ربما نظن أن العنف والتعذيب الذي تمارسه
الأجهزة الأمنية في الأنظمة الديكتاتورية هو أسوأ ما قد يتعرض له المواطن من قهر
وظلم، ولكن العنف الذي يمارسه المعلمّون بحق الطلبة، والآباء بحق أبنائهم هو الأشد
خطورة والأسوأ تأثيرا ..
ربما نظن أن النظام البوليسي هو الأعنف
والأشد قسوة، وأن مدير السجن بلا قلب وبلا رحمة، ثم نكتشف أن السجّان الذي يعذِّب
بيديه المعتقلين، ويتلذذ بصرخاتهم، هو المجرم الذي تفوَّق بقسوته وساديته على مدير
السجن والنظام القمعي بأكمله، والغريب أنه فقير، وبلا أي مرتبة، وأقصى امتياز يحصل
عليه هو عدم بهدلته من قِبل مديره.
ربما نظن أن الشركات الكبرى هي الأكثر
جشعا وطمعا، وأنها تجني الأرباح الطائلة، ثم نكتشف أن صاحب الكراج الذي طلب مقابل
ضربتين شاكوش 300$، والكهربجي الذي فتح ورشة بالبيت، مستغلاً جهلك بالكهرباء، في
مسألة لا تحتاج أكثر من تركيب لمبة .. هم الأكثر جشعا بلا منازع، ولكن المسألة
نسبية.
ربما تظن أن الوزير أو مدير المؤسسة هو
الذي يحول دون نجاحك ويمنع ترقيتك، لكنك ستكتشف أن زميلك الموظف الذي من نفس طبقتك
هو الذي يكتب فيك التقارير الكيدية، ويتمنى لك الفشل.
ربما تظن أن سوء الحظ، وحسد الأصدقاء،
وكيد الأعداء، والمؤامرات الكونية التي تُحاك ضدك، هي سبب فقرك وفشلك وعثراتك ..
ثم تكتشف في وقت متأخر أن السبب الحقيقي هو ترددك وخوفك وكسلك، أو سوء إدارتك.
ربما نظن جميعا أن الجيش وقطعان
المستوطنين وحكومة الاحتلال هم الأعداء الوحيدون الذين يقتلوننا ويسلبون أرضنا ...
ثم ندرك متأخرين، أن العدو الأخطر هو جهلنا وتخلفنا .. وعقليتنا القبلية ..
ربما نظن أن الإعلام الغربي وبالذات
الأمريكي الذي تهيمن عليه الصهيونية هو الذي يشوّه صورة قضيتنا، ويضلّل العالم .. ثم
نكتشف أن بعض الكتّاب المحليين الشعبويين، الذين لا همَّ لهم سوى استجلاب
اللايكات، ومداعبة عواطف الناس، هُم الذين يشوهون الحقائق، وهم الأخطر على قضيتنا
وعلى أجيالنا.
ربما يظن البعض أن الفساد هو سرقة المال
العام، وتوظيف الوزير لأقاربه، واستعمال المدير العام سيارة الحكومة لتوصيل أولاده
للمدرسة .. لكن الفساد الذي لا يقل خطورة هو أن يبيع صاحب البقالة علبة فول منتهية
الصلاحية، وأن يستغل سائق التاكسي جهلك بالأماكن ويلف فيك البلد ويدفّعك ثلاثة
أضعاف الأجرة، وأن يتلكأ الموظف في واجبه، وأن لا يحترم
المواطن قوانين المرور، وأن يُهمل المريض في غرفة الطوارئ .. وأن نرمي النفايات من شباك السيارة.
ربما نظن أن قمة الظلم والنفاق العالمي هو
عندما تستقوي دول العالم على دولة فقيرة وتسكت على جرائم إسرائيل ,, لكن من الظلم
والنفاق أيضا عندما نستقوي على مسنّة تجلس على قارعة الطريق تبيع ضُمّة الميرمية
بشيكلين ونساومها على السعر، ثم نشتري جاكيت بأربعة أضعاف ثمنه ونحن مسرورون ودون مساومة،
لأنه من ماركة معروفة !!
ربما نظن أننا مستعدون دوما للقتال دفاعاً
عن أرضنا وعن مستقبلنا ووو .. لكن الحقيقة أن البعض قد يتجاهل اعتداءات
المستوطنين، وقد يتساهل مع الجيش إذا صادر أرضه، وقد يتسامح مع الجندي إذا أهانه
على الحاجز .. لكن من المستحيل على البعض أن يتساهل مع جاره إذا اختلف معه على
موضع السور، ويصبح بطلا إذا اعتدى عليه ابن الحارة المجاورة، وستصحو رجولته على
الفور إذا ضحكت ابنته القاصر لابن الجيران, وربما لن يتردد بقتلها.
قديما
قيل: وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة .. من
أبصر إيش ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق