في تقرير مصور
من خمسة أجزاء، طرح الصحافي والكاتب "حازم الأمين" قضية صعود وأفول داعش
في سورية والعراق، ومستقبل التنظيم بعد الضربات العسكرية التي أدت إلى انهيار
"دولة الخلافة"، وما ينتظر الجيل القادم من الإرهابيين، الذين أسماهم
"الجيل الخامس". خلال هذا التقرير جال "الأمين" المناطق التي
كانت تخضع لسيطرة داعش، وقابل فيها صحافيين، ومسؤولين، وسجناء سابقين، ولاجئين،
وأهالي، وأطفال تورط آباءهم مع داعش..
في الأجزاء
الأولى يقدم "الأمين" رؤيته لأسباب صعود داعش، ويلخصها على لسان صحافيين
عراقيين، وسجناء أفرج عنهم النظام في مطلع تفجر الأزمة السورية، وهي أسباب مرتبطة
بالبعد الأمني والتنظيمي والبيئة الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالبعد الأيديولوجي..
فيقول إن مصدر قوة داعش (وهو نفس الخطأ الذي وقع به أعداؤها) اعتبار داعش ممثلة
للمناطق السنية، وترافق ذلك مع خطاب تحريض وكراهية مارسه الجميع دون استثناء. ثم
يتحدث عن دور ضباط من الجيش العراقي (المنحل) في الانضمام لداعش، ورؤساء عشائر،
ورجال دين وأئمة مساجد (هذا إبان احتلال الموصل).. وأن داعش ورث خبرات النظام
العراقي السابق في إخضاع العشائر..
أما في سورية، فيقول أن النظام استثمر في
الجماعات الجهادية أثناء وجودها في سورية بعد سقوط بغداد 2003، وأن المخابرات
السورية شجعت ظهور الجماعات الجهادية (التي كانت سابقا تحارب نظام صدام انطلاقا من
سورية، وأيضا تعتبر "فتح الإسلام" أوضح تجربة للنظام السوري في استغلال
الجماعات الإرهابية)، وعن كيفية ذلك، يورد شهادات لسجناء سوريين قالوا فيها أن
النظام كان يتعمد زج مساجين عاديين بين صفوف المساجين الإسلاميين، وكانت إدارة
السجون ( مثل صيديانا) تعذبهم جميعا وتهينهم، حتى يخرجوا كارهين للنظام، وساخطين
على كل شيء (أي مهيئين نفسيا لتقبل فكرة الانتقام، والانضمام لداعش)، وكانت في نفس
الوقت تسمح لهم بالدروس الدينية، وعقد الاجتماعات الداخلية.. ثم أطلق النظام سراح
نحو 1000 معتقل من قيادات وكوادر التنظيمات الجهادية عام 2011، ليؤكد مقولته بأن
الثورة السورية، عبارة عن مؤامرة خارجية تنفذها مجموعات إرهابية..
وفي
الأجزاء الأخيرة من التقرير يؤكد "الأمين" أن البيئة التي نمت فيها داعش
بيئة متدينة، (في التقرير مقابلة مع إمام مسجد يرفض تكفير داعش)، وأن داعش ابنة
الخبرة الاجتماعية السائدة، ونتاج التوتر الطائفي في المنطقة، وأن بعض العشائر
وفرت الحاضنة الشعبية لداعش، وأن نفس الأشخاص الذين قاتلوا مع القاعدة في
أفغانستان هم نفسهم من قاتل فيما بعد مع داعش.. (لم يتطرق التقرير لدور قطر
والسعودية في إرسال المقاتلين، وتسهيل تركيا دخولهم إلى الأراضي السورية).
وعن مستقبل
داعش، أشار "الأمين" لأبرز العوامل التي ستسهم في إنتاج الجيل الجديد من
الإرهابيين، والذي توقع أن يكونو أشد شراسة وتطرفا.. أول هذه العوامل، عمليات
التهجير القسري، التي أدت إلى إفراغ مناطق من سكانها الأصليين، وجلب سكان آخرين،
ضمن عملية هندسة ديموغرافية، ما يعني أن حجم الدمار الهائل لم يكن نتيجة عمليات
حربية، بقدر ما كان مخططا سياسيا هدفه إحداث "تجانس طائفي" ضروري لمرحلة
ما بعد الحرب، واحتمالات التقسيم..
العامل
الثاني: المدارس الدينية الداعشية (معسكرات الأشبال)، وتواطؤ الأهالي في إرسال
أبنائهم الأطفال، وهذا يشمل أيضا أبناء اليزيديين الذين أجبرتهم داعش على اعتناق
الإسلام، وآلاف الأيتام السوريين والعراقيين، وآلاف الأطفال غير المسجلين في أي
دوائر رسمية، الذين ولدوا لآباء عرب وأجانب وقتلوا في المعارك.. هؤلاء جميعا تم غسل
أدمغتهم، لإنتاج جيل كامل لا يعرف من الدنيا شيئا سوى ما لقنته إياه داعش..
العامل
الثالث: بعض العشائر احتوت داعش (إما غصبا أو لأسباب أخرى)، وهذا خلق أزمة ثقة بين
العشائر، وبسبب ممارسات داعش الإجرامية، تولدت لدى العشائر الأخرى رغبة جامحة
للإنتقام، مما سيتسبب بحروب عشائرية مدمرة (معدل عدد أفراد العشيرة 200 ألف)..
يضاف إلى ذلك أن الطوائف التي تم جليها واضطهادها (المسيحيين، اليزيديين..) فقدوا
ثقتهم بالآخرين، فضلا على أن عمليات رجوعهم لمناطقهم وبيوتهم ما زالت متعثرة..
العامل
الرابع: بعد هزيمة داعش، تم تجميع وعزل العوائل التي كان أحد أفرادها منتميا
لداعش، وهؤلاء إما طردوا للخلاء، أو تم حشرهم في مخيمات، والمشكلة أن الأهالي
يرفضون عودتهم، حتى لو ندموا، مصرّين على أنه لا خيار أمامهم إلا القتل..
إذن، في هذه
البيئة المضطربة المتوترة المتحفزة للإنتقام، التي تنعدم فيها الثقة، ولغة الحوار
سيكون الثأر هو اللغة السائدة، والذي بدوره سيكون مدخلا لافتتاح مزيدا من حلقات
العنف.. وهذا ما ستستغله داعش.
بالرغم
من هزيمة داعش العسكرية، إلا أن التنظيم لم يُستأصل بشكل كامل، بسبب الفساد أولا،
وبسبب استحالة ذلك ثانيا، فالتنظيم الذي قدر خبراء عدده بنحو 10 ~ 15 ألف مقاتل،
تبين بعد انتهاء المعارك أن العدد 300 شخص فقط (القتلى والأسرى).. فأين الفرق؟ أين
اختفوا فجأة؟ وحتى لو كانت تقديرات الخبراء مبالغ فيها، إلا أنه من المؤكد أن آلاف
الدواعش تسربوا في الصحراء وفي المدن والمطارات، بعد أن تركوا وراءهم عشرات
الخلايا النائمة، وتركوا وراءهم آلاف الأطفال (أشبال الخلافة)، الذين ربتهم داعش،
الذين كانوا يلعبون بالجثث كما لو أنها ألعاب، ومنهم من نفذ عمليات إعدام..
نتيجة ذلك
كله، النتيجة المتوقعة أنه سيأتي جيل أشد عنفا وأكثر تطرفا ووحشية، جيل ربته داعش
على القسوة والدم، وأفهمته أن كل العالم عدو للإسلام، وأن واجبه الوحيد في الدنيا
هو نصرة الإسلام (بالحروب والدماء والتفجيرات)، جيل لم يرَ سوى مشاهد الخراب
الهائل في المدن، وعاش طفولته في مخيمات اللاجئين، بلا أمل، وبلا مستقبل.. جيل
ستحركه داعش، وستستغله أجهزة المخابرات العربية والدولية.. ومن المؤكد أن أحدا لن
يمكنه السيطرة عليه بشكل كامل..
في بداية
الحرب وأثنائها السكان المدنيين هم من دفع الثمن.. وبعد الحرب هم أيضا من سيدفعون
أثمانها الباهظة.. وأظن أن هؤلاء الأطفال، هم أول وأخطر ضحايا الحرب..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق