أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 29، 2020

رحلة البحث عن السعادة

 

مع كل نجاحاته وشهرته العالمية، بحَث نجم الأرجنتين اللامع "مارادونا" عن السعادة في العقاقير المنشطة والكوكائين؛ التي كانت تسبب له نوبات ارتفاع قاتلة في ضغط الدم، إلى أن تسببت له بنزيف دماغي، فكانت نهايته.

الأمر نفسه حدث مع المغني الأمريكي الأكثر شهرة "مايكل جاكسون"، والذي مع كل أمواله ونجاحاته كان غريب الأطوار في سلوكه، ومثيرا للجدل في حياته الخاصة، وفي سنواته الأخيرة لم يكن قادراً على النوم دون الاستعانة بالمهدئات، وحين توفي كانت الأدوية والقوارير والحقن متناثرة في كل مكان في غرفة نومه..

نجمة الإغراء العالمية "مارلين مونرو"، بالرغم من شهرتها الواسعة إلا أنها انتحرت بجرعة زائدة من الأدوية.. نجم الكوميديا المحبوب "روبن ويليامز" انتحر بسبب الاكتئاب..

المغنية المصرية "داليدا"، رغم جمالها ونجوميتها إلا أنها ماتت منتحرة، تاركة رسالة أخيرة "الحياة لم تعد تطاق".. الفنان الهولندي الأشهر "فان كوخ"، أيضا مات منتحرا!

لا نناقش هنا موضوع الانتحار، ودوافعه وحيثياته، بل نبحث في سؤال البحث عن السعادة، حيث يبدو أن هؤلاء المنتحرون لم يكونوا سعداء في حياتهم.. أو على الأقل في أيامهم الأخيرة.

طبعا، هذا لا يعني أن كل من لم ينتحر، ومن هم على قيد الحياة سعداء في حياتهم!

الفكرة أن هؤلاء كانوا ناجحين في حيواتهم، ويمتلكون ثروات طائلة، ويحظون بشهرة واسعة، ولديهم الإمكانيات لفعل أي شيء يريدونه، أو امتلاك كل ما يشتهونه، وأكثرهم يتمتعون بصحة جيدة.. ومع ذلك فضلوا الموت على الحياة.. والغريب في الموضوع أن ما كانوا يمتلكونه هو حلم كل إنسان تقريبا (النجاح، المال، الصحة، الشهرة..)؛ فهل تحقيق هذا الحلم سيؤدي إلى السعادة، أم إلى الشقاء، وربما الانتحار؟

صاغ عالم النفس الأمريكي "ماسلو" نظرية تشرح سلم حاجات الإنسان، لخصها في شكل هرم، بين فيه ترتيب الأولويات، ووصف الدوافع التي تُحرّكه، موضحا بأن الإنسان يظل في حالة سعي دائم لإشباع حاجاته، وأنّ أي حاجة غير مشبعة تسبب له إحباطاً وتوتراً وآلاماً نفسيّةً حادة. تأتي في القاعدة حاجات الإنسان البيولوجية (غذاء، نوم، جنس..)، ثم تأتي حاجته للأمان (أمن شخصي وأسري ووظيفي ومجتمعي..)، ثم حاجاته الاجتماعية (الصداقة، والعلاقات، أن يحب، وأن يكون محبوبا، أن ينتمي إلى جماعة)، ثم حاجته للتقدير (الثقة بالنفس، احترام الآخرين، التقدير، الإنجازات..)، وفي قمة الهرم حاجته لتحقيق الذات (الابتكار، الإبداع، التميز، تقبل الحقائق، وتقبل الآخرين..).. 

السؤال: في أي مرحلة يمكن للإنسان الوصول إلى السعادة؟ وهل يشترط فيه تحقيق كافة احتياجاته من أسفل الهرم إلى قمته؟

أغلب الناس يظلون في الدرجات الثلاثة الأولى من الهرم (ومنهم من يظل في قاع الهرم، وبالكاد يؤمن قوت يومه، ويفتقر للحد الأدنى من الأمان). أما من يصلون مراحل متقدمة في تحقيق حاجاتهم العليا، فيختلفون في توجهاتهم، وفي كيفية تحقيق الرضا، علما بأن الوصول إلى قمة الهرم يظل حلم الإنسان العصي (قمة النجاح، والسعادة، والكمال).

من يسلك طريق العلم، كلما وصل شاطئا اكتشف بحورا أخرى، وكلما ازداد علما أدرك جهله..

من يختار المال، كلما امتلك مليونا طمع في ملايين أخرى.. إلى أن يصبح عبدا لأمواله..

من يسعى للتملك، قد يقتني كل ما يمكن شراؤه.. إلى أن يمل ممتلكاته، فلا يحس بقيمتها، ولا تعود تعني له شيئا..

من يظن أن النجاح والسعادة تقاس بالشهرة، سيدرك أن شهرته صارت قيدا، تكبل حركاته، وتفقده خصوصيته..

البعض يلجأ إلى اختبار قمة الإثارة والهوايات الخطرة والغريبة، فحتى لو سلم منها، لن يسلم بالضرورة من الكآبة والشعور بالفراغ..

البعض يختار الكوميديا والسخرية، أو كسر المألوف وتحطيم التابوهات، فهي من آليات الدفاع النفسي التي يلجأ لها الانسان حتى لا تقتله التعاسة..

البعض يختار المخدرات متوهما أنها ستحقق له السعادة، وكلما تناول جرعة يخدع دماغه، فيدفعه إلى إفراز هرمون السعادة (الدوبامين)، فيحس ببعض النشوة والسعادة المؤقتة، لكن هذا لا يدوم، فسريعا ينتبه الدماغ إلى تأثير المخدر فيقوم بإفراز هرمون التعاسة (الكورتيزول) ليلغي تأثير الدوبامين، وحينها سيحتاج جرعة أقوى، حتى يسترجع نفس الإحساس الخادع، فيقوم الدماغ بفرز كمية أعلى من الكورتيزول، وهكذا يحصل الإدمان، المصاحب للتعاسة، إلى أن يموت بجرعة زائدة.

الزميل "ساهر موسى" كتب على صفحته: "في اعتقاد شائع أن الشخص المكتئب شخص حزين على الدوام، وحياته تعيسة، لا يتكلم مع أحد، ولا يضحك، ولا يمزح.. لكن الحقيقة أن أغلب من يعانون من الاكتئاب يعيشون بيننا دون أن ندرك ذلك، فنراهم يضحكون ويتصرفون وكأنهم طبيعيين، حتى أن علماء النفس يرجحون أن أغلب ممثلي الكوميديا يعانون من اكتئاب مزمن.

ويضيف "ساهر" نقلا عن أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة هارفارد "دان غيلبرت": إننا نمتلك "جهاز مناعة نفسي" قادر على جعلنا نتكيف مع مختلف الظروف. ودماغنا قادر أن يخترع "حقيقة تركيبية" ليعيد تشكيل الواقع بشكل يحقق رغباته ويرجعه إلى المستوى المطلوب من السعادة.

أي أن الدماغ لا يريدنا أن نكون سعداء، بمعنى أدق لا يريدنا أن نكون في حالة سعادة دائمة، ولا في حالة تعاسة دائمة، يريدنا أن نكون ما نحن عليه الآن.. عاديون، بسطاء، وأن نظل في حالة سعي دائم نحو السعادة دون أن نصل إليها أبداً. فما دمت تسعى نحو هدف السعادة فإن الدماغ يظل يفرز الدوبامين، وعندما تصل يتوقف الإفراز.

ليس هناك مكان معين يحقق السعادة، ولا يوجد زمن السعادة فيه أكثر من الأزمنة الأخرى، لكل زمان ومكان خصوصيته، وسماته، وسلبياته وإيجابياته.

السعادة أمر يقرره الدماغ، لأن الدماغ هو من يحدد متى يكون هناك سعادة أو شقاء ومتى يكون هناك ألم أو لا يكون. أو بكلمات أخرى: السعادة تنبع من الداخل، ووظيفة الدماغ أن يساعدنا في ذلك. وحسب نصيحة الدكتور فضل عاشور: لا يجب أن يكون هدفنا هو الوصول للسعادة الكبرى، بل للحياة العادية.

قيل "الطريق إلى البيت أجمل من البيت"، و"السعادة هي في تسلق الجبل وليس في الجلوس على قمته".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق