أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 28، 2017

الشرق في عيون الغرب


لتوضيح سمات المجتمعات العربية وطبيعة ناسها، سنورد مقتطفات من رواية المبدع الراحل عبد الرحمن منيف "سباق المسافات الطويلة"، التي يصف فيها المجتمع الشرقي بأسلوبه الشيق، وأهمية هذا الوصف تنبع من كونها صادرة على لسان أحد أبطال الرواية، وهو البريطاني "بيتر".. وأيضا كتاب "العرب من وجهة نظر يابانية" للكاتب الياباني "نوبواكي نوتوهارا"، الذي زار المنطقة العربية وأقام فيها طويلا، وقد أورد في كتابه انطباعاته المحايدة عما رآه وعاشه بنفسه. (ترجمة وتلخيص منى فياض).

وطبعا ليس بالضرورة أن يكون وصفهم لنا دقيقا وموضوعيا، ولكنه صحيح نسبيا، ونستطيع من خلاله أن نرى أنفسنا بمرآةٍ غير التي اعتدنا أن نرى أنفسنا بها.. إذن، فلنبدأ مع رواية منيف:


"هؤلاء الشرقيون بمقدار ما يُظهرون من البساطة فإنهم غامضون، لا تعرف ما يدور في رؤوسهم إنهم يفعلون الشيء ونقيضه"، "هؤلاء الشرقيون ولدوا للموت، الموت ينبع من كل شيء فيهم؛ من النظرات، من التأمل الأبله، إنهم أموات بمعنى معين".
 وفي مشهد آخر يقول: "القذارة في كل مكان، انعدام الأمن يهدد كل إنسان، البدائية في كل الأشياء: الملابس، التصرفات، الطقوس الدينية.. التخلف والوحشية تبرز في جميع مناحي الحياة، يتكلمون بصوت عالي، ينظرون إلى الإنسان بارتياب مستمر كأنه عدو، يغشون في الحاجات التي يبيعونها".

 ويصف النساء قائلا: "لكن النسوة الشرقيات من طبيعة مختلفة تماما، إنهن مفتاح الشرق وأعظم أسراره، وإذا كن قادرات على العطاء بدون حدود، فإنهن في نفس الوقت شريرات وقادرات على الانتقام أيضا".

 وفي وصفه للمجتمع: "الشرق مستودع التناقضات، تناقضات من جميع الأنواع والمستويات، العصور الحجرية إلى جانب العصور الحديثة، أكثر النظريات تخلفا إلى جانب أكثر النظريات تطرفا وحداثة، أقصى حالات الشجاعة الفردية إلى جانب أقصى حالات الفوضى"، "إنهم عنيدون سريعو الغضب، انفعاليون، محبون للفوضى والعنف، قصيرو النفس، وهم كثيرو الشكوك إلى درجة أن أي شيء تعرضه عليهم لا يمكن أن يوافقوا عليه رأسا، ويتصورون أن وراء كل كلمة أو موقف تقوله شيئا ما، ينظرون إلى أبسط الأمور وأكثرها وضوحا نظرة خوف وتردد"، "العلاقات في الشرق أكثر تعقيدا من أي مكان آخر، إنهم يفعلون الشيء غير المناسب في الوقت غير المناسب".

"أيُّ فقرٍ روحي يعمر في هذه الأصقاع؟ وأيُّ لذةٍ في مثل هذه الحياة التي تتكرر كل يوم؟ أريد أن أنفذ إلى عقول هؤلاء الناس وإلى قلوبهم لكي أفهم كيف يفكرون، كيف يعيشون، وأي سعادة يحسون بها في هذه الرتابة التافهة!"، "الصبية تراهم ومنذ الصباح الباكر: شعور شعثة، وجوه قاسية فيها ملامح الإجرام المبكر، عيون لا تعرف الخوف، يضطهد الكبار الصغار بصلف ظاهر". "الكسل والرغبة في السرقة وصفات أخرى رديئة أصبحت جزءاً من حياتهم".

وفي شهادة إضافية تمثل مرآةً أخرى لصورتنا في عيون الآخرين. يقول نوتوهارا في كتابه: "الناس في شوارع المدن العربية غير سعداء". ويوعز هذا الشعور إلى غياب العدالة الاجتماعية، لأنها من أهم سمات المجتمعات العربية، وهي المسبب لما هو قائم من ظلم وعنف وفوضى. وقد لاحظ الكاتب أن العرب يكثرون من ترديد كلمة ديمقراطية، وهذا لا يعبر حسب رأيه سوى عن شيء واحد، هو عكسها تماما؛ أي القمع والاستبداد، وغياب حرية الرأي والمشاركة الشعبية. 
ويقول نوتوهارا، "ينشغل العالم العربي بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد. لذلك يحاول الناس أن يوحدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم. وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين. يغيب مفهوم المواطن الفرد وتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد".
وعندما تغيب استقلالية الفرد وقيمته كإنسان يغيب أيضا الوعي بالمسؤولية عن الممتلكات العامة، مثل الحدائق والشوارع ووسائل النقل الحكومية، وكل ما هو عام، والتي تتعرض للنهب والتحطيم عند كل مناسبة.
ويجد نوتوهارا أن الناس هنا لا يشعرون بأية مسؤولية تجاه السجناء السياسيين، الأفراد الشجعان الذين ضحوا من أجل الشعب، ويتصرفون مع قضية السجين السياسي على أنها قضية فردية وعلى أسرة السجين وحدها أن تواجه أعباءها. وفي هذا برأيه أخطر مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية.
ويضيف: "الناس في العالم العربي "يعيشون فقط" مع شعور طاغ بخيبة آمالهم، وبسبب الإحساس باللاجدوى، أو اليأس الكامل، وعدم الإيمان بفائدة أي عمل سياسي".
وعن الفرق بين اليابانيين والعرب يقول: "العامل الياباني حتى لو كان وحيدا، يعمل بجد ومثابرة دون مراقبة أحد، وكأنه يعمل على شيء يملكه هو نفسه". ومن المشاكل التي أشار إليها نوتوهارا، ما يسميه الموظف المتكبر: "يواجه المسافر في المطار الشعور بالاهانة أمام طريقة تعامل الموظفين مع المسافرين وإيقافهم بأرتال عشوائية، وتفضيلهم السماح لبعض الشخصيات المهمة بالمرور أمام نظر جميع المسافرين".. ومن الأمور التي لفتت نظره، "شيوع الأوساخ والقاذورات في الشوارع، مع أن العرب يعدون أنفسهم من أنظف شعوب العالم، ويتباهون بأن صلاتهم تدعوهم للنظافة! لكتها نظافة الشخص والمنـزل فقط.. ينتقم المواطنون من السلطة بتدمير الممتلكات العامة".
وأكثر ما أثار دهشة كاتبنا الياباني (عدى انتشار الغش) أن الحاكم في البلاد العربية يظل مدى الحياة! وأنه يخاطب مواطنيه بقوله أبنائي وبناتي! الأمر الذي يعطيه صفة القداسة وواجب طاعته؛ وهو بهذا يضع نفسه فوق الشعب وفوق النظـام والقانون، بينما رئيس الوزراء الياباني يتغير باستمرار، لمنع أي شكل من الاستبداد والتشبث بالسلطة.
ويلخص الكاتب تجربته بجملة واحدة: "العرب متدينون جداً.. فاسدون جداً".
من البديهي أن هذه النظرة التي قدمها "بيتر" أو "نوتوهارا" عن المجتمعات الشرقية ليست دقيقة بالمعنى الكامل، فهي تختلف من بلد لآخر، ولكنها صفات عامة تشترك فيها معظم المجتمعات الشرقية، حيث الناس إلى جانب بساطتهم وطيبتهم، ينقلبون رأسا إلى أناس قساة ممتلئين حقدا ورغبة في الانتقام، واستعدادا لممارسة الشر والإجرام.. فهم عاطفيون وانفعاليون، وتفتقر أنماط حياتهم وطريقة تفكيرهم إلى المنطق والعقلانية، وتراهم أيضا في حالات المواجهة يظهرون شجاعة نادرة، وفي حالات أخرى يمتنعون عن تقديم أبسط أشكال الدعم أو المشاركة..
لعلنا نعي حقيقتنا، ونتواضع قليلا..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق