أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 28، 2020

من اخترع السيارة؟

 

اليوم، تتنقل على طرقات كوكبنا نحو 1.2 مليار سيارة، وهي من المخترعات الأساسية التي لا يمكن تصور الحياة دونها.. فمن اخترعها؟ وكيف؟

في الواقع، لا يمكن تحديد اسم شخص معين، لنقول إنه هو مخترع السيارة؛ ببساطة لأنها مثل كل المخترعات الحديثة، بدأت إرهاصاتها تتشكل قبل صناعتها بآلاف السنين.. السيارة مثلا، بدأ اختراعها قبل نحو أربعين ألف سنة، وتحديدا في بلاد الأسكيمو..

في تلك الفترة البعيدة من تاريخ الإنسانية، فكّـر سكان تلك المنطقة المتجمدة بإمكانية التنقل بواسطة مركبة بسيطة تجرها قوة خارجية، وذلك بعد أكثر من ستين ألف سنة من التنقل على الأقدام، أي منذ خروج الإنسان الأول من إفريقيا، وانتشاره في ربوع الأرض حافيا.. فاهتدى لفكرة تصميم زلاجة تنزلق بانسيابية فوق الجليد، ثم روض الذئب الرمادي الأوروبي، واستخدمه في جرها، وكان أول حيوان يدجنه الإنسان، والذي منه تنحدر كل أنواع الكلاب..

وفي مناطق أخرى بدأ الإنسان يستخدم جذوع الأشجار لتتدحرج حاملة فوقها الحجارة والمواد الثقيلة، وفي بلاد ما بين النهرين اهتدى المهندسون السومريون لفكرة العجلة، والتي تطلبت تحديد مركزها، لتثبيت المحور فيه، ثم ربطها بعربة.. حدث هذا قبل أربعة آلاف عام من ميلاد المسيح..  

تطلب صناعة العجلة والمحور دقة وصلابة، وجدها الحدادون الأوائل في البرونز، بعد انتقال البشرية من العصر النحاسي إلى البرونزي، أي بعد اكتشاف إمكانية صهر المعادن. تزامن ذلك مع تدجين الخيول والحمير والثيران.. والتي اعتمد عليها الإنسان لجر العربات لآلاف السنين، حتى بعد الثورة الصناعية، واختراع المحرك البخاري.

في بريطانيا، صمم حداد أول آلة بخارية، بهدف سحب المياه المتجمعة في مناجم الفحم الحجري، بعده بعقود صمم المهندسون الفوهة الاسطوانية والمكبس لحشر البخار، ثم المسننات، وعجل البيليا، وتوصلوا لفكرة تحويل الحركة الأفقية إلى محورية.. وهي اختراعات ثورية، بنيت عليها كل المخترعات اللاحقة..

ولأن المحرك البخاري كان ضخما فلم يُستخدم إلا في القطارات، إلى أن طور الألماني كارل بنز ماكينة البخار وجعلها أصغر حجما، واستبدل البخار بالوقود الأحفوري، واستخدمها في تصميم أول سيارة، حصل على براءة اختراعها عام 1886 وسماها موتور فاجن.. لكنه عجز عن إقناع الناس بجدواها، ولم يبع منها قطعة واحدة طوال عامين، حتى أصابه اليأس..

كانت زوجته، واسمها بيرتا، تمتلك ما يفتقده بنز: روح المغامرة، ومهارة التسويق..

أرادت بيرتا زيارة أمها، والتي تبعد 105 كلم، وبما أن عربة الخيول تقطع مسافة 80 كلم من الصباح إلى المساء، وعليها أن تصل قبل هبوط الظلام، قررت استخدام سيارة زوجها المركونة في باحة البيت دون حراك..

وفي صبيحة يوم 5-8-1888 استيقظت مبكرا، وأيقظت ابنيها، ثم جروا السيارة خارج الفناء كيلا يوقظ ضجيج محركها الأب النائم..

ركب ثلاثتهم السيارة، تقودها الأم بيرتا، لتكتشف كل عيوبها ومخاطرها.. كان عليها تبريد المحرك كل ساعة، بما توفر من مياه الجداول القريبة، وأن تضع جواربها لتغطية المكابح لتخفيض حرارتها، وأن تدفع مع أولادها السيارة كلما واجهوا صعودا حدادا، لأن محركها يعمل بغيارين فقط، وأن تبطئ سرعتها عند المنعطفات كيلا تنقلب، لأنها كانت بثلاث عجلات (خلفيتين وأمامية)، وأن تفتح الصمام بدبوسها كلما انغلق، وأن تتوقف بشكل متكرر لشراء وقود الإيثانول من المحلات على الطريق.

وصلت منزل أمها قبيل الغروب، قاطعة 105 كلم في أقل من 12 ساعة. وتلك الرحلة غيرت مستقبل العالم، وللأبد..

كانت بيرتا أول إنسان يقود سيارة لمسافة طويلة، فقد كان مخترع السيارة يعتقد أنها لا تصلح إلا للمسافات القصيرة، أي داخل حدود المدينة.

الجانب الآخر من القصة، وهو لا يقل أهمية، الدعاية والتسويق؛ تعمدت بيرتا أن يراها الناس وهي تقود السيارة، حتى صارت حديثهم، وتصدرت عناوين الصحف في اليوم التالي.. فأدرك الناس والمصنعين أنه بالوسع استخدام السيارة للتنقل..

بعد عودتها، أقنعت زوجها بإدخال تحسينات عديدة على السيارة.. وحتى هذا اليوم، تهتم شركات السيارات بآراء النساء واحتياجاتهن لتحسين وتطوير السيارة في كل موديل جديد.

ظلت السيارة للأغنياء فقط ولأغراض الترف، إلى أن آمن الأمريكي هنري فورد بحق الجميع بقيادة السيارة، واستبدال الحصان بها..

في نهايات القرن التاسع عشر كان في نيويورك 200 ألف حصان، تنتج ألف طن من الروث يوميا، أغلقت أكوام الروث بعض الطرقات، ووصل ارتفاع بعضها إلى ستة أمتار، وكان الذباب والرائحة الكريهة تلوث المدينة، مثل بقية المدن الكبرى.. وهذه مشكلة بيئية كبيرة، كان عليهم حلها، قبل أن تقضي عليهم.

في عام 1896 صنع فورد أول سيارة رباعية العجلات، سرعتها 32 كلم في الساعة، الأمر الذي فتح شهية المستثمرين، فافتتحوا له مصنعا، وحتى العام 1909 باع عشرة آلاف سيارة سعر الواحدة 825$، بما يعادل 18 ألف $ بحسابات اليوم.

لإنتاج السيارة على نطاق واسع كان عليه تصميم خط إنتاج، فاهتدى لهذه الفكرة من المسلخ، حيث تعلق الذبائح على أحزمة ناقلة، وكل شخص يقوم بعمل معين بسرعة وتعاون جماعي، الأمر الذي خفض التكلفة بمقدار الثلث، وزاد من الإنتاجية. (المصدر: الجزيرة الوثائقية).

خلال سنوات قليلة، بدأت الخيول تختفي من طرقات المدن، لتحل مكانها السيارة. وصار ممكنا، بل ضروريا تعبيد الطرق، وإقامة محطات للوقود، وتنظيم قوانين للسير..

كان فورد يعمل مع أديسون، فاخترعا بطارية لتحريك السيارة، لكن كلفتها كانت باهظة، فتخلوا عن الفكرة، وكان على السيارات الكهربائية أن تنتظر مائة عام أخرى.

اليوم، لدينا سيارات كهربائية، وسيارات فائقة السرعة، فيها كل الرفاهية، ومركبات من كل الأنواع، ولمختلف الأغراض، وسيارات ذاتية القيادة، وفي المستقبل، سنقود سيارات تطير، والفضل أغلبه يعود لتلك المرأة الشجاعة، بيرتا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق