استشعار خطر قادم
في
2007 أقدمت حماس على ما أسمته "الحسم العسكري" بذريعة وجود فرق الموت
التي يقودها "دحلان"، وهذه الحجة شكلت حجر الزاوية في خطاب حماس
الإعلامي، والتي عليها بنت إستراتيجيتها في السيطرة على قطاع غزة.. واستمرت كذلك
ردحا من الزمن.. إلى أن بدأت في السنوات القليلة الماضية تبني جسورا بينها وبين
دحلان، وصولا إلى بناء تحالف سياسي ميداني، كانت ترجمته تسهيل تحركات أتباع دحلان،
والسماح بعودة قيادات التيار إلى غزة..
لا
يهم هنا المسوغات التي قدمتها حماس، ولا كيف بررت ذلك إعلاميا، فهي بارعة في
الإعلام، وتستطيع تبرير أي خطوة تقدم عليها، ولديها سجل حافل بذلك، المهم معرفة
أسباب هذا التحول، وتوقيته.
الإجابة
الوحيدة الممكنة نجدها في التوقيت، والدوافع.. فقد بدأت رموز التيار الدحلاني
بالعودة للقطاع بعد انطلاقة موسم الانتخابات، وبالطبع لتمكينهم من إدارة حملتهم
الانتخابية.. أما الدوافع فهي للضغط على "فتح"، وإيجاد منافس لها سيأخذ
من الأصوات التي كان من المفترض أن تصب في قائمتها. هذا قبل الانتخابات، أما
بعدها، فهي مواصلة الضغط فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، وبالتالي تغيير اتجاهات
السلطة وخياراتها وتغيير قواعد اللعبة بالكامل.
أين
الخطورة في ذلك؟
بداية
لنعيد التذكير ببعض الحقائق عن طرفي التحالف..
لا
يخفى على أي متابع حقيقة العلاقة بين دحلان ودولة الإمارات الشقيقة، والتي تستخدمه
أداة لتنفيذ أجنداتها السياسية والأمنية.. وكلنا يعرف أن الإمارات طبّعت علاقاتها
مع إسرائيل، وأقامت تحالفا معها تجاوز كافة أشكال التطبيع المعهودة، لدرجة تمويلها
نادي رياضي إسرائيلي يميني متطرف، بل وتقديمها مساعدة لإسرائيل قدرها عشرة مليارات
دولار تحت مسمى استثمارات، وضلوعها في مخططات تسريب أراضي في القدس لصالح اليهود،
من خلال "مجلس القدس للتطوير والتنمية" الذي يرأسه سري نسيبة المرشح رقم
2 في قائمة دحلان، وهو شقيق زكي نسيبة، الذي شغل مناصب قيادية في الإمارات، منها
وزير دولة، ومستشار ثقافي، وابنته "لانا" هي مندوب الإمارات الدائم في
الأمم المتحدة. كما جاء في مقال للدكتور تيسير عبد الله المحاضر في جامعة الأزهر
بغزة.
إذا،
الإمارات تريد اختراق الساحة الفلسطينية واللعب بها من خلال مندوبها دحلان، ولم
تعد مخططات الإمارات خافية على أحد، وطموحها بلعب دور سياسي في المنطقة يتفوق على
دور قطر، التي سبقتها في ذلك، لكنها ظلت أكثر حذرا، وتتبع إستراتيجية نسج علاقات
مع الأطراف المتناقضة.. بينما الإمارات تلعب على المكشوف دون ضوابط، ولا خطوط
حمراء.. وقد أشارت تقارير صحفية لضلوع الإمارات في أحداث الأردن الأخيرة، وضلوع
"عوض الله" في المؤامرة، وهو مستشار أمني في الإمارات، وصديق لنتنياهو،
تم ترشيحه من قبل دحلان.
لنسأل
أنفسنا ببساطة: ما الذي يريده دحلان؟ هل يستطيع انتقاد التنسيق الأمني؟ أو الفساد؟
أو التقرب من إسرائيل؟ أو التحالف مع رأس المال الطفيلي؟ وهو عراب ذلك كله! هل
لديه برنامجاً كفاحيا أكثر تطورا من برنامج "فتح"؟ أو برنامجا سياسيا
مختلفا عن أبو مازن؟
أما
حديثه عن الإصلاح والتغيير ودور الشباب فليس أكثر من وهم، فقد أثبت فشله وضعفه في
إدارة الملفات الخطيرة التي تولاها حين كان داخل فتح، ولم يُظهر حينها أي أداء
مميز؛ عندما كان الرجل القوي في غزة، سيطرت "حماس" على القطاع وأخرجته
بطريقة مهينة، وأيضا حين تولى مسؤولية إعلام "فتح"، وامتلك شبكة إعلامية
ضخمة، لم ينجح بإحداث أي فرق يُذكر.. وهو في الحقيقة لا يمتلك شيئا سوى المال،
الذي يحاول من خلاله استقطاب الشباب.
نأتي
إلى الطرف الثاني في التحالف؛ حماس.
لا
يستطيع أي عاقل نكران الدور الوطني لحماس، والسجل البطولي المشرف لكتائب القسام..
هذا أولاً، لكن حماس ليست مجرد حركة مقاومة؛ إنها حركة سياسية (وجزء من الإخوان
المسلمين)، ولديها طموح كبير لدخول النادي الدولي، والاعتراف بها، ولعب دور سياسي
مهم، بل إنها ترى نفسها البديل الشرعي لمنظمة التحرير.. وقد أظهرت ما لا حصر له من
المؤشرات "الإيجابية" لقبولها دوليا، واستعدادها للتعاطي مع أي تسوية
سياسية.. فقد أباحت المفاوضات، وشاركت في الانتخابات تحت مظلة أوسلو، وأعلنت
قبولها بدولة فلسطينية على ال67، وعبرت عن سياساتها الجديدة "العقلانية"
و"الواقعية" في الوثيقة التي أعلنتها رسميا من الدوحة 2017. وهذا أقصى
طموحها من الناحية النظرية المعلنة.
أما
طموحها الحقيقي، والذي عبرت عنه بعشرات الشواهد على الأرض، فهو مواصلة سيطرتها على
القطاع.. ظهر ذلك في تصريحات قادتها، وفي توقيعها على اتفاقيات وقف إطلاق النار في
الحروب العدوانية الثلاثة التي شنتها إسرائيل على القطاع، حيث كانت جل مطالبها
تنحصر في ميناء، ومطار، وتوفير السولار، وزيادة مساحة الصيد، ورفع الحصار.. مقابل
هدنة طويلة الأمد.. ولم يحدث ولا مرة أن وضعت شروطا أو مطالب تتعلق بالقدس، أو وقف
الاستيطان، أو الانسحاب من الضفة، أو حق العودة، أو حق تقرير المصير.. كانت تلك
المطالب تظهر في المهرجانات الخطابية فقط.
إذا،
إذا نجحت قائمة دحلان بعدد من المقاعد يمكنها من التحالف مع حماس لتشكيل حكومة،
فيعني ذلك إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني.. ما يعني أن التسوية المنشودة،
ستكون بسقف أقل بكثير من أوسلو، وستقتصر على غزة، التي ستغدو مركز الثقل السياسي،
والعنوان الوحيد للقضية الفلسطينية، مع ترتيبات معينة وتحسين لظروف الحياة في
الضفة.. ولكن بما يمنع تحقيق دولة فلسطينية، (في غزة دولة مستقلة، وفي الضفة وجود
شكلي هزيل لمؤسسات ووزارات خدماتية، وتصبح
القضية إنسانية، وليست سياسية).. وهذا الحل الأنسب بالنسبة إسرائيل.
هذا
المخطط الإسرائيلي يجري تنفيذه بأموال وأدوات إماراتية، وهدفه تصفية القضية
الفلسطينية، ويتزامن مع الأموال التي تغدقها قطر على حماس (بتسهيلات إسرائيلية) بهدف
تأبيد الانقسام.. مستغلين حالة الضعف الفلسطيني والعربي. لكنه سيفشل، كما فشلت من
قبله مخططات أخطر، ونراهن في ذلك على وعي وإرادة شعبنا، وعلى ممانعة دول عربية
شقيقة، أولها الأردن، التي ستظل متوجسة من حكم الليكود، ومخطط الوطن البديل، أو حل
مشكلة الضفة الغربية "السكانية" على حساب الأردن، وضد مصلحته.
كما
نراهن على المخلصين من أبناء حماس، ومن خدعتهم خطابات دحلان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق