أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 04، 2018

مع، وضد الرئيس



أَتفق مع الرئيس أبو مازن في معظم سياساته الخارجية، وخاصة سعيه الدؤوب في المحافل الدولية، وأتفق معه بشأن المقاومة الشعبية المدنية، لأنها الخيار الأمثل في هذه المرحلة، وأرى أنه بحكمته جنّب شعبه (على الأقل في الضفة الغربية) ويلات حروب، حتما ستكون مدمرة وكارثية لو وقعت، أو انتفاضة مسلحة ومواجهات عسكرية غير متكافأة ستكون نتائجها بالكامل لصالح العدو.. وأحترم صراحته ووضوحه وثباته على المواقف التي يؤمن بها، مع علمه أن هذا يكلفه شعبيته، وأعتقد أن نظرته الإنسانية الحضارية بشأن تجنب الحرب، سابقه لزماننا، وقد تقدرها أجيال المستقبل في مرحلة ما..

لكني أرفض تفرده في اتخاذ القرارات، وإقصائه لخصومه ومعارضيه.. وأرى أنه لم يكن موفقا في كثير من تصريحاته، وبعض مواقفه كانت غير مقبولة، أو على الأقل غير مفهومة بالنسبة لعامة الشعب..
أخطاء كثيرة وقعت فيها السلطة، ليس بالضرورة أنها مرتبطة بشخص الرئيس، أو أن الرئيس يتحمل مسؤوليتها وحده.. على المسار السياسي، كان أهم سببين لفشل خيار لمفاوضات: تعنّت إسرائيل المدعوم من أمريكا، وممارسات المعارضة على جانبي الصراع: أي عمليات حماس التفجيرية من جهة، واليمين الإسرائيلي الرافض لخيار السلام من جهة ثانية.. 

ثم جاء الانقسام وأضعف الموقف الفلسطيني كله، وجعل القضية تتراجع إلى منزلة غير مسبوقة في تاريخ الصراع..

على الصعيد الإستراتيجي كان الخطأ الأهم الذي مارسته القيادة تهميش حركة فتح أولا، وتحويلها إلى ما يشبه الحزب الحاكم، وتهميش منظمة التحرير ثانيأ، حتى أصبحت كأنها تابع للسلطة.. ثم تحويل دور هذه السلطة من كونها مرحلة نضالية، اقتضتها الظروف، كان يجب أن تظل في صيغة اشتباك ومقارعة للاحتلال، إلى دور أمني مهمتها حماية صيغة أوسلو..

على الصعيد الداخلي، أخفقت فتح في تقديم أنموذج محترم لقيادة وإدارة السطة، رغم كل ما أنجزته، حيث أن الصورة العامة لأداء السلطة لم ترقَ إلى المستوى المأمول، وقد شابها الكثير من السلبيات، والفساد.

في السنوات العشرة الأخيرة، إزدادت الأوضاع سوءاً؛ تراجعت مظاهر الديمقراطية، وهبط سقف الحريات كثيرا، حريات التعبير، حريات الصحافة، قمع المظاهرات الشعبية، اعتقالات على خلفيات سياسية، وأخذت السلطة تنحو منحى الأنظمة العسكرية، بعقلية أمنية تقليدية. حتى الإعلام الرسمي بات أشبه بإعلام البعث..

على الصعيد الاقتصادي، تتصرف الحكومة كأنها وكيل للبرجوازية والكومبرادور، وقد برز تحالف طبقي من كبار رؤوس الأموال، يمسك بزمام الاقتصاد، ويتحكم في كل مساراته، وهو تحالف منسجم مع الاحتلال، أو على الأقل لا يسعى، ولا يفكر في التصادم معه.. بل إنه تكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ولم يفلح بالتحرر منه.. وهذه الصيغة تقتضي غض الطرف عن بعض رموز الفساد.

على هامش هذه الطبقة نشأت طبقة "وسطى" قوامها كبار الموظفين وكبار الضباط، وكبار موظفي المنظمات غير الحكومية، وكبار التجار.. وهذه الطبقة مستكينة إلى استقرار الأوضاع النسبي (أمنيا واقتصاديا)، وفي قلبها طبقة أصغر قوامها الموظفين والمهنيين والنخب المثقفة.. وهاتين الطبقتين تمارسان النضال الوطني بأشكال متفاوتة، باهتة، وليس إلى الحد الذي يؤدي إلى تغيير المشهد السياسي.

تبقَّ لدينا الطبقات المسحوقة والشعبية، وهي التي ما زالت تخوض النضال الوطني وتقدم التضحيات والشهداء.. 

هذا كله نتج عن، وتسبب في تراجع الدور الكفاحي للفصائل الوطنية، وتعميق عزلتها عن بعدها الجماهيري..

وبالرغم من أخطائها، لا أوافق أبدا على تخوين القيادة، ولا على توصيف السلطة بأنها وكيلة للاحتلال.. فهذه توصيفات أيديولوجية، نابعة من خلافات حزبية، ومن أحكام مسبقة، متاثرة بعقلية المؤامرة، ولا يمكن الاعتماد عليها في بناء تحليل علمي موضوعي لفهم المشهد الفلسطيني واستشراف آفاقه المستقبلية..

السلطة الوطنية أتت نتاج مرحلة طويلة من الكفاح والتضحيات، وهي منجز وطني مهم في مسيرة التحرير والعودة.. قبل توقيع أوسلو قال أبو مازن: "قد تكون السلطة البداية الحقيقية للتحرر من الاحتلال وإقامة الدولة، أو أن تؤدي إلى تأبيد الاحتلال.. وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على أدائنا". وللأسف يبدو أن أداءنا وكأنه يعمل على تأبيد الاحتلال..

ما العمل؟ هل سنظل ننتقد ونشتم ونخوّن؟ أم أنه آن الأوان لبدايات جديدة صحيحة؟

أعتقد أن أول ما يجب القيام به هو إدراك كل فرد فلسطيني، صغيرا كان أم كبيرا، أنه يتحمل جزء من المسؤولية، وعليه واجبات يتوجب عليه القيام بها.. ويكفي تطهّر ذاتي، وتبرئة للذات، وتحميل المسؤولية للآخرين.. يكفي مزاودات، وشعارات كبيرة غير قابلة للتحقيق.. يكفي مغامرات عسكرية وسياسية لا يدفع ثمنها سوى الشعب.. يكفي خلافات ونزاعات وتبادل اتهامات..

في أثناء ذلك، وبعده وقبله.. البدء فورا بوضع إستراتيجية وطنية، ترتكز على الآتي:

إنهاء الانقسام، وتوحيد شطري الوطن (وهذه مسؤولية حماس بالدرجة الأولى).. إصلاح منظمة التحرير وتفعيلها، وهذا يتطلب تعاون حماس والجهاد وانخراطهما في المنظمة، وتحديد موعد للإنتخابات العامة، وإعادة الاعتبار لدور منظمة التحرير الكفاحي، وعلاقاتها خاصة في الشتات، ووضع برنامج نضالي وخط سياسي جديدين، يلبيان تحديات المرحلة، وفك العلاقة الملتبسة بين المنظمة والسلطة، على قاعدة أن السلطة ذراع للمنظمة (وليس العكس)، واعتبار أن السلطة ليس مطلوبا منها، ولا بمقدورها تحرير فلسطين؛ تلك مسؤولية كل الفلسطينيين، والعرب والشعوب الإسلامية.. وأن ينحصر دور السلطة في إدارة القضايا الأمنية والإدارية للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، بما يمكّن من تثبيت صمود الشعب، وبناء نواة دولة على أسس تقدمية وشفافة.

قد تبدو بعض النقاط الآنفة مثالية، إلا أن تطبيقها لا يحتاج سوى إرادة سياسية ووطنية صادقة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق