غداً، سنحلُّ ضيفين عزيزين
على عيد الحب، كعادته سيرحّب بنا، لكنا سنتفاجأ من رتابته، ومن عباراته المكررة،
أما هو فسيتعجب من جنوننا، وكيف ظل الشغف متقدا فينا إلى هذا الحد .. وسيطلب منا
أن نعيد عليه الحكاية ..
سأقول له بما يشبه
الاعتراف: كانت حبيبتي مخبأة في إحدى زوايا الكون، مثل كنز مدفون في قاع بحر ما،
أو كنجمةٍ بعيدة في سماء شفيفة .. أما أنا فكنتُ واقفاً كسروة تترنح بفعل الريح، أواصلُ
حزني وضياعي، متروكاً بين أوراق الشجر، وآثار عجلات سيارة مرّت مسرعة، أتدثر
بعباءة من فراغ في أرضٍ نسيها الشتاء منذ عشرين عاما، انتظرتها طويلا، بلا كلل، أمشي
بصحبة الليل نحو صبحٍ لا نعرفه، لكنا نتوقع شكله .. حتى جاءت ذات صيف، مثل دفء
تدفّق من شمس الظهيرة، لم تكن لي أي فرصة لأنجو من الحب، كانت مثل موسيقى تصدح بها
قيثارة، ونهر يوشك أن يفيض، جاءت تفرد يديها كجناحين محلّقين في فضاء مفتوح،
وترشقني بموجات دافئة، فهبطتُ في عشها خاضعا بلا حراك، صرتُ أتحول شيئا فشيئا إلى
حقل من الحنّون، ثم غابة سنديان، حتى صرتُ جزيرة ملئى بالفراشات.
كانت تعقدُ مع الغيوم صفقات
مريبة؛ يتبادلا الأدوار، تصير الغيمة إمرأة فاتنة، يصلّي لها الناس كي تهطل عليهم،
وتصير هي غيمة، فتأتي ريحٌ وتحملها نحو البعيد، فلا المطر ينزل، ولا الغيمة تعود، كان
ذلك أسلوبها في التمنّع، وكان هذا دأبي الوصول إلى قلبها ..
كانت مثل حلم ناعم ..
وكنتُ أنا مسربلاً بالخوف، بين النجاة والغرق، أفيقُ كلما مرت بأصابعها على عنقي،
ثم أُصابُ بالدوار، أغوص في غيبوبة لذيذة، فلا أعلم في أي زمن نعيش .. كانت هذه
عاداتنا في الحب ..
هي رحيق الندى في حقلي،
وطعم الشهد في روحي .. غيابها موتي المؤقت، ولقاؤها انبعاث الحياة في الربيع .. عيناها
تشعان أملا، تقتبسان لون الماء وقت الغروب، وصوتها أغنيات المساء، وعطرها نسيم أكاليل
الجبل ..
هي ذوبان الضوء في البلور،
وضحكة البيدر في موسم الحصاد، وتحرش البدر بالساهرين، هي هذياني وحكمتي الأثيرة،
هي دهشة أسئلتي ويقين الجواب، هي قوس الفرح تحيطني بالحب، وأحيطها بالعشق .. هي
خلود ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق