أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 28، 2017

الإعجاز العلمي والعددي في القرآن

يقضي العلماء عشرات السنين من أعمارهم في البحث والتقصي والعمل المضني، سواء لتفسير ظاهرة طبيعية، أم في فهم نظام الكون، أو اكتشاف علاج معين.. وإذا نجح أحدهم في مهمته، يأتي من يخبره وبكل هدوء وثقة، بأن ما توصل إليه موجود في القرآن الكريم، وهو بين أيدينا منذ 1400 عام.. لكن المشكلة أنكم كفار..

وقبل الخوض في قضية الإعجاز العلمي لا بد من التأكيد على أن نقد ما يفعله هؤلاء الدعاة لا يعني أبدا تكذيب ما ورد في القرآن الكريم من حقائق علمية، ولكن، مع الإقرار بأن إيراد القرآن لتلك الحقائق إنما كان بهدف التذكير بعظمة الخالق سبحانه، وللتأمل في الكون والحياة والطبيعة، من أجل دراستها وفهمها.. وهذه الحقائق أتت مبسطة واضحة، دون لُبس أو غموض.. والقرآن الكريم لم يأتِ ككتاب علمي، لا في الكيمياء ولا في الجيولوجيا.. وليس فيه أسرار وخبايا، ولا معادلات رياضية مستعصية، ولا أرقام وأحرف تشكل ألغازا وأحجيات..


وكما أنه لا يجوز التعامل مع القرآن في السحر والشعوذة والتداوي، أو استعمال آياته في "الحُجب" وفك السحر، وفقأ عين الحاسدين.. وغير ذلك من أمور لها علاقة بالخرافات.. كذلك، لا يجوز التعامل معه بوصفه مرجع في الفيزياء، أو علوم الفلك.. فلو أردنا مثلا إنشاء محطة نووية، لن نعتمد على آية "وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ".. لأن هذه الآية الكريمة لأخذ العظة، وليست قاعدة في علوم الذرة..

كما أنه ليس كتاب تنجيم، فلو أردنا استشراف المستقبل، لن نحتاج حل معادلات الألفاظ والأرقام في القرآن، لنفككها، ونحصي أحرفها، ونعرف من خلالها المستقبل.. سنحتاج بيانات دقيقة وإحصاءات موثقة ومعطيات موضوعية ونظريات علمية..
القرآن الكريم كتاب هداية وموعظة وحكمة، وإذا تضمن في آياته بعض الحقائق العلمية؛ فإنها تأتي بلغة مفهومة للكل، ولتكون دافعًا لهم للبحث وطلب العلم والتفكر والتدبر، وللتأكيد على عظمة وقدرة الله وسعة علمه وسلطانه..

وقبل الدعاة المسلمين، الذين روجوا للإعجاز العلمي، كان رجال الدين المسيحيين واليهود يقفون بالمرصاد لكل اكتشاف علمي، فإما يحاربونه ويكفرون صاحبه، أو ينسبونه للدين، ولله سبحانه، ثم يجعلون منه برهانا على وجود الخالق.. وفي هذا المجال يقول العالم "هويمارفون ديتفورت" صاحب كتاب تاريخ النشوء: "إن الطريقة السطحية التي لجأ إليها اللاهوتيون في إثبات وجود الخالق عن طريق المعجزات، كانت تؤدي إلى خلق انطباع وكأن العلم قد جاء ليطرد فكره الإله من العالم، ويتحمّل رجال الدين مسؤولية تولّد هذا الانطباع، لأنهم لجئوا في محاججتهم للماديين لأسلوب حشر الخالق في كل فجوة يعجز العلم عن تفسيرها، وبالتالي كانت المساحة التي تحتلها فكرة وجود خالق تضيق شيئا فشيئا أمام ضربات العلم التي لا تتوقف".

الخالق سبحانه لا يحتاج إلى معجزات لإثبات وجوده؛ وفي هذا يقول الصوفيون: "إن الله هو الدليل الذي يستدل به على كل شيء، أما العقل الذي يطلب برهانا على وجود الله هو عقل فقد التعقل؛ كمن يسير في وضح النهار ثم يقول أين دليلك على أن الدنيا نهارا ؟!".

والقرآن لا يحتاج لما يسمى الإعجاز العلمي لبرهان أنه من عند الله، وعندما تحدى الله سبحانه الإنس والجن، تحداهم بفصاحة وبلاغة وبيان القرآن، وليس بمحتواه العلمي والرياضي..

والرسول وصحابته والتابعون والمفسرون (الأوائل والمتأخرين).. ليس بينهم من قال بإعجاز القرآن العلمي، ولم يرد حديثا واحدا عن ذلك، ولو كان في القرآن إعجاز علمي لكان الرسول أول شخص يعرف به، ثم ما معنى أن تلك الحقائق العلمية الخارقة موجودة في القرآن، ولكن المسلمون بعامتهم وعلمائهم لم يعرفوها، وظلت مخفية عنهم 1400 سنة! إلى أن جاء عالم كافر واكتشفها، فإما أنهم يقرؤون القرآن ولا يفهمونه، يعني ينقصهم الذكاء، وإما أن علماء الإعجاز العلمي أكثر ذكاء من كل السلف، وحتى من الرسول الكريم نفسه!!

الإعجازيون، ولإثبات إدعاءاتهم، اعتادوا القول: اكتشف العلماء، وأثبتت الدراسات.. دون أن نعرف من هم هؤلاء العلماء؟ في أية جامعة، أو مركز بحثي يشتغلون؟ في أية مجلة علمية محكمة نشروا أبحاثهم؟ ومتى؟ وهذه الدراسات ما البرهان على صحتها؟ هل يكفي أن نقول إنها دراسات علمية؟ حتى نسكت ونقتنع؟ هل وضع اسم أجنبي كافٍ لإقناعنا بأنه عالم محترم وموثوق؟ هل كل الكتب التي تحدثت في مواضيع علمية، أو التي ألفها باحثون أجانب، هي بالضرورة كتب صحيحة، ولا يأتيها الباطل من خلفها، ولا من أمامها؟ حتى لو كانت صادرة من أشهر دور النشر.. ألا يوجد علماء كبار باعوا ضمائرهم لشركات ومؤسسات ودول، ولأهداف تجارية أو سياسية أو أيديولوجية؟؟

ومن الجدير بالذكر أن علماء إسلاميين كبار، رفضوا فكرة الإعجاز العلمي، منهم الشاطبي، ود. محمد الذهبي، والشيخ محمود شلتوت.. وغيرهم.

أما عن الإعجاز العددي فكل ما قيل عنه مجرد بحث افتراضي لا أصل له، فنلاحظ مثلا، ولإثبات مسألة ما، أن من يروج لهذه المسألة يستخدم بعض الحيل؛ فيفترض أن بداية العد يجب أن تكون من آيه محددة، ويقوم هو ويحددها بنفسه، دون أن يوضح لنا لماذا لم يبدأ العد من آية أخرى مثلا؟؟ ولماذا حدد نهاية العد عن الآية الفلانية؟! وتراه يعتمد أحيانا في حساباته التاريخ الهجري ، وأحيانا أخرى التاريخ الميلادي، وأحيانا يأخذ جزءا معينا من الآية وليست كل الآية،كل تلك الحيل الذكية حتى يخرج بالرقم الذي يريده ، وليبرهن على نظريته.

أي أنه لا توجد قاعدة أساسية وثابتة، لاستنباط الإعجاز العددي، إنما يتم اختيار الآيات، والأسلوب وبطريقة مختلفة كل مرة، للوصول للرقم المراد، وهذا يساعد الباحث على استنتاج أي رقم يريده، لأن المسألة رياضيات، وتتطلب مهارات في الرياضيات. وهذا ليس إعجازا، إنما تأليف، أو ذكاء بشري لتأويل وتحقيق هدف معين..

المسألة الثانية، للقرآن سبع قراءات، بسبع لهجات، فإذا كانت النظرية مبنية على عدد الأحرف، فإن اختلاف حرف واحد ينسف النظرية من أساسها..

 لا نشكك في إخلاص هؤلاء... إنما نرى كلامهم غير مقنع، وغير مسند لقواعد صحيحة، بحيث نطبق النظرية أو القاعدة على جميع آيات القرآن.

فلنفكر بطرق أفضل لخدمة الإسلام، بدلا من هذا الهراء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق