور ذاته.. وفي الحقيقة هذه صداقات مؤقتة، أقرب للزمالة، وغالبا ما ترسب في أول امتحان عملي.. والأفضل أن تظل عند هذا المستوى..

ثمة صديق حقيقي، تحبه ويحبك.. لكنه يسكن بعيدا، في بلد نائي، ربما في أقاصي الدنيا، ومضى وقت طويل لم تره.. ستشعرك لوعة الفراق أنك خسرت سنينا كان من المفترض أن تكون رائعة بصحبة ذلك الصديق، وأنكما خسرتما لحظات حميمة، وسهرات ممتعة، وذكريات كان مفترضا أن تتشكل.. سيظل ذلك الصوت الداخلي يحذرك من معاودة الاتصال به، ستخيفك فكرة أنه تغير، ولم يعد ذلك الشخص الذي جمعتكما أشياء كثيرة، فأنت لا تعلم يقينا كيف صار؟ ستخشى فقدانه، وستفضّل أن تظل صورته القديمة في ذاكرتك، كما تركته قبل سنوات بعيدة.. أحيانا الذكريات أجمل من الواقع.

وهناك صديق متخيَّل طالما سمعت عنه من حولك وهم يتحدثون عنه، ويشيدون به، ويعددون سماته الفريدة، أو يقصّون مغامراته الجسورة.. أو أنك عرفته من العالم الافتراضي، قرأت منشوراته على فيسبوك، وأعجبتك شخصيته وطريقة تفكيره واعتقدت أنه مقرب منك، ويشبهك.. ستتمنى لو أنه صديقك في العالم الحقيقي، أو أنك عرفته منذ زمن.. لكنك أيضا ستخاف من احتمالية أنه لن يرحب بك، أو أنَّ أفكاره وتوجهاته نظرية، وفي الواقع هو شخص مختلف، أو عادي، أو قميء، أو رائع، لكنه لن يكون صديقك.. أحيانا "أن تسمع بالمعيدي خيرا من لقائه".. وأحيانا التخيلات أفضل من الواقع.    

وهنالك صديق مر سريعا في حياتك، مثل ومضة خاطفة، لكنه ترك أثرا طيباً، وذكرى لطيفة.. والآن انقطعت أخباره، ولا تدري تحت أي سماء هو، ستشعر باشتياقٍ مزمن تجاهه.. ابحث عنه، قد تجده يبادلك الشعور..

وبالتأكيد، لا بد من وجود الصديق المزعج/ طيب القلب.. والصديق الخبيث/ حلو اللسان.. وصاحب المصلحة.. لا تنس أن العلاقات الإنسانية كلها قائمة على تبادل المصالح والمنافع، وكما ترى الآخرين وتحكم عليهم يرونك ويحكمون عليك.. وقد قيل في الأمثال: "صديقك الذي يُبكيك، لا من يُضحكك"، أو من تبكي أمامه دون خجل، وتضحك معه من قلبك ودون تحفظ..  

على مر الأيام والسنين، ستدرك أن صديقك الحقيقي هو/ي الزوج/ة شريكك في السراء والضراء، وفي البيت والأولاد، رفيقك في دروب الحياة، كان وما زال السند والحبيب والداعم.. الذي سيظل يحبك كما أنت..

أو هو والدك الذي عاش من أجلك، أو أُمك التي أنت قطعة منها، أو شقيقك الذي سيؤجرك قلبه دون مقابل.. أو ابنك الذي كبر وصار صديقك الأول..

في خريف العمر، نحب أن ننزوي، وأن نجد وقتا للتأمل، والتذكر، وأن نحدق في المدى المفتوح.. وأن نتصالح مع أنفسنا بعد عراك دام طويلا.. ستكون الأيام قد غربلت الأصدقاء وأبقت على واحد أو اثنين..

في الأمس، واليوم، وغدا.. وفي كل وقت قلبك هو صديقك الأزلي والدائم، وموضع ثقتك، الذي لن يخذلك أبداً، إلا بتوقفه عن الخفقان، وبالتالي ستكون مسيرتكما معاً قد بلغت منتهاها، وتوقفت..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق