يصادف
يوم 25 نوفمبر من كل عام اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد
المرأة، وهذه فرصة لتقييم وضع المرأة، من ناحية مدى العنف الذي تتعرض له، وأشكال
هذا العنف..
أكد تقرير صادر عن مكتب
الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن نحو 137 امرأة حول العالم يلقين حتفهن
يوميا على أيدي أزواجهن أو شركائهن أو أقاربهن. وتشير الأرقام إلى أنّ 87 ألف امرأة
قُتلنَ في عام 2017.. وهذا يشكل 20%
من مجمل جرائم القتل، حيث أنَّ ال80% المتبقية من بين ضحاياها أيضا نساء، عدا عمّن
يُقتلن في الحروب.
في فرنسا
وألمانيا تُقتل 150 امرأة سنويا، في أميركا ووفقا لبيانات مكتب التحقيقات الفدرالي
فإن نحو ثلاث نساء يُقتلن يوميا على أيدي شركائهن الحاليين أو السابقين، في المكسيك
قُتلت 3800 سيدة في العام 2017.
الملاحظ أن غالبية
النساء المقتولات قُتلن على يد أقربائهن؛ ما يعني أنّ أكبر عدو للمرأة هو أقرب
الناس إليها (الزوج، الأب، الأخ، العم،
الخال)، وأن غالبية الجرائم تمت في المنزل، ما يعني أيضا أنّ أخطر مكان على المرأة
هو بيتها! وفوق ذلك غالبا ما يتم لوم الضحية، وملاحقتها بالإشاعات والأحكام
المتسرعة.
في البلدان
العربية لا تتوفر إحصاءات دقيقة عن جرائم قتل النساء، ولكن بصورة عامة على سبيل
المثال تُقتل سنويا في الأردن من عشرين إلى ثلاثين سيدة بداعي ما يسمى "جرائم
الشرف"، والحال مثله في فلسطين.. ولكن المقال هنا يتحدث عن جرائم القتل التي
تتعرض لها المرأة بسبب أنها امرأة.. وغالبا ما تكون لأسباب تافهة جدا، كالخلافات
الزوجية، أو الخلاف على قضايا يومية عادية.. أي ما يسمى العنف الأسري..
العنف الأسري لا
يقتصر على جرائم القتل، وإن كان القتل أبشع أشكاله، بيد أن للعنف الأسري أشكالا
ومظاهر عديدة؛ تبدأ بالعنف اللفظي، والنفسي، والجنسي، وتشمل الضرب، والإهانة، والتحقير،
والتعذيب، والتهديد، والحرمان التعسفي من الحرية.. وتنتهي بالقتل.. وهناك حالات
فظيعة ومرعبة وقصص حقيقية لتعنيف النساء تضمنت اقتلاع العينين، والحرق، والتشويه،
والتسبب بعاهات وإعاقات دائمة، وجراح نفسية من المستحيل علاجها.. وغالبا كان
المجرم ينجو من العقوبة..
في اليمن بلغت
نسبة النساء المعنفات 26%، وفي المغرب 25%، وفي مصر 23%، وفي السودان 22%، وفي الجزائر
21%، في الضفة الغربية 24%، في غزة 38%.
ويؤكد موقع هيئة الأمم
المتحدة أنِّ واحدة من كل ثلاث نساء في العالم تعرّضن لعنف جسدي أو جنسي على الأقلّ
لمرّة في حياتهنّ، وغالباً ما يكون ذلك من قبل شريكهنّ الحميم، كما أنّ الفتيات يشكّلن
نسبة 70% من ضحايا الإتجار بالبشر.
في الأردن مثلا يتم اغتصاب نحو سيدتين من بين كل 100 ألف
سيدة، وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجرائم. في إقليم كردستان، وبحسب إحصائيات المديرية العامة لمكافحة العنف ضد النساء في العام 2015، قُتلت 55 امرأة، وانتحرت 64 امرأة، وحُرقت 197 امرأة،
بينما قامت 142 سيدة بحرق نفسها، وبلغت حالات التعذيب ورفع الشكاوى من قبل النساء 6673 حالة.. (وهذه مجرد عينة).
وبحسب تقارير
منظمة الصحة العالمية تعرضت 30 ألف امرأة للعنف الجسدي، و25 ألف حالة اعتداء جنسي،
ونحو سبعة آلاف حالة اغتصاب، هذا في ألمانيا وحدها، تلتها فرنسا والسويد وبلجيكا،
في اليابان أبلغت 15% من النساء عن تعرضهن للعنف الأسري، وفي أثيوبيا والبيرو بلغت
النسبة 71%. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 130 مليون فتاة قد تعرضن
لتشويه أعضائهن التناسلية فيما يعرف بالختّان، خاصة في إفريقيا (بما فيها مصر
والسودان).
وتشير الإحصائيات إلى
أنّ 6 من كلّ 10 نساء معنفات، لا يخبرن أي جهة عن أنهنّ معنفات، فيما الجزء الآخر
يتحدّثن عن الأمر للعائلة والأصدقاء وليس للشرطة. ما يعني أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير من الإحصاءات المعلنة.
وهذه المشكلة تبرز أكثر في الدول العربية، حيث لا تقوم النساء بالتبليغ عن العنف
الذي يتعرضن له لأسباب عديدة، أهمها الخوف من الأهل، ولتجنب انتقاد المجتمع المحلي،
ولأن اللوم دائما يقع عليهن، فضلا عن عدم الثقة بالجهاز القضائي.
فإذا كان عدو
المرأة الأول هو أقرب الناس إليها، الذي من المفترض أن يحميها ويرعاها (يشمل ذلك
جرائم القتل، وجرائم اغتصاب سفاح القربى، والعنف بأنواعه).. وإذا كان المنزل أخطر
مكان على المرأة، والذي من المفترض أن يكون مأمنها وملاذها.. وإذا كان الأهل
والجيران والمجتمع المحلي هم أول من يلوم الضحية ويلاحقها بالأقاويل والشائعات.. وإذا
كانت القوانين لا تحميها، ولا تردع الرجال عن جرائمهم، والثقافة الشعبية تبيح
للرجل ضرب نسائه والتحكم في حياتهن، بل وإنهائها إذا أراد.. فماذا تفعل المرأة؟ وأين
ستجد أمنها وراحتها؟
أول ما يتوجب
فعله تغيير الثقاقة المجتمعية السائدة، التي تمتهن المرأة، وتستخف بها، ولا تتعامل
معها بوصفها إنسان، فمن الواضح أن العالم عموما (وخاصة دول العالم الثالث) ما زال
في مرحلة المجتمع الذكوري البطريركي، الذي يعطي الأفضلية للرجل، ويجعل من المرأة
تابعة له، ومن ضمن ممتلكاته، وله حق السيادة والقوامة عليها.. ثم تطبيق قوانين
حماية الأسرة، التي على الأقل قد توقف مسلسل جرائم قتل المرأة وتعنيفها.
وقبل ذلك
وبعده، أن تنتصر المرأة لكرامتها وإنسانيتها، ولا تقبل العيش مع رجل لا يحترمها..
مهما كانت المبررات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق