نالت الشابة
الباكستانية "ملالا يوسف" ذات السبعة عشر ربيعا جائزة نوبل للسلام،
للعام 2014،
وهي أصغر شخص يفوز بهذه الجائزة الرفيعة منذ تأسيسها قبل أكثر من قرن. وقصة
"ملالا" بدأت حين كانت في الخامسة عشر من عمرها، حين حاول تنظيم طالبان
في "وادي سوات" بالباكتسان اغتيالها، فأصابها برصاصة كادت أن تقتلها، وتُهمتها
أنها كانت تحرض الفتيات على الذهاب إلى المدارس، وتشجعهن على إكمال تعليمهن !!
وبعد
تعرضها للإغتيال، حظيت "ملالا" باهتمام عالمي كبير، فقد انبرت جمعيات حقوقية، ومعـاهد علمية وتربوية لتثمين دورها الريادي، ومنِحها
العديد من الجوائز؛ فقبل جائزة نوبل، كانت قد نالت جائزة "سخاروف" لحرية الفكر،
وجائزة "سيمون دي
بوفوار"، وأخيرا جائزة "أطفال
العالم" التي حصلت عليها من السويد، وقيمتها 50 ألف دولار، والتي أعلنت أنها ستتبرع بها
كاملة لإعادة بناء مدارس في قطاع غزة.
رغم أن فتيات بلدها يعتبرنها مصدر إلهام
وفخر، ونموذجاً للشجاعة؛ إلا أن كثيرا من أبناء مجتمعها الذكوري استفزتهم جرأتها،
وخروجها عن ثقافة القطيع التي أرادت "طالبان" أن تكرسها، والبعض اتهمها
بالعمالة والجاسوسية للغرب الكافر !! أو أن الغرب استغل قصتها كمدخل للإساءة
للإسلام !!
ولكن، من
الذي يسيء للإسلام: الغرب الكافر، أم الجماعات الإسلامية المتطرفة ؟! وفي ذات
السياق، ماذا فعلت المجتمعات العربية والإسلامية بالمرأة !؟
في أثناء
سنوات حكمها المظلمة (1992 ~ 2001)، كانت جماعة "طالِبَانْ" الأفغانية تمنع الفتيات من ارتياد
المدارس، أما مسلحو "طَالِبَانْ" الباكستانيون، فقد دمروا نحو 200 مدرسة للإناث في
"وادي سوات"، الذي يخضع لإرهابهم. وعلى غرار "طالبان"، وعلى
نحو فاقها ظلماً وجهالة جاء تنظيم "داعش" استمراراً لذات النهج في
التعاطي مع المرأة؛ السَّحْلِ، والضرب، والجَلد، والطمر، والرجم، ورمي وجوههن بالحامض
الحارق لتشويهها، وحرمانهن من التعليم ..
وفي العراق، قبل أسابيع قليلة، قام تنظيم "داعش"
بتنفيذ حكم الإعدام بحق المواطنة العراقية "سميرة النعيمي"؛ وهي محامية
وناشطة في مجال حقوق الإنسان، تدافع بشكل خاص على الحقوق المدنية والإنسانية
لمواطنيها في الموصل. وجريمتها حسب "داعش" هي انتقادها قيام التنظيم
بهدم قبر النبي يونس؛ أحد أهم المعالم الحضارية والدينية في الموصل، وكذلك
انتقادها ممارسات "داعش" بحق المواطنين. فاتهمها التنظيم بالردة، ومن ثم
قاموا بإعدامها بعد خطفها وتعذيبها بقسوة، وقد جرت عملية الإعدام في ساحة "باب
الطوب"، إحدى أشهر الساحات في الموصل.
وفي نفس الفترة، نفذت السلطات الإيرانية
حكم الإعدام شنقا بحق الشابة "ريحانة جباري"، التي أدانتها محكمة
إيرانية بقتل "مرتضى سربندي"؛ (وهو ضابط في الاستخبارات)، في محاكمة
اعتبرتها منظمة العفو الدولية غير نزيهة؛ لأنهالم تأخذ في الاعتبار كل الأدلة، وأن
اعترافات "ريحانة" انتزعت منها بالقوة. وحسب مصادر صحافية، وشهادة
المتهمة نفسها، فإن "ريحانة" قتلت الضابط في محاولة للدفاع عن نفسها،
بعد أن شرع بالاعتداء عليها، وحاول اغتصابها، فطعنته ولاذت بالفرار.
وثمة "ريحانة" أخرى أعدمتها "داعش"،
إنها المقاتلة الكردية "ريحانة" التي أصبحت في الفترة الأخيرة نجمة
الملصقات، ورمزا للقوات الكردية المدافعة عن بلدة عين العرب كوباني السورية، ويُقال
أنها نجحت في إثارة قلق داعش، وتمكنت من قتل العشرات من مقاتليهم، وكانت صورتها قد
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهي مبتسمة وترفع علامة النصر، في إشارة تحدي
واضحة لداعش، إلا أن صورة أخرى ظهرت فيما بعد لأحد مقاتلي داعش وهو يحمل بيده رأس
"ريحانة" بعد أن فصله عن جسدها، والملفت أنها بعد ذبحها احتفظت
بابتسامتها، بينما الداعشي ظل عابس الوجه ومكفهر، وعلى ما يبدو أنه غاضب لأنه لن
يتمكن مع أخوته "المجاهدين" من التناوب على وطئها، ولن يحظَ بفرصة بيعها
في سوق النخاسة.
أما "بيريفان
ساسون" المقاتلة الكردية ذات التسعة عشر ربيعا، التي قالت بما يشبه النبوءة
في لقائها مع بي بي سي: أنها ستنتحر بآخر طلقة من سلاحها، إذا وقعت في أيدي مقاتلي
"داعش"، لأنها تأبى أن تكون جارية، ولن تستسلم أبداً للتنظيم الذي يغزو
أهلها في كوباني، ويسعى لبيع النساء في سوق الرق، وإجبارهن على الزواج من مقاتلي
التنظيم.
ما يجمع القصص الخمسة أنها وقعت في نفس
الشهر تقريبا، وأن جميع الضحايا نساء مسلمات، والمعتدون والقتلة هم أيضاً مسلمون.
لكن السؤال هنا: أي النموذجين هو الأقرب للإسلام الحقيقي !؟ نموذج المرأة التي
تقاتل دفاعا عن شرفها، وعن بلدها، وعن حقها بالتعليم، وعن حقها بالحياة .. أم
نموذج طالبان والقاعدة وداعش ؟! بكل ما يحمله من نهج إقصائي متطرف، ونظرة مشوهة
للحياة، وفكر متزمت منغلق ؟ وأي النموذجين هو الأقرب للإنسانية والفطرة السليمة ؟!
نموذج "ملالا" التي تبرعت بخمسين ألف دولار لبناء مدارس في غزة ؟ أم
نموذج "طالبان" الذي أراد قتلها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق