أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 17، 2017

تطبيع علني رخيص


في الصيف الماضي (2016)، قام اللواء المتقاعد "أنور عشقي" بزيارة إلى إسرائيل على رأس وفد من رجال أعمال وأكاديميين سعوديين، وأجرى عدة اجتماعات مع قيادات إسرائيلية مختلفة، وقبل شهر، بعد صدور قرار "ترامب" بشأن القدس، قام وفد بحريني بزيارة للقدس، وتجولوا في البلدة القديمة تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، زاعمين أنهم يحملون رسالة سلام من الملك والشعب البحريني، وقد صرح أحدهم أنهم لا يعتبرون إسرائيل عدوا لهم".

وقبل أيام، صرح "عبد الحميد حكيم" مدير معهد أبحاث الشرق الأوسط في جدة قائلا: "نحن كعرب علينا أن نتفهم ونعترف أن القدس هي رمز ديني لليهود مثل قداسة مكة والمدينة للمسلمين"، أما الإعلامي الكويتي "عبدالله الهدلق"، فقال: "لا وجود لدولة إسمها فلسطين، وإسرائيل ليست منظمة إرهابية، بل هي دولة ديمقراطية ".

وفي الخريف الماضي عُقد في نيويورك منتدى السياسة الإسرائيلية، شارك فيه الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية الأمير "تركي الفيصل" والكاتب السعودي "نواف العبيد"، إلى جانب جنرالات إسرائيليين متقاعدين، منهم رئيس الموساد الأسبق "إفراييم هاليفي".

وفي حزيران 2016، أجرى "تركي الفيصل" مناظره مع الجنرال الإسرائيلي "يعقوب أميدرور"، مستشار سابق لحكومة "نتنياهو"، نظمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وآنذاك، قال الأمير السعودي: "إسرائيل لديها سلام مع العالم العربي، وأعتقد أن بإمكاننا مجابهة أي تحدي، ومبادرة السلام العربية المقدمة من السعودية عام 2002، من وجهة نظري تقدم أفضل معادلة لتأسيس السلام بين إسرائيل والعالم العربي". وأضاف: "التعاون بين الدول العربية وإسرائيل لمواجهة التحديات مهما كان مصدرها سواء كانت إيران أو غيرها ستكون مدعمة بصورة أقوى في حال تحقيق سلام بين الدول العربية وإسرائيل، ولا أستطيع أن أرى أي صعوبات بالأخذ بذلك".

وسبق لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني"، أن نشرت صورة تجمعها مع "تركي الفيصل"، وهما يتبادلان الابتسامات، خلال تواجدهما معا في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في مدينة دافوس بسويسرا.

وفي ذات السياق، نشر نشطاء، أكثرهم سعوديون، مقاطع فيديو، وبثوها على وسائل التواصل الاجتماعي، قالوا فيها كلاما بذيئا بحق الفلسطينيين، وامتحدوا إسرائيل، ودعوا إلى التوقف عن دعم الشعب الفلسطيني، لأنه ناكر للجميل..

يبدو أن السعودية، ومعها دول خليجية أخرى من خلال هذه التحركات واللقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، ومن خلال مقاطع الفيديو "الهابطة" تسعى لتحقيق أمرين: الأول كسر هالات القداسة والتبجيل التي طالما أحاطت بقضية فلسطين ومقدساتها، وإهانة رموزها الدينية والقومية، حتى لا تعود القضية تتمتع بتلك المكانة في قلوب ووجدان الشعوب العربية، الثاني: تهيئة الشارع الخليجي، والسعودي تحديدا لتقبل التوجه الجديد نحو التطبيع مع إسرائيل، وربما توقيع معاهدات سلام معها.

مثل هذه التحركات، وتلك "الفيديوهات" لم تكن لتمر بسهولة في سنوات ماضية؛ عندما كانت لجان مقاومة التطبيع ناشطة في المنطقة العربية، أو في حال كان النظام السعودي غير راضيا عنها.. ما يعني أنها تحركات مبرمجة، تجري وفق إستراتيجية مدروسة، يتم تنفيذها على مهل، مع أنها باتت تجري بخطوات متسارعة، ومكشوفة في الآونة الأخيرة.

بداية، فيما يتعلق بمقاطع الفيديو التي يبثها شبان سعوديون، لا ينبغي أخذها بصورة متشنجة، ولا الرد عليها، والهبوط إلى مستواها؛ بل ينبغي تجاهلها كليا، والتوقف عن تداولها، حتى لا نسهم في نشرها، وهي أولا وأخيرا تمثل وجهة نظر أصحابها فقط، ولا تمثل شعوب الخليج العربي، التي ما زال نبضها وحسها عروبيا ووطنيا صادقا، وهذه الشعوب طالما قدمت دعما مهما للقضية الفلسطينية، حتى لو كان هذا الدعم جزءاً من واجباتها القومية والدينية، وتعبيرا عن إنتمائها للأمة العربية وقضاياها.. وفي النهاية، ليس من مصلحة فلسطين استعداء أحد..

أما السياسات "الخليجية"، غير الرسمية، التي تهرول نحو التطبيع، فشأن آخر... فهي سياسات موازية لسياسات تلك الدول في المرحلة الجديدة، المراد منها التمهيد للمرحلة القادمة، أي تمهيد الرأي العام الشعبي لتقبل فكرة إقامة سلام مع إسرائيل والتطبيع معها، حتى قبل التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، وهذا بحد ذاته انقلاب على مبادرة السلام العربية، التي اشترطت التطبيع بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة أولا، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين... وعكس هذه المعادلة، يعني ببساطة القضاء على الحلم الفلسطيني بأقامة دولة ونيل الاستقلال، ويعني توجيه ضربة قاتلة للقضية الفلسطينية..
الخطأ الفادح الذي ترتكبه السعودية في هذا التوجه، اعتقادها أن السلام مع إسرائيل سيخدم توجهاتها المستقبلية، وسيساعدها في مواجهة "الخطر" الإيراني.. وهذين الوهمين مبنيان على وهم سابق، وفهم مغلوط وسطحي للقضية الفلسطينية، وقصور في إدراك طبيعة إسرائيل ودورها الوظيفي في المنطقة..

على القيادة السعودية الجديدة أن تعي أولاً بأن القضية الفلسطينية ليست أزمة مالية، يمكن حلها بدفع بضعة مليارات من الدولارات؛ بل هي أعقد قضية على مر التاريخ (رغم وضوحها الشديد)، وحلها لن يكون بهذه البساطة والسطحية، وأن تدرك ثانيا أن إسرائيل ليست عدوة للشعب الفلسطيني فقط؛ بل هي عدوة للشعوب العربية والإسلامية، ولديها دور وظيفي كولونيالي في المنطقة العربية، وفي العالم، ولديها مخططات معادية ضد الأمة العربية، بما في ذلك السعودية نفسها.. وعندما تتمكن من مشروعها، ستطالب السعودية بدفع تعويضات عن مزاعمها بأملاك اليهود في الجزيرة العربية، وربما تعويضات عن معركة خيبر.. أما عن وهم السلام مع إسرائيل، عليها أن تعي بأن إسرائيل غير معنية بسلام مع العرب؛ فهي لا تتعرض لتهديد حقيقي من أي دولة عربية، وحتى لو رغبت بعلاقات اقتصاديه مع دول الخليج؛ فإنها ليست مضطرة لها، لأن اقتصادها مرتبط بأمريكا والاتحاد الأوروبي..


وثالثا، عليها أن تتوقف عن ترويج ذلك الوهم المتمثل بمعاداة إيران.. إيران ليست عدوة للعرب، وإيران ليست مجرد فُرس ومجوس، وكل ما يُقال عن الخطر الشيعي إنما هو وهم وتضليل، يراد منه تبرير التساوق مع السياسات الأمريكية، رغم أن سياسات النظام الإيراني حاليا معادية، لكن هذا العداء مصطنع ومفتعل، وتتحمل الدول العربية نصف المسؤولية عنه.. إيران دولة إسلامية، وشعبها مسلم، وهي جارة لنا، ولدينا معها مصالح مشتركة.. ويمكن إذا ساد العقل والمنطق ولغة المصالح المشتركة والنظر للمستقبل بانفتاح أن نشكل معها حلفا قويا في مواجهة الهيمنة الأمريكية والعربدة الصهيونية.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق