أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

سبتمبر 17، 2012

هؤلاء "المندسون" هم أبناؤنا



في المقالة السابقة وصفت من قام بأعمال التخريب والاعتداء عل الممتلكات العامة بِ"المندسين"، وقد اعترض بعض الأصدقاء على هذا التوصيف، باعتبار أنه من المصطلحات التي دأب الرؤساء العرب على استخدامها في وصف المظاهرات الشعبية التي تطالب بإسقاط أنظمتهم الفاسدة. وأعترف أنّ هذا الوصف غير مناسب ولا ينطبق على الفتية الذين خرجوا في المظاهرات الاحتجاجية ضد غلاء الأسعار في مختلف مدن الضفة الغربية؛ وإذا كان ثمة قيادات سياسية وحزبية سعت لتجيير ما حدث لمصلحتها، ولتصفية حساباتها السياسية مع خصومهم، وإلباس المسيرات الاحتجاجية شعارات لا علاقة لها بأهدافها المطلبية؛ فإن ما قام به هؤلاء الشبان المنتفضون كان شيئا مختلفا؛ كان ردة فعل طبيعية ومتوقعة على الواقع الصعب الذي يرونه أمامهم مباشرة.
هؤلاء الفتية خرجوا من تلقاء أنفسهم، ومارسوا الاحتجاج بعفوية، وعلى طريقتهم الخاصة، لم يُخرجهم أحد، ولم يدفع احدٌ لأيٍ منهم فلسا واحدا .. ما حرّضهم على الخروج ليس غلاء الأسعار؛ صحيح أن الغلاء أرهق أسرهم، وبالتالي قلّص مصروفهم، لكنهم حين خرجوا غاضبين كانوا يعبّرون عن احتجاجهم على أشياء كثيرة .. ربما آخرها سعر البنـزين.
ما أخرجهم عن صمتهم هو ما يرونه يوميا من واقع محبط على أكثر من صعيد .. نشرات الأخبار التي يسمعونها منذ أن وُلدوا، والتي لا شيء فيها يسُـرّ, حتى النشرات الجوية .. حواجز الجيش والطرق الالتفافية .. المستوطنات التي تطبق على قراهم .. والجدار الذي حجب الهواء عنهم .. أصحابهم الذين غيبهم الموت الباكر، أو الذين سيشيبون في المعتقلات .. آباؤهم الذين هرموا سريعا .. شبح البطالة الذي سيلتهمهم .. وطنهم الذي صغُر في أعينهم بعد الانقسام .. مستقبلهم المجهول ..
انسداد الأفق السياسي أخرجهم غاضبين؛ ليس لأن ذلك أفقدهم الأمل وحسب؛ بل لأنهم لم يروا فعلا ثوريا يعمل على فتح كوّة فيه .. فقد غابت البنادق التي كانت تخترق كل الآفاق .. وجاءت خطط التنمية في اقتصاد تابع شبه مشلول .. حتى الآفاق الداخلية سدها البعض منا؛ فقد تعطلت المصالحة، وتوقفت الانتخابات.
تُرك هذا الجيل وحيدا .. ليكبر من دون توجيه، بدون تنظيم سياسي يحتويه، وبدون مثل أعلى، أو زعيم ملهم .. الأجيال التي سبقته كانت توجه غضبها مباشرة نحو الاحتلال .. لأنه الفاعل الحقيقي لكل ما لحق بهم من مآسي وويلات .. لذلك فجرت تلك الأجيال الثورة الفلسطينية المسلحة، وفجرت من بعدها انتفاضتين كبيرتين سبقتهما وتخللتهما انتفاضات صغيرة كثيرة .. رغب هؤلاء الفتية أن يقلدوا من سبقهم، وأن يثبتوا لأنفسهم أولا أنهم قادرون على خلق قصص بطولة لا تقل عن تلك التي سمعوها وهم صغار.
هؤلاء الفتية أحرقوا الإطارات، وكسروا الإشارات الضوئية .. ليس لأنهم مخربين؛ بل لأن ذاكرتهم تمتلئ بمشاهد العنف، وعقلهم الباطن يحثهم على ممارسته، لديهم طاقة كبيرة، ولكن لا أحد يرشدهم .. التنظيمات الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح تتحمل المسؤولية الأولى عن ضياعهم ..
هؤلاء الفتية لا يكفيهم الحديث عن قضيتهم الوطنية من خلال الكتب المدرسية، ولا يحتاجون خطيبا مفوها، ولا كاتبا مشهورا .. يحتاجون إلى البوصلة، وتحديد الهدف، يحتاجون إلى القدوة، وإلى إطار تنظيمي يجمعهم، إلى سلطة تحاسب الفاسد وتشجع المواهب بنفس الدرجة من الأهمية .. يحتاجون وزارة تربية تعرف معنى الإبداع .. ومعلما يحبهم ويسمح لهم بالركض في الساحات .. يحتاجون أبا يحترم رأيهم .. ومسؤولا يكلمهم دون استعلاء .. يحتاجون مساجد وكنائس لا تزرع فيهم الطائفية .. ورجال دين لا يعلمونهم التعصب .. ويحتاجون منظمات أهلية لا يكون همّها تدبير منح مالية .. ونادي يقضون فيه وقتا مفيدا .. يحتاجون إلى كتاب أو مجلة أو بيان .. ولكن بشكل وأسلوب جديدين .. يتناسب مع متغيرات العصر .. باختصار يحتاجون أن نفهمهم وأن نحسّ بهم ..
نحن نحتاجهم .. فهم الذين سيحددون شكل المستقبل .. وإذا لم نوفر لهم ما يحتاجون .. سيضيعون .. وسنضيع جميعا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق