انتشرت صور وأفلام قصيرة لرئيس وزراء كندا وهو يصافح المواطنين في
محطة باصات عامة بكل تواضع، وصور لرئيس وزراء هولندا وهو يركب دراجته الهوائية
منطلقا إلى مكتبه دون حراسات، وقصة لوزيرة سويدية استخدمت بطاقة فيزا خاصة بالعمل
لتعبئة سيارتها الخاصة بالوقود، وفي اليوم التالي استقالت بسبب انتقاد الإعلام لما
قامت به، وصور أخرى مشابهة لملوك ورؤساء ووزراء من بلاد الغرب وهم يمارسون حياتهم
وأعمالهم بكل بساطة ونزاهة وأمانة. وفي بلادنا لاقت هذه الصور رواجا كبيرا، وكانت محط
إعجاب وانبهار، مع انتقاد حاد وصارخ للمسؤولين في بلاد العرب والعالم الثالث
عموما، مطالبين إياهم بالتواضع، وأن يكونوا مثل أقرانهم الغربيين .. وهي مطالب لا
شك مشروعة، ولا غبار عليها .. ويا ريت تصير ..
ولكن، علينا أن ندرك أن هذه النتائج أتت بعد مقدمات طويلة، أنتجها
نظام متكامل يلعب فيه "المواطن" الدور الأساسي، وبالتالي، قبل أن نطالب
الرؤساء والملوك عنا بالتجول في الأسواق دون مواكب وحراسات، وقبل أن نطالب الوزراء
بالذهاب للعمل عَ"البسكليت"، كما يفعل الرؤساء والوزراء في بلاد الغرب
"الكافر" .. وقبل أن نطالب وزير الصحة بالاستقالة لأنه في مريض مات بسبب
الإهمال الطبي، كما فعلت الوزيرة السويدية الكافرة .. ليسأل كل مواطن نفسه، بكل
شجاعة وصراحة: هل يفعل في حياته اليومية العادية كما يفعل نظيره "المواطن"
في بلاد الغرب "الكافرة" ..
يعني، وبصراحة: المواطن عنا يرمي علبة الكولا من شباك السيارة، ويبصق
على الرصيف بكل أريحية، ويعبر الشارع كزدرة بعيدا عن خط المشاة، وإذا علم أن
المنطقة ما فيها شرطة فإنه لا يتوقف عند الإشارة الحمراء، ولا يضع حزام الأمان،
ويمكن يركّب ابنه الرضيع في حضنه أثناء القيادة، وسيارة الروضة بحمّل فيها 20 طفل،
وإذا في طابور يلتف عليه بحجة إنه مستعجل، وإذا عنده واسطة لازم يستغلها ميت مرة،
وما بنسى في كل مرة ينتقد الفساد اللي في البلد، وإذا عنده موعد يأتي بعد ساعة
ونصف، ويتأخر عن شغله بشكل متعمد لأن مديره متساهل، ويتلكأ في إنجاز عمله، ويستغل
أي فرصة للغش والتهرب، وإذا عرف يغلّي السعر ما بتردد، ومش مستعد ينظّف بعد باب
بيته بمترين، وآخر مرة اشترك بعمل تطوعي لما كان في الخامس ابتدائي، وعمره ما
اشترى كتاب أو حتى جريدة، وبعتقد إنه احترام البيئة هبل وحكي فاضي، وإذا راح رحلة
بحوّل المنطقة لمزبلة، ودايما تفكيره كيف يستغل الآخرين، وكيف يخرق القانون، وكيف يستفيد
من الوضع، وطبعا مستحيل يفكر كيف يفيد الناس ..
وأكيد هالحكي لا ينطبق عالجميع، ولكن بصورة عامة هذا الواقع ..
وفي مقاربة مشابهة: قبل يومين فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات
التي جرت في تركيا؛ فابتهج الإسلاميون في غزة والأردن ودول عربية أخرى، واعتبروا
النتائج نصرا لهم .. ولكن السؤال: هل ترضى تلك الأحزاب الإسلامية التي فرحت
وابتهجت ونزلت عالشوارع منتشية بالنصر المبين .. هل ترضى أن تمارس نفس ممارسات حزب
العدالة والتنمية التركي اللي برأسه أردوغان ما غيره ؟؟ هل تتبنى نفس المفاهيم،
ونفس البرامج ؟ نفس الشعارات ؟ نفس القيم "العلمانية"
و"الحداثية" و"الديمقراطية" ! هل تقبل أن تمنح شعوبها نفس الحريات
التي يمنحها أردوغان لشعبه؟ هل تقبل بالانتخابات أصلاً ؟
وسلامتكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق