استنتج علماء المناخ، وهم يستكشفون القمم الجليدية في أنتاركتيكا وغرينلاند أنَّ جليد الكوكب يذوب أسرع بكثير مما كان يُعتقد سابقا، ومع هذه المعدلات من الذوبان قد تختفي معظم حقول الجليد والكتل الجليدية القارية، وينخفض الجليد القوي للقطب الشمالي بسرعة كبيرة. وبناء عليه في المستقبل القريب، سيكون المحيط المتجمد الشمالي خاليًا تمامًا من الجليد في فصل الصيف. وستنضب الأنهار الجليدية الذائبة والتي تشكل مصدرا للمياه بالنسبة للمليارات المحتاجة، وسيؤدي ارتفاع مستويات البحار إلى اختفاء بعض الجزر والمدن الشاطئية. ووفقاً لحسابات بعض العلماء فإنه بحلول نهاية القرن قد يرتفع مستوى المياه في المحيط العالمي بأكثر من متر واحد. ولكن، في حالة الذوبان الكامل لجليد غرينلاند سيرتفع مستوى المحيط العالمي بمقدار 7 أمتار، وتلك كارثة خطيرة تهدد الوجود البشري..
وقد بات معروفا
أنَّ أسباب ذوبان الجليد مرتبطة بظاهرة التغير المناخي، والتي من أبرز أعراضها
الاحتباس الحراري، وفي هذه الظاهرة المناخية يلعب النشاط البشري دورا كبيرا
ومؤثرا، وتحديدا بسبب نشاطاته الاقتصادية والاستهلاكية التي تزيد من معدلات انبعاث
غازات الدفيئة.. وبحسب الكثير من العلماء فإن هذه الظاهرة وصلت نقطة خطيرة وحاسمة،
وأنها دخلت مرحلة اللاعودة، وأنّ الكوارث قادمة لا محالة.. فيما يقدر علماء آخرون
أن العشر سنوات القادمة هي آخر فرصة لبني البشر ليفعلوا شيئا يساهم في إنقاذ
الكوكب وسكانه من المخاطر القادمة..
هذا فيما يتعلق
بأزمة المناخ وتداعياتها، لكن الأمر لا يتوقف على المناخ؛ فالسنوات العشر القادمة
ستكون حاسمة بالنسبة لسكان الكوكب على أكثر من صعيد، وفي حقول ومجالات مختلفة:
السياسة والنظام الدولي، الأمن العالمي، الاقتصاد وما يتعلق بموارد الكوكب
والتعداد السكاني، مستقبل العلم، خاصة الاختراعات، والتكنولوجيا الرقمية
والاتصالات، مستقبل الطب والصحة العامة.. وأثر كل ذلك على الإنسان، والمجتمعات،
والأجيال القادمة.
لنبدأ
في حقل السياسة؛ فقد عاش العالم حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين في ظل
نظام دولي قطبيه الرئيسين بريطانيا وفرنسا، ثم أربعين سنة في نظام دولي قطبيه
الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ثم ثلاثين سنة في نظام أحادي القطبية، مع بدايات
بروز أقطاب متعددة، لكنها أقل تأثيرا من القطب المهيمن (أمريكا).. اليوم، تشكل
الحرب الروسية الأوكرانية، وما يتصل بها من عقوبات اقتصادية مفصلا مهما في إعادة
تشكيل النظام الدولي على أسس جديدة، سيكون متعدد الأقطاب (روسيا، الصين، اليابان،
الهند، أوروبا، البرازيل..) لكنها أقطاب أقل قوة من أمريكا، وغير قادرة على ممارسة
دور بديل أو منافس لها، بسبب الفجوة الكبيرة بينها وبين أمريكا، خاصة في القدرات
العسكرية والتكنولوجية، وبسبب تباين طموحاتها وأولوياتها.
الأمن العالمي (الاستقرار
والسلام، أو الحروب) ستقرره الدول الكبيرة والمنتصرة، كما هو دارج تاريخيا، لكن
الدول الصغيرة وشعوب العالم ونخبه ومثقفيه وقواه الحية والفاعلة سيكون لها دورا
واضحا ومؤثرا.. سواء على نطاق إقليمي، أو عالمي، وهنا يمكن اعتبار ثورات الربيع
العربي، وحركات الاحتجاج العالمية، وردات الفعل الدولية على حرب روسيا، وتنامي حالة
الوعي الإنساني، وهذا له علاقة بالثورة المعلوماتية، عبارة عن صورة مصغرة، أو مثال
بارز لما يمكن لشعوب العالم أن تفعله..
الاقتصاد وما
يتعلق بموارد الكوكب والتعداد السكاني مواضيع مرتبطة ومتصلة، ومن المتوقع أن يصل
عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار في عام 2030، ستكون النسبة العظمى لشعوب
العالم الثالث، بسبب معدلات الخصوبة المرتفعة، ويُتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا
بحلول عام 2050. وستكون الدول الصناعية بأقل عدد من السكان، ولكن بمستويات حياة
ممتازة، خلافا لدول الجنوب، التي ستزداد فيها معدلات الفقر، وربما تحدث فيها
مجاعات، مع تصاعد معدلات الهجرة نحو الدول المتقدمة.. ولكن، للأسف، ستتجه أغلب دول
العالم (الفقيرة والغنية) نحو المزيد من السياسات النيوليبرالية، ما يعني تراجع أو
اختفاء الخدمات الأساسية لعامة الناس، بسبب سياسات الخصخصة، والتي ستؤدي إلى تضخم
فلكي لأرباح الشركات العملاقة، ولكن على حساب فقراء العالم..
وهنا سيشتد
الصراع بين النيوليبراليين من جهة، والفقراء من جهة ثانية، ومعهم بعض النخب
الاقتصادية والفكرية والطبقات الوسطى، والقوى الحزبية، وكل ضحايا النيوليبرالية.
سيشهد الطب مزيدا
من التطورات الواعدة، بما يخدم الإنسانية، والصحة العامة، لكنه سيواجه تحديات خطيرة
في مجال الأوبئة والجائحات، وقد رأينا كيف أثرت أزمة كورونا على العالم اقتصاديا
واجتماعيا وصحيا، وهي أزمة ما زالت متفاقمة، وقد تتطور إلى أشكال جديدة، وليست في
الحسبان..
العلوم
والاختراعات ستشهد تطورات مذهلة ومدهشة، وستغير من طبيعة الإنسان، ومن نظامه
الاجتماعي، ولو تتبعنا سير تطور العلوم والتكنولوجيا في القرن الأخير، سنعرف كيف
ولماذا سيكون لهذا العقد تأثيرات بالغة الأهمية على مستقبل العالم برمته؛ فمثلا
كان عنوان سنوات الخمسينيات والستينات الإذاعة والتلفزيون، وبرامج واعدة في حقول
الفضاء. في السبعينات أخذت تنتشر الأجهزة المنزلية والكهربائية التي بدأت تغير في
حياة الأسرة والمجتمعات. وفي الثمانينيات بدأت تنتشر الهواتف والفاكسات وأجهزة
الفيديو والتسجيل وغيرها. في التسعينيات ظهرت المحطات الفضائية، وبدأ الكمبيوتر
يدخل البيوت، ثم الهواتف الخلوية. وفي العشرية الأولى ظهرت التطورات المذهلة في
الإنترنت، والهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي.. وما واكب كل تلك السنين من
تطورات في عوالم السيارات والقطارات والنقل الجوي والبري والبحري وخطوط الإمداد
وعلوم الفضاء، والطاقة، والفيزياء النووية.. وكان كل تطور يجُبُّ ما قبله، ويؤسس
لتطورات جديدة أكثر إدهاشا وأكثر كفاءة وأحسن نوعية..
ومع ذلك، كل تلك
التطورات الكبيرة في العلوم والتكنولوجيا والثورة الرقمية عبارة عن تأسيس وتمهيد
لما هو قادم، والذي سيأتي بخطوات فائقة السرعة، تفوق قدرة الإنسان على التأقلم..
رقميا، كل قرن
يبدأ بسنته الأولى، ولكن عمليا وتاريخيا يبدأ القرن بحدث كبير ومفصلي، فالقرن
التاسع عشر بدأ بالثورة الفرنسية (1789)، والقرن العشرين بدأ بالحرب العالمية
الأولى (1914-1918)، وانتهى بتفكك الاتحاد السوفياتي (1991)، أما القرن الحادي
والعشرين فسيبدأ وتتحدد معالمه في هذه العشرية الثالثة. لكن تأثيرها سيمتد لقرون
قادمة.. ليس في مجال السياسة والاقتصاد وحسب، بل والأهم، مجال التكنولوجيا
والإعلام. وبالمناسبة، ليست كل التغيرات إيجاية ولصالح البشرية، بل العكس، بعضها
سيكون مدمرا..
هذا العقد سيكون
حاسما بمعنى الكلمة لمستقبل البشرية، وفي كافة المجالات، والسؤال المطروح: هل
سيكون للعرب دورا مهما كشريك وفاعل؟ أم سيكونون مجرد متلقين ومستهلكين، وضحايا؟ أم
سيكونون عالة وعائق أمام المستقبل والتغيرات القادمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق