أصدرت الحكومة
البريطانية بيانا اعتبرت فيه حركة حماس "منظمة إرهابية"، وقد لاقى البيان
ردود فعل رسمية وشعبية وفصائلية رافضة ومنددة بالبيان، معتبرة إياه خرقاً للقانون
الدولي، وامتداداً للسياسة الاستعمارية البريطانية، وتساوقاً مع قرارات دولة
الاحتلال بتصنيف مكونات الشعب الفلسطيني كـ"منظمات إرهابية"، مطالبةً
بريطانيا بالتراجع عن هذا القرار الجائر، والانحياز لمبادئ القانون الدولي وحقوق
الإنسان، وتصويب مواقفها تجاه قضية الشعب الفلسطيني العادلة.
هل استفاقت بريطانيا فجأة، واكتشفت اليوم فقط أن حماس
"إرهابية"؟ أم أنّ قرارها جاء نتيجة حملات إعلامية ودبلوماسية تشنها
اللوبيات اليهودية في أكثر من بلد؟ فالتقت مصالح جهات حكومية بريطانية مع اللوبيات
الصهيونية لإخراج هكذا بيان بائس.
وكانت الولايات المتحدة قد حاولت سابقا تمرير
قرار مشابه من الأمم المتحدة باعتبار حماس منظمة إرهابية (2018)، إلا أن مشروع القرار
الأميركي فشل آنذاك، حيث أخفقت في الحصول على موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة لإدانة حماس، بتهمة الإرهاب، فقد وافقت 87 دولة فقط على مشروع
القرار الأميركي، فيما عارضته 57 دولة، وامتنعت 33 عن التصويت، وكان موقف السلطة
الفلسطينية حينها مشرفا وواضحا، إذ عارضت القرار بقوة، وحشدت ضده.
في واقع الأمر، هنالك حالة استفاقة ضمير عالمية
(خاصة في الأوساط الشعبية ولدى المنظمات الأهلية والأكاديمية) وقد بدأت صورة
إسرائيل الإرهابية تتكشف أمامها بوضوح أكثر فأكثر.. وهذا واضح أكثر في أمريكا
وأوروبا.. وهناك عشرات الأدلة على ذلك، وقد كُتبت عنها عشرات المقالات. وربما هذا
أكثر ما تخشاه مراكز صنع القرار في إسرائيل..
لذا، وكخطوة استباقية، وضمن محاولتها الدؤوبة
لتضليل العالم، تسعى إسرائيل لتشويه صورة الكفاح الوطني الفلسطيني، ووصفه
بالإرهاب.. كما فعلت في حملتها على مخصصات أسر الشهداء والأسرى.. وما فعلته
الحكومة البريطانية (إدانة حماس بالإرهاب) وهو تساوق مع سياسات إسرائيل الهادفة
إلى تجريم النضال الفلسطيني، وانحيازاً صارخاً لدولة الاحتلال..
بغض النظر عن موقفنا من حماس (أيديولوجيا
وسياسيا)، إلا أن ما تفعله ضد إسرائيل هو كفاح شعبي، ومقاومة مشروعة ضد الظلم
والاحتلال، ودفاع عن النفس، وهو حق طبيعي تكفله القوانين الدولية.. وهذا النضال لا
تمارسه حماس لوحدها.. بل يمارسه الشعب الفلسطيني بأسره.. وعلى بريطانيا والمجتمع
الدولي الكف عن النفاق، وازدواجية المعايير، وتجاهل الظلم والأذى الذي يتعرض له
الفلسطينيين، وعليها رؤية جرائم وممارسات إسرائيل الإرهابية والعنصرية.. ومن أجل
ذلك لا تحتاج بريطانيا وأمريكا وغيرهما سوى نزع نظّاراتهم العنصرية، ورؤية المشهد
بعيون إنسانية طبيعية. وهو مشهد في غاية الوضوح.
كتبت الصحافية الإسرائيلية
التقدمية عميرة هس، مقالا بعنوان "أنا أموّل الإرهاب" (هآرتس،
26-10-2021)، فضحت فيه أشكال الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين، تحت
غطاء "دولة القانون": "إذا كان "الارهاب" فرض الذعر
والخوف فماذا يفعل الجيش والشاباك عندما يقومون بإرسال الجنود الملثمين مع كلابهم لاقتحامات
ليلية لبيوت الفلسطينيين؟ وهم يصوبون بنادقهم ويوقظون العائلات من النوم ويقلبون
محتويات الخزائن ويصادرون الممتلكات ويضربون الآباء أمام أعين أولادهم؟ ماذا يفعل
مفتشو الإدارة المدنية عندما يتجولون بين تجمعات الرعاة ويفحصون إذا كان قد أضيفت
خيمة أو زلاجة للأطفال التي يجب تدميرها؟ ماذا تفعل كاميرات المراقبة المزروعة في
كل حاجز يوجد على مدخل كل مدينة فلسطينية؟ وجنود حرس الحدود في القدس، الذين
يعتقلون كل من يبدو لهم عربي، والجنود ورجال الشرطة الذين يوجهون الركلات والصفعات
لمن يتجرأ على مناقشتهم.. ما هو عملهم إذا لم يكن فرض الرعب؟
وماذا بشأن عصابات
المستوطنين الملثمين والمسلحين؟ ماذا نسمي طقوس العربدة التي يشنونها على الناس
وعلى الأشجار؟ عائلة واحدة من المستوطنين تسيطر على قطعة أرض بتهديد البنادق ثم
تقوم الطائرات المسيرة بمنع الفلسطينيين من الوصول إلى إراضيهم، أو قطف زيتونهم؟
لقد تجاوز مفهوم الإرهاب حدود
التخويف المجرد، فهو يشمل أيضا التدمير والقتل، وقصف المباني السكنية وقتل السكان المدنيين،
من بينهم أطفال ونساء، وهدم البيوت الفلسطينية بأيدي الإدارة المدنية وبلدية القدس..
كل هذه النشاطات الإرهابية وغيرها الكثير، تمارسها إسرائيل كل يوم وفي كل ساعة".
طبعا، بالإضافة لعميرة
هس، هنالك كتّاب إسرائيليون امتلكوا الشجاعة، وانحازوا لضمائرهم وفضحوا الكثير من
ممارسات إسرائيل الإرهابية، مثل جدعون ليفي، وإيلين بابيه، وغيرهم.. فضلا عن اعترافات
جنود نكلوا بفلسطينيين على الحواجز لمجرد التسلية، وآخرون قتلوا فتيات بحجة "محاولة
طعن" بينما في الحقيقة لم يتعرضوا لأي خطر، وجنود اعترفوا أنهم كانوا يقنصون
الشبان أثناء مسيرات العودة شرق غزة، فكانوا يتعمدون إصابتهم بما يسبب لهم العجز
الكلي وذلك كسباق وتمرين على الرماية! وجنود اعترفوا أنهم كانوا ينفذون اقتحامات
ليلية لمنازل الأهالي في الخليل فقط من أجل الإزعاج..
وقبل كل ذلك، وبعده.. ما
نراه ونسمعه ونلمسه يوميا من قتل، وقصف، وتدمير، وهدم بيوت، واعتقالات، واقتحامات
ليلية، ومصادرة أراضي، وسرقة المياه، وجدار الفصل العنصري، والاستيطان، واجتياح
المدن، والتنكيل، والقمع، والاعتداءات، والحواجز العسكرية.. أليس هذا هو الإرهاب
بعينه؟ أليس هذا ما تفعله إسرائيل صبح مساء؟ أليس الاحتلال والاستيطان بحد ذاته
إرهابا؟ وجريمة بحق الإنسانية؟
طبعا، إسرائيل تدرك قبل
غيرها أن ما تفعله إرهابا، ويعرضها لانتقادات دولية، ويسيء لسمعتها.. ومع ذلك لم
تتوقف عن إرهابها يوما واحدا.. وهي من أجل تبرير ممارساتها أمام مواطنيها دأبت عبر
إعلامها الرسمي والموجه على شيطنة الفلسطيني، ونزع آدميته، ووصفه بالعدو، والمخرب،
والإرهابي، والمتخلف.. كل ذلك حتى يقتل الجنديُّ الإسرائيلي الطفلَ الفلسطيني بكل
خفة، وبضمير مرتاح!
كما دأبت على تضليل الرأي
العام العالمي بلعبها "دور الضحية".. وعلى وسم النضال الفلسطيني بالإرهاب!
وكوسيلة للتغطية على
جرائمها وإرهابها اعتبرت مؤخرا ست منظمات فلسطينية غير حكومية منظمات إرهابية!
وقررت ملاحقتها أمنيا، والسبب وراء ذلك واضح؛ فهذه المنظمات الحقوقية والاجتماعية
حققت إنجازات مهمة في معارضتها للاحتلال الإسرائيلي، وكشفت العديد من ممارسات
إسرائيل الإرهابية، ونشرت ذلك إعلاميا. وقد عملت وما زالت تعمل بدفع من السلطة
الفلسطينية من أجل تقديم قادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية للمحاكمة الدولية في
لاهاي، بصفتهم مسؤولون عن جرائم حرب وجرائم أبارتهايد، ومن المؤكد أنّ هذا المسار
يزعج إسرائيل، ويخيفها، ويفضح صورتها المزيفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق