أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 12، 2024

مآلات العدوان وتداعياته

 

كل الأهداف التي أعلنها مطلقو طوفان الأقصى راحت في مهب الريح، صارت مجرد أماني عصية، حتى أنها غابت تماما عن الخطاب الإعلامي، ولم يتمكن أحد من طرحها على أجندة المفاوضات..

ستعقد يوم غد جولة جديدة من مفاوضات التهدئة، ومشكلة هذه المفاوضات لا تكمن فقط في الخلل الفادح في موازين القوى، بمعنى أنها غير متكافئة، وهناك طرف قوي ومعربد يفرض ما يريد، ويرفض ما يريد، وطرف ضعيف يفقد خياراته مرة بعد مرة.. المشكلة أنها ليست مفاوضات سياسية، فهي تتمحور فقط حول شروط وكيفية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل هدنة مؤقتة.. حتى المطالب البسيطة التي كنا نطالب بها سابقا (مطار، وميناء، ومساحة صيد بحري..إلخ) لم تعد مدرجة بأي شكل.

في كل نشرة أخبار يتصدر خبر استشهاد العشرات من أبناء غزة، مع تذكير بعداد الشهداء الذي تجاوز الأربعين ألف.. حتى هذا الخبر لم يعد يعني شيئا، لم يعد يعني أحد.. لا يعني الشعوب، ولا يعني الحكومات، ولا المنظمات الإنسانية ولا الدولية، ولا الأفراد ولا الجماعات.. هذه حقيقة يجب بداية الاعتراف بها.. والإقرار بأن تأثير هذا الخبر لا يتجاوز الدقيقة، ولا يعقبه أي ردة فعل ذات معنى..

إسرائيل ماضية في عدوانها، وبتصعيد مستمر، لم تعد تهتم بسمعتها، ولا بصورتها، بل إنها تسمح وتشجع الجنود على نشر صورهم وهم ينكلون بالمدنيين، ويسلبون بيوتهم، ويقترفون أفظع الجرائم ضد السكان والأسرى وضد القانون الدولي.. لم تعد تهتم بأية ردة فعل دولية، لا مجلس أمن، ولا تنديد الحكومات، ولا إدانة المنظمات الحقوقية، ولا شعارات المظاهرات، ولا هتافات المتظاهرين..

لم تستطع المقاومة الفلسطينية رغم بطولاتها صد العدوان، ولا إجباره على التراجع، ولا منعه من دخول منطقة، أو حتى تأخير دخوله، أو دفعه للخروج منها، عمليا هو المتحكم والمسيطر؛ يأمر بنزوح منطقة فتنصاع مجبرة على النزوح، يقصف، ويقتل بلا رحمة، مستعد أن يدمر حي بأكمله بحجة وجود مطلوب! استطاع جيش الاحتلال التأقلم مع العمليات الفردية، وأن يتحمل حجم الخسائر التي تقع بين صفوفه من أفراد ومعدات، وقد تبين أنه قادر على خوض حرب طويلة الأمد، ومستعد لتحمل الخسائر، خاصة وأنها ليست بالقدر الذي يجعله يطالب بوقف إطلاق النار، أو أن تكون عامل ضغط إستراتيجي تجبره على الانسحاب، أو وقف العدوان.

كما اتضح أن كل ما قيل عن تفكك الكيان، وسقوط حكومة نتنياهو، وتفجر التناقضات الداخلية عبارة عن مبالغات وقراءات غير واقعية، بل العكس هو الصحيح، ونتنياهو في صعود مستمر، وبرنامجه ماضٍ بحسب ما خطط له منذ البداية، حتى أمريكا لم تستطع ردعه ولا لجمه.

الأوضاع في القطاع في تدهور مستمر، وكل يوم جديد لا يحمل سوى المزيد من الدماء، والمزيد من القهر والمعاناة والآلام، والخراب والتدمير.. وقد خرجت الأمور عن سيطرة حماس والمقاومة والشعب..

وهناك من يريد إبقائنا في الوهم وانتظار السراب، مرة باسم مفاوضات التهدئة التي تتعمد إسرائيل إفشالها، ومرة في انتظار انهيار حكومة نتيناهو وكأنّ من سيخلفه سيكون حمامة سلام! ومرة بانتظار تغير الموقف الأمريكي، أو بانتظار تغير الموقف الأوروبي، أو بانتظار مجلس الأمن، أو تصعيد محور المقاومة، وضربات الحوثيين، وتجاوز حزب الله لقواعد الاشتباك، أو تأثيرات المظاهرات الشعبية في مدن العالم، وتأثيرات النخب الأكاديمية والمثقفة التي بدأت تتفهم القضية الفلسطينية وتغير موقفها من إسرائيل..

في بداية العدوان عشنا على وهم أن الجيش الإسرائيلي لن يجرؤ على اجتياح غزة، ثم عشنا أشهرا على تهويمات الدويري والمناطق الرخوة، وعلى صور تفجيرات الدبابات، ثم عشنا ثلاثة أشهر كاملة ونحن نترقب اجتياح رفح، واقتنعنا أن أمريكا لن تسمح لإسرائيل بفعلها، بينما كان القصف والقتل والنزوح مستمر ودون توقف.. واليوم نزجي الوقت في انتظار الانتقام الإيراني، الذي سيقتلع إسرائيل!

وما زالت الجزيرة تبيعنا الوهم والوعود، مرة بقرب انهيار إسرائيل، ومرة بتغير الموقف العالمي، ومرة بتمرير تصريحات لقادة إسرائيليين مفادها أن إسرائيل ما زالت بعيدة جدا عن تحقيق النصر! وبالطبع لن يجرؤ أحد من محلليلها على قول الحقيقة، بأن مثل هكذا تصريحات إنما هي غطاء وذريعة لاستمرار العدوان. ولن يجرؤ أحدهم على مصارحة الناس بأن قوات المقاومة مع كل تقديرنا لها باتت مكبلة، ومحاصرة من الجهات الخمس لدرجة عجزها عن التحرك، ولم يتبق أمام المقاومين سوى التحصن فى الأنفاق والتي لم تعد ممكنه كالسابق بسبب تدمير معظمها، وما تبقى منها لم تعد صالحة للاختباء، وبسبب وجود طائرات الاستطلاع الصغيرة التى ترصد أي مسلح.

وإزاء هذا الواقع الصعب والكارثي، وفقدان الخيارات، لم يتبق لنا سوى خيار البحث عن مخرج سياسي، بهدف إنقاذ ما تبقى من غزة، وإنقاذ مليوني إنسان يصارعون الموت كل دقيقة. وهذه تحتاج منا أن نعلي من قيمة الإنسان، وأن نعتبر مهمة إنقاذ حياة الغزيين أهم من أي هدف آخر، وتتطلب منا أيضا التوحد وترتيب البيت الداخلي، والتقدم للعالم بخطاب موحد.

والبديل استمرار التعلق بالشعارات وترديد الخطب الثأرية والجمل الثورية والعبارات الإنشائية المنمقة التي تتوعد بالنصر المؤزر.. المنفصلة عن الواقع.

الوقت من دم.. وهذه الحرب العدوانية ليست مباراة نتسلى بها، والموضوع أسمى وأهم من الخطابة والشعارات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق