قبل أيام تظاهر مئات الآلاف من المغاربة في مدينة الرباط احتجاجا على
تصريحات الأمين العام للامم المتحدة، الذي وصف الصحراء الغربية بِ"الـمحتلة"،
متهمين إياه بعدم الحياد، ومؤكدين على "مغربية الصحراء". وكان "بانكيمون"
خلال زيارته مخيما للاجئين الصحراويين قرب "تندوف" في الجزائر قد صرّح بأنه
يتفهّم "غضب الشعب الصحراوي تجاه استمرار احتلال أراضيه". كما أعلن المغرب في وقت سابق عن وقف الاتصالات مع مؤسسات الاتحاد
الأوروبي، احتجاجاً على قرار أصدرته محكمة العدل الأوروبية، دعا لإلغاء اتفاقية
تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب كانت قد أبرمت العام 2012، تضمنت إعفاءات
جمركية وتسهيل التبادل التجاري بين الطرفين. وسبب قرار المحكمة الأوروبية قضية
رفعتها جبهة "البوليساريو" التي تدعو لإعلان الاستقلال في الصحراء
الغربية.
وقضية الصحراء المغربية التي عادت للواجهة من جديد، من أكثر القضايا
التباسا وغموضا على المواطن العربي، ليس بسبب الأداء الإعلامي المرتبك، بل بسبب
طبيعتها وخصوصيتها التي تجعل منها إشكالية تستعصي على الحل. فإذا كنا نحن
الفلسطينيون سننحاز إلى جانب الشعب الصحراوي في حقه بتقرير مصيره، فهذا لأننا من
أكثر شعوب الأرض توقا للحرية ونيل الاستقلال، وبالتالي لا يمكن إلا أن نتفهّم
توجهات الشعوب في تقرير مصيرها، ولكننا في ذات الوقت، نؤمن بوحدة المغرب، ونرفض
مشاريع التجزئة والتقسيم، وأمام هذا المشهد المحير لا نملك إلا أن نتمنى للشعب
المغربي والصحراوي أن يجدا صيغة حل ما، تمكنهما من مواجهة المستقبل وتحدياته،
بتعايش سلمي حضاري.
وهذه القضية المستعصية منذ أكثر من أربعة عقود لم تستطع الجامعة
العربية ولا منظمة الوحدة الإفريقية ولا منظمة الأمم المتحدة من حلها، حيث ما زالت تلقي
بظلالها الكئيبة، التي تحول دون استقرار المنطقة وقيام اتحاد مغاربي فاعل. وقد
طرحت الأمم المتحدة عدة حلول في إطار جهودها لحل المسألة، ولم يكن أي حل منها موضع
اتفاق بين الطرفين؛ حيث لا يقبل المغرب أي حل يهدد وحدة أراضيه، بينما ترفض
البوليساريو أي حل لا يؤدي إلى انفصال الصحراء وحصولها على الاستقلال.
وتعود جذور مشكلة الصحراء الغربية إلى فترة الاحتلالين الفرنسي
والإسباني للإقليم المغربي في مطلع القرن العشرين، حيث خضع المغرب للاحتلال
الفرنسي، فيما خضعت الصحراء الغربية للاحتلال الإسباني، وخلال المدة الطويلة
للاحتلال، تمايز الشعبين فيما بينهما، وسارا نتيجة خضوعهما لعوامل متباينة في
مسارات مختلفة، فأحسَّ سكان الصحراء بهويتهم الثقافية والوطنية التي تؤهلهم لنيل
الاستقلال، ولكن المغرب ظل ينظر لسكان الصحراء على أنهم مواطنون مغاربة.
وكان المغرب بعد استقلاله قد طالب مرارا بجلاء الاحتلال الإسباني عن
الإقليم، لكن دون طائل، إلى أن وجّه الملك "الحسن الثاني" نداءاً للشعب
المغربي بالتوجه في مسيرة سلمية ضخمة، عُرفت بِ"المسيرة الخضراء"، حيث توغل مئات الآلاف المغاربة
داخل الصحراء، وأقاموا فيها فترة من الزمن (1975)، رغم الاحتجاجات الإسبانية على
المسيرة، وتهديدها برد عسكري. لكن الدعم العربي والدولي ونجاح المسيرة أدى بإسبانيا
إلى الانسحاب منها لصالح المغرب وموريتانيا.
وقبل أن ينجلي الإسبان عن الصحراء بسنتين، أعلن عن تأسيس "الجبهة
الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب - البوليساريو" (1973)، وهي حركة
تسعى إلى انفصال الصحراء الغربية عن المغرب،
وتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتحمل الحركة شعارات معادية للإمبريالية والصهيونية، وتعتبر الأنظمة العربية حكومات إقطاعية ورجعية، كما
تحمل شعارات يسارية بعضها متأثر بالتروتيسيكة وأخرى بالستالينية، وبهذه الشعارات
تمكنت من إقامة علاقات وطيدة مع ليبيا والجزائر والمنظومة الاشتراكية. عند نشأتها اعترفت
75 دولة بالجمهورية المعلنة من
طرف واحد، إلا أنه بعد تراجع دورها على الصعيد العالمي، سحبت الكثير من الدول
اعترافها، فانخفض العدد إلى 30. علما
أن الأمم المتحدة ما زالت تعترف بالجبهة كممثل وحيد للشعب الصحراوي، وتدعم حقه في
تقرير مصيره.
بعد الانسحاب الإسباني اتفقت كل من المغرب وموريتنانيا على تقاسم
الصحراء، ولكن البوليساريو رفضت هذا التقسيم، وقامت بحرب عصابات ضد الدولتين معا، انطلاقا من تندوفالجزائرية (الذي هو مقرها إلى هذا اليوم)، وفي النهاية انسحبت موريتنانيا من الصراع، وبسط المغرب سيادته على مجموع الإقليم، وقام بتشييد الجدار الرملي على حدوده، الأمر الذي نجح في منع مقاتلي الجبهة
من التسلل إلى داخل الإقليم. وفي 1991، توصلت المغرب وجبهة البوليساريو إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وإجراء
استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة يحدد مصير الصحراء الغربية. لكن الاستفتاء تعطل
بسبب عدم الاتفاق على من يحق له المشاركة فيه.
السؤال المطروح: لماذا تأخر الصحراويون في مقاومة الاستعمار الإسباني
كل هذه السنين، وانتظروا حتى حان موعد رحيله لينشئوا جبهة البوليساريو ؟! وإذا كان
مبرر انطلاقة الجبهة هو طرد الاستعمار الإسباني، فماذا بقي من هذا المبرر، بعد أن
صار الوجود الإسباني في الصحراء المغربية جزءا من التاريخ ؟ ولماذا غذّت دول
الجوار هذا الصراع، بدلا من البحث عن حل سلمي يرضي جميع الأطراف ؟
المراقبون يرون أن النـزاع على الصحراء الغربية أتى في سياق الحرب
الباردة؛ فالبوليساريو رفعت شعارات اشتراكية وحظيت بدعم الجزائر التي كانت في صف
المنظومة الاشتراكية، بينما يحتفظ المغرب بعلاقات طيبة مع الغرب والولايات
المتحدة. ويعتقد البعض أن الأزمة هي تعبير عن الصراع بين المغرب والجزائر على
الهيمنة على المنطقة، وهي امتداد لحرب الرمال الحدودية بينهما.
في المحصلة ما زال شعب الصحراء غارقا في متاهة البحث عن مخرج، وجزء
منه يعيش في مخيمات لاجئين في ظروف قاسية، ومنهم من بدء يتهم قيادة البوليساريو
بالتعيش من قضيتهم، وأكثرهم لم نسمع كلمتهم حتى الآن. والمنطقة بأسرها مأخوذة بهذا
الصراع الذي استنـزف قدراتها وشبابها، وأخّر تقدمها، الذي هو أصلا متأخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق