أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 25، 2022

جُـزر القمر المنسيّة

 مع مطلع القرن السادس عشر، بدأت "جزر القمر" تستقطب أعدادا متزايدة من السكان، وكأنَّ أهل البر الإفريقي اكتشفوا فجأة جنة مفقودة، وفي تلك الفترة شكلت تلك الجزر محطة لقوافل التجار المسلمين، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى اعتناق أغلبية سكانها للإسلام.. لكن فرنسا (ككل الدول الاستعمارية) لا تترك شيئا جميلا في حاله، فأخضعتها تحت حكمها في مطلع القرن التاسع عشر.

هي أرخبيل من أربع جزر، تقع على بعد مئات الأميال وسط المحيط الهندي، قبالة شواطئ تنزانيا، وموزمبيق، ومدغشقر، ثلاثٍ منها مستقلّة تسمى جمهوريّة جزر القمر، مساحتها 1660 كم2، وعاصمتها موروني، وعدد سكانها أقل من مليون، أمّا الجزيرة الرابعة "مايوت"، والتي تعادل مساحتها مساحة قطاع غزة، وما زالت تحتَ إدارة فرنسا، لتكون المقاطعة الفرنسية رقم 101.

ذات طبيعة ساحرة، ومناخ استوائي، تعد موطناً للمرجان، وزهرة اليلانج، والعاجِ.. لكنها لم تشتهر كبلد سياحي، بل اشتهرت بالفقر، وبعشرين انقلابا وقعت منذ حصولها على الحكم الذاتي عام 1961. لغتها الرسمية العربية والفرنسية، أمّا اللغةُ الدارجة فهيَ "الشيكومورو"، و"الملغاشية"، وهما خليط بين السواحلية والعربية.

80% من سكانها يشتغلون في الزراعة، يصدرون الفانيليا، والقرنفل، وزهرة يلانج، وجوز الهند، والموز والكسافا، ومع ذلك يستوردون 70% من احتياجاتهم الغذائيّة!

استقلت عن فرنسا عام 1974، وانضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1993، على أمل الاستفادة من المساعدات العربية، وعلى ما يبدو أنها لم تحصل سوى على الكلام والوعود..

وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن جزر القمر من الدول العشر الأفقر في العالم، حيث أكثر من نصف سكانها يقبعون تحت خط الفقر المدقع، إضافة لمعاناتهم من تردي الخدمات العامة، وسوء البنية التحتية، والبطالة، والأوبئة، وانعدام الأمن.. الأمر الذي خلق تيارا تغريبيا يطالب بعودة الاحتلال الفرنسي. ولكن على ما يبدو أن فرنسا مكتفية باحتلالها جزيرة "مايوت".. التي يهاجر إليها سنويا نحو 15 ألف مواطن قمري، دفعتهم حالة البؤس والإحباط التي يعانون منها.

لكن الرحلة إلى "مايوت" ليست نزهة، بل هي رحلة نحو الموت، فحسب تقرير منشور على "الجزيرة الوثائقية"، عنوانه: "السرطان الفرنسي يمزق جزر القمر"، مات في قوارب المهربين نحو ثلاثين ألف مواطن قمري خلال العقود الأخيرة.

وإذا كان العرب قديما قد أطلقوا اسم جزيرة الموت على "مايوت"، لكثرة ما التهم بحرها من سفن وبحّارة وصيادين، فإنها اليوم تعتبر أكبر مقبرة بحرية في العالم، تلتهم سنويا آلاف الهاربين من الفقر، الذين يركبون قوارب متهالكة يستعملها تجار التهريب، يطلقون عليها اسم "كوسا كوسا"، بحمولة تفوق كثيرا قدرتها، لدرجة أن الراكب في رحلة السبعين كلم لا يستطيع التبول، ولا حتى الالتفات يمنة أو يسرة من شدة الازدحام! وفي حالات الغرق، وما أكثرها، لا تقوم السلطات الفرنسية بواجب إنقاذ الغرقى، إلا بأشكال استعراضية، وكثير من الناجين اتهموا السلطات الفرنسية بتعمد إغراق القوارب، أو التلكؤ في إنقاذها.

لكن مأساة الهاربين لا تنتهي لمن كُتب لهم النجاة، بل تبدأ مأساة أخرى أشد وطأة..

فسكان "مايوت" البالغ عددهم 213 ألف نسمة، ونتيجة للسياسة الفرنسية التمييزية ظهرت بينهم أجيال شابة تظن نفسها أنها فرنسية حقا، لكن المفارقة أن هؤلاء إذا سافروا إلى فرنسا يعامَلون كأفارقة. ومع ذلك، يبدو أنهم نتيجة التمايز النسبي الذي يتمتعون به مقارنة مع بقية الجزر، تولدت لدى تيار منهم مشاعر عدائية تجاه القمريين، وصاروا يشعرون أنهم منفصلون عن بقية الجزر، وينظرون لمن يأتيهم منها على أنهم مقيمين غير شرعيين..

ويُظهِر تقرير الجزيرة أشكالا عديدة من معاناة اللاجئين القمريين في "مايوت"، فمثلا لا يتورع المواطن المايوتي عن استغلال أخيه المهاجر القمري بالعمل، فبعد إتمامه العمل المطلوب يستدعي له الشرطة ليتنصل من دفع أجرته، بحجة أنه مهاجر غير شرعي، وليس له حقوق في القانون ومطلوب للتسفير. وقد وصل بهم الأمر إلى إطلاق الضحكات الشامتة كلما سمعوا عن غرق قارب من قوارب المهاجرين وسط البحر، ومات كل من عليه من الركاب!

يسكن أغلب المهاجرين القمريين في بيوت خربة، تتسرب إليها مياه الأمطار، وتفتقر لأبسط مقومات الحياة مثل الحمّام، يخافون من إضاءة مصباح كهربائي، لأن السلطات لا تحب أن ترى مقيمين "غير شرعيين" عندهم كهرباء. لا يحصلون على حق الإقامة والعمل بطريقة رسمية، يعيشون في ظروف غير إنسانية، ويتعرضون للاستغلال والسياسات التمييزية، يتقاضون رواتب أقل بكثير مما يتقاضاه المواطن المايوتي، فضلا عن مطاردة الشرطة الدائمة لهم، واحتجازهم في مراكز لا تتوفر فيها أدنى الشروط الإنسانية، حيث تفوح الروائح الكريهة والحشرات، ولا تخضع تلك المراكز للقوانين الفرنسية المتعلقة بالمهاجرين غير الشرعيين، فيتم التعامل مع المحتجزين بمنتهى القسوة، وكأنهم بهائم، وتصادر هواتفهم النقالة قبل تسفيرهم حتى لا ينقلون صورة حقيقية عن تلك المراكز. وتشير الاحصائيات الرسمية إلى أن عدد الذين يُرحلون سنويا من مايوت يصل إلى تسعة عشر ألف شخصا.

وقد بين تقرير بعثة البرلمان الأوروبي ومنظمة العفو الدولية أن مراكز الاحتجاز في مايوت تمثل عارا على فرنسا، لكن هذا التقرير غاب عن جميع وسائل الاعلام الفرنسية، لأن قضية مايوت مغيبة عن الإعلام الفرنسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق