يبدو أن تنظيم داعش قد شعر بالندم بعد بثه
فيديو إحراق الطيار الأردني الشهيد "معاذ الكساسبة"، ومصدر الندم لا
علاقة له بالحس الإنساني أو بصحوة الضمير، بل بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدها التنظيم
من جراء فعلته الشنيعة، حيث لم يعد أحد يجرؤ على مناصرته، أو تفهم جريمته النكراء،
حتى أن خسائره شملت الكثير ممن كانوا لا يخجلون من إعلان تأييدهم له.
ولهذا السبب، ولتعويض بعض الخسائر في شعبيته؛
بدأ "عشاق داعش" بنشر فكرة أن الفيلم مفبرك، وأن داعش لم تحرق الطيار !!
ومع دخول جهات أخرى تبحث عن الشهرة على الخط، توسعت دوائر المشكّكين في صحة
الفيديو الشهير. خاصة وأن الفلم ومنذ لحظة بثه، وصلت أعداد مشاهدته إلى أرقام
فلكية، وعلى مستوى العالم، رغم محاولات حذفه المتكررة، الأمر الذي أغرى كل من يبحث
عن الإثارة والشهرة ومن يدعي الفهلوة والخبرة في كشف الخبايا وما خفي من الأمور
بأن يفنّد لقطات معينة من الفيلم، ويظهر أخطاء فنية في التصوير، مستغلا ضعف
خبراتنا السينيمائية.
قبل إحراق معاذ، بثت داعش وغيرها من
التنظيمات التكفيرية عشرات الأفلام عن إعدامات رهيبة، وحمامات دم فظيعة، وقطع رؤوس،
وصلب، وتقطيع أطراف، وحفلات تعذيب .. أغلبيتها صُورت بطريقة احترافية وبُثت بشكل متعمد
بهدف نشر الرعب وبث الخوف في قلوب الناس وتضخيم قوة هذا التنظيم ... وبعضها صور بكاميرات
بدائية وسُرِّب للإعلام بالخفاء .. وفي جميع الحالات ما خفي أعظم .. ومن المؤكد أن
ممارسات أنظمة القمع والاستبداد العربية لا تقل فظاعة ووحشية.
السؤال البديهي: لماذا تفبرك داعش أو غيرها
فيلما من هذا النوع !؟ وإذا لم يكن معاذ من احترق لحمه، فمن يكون إذن !! عشرات
الأسئلة التي يمكن طرحها، ولا تحتاج للإجابة عليها سوى بعض المنطق وقليل من
التفكير .. وعلى ما يبدو أن البعض بحاجة إلى صدمة أكبر حتى يفهم ويؤمن بأن هؤلاء
مجرمون، ولا حاجة لتبرير لأفعالهم، والالتفاف على الحقيقة بوسائل ساذجة وتفكير
سطحي.
بعض التفسيرات تقول أن القصة من بدايتها مُعدّة
مسبقاً، أي منذ لحظة إسقاط الطائرة، وحتى مشهد الحريق المؤلم، وهنا نحن أمام
استنتاجين متناقضين: الأول يقول بأن الهدف من القصة بأكملها هو استدراج ردة فعل
شعبية تؤيد النظام الأردني في حربه على داعش، وتدعوه للقصاص والثأر (أي لتبرير
انضمام الأردن للتحالف الدولي)، والاستنتاج الآخر: هو فبركة القصة على هذا النحو،
وخلق نهاية فاجعة لها، بهدف استدراج ردة فعل شعبية ناقمة على مشاركة النظام في حربٍ
لا ناقة له فيها ولا بعير، وبالتالي الضغط على النظام للانسحاب من التحالف ..
نحن أمام حدث حقيقي شاهدناه بأعيننا،
ولكننا تعاملنا معه في الحالتين بعقلية مشبعة بنظرية المؤامرة، ولا تجد أي تفسير لمجريات
الأحداث، ولا تستطيع فهمها إلا في نطاق مؤامرة كونية تعدها الصهيونية والماسونية العالمية ومجلس
إدارة كوكب الأرض الخفي !!
أكثرية الناس مقتنعة بأن ممارسات داعش لا
علاقة لها بالإسلام، وأنهم أساؤوا للإسلام، وشوهوا صورته، وأنهم صنيعة أمريكا ووو
.. والغريب، أنه عندما تُهاجم داعش في الإعلام، أو تُضرب عسكرياً، يبدأ البعض
بترديد مقولة الحرب على الإسلام !! فكيف تكون حربا على الإسلام، ومن يُضرب هم
عصابة من القتلة والمجرمين الذي أساؤوا للإسلام وحاربوه وضربوه أكثر من أي طرف
أجنبي كافر !!
تألمنا كثيرا لاستشهاد معاذ بهذه الطريقة
الهمجية، لكن ألمنا أكبر لحالة الغباء والفهلوة المستشرية في صفوف هذه الأمة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق