وبعد وفاة "المستنصر"، بويع الخليفة الفاطمي "المستعلي
بالله"، بدلا من أخيه "نزار" الذي كان ولياً للعهد وطامعا
بالخلافة؛ فأخذ الشيخ "حسن الصبّاح" ينادي بخلع "المستعلي"
ومبايعة "نزار"، إلا أن "نزار" قُتل في قاهرة المعز بعد وفترة
وجيزة على يد مجهولين، فصار الشيخ "الصبّاح" زعيم الحركة النزارية
الجديدة في بلاد الرافدين وفارس، وأخذ يدعو إلى الإمام المستور، بعد أن دامت دعوته
لردح من الزمن للخليفة "الظاهر". ثم نصَّب نفسه إماماً ومعلّماً معصوما.
في أطراف بغداد، على ضفاف دجلة، في واحة من واحاته الغنّاء، التي
تحفُّ بها البساتين والكروم، شيّدَ الإمام "الصبّاح" قصره الشامخ، وزرع
من حوله النخيل والأعناب، وأحاطه بسور عالٍ، زيّـنه بالنقوش والزخارف. وكان جُند
"الإمام" يأتون بالفتية والشبان، يجلبونهم من الولايات البعيدة، يسوقونهم
في رحلة مضنية على الجِمال والبغال، وقبل أن يصلوا مقصدهم بفرسخ أو فرسخين، ينيخون
ركبهم ويستريحون، فيسقونهم قليلا من الخمر، ثم يدسّون في طعامهم بعض الحشيش، وقبل
أن يفيقوا من سكرتهم، وهم بين الصحوة والنوم، رؤوسهم ثقيلة، ونظراتهم طشاش، يُدخلونهم
من باب لم يروا من قبله مثيلا، يمضون ليلتهم الأولى وهم لا يعرفون إذا كانوا في
الأرض أم في السماء.
مع شروق الشمس يصحون، على زقزقة العصافير، فيجدون أنفسهم متكئين على
أرائك من البوص الليّن، تحت الظلال الوارفة، وبين قنوات المياه المنسابة من حولهم
بخريرها الساحر، ولونها الشفاف، فتتراءى لهم صور الجنة، ثم تدخل عليهم الصبايا
الحِسان، كاشفات عن سيقان ناعمة، بيضاء كالمرمر، وصدورٍ كالبلور المنثور، يتراقصن
بميوعة وخجل، ومن خلفهم نسوة أخريات يضربن بالدفوف، ويطوفون عليهم بكؤوس الخمر ..
فيأتي الإمام "الصبّاح" لابسا ثياباً من استبرق خضراء اللون، ووشاحاً مطرزاً بالحرير،
ويقول لهم بصوت واثقٍ هادر: أنتم هنا في الفردوس الموعود، ولدينا المزيد من النساء
.. ذلك لأنكم سلكتم طريق الحق .. أنتم أبنائي وأحباب الله .. إن اتبعتموني بقيتم
في النعيم، وإن عصيتم أمري ساءكم عذابي .. وجهنم وبئس المصير ..
ثم يأتي بِ"المسترزق"، وهو عالم بالسموم، وخبير بالأعشاب
والتداوي بالسحر، وقد نشأ بين الحيات والعقارب، واتخذ من تربيتها صنعة يتربح منها،
فضمّه "الصبّاح" إلى جنده، وقرّبه منه، كان يقف أمام جمهرة من أتباعه،
يغمس خنجره في خرقة منقوعة بسم العناكب، ثم يجرح به أحدهم، فيخرُّ مغشيّاً عليه، تنقطع
أنفاسه، ويهمد قلبه، وتبرد حرارته، وتنشل حركته، فيبدو ميتا بالفعل، وبعد ساعة أو
أكثر قليلا، يأتي الشيخ "الصبّاح"، فيقرأ فوق رأسه تعاويذ الشفاء،
ويشمّمه بعض البخّور؛ فيفوق هذا الميّت من غيبته، وتدب في أوصالح الحياة. وعلى
الفور تصيح الجموع برعب وجنون: الله أكبر، الله أكبر .. وتبدأ بتقبيل يدي الشيخ،
والتبرك منه.
وظل الشيخ يحشد أتباعه، ويعدهم بالنعيم، ويسحرهم ببخّوره وتعاويذه،
حتى صار له جيشاً من الحشاشين .. يرتعدون إذا زجر، ويطيعونه إذا أمر، حتى لو ساقهم
إلى حتفهم. فأطلقهم في الدروب والحارات، يقتلون وينهبون، ويحرقون بيوت الناس
وحوانيتهم؛ حتى زرعوا الخوف والرعب في بغداد وما حولها، وكافة أوصال الدولة
السلجوقية وبلاط العباسيين.
أما الوزير السلجوقي "نظام الملك" فأعدّ عساكره
للمواجهة، ونشر عسَسهُ في كل زقاق وحي، لمحاربة العصابات "الصبّاحية"
المسلحة. كما جنّدَ رهطاً من الفقهاء والمتكلمين لدحض نظرية الإمام، وإبطال مفعول
الحشيش، وأصدر "بيان التهافت"، لفضح الحكمة المشرقية، وفلسفة خراسان وما
حولها.
وظل كلَّ طرفٍ يحشدُ من حوله الأتباع والمريدين، والصراع بينهما
محتدم، بين كرٍ وفـر، يهمدُ بُرهة، ثم ما يلبث أن يشتعل .. حتى أهلك الحرث والنسل
.. قبل سنوات قليلة، ضم اجتماع طارئ للإمام "الصبّاح" على طاولة مستديرة
مع الظواهري، والبغدادي، وأبو حفص الموريتاني، ورمزي بن الشيبة، وأبو يحيى الليبي،
وأبو حمزة المصري، وأنور العولقي .. وآخرون، لمناقشة إدخال تقنيات جديدة ومستحدثة
على تجنيد الانتحاريين.
وفي مكان غير بعيد، عقد الوزير السلجوقي قمة طارئة حضرها المالكي
والأسد وخادم الحرمين والشيخ تميم ولفيف من الزعماء والقادة، لمناقشة الاستعانة
بالروم في حربهم على الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق