أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 24، 2011

في اليمن هل ستغير ساحة التغيير شيئا ؟

في عهد المملكة المتوكلية كان اليمن أكثر البلدان العربية تخلفا، فإذا كانت البلدان العربية نفسها متخلفة، فلنا أن نتخيل مقدار التخلف اليمني آنذاك، كان المجتمع يعيش في بيئة قروسطية على كافة المستويات، في نمط حياته وتقاليده وفكره ونظامه السياسي. اليوم وبعد أن تحرر اليمن من حُكم الإمام، وأقام نظاما جمهوريا، ودخل القرن الحادي والعشرين ( بفعل مرور الزمن لا بفضل التطور الحضاري ) صحا الشعب اليمن على حقيقة فاجعة عنوانها الأبرز أنهم لم يبرحوا القرون الوسطى إلا ببعض الشكليات، فالمواطنون لم ينالوا من حقوقهم العامة إلا شملهم في إحصاءات تعداد السكان، حيث أن الأمية تصل في بعض المنطق أكثر من 60 % ( اليمن الجنوبي في عهد الحزب الاشتراكي كان قد تخلص من الأمية ) والبطالة أكثر من 50%، والفقر بلغ مستويات قياسية، وما زالت المرأة في سجنها الاجتماعي والثقافي، بينما ينفق اليمن على زراعة وشراء القات أكثر من 2 مليار دولار سنوياً !! ونظامه السياسي يعاني من خلل بنيوي ويعتريه كافة أشكال الفساد.


كان مطلوبا من الرئيس عبد الله صالح أن ينقل هذا اليمن ( الذي كان سعيدا ) بكل مشاكله وهمومه وتخلفه إلى مصاف العالم المتحضر. ويطلقه في فضاء التنمية والتغيير، ولا شك أن هذه مهمة صعبة لا حدود لصعوبتها.

إلا أن ما حصل على أرض الواقع مختلف تماما، فالرئيس بدلا من سعيه لإيقاف عجلة التدهور ومنع الفوضى والبدء ببرامج إصلاحية حقيقية وخطط تنمية طموحة، سلك نفس الطريق الذي خطه الرؤساء العرب لأنفسهم، حين استولوا على الأوطان وما عليها من خيرات، وحوّلوها إلى مزارع لهم ولأبنائهم من بعدهم. ونهبوا المال العام وتركوا بلادهم تنعم بالفقر والتخلف، بالرغم أن الرئيس عبد الله صالح كانت له بعض الإيجابيات، فهو القادم من المؤسسة العسكرية في مرحلة اتسمت بالانفلات الأمني والفراغ السياسي، وكان الناس يترقبون حرباً أهلية شاملة تأكل الأخضر واليابس. ولكنه فرض نوعا من النظام، وحقق بعض الانجازات الوطنية المختلفة، وأهمها الوحدة اليمنية، وعمل على تأسيس حياة سياسية قوامها الأحزاب والتعددية، ولكن أخطاؤه كانت أكثر وأخطر.

اليوم وبعد عقود أليمة وظروف عصيبة تناوبت خلالها على جسد اليمن المنهك سهام القتلة: أصحاب العمائم والقبليين والطائفيين، وحاكم نرجسي لا يرى في البلاد من يصلح لحكمها غيره ! يعيش شعب اليمن اليوم ثورة التغيير، يحاول أن ينهض من سباته الشتوي الذي دام قرون، وأن يصحو بعد أن تأخر كثيرا .. اليوم تغير المشهد بالكامل، فالشعب يعيش واحدة من لحظاته النادرة .. موحدا بطوائفه وقواه وقبائله، متجها بخطى حثيثة ومصممة نحو هدف واحد: إسقاط النظام.

إن كلمة ثورة سلمية لا تنطبق تماما على ما يجري في ساحة التغيير، حيث هناك بين الجماهير الشعبية المسحوقة الباحثة عن كرامتها، تجد خطابات القاعدة الصادرة من طورا بورا، وخطابات بعض الزعامات القادمة من أدغال القبيلة، وخطابات اليسار الطفولي القادمة من الجنوب، والخطابات المذهبية القادمة من صعدة، ورصاص الجيش المصهور فوق رؤوس العباد، وتحالفات بدأت تتفكك عراها، وقيادات عسكرية تركت ماضيها الدموي وانسلت بين الجماهير وأعلنت انضمامها للشباب، ومع كل هذا، فإن الفوضى تكون أحيانا مقدمة لا بد منها لإرساء النظام، والتغيير في كثير من الأحيان يتطلب دماء غزيرة تنـزف من كل الشرايين. والشعب يسعى لصهر هذه التناقضات في بوتقة واحدة، بعد أن أدرك أن تناقض المصالح بين فئات وقوى الشعب واختلاف أهدافها الآنية، وتخوفها من الاقتتال الداخلي كان سبب تأخر الثورة، وهو ما منح النظام كل هذا العمر الطويل.

هناك في ساحة التغيير يثور السؤال المحير: من يثور ضد من؟ هل يثور الشعب على جلاديه، أم أن الجلادون يثورون على بعضهم ؟ هل حقا تغيرت المفاهيم دفعة واحدة ؟ ففي الحروب والثورات السابقة، كان المفتي حاضرا، والفتوى بقتل الخصوم جاهزة، والقبيلة تنفذ، والرئيس يصدر أوسمة الشجاعة، والكل يتغنى بالوحدة والوطن. اليوم نرى أن المشهد قد انقلب، حلفاء الأمس وضحايا النظام يطالبون بإسقاط الرئيس ومحاسبة حاشيته، وعندما بدأت الثورة الشعبية تشتد، وبانت معالم الإقصاء واتضحت ملامحه، بدأ الرئيس يتحدث بنغمة الإصلاح السياسي والديمقراطية، ولا عجب من هذا التحول "الانتهازي" فهو خير من استخدم الدين والقبيلة لإدامة حكمه كل هذي السنين، ولكنه هذه المرة تأخر كثيرا في فهم ما يجري، ولم يتعلم من دروس من سبقوه إلا في أساليب القمع وفنون القتل. ولذلك لن تنجح مبادراته السخية .. فعلى الباغي تدور الدوائر ..

الاصطفاف الشعبي ووحدة الجماهير على نحو غير مسبوق، هو ما أربك النخبة الحاكمة وجعلها تفقد صوابها، وما دل على جنونها هو تكرار أساليب "العادلي" الوزير المصري الذي استخدم الخيل والبغال والحمير لقمع المنتفضين في ساحة التحرير، فأرسل النظام بلطجيته لتنفيذ ما تدربوا عليه في القنص والقتل في ساحة التغيير، وقد اتضح أن أهم صفة يشترك فيها حكام العرب هي لجوئهم للعنف والبطش كأسلوب وحيد في التعامل مع شعوبهم.

في اليمن تتشابه الظروف والمعطيات الداخلية والخارجية مع تلك التي سبقت قيام الثورات في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الأنظمة التي تنتظر، على الصعيد الخارجي دأبت تلك الأنظمة على نسج علاقات وثيقة بالغرب وبشكل خاص مع الولايات المتحدة، وبيعها بضاعتها المكررة، وتخويفها من "الغول الأصولي" والحركات الإسلامية، وتخييرها بينها وبين القاعدة والإرهاب، وداخليا نجد فساد الطبقة الحاكمة، وطول عمر بقائها في الحكم، ونيتها المعلنة في التوريث، بالإضافة لتشابه ظروف الشعب من حيث الفقر والبطالة وانعدام المشاركة السياسية وخنق الحريات والقمع البوليسي، ولكن يبقى لكل بلد خصوصيته ومشاكله المختلفة في بعض التفاصيل .. ولكن تبقى إرادة الشعوب واحدة .. البحث عن الكرامة والمستقبل والأمن والعدالة الاجتماعية.

النظام اليمني ومنذ نشأته يقوم على لعبة التوازن القبلي، وهي لعبة محفوفة بالمخاطر، وفيها ينقلب السحر على الساحر، سيما عندما تقترن ممارسات النظام بالمحاباة والتحيز، وتقريب ذوي القربى وإغداقهم بالعطايا والامتيازات، وتسلميهم دون غيرهم أهم المراكز والمناصب في المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية، فلا بد في هذه الحالة أن يترعرع الفساد والمحسوبيات وأن يعم الظلم، وإذا كانت دولة كاليمن تسير في سياق خارج الزمن وبعكس اتجاه التطور، فإن كل قفزة حضارية تجري في العالم الخارجي - وما أكثرها وما أسرعها - ستباعد المسافة بين اليمن والعالم أكثر فأكثر، حتى لا تعود وحدات القياس التقليدية صالحة لحساب هذه المسافات، في هذه الحالة ومع نشوء أجيال جديدة لا بد أن تسأل نفسها: أين نحن من هذا العالم ؟؟ ولماذا كتب علينا الفقر والتخلف ؟؟ بينما النظام وحاشيته يكدسون الثروات ؟ من هذا السؤال تحديدا ستنطلق الثورة.

ضحايا النظام ومن هم خارج حساباته، أولئك الذين لا يجنون منه سوى الخيبات والجوع وقمع الحريات .. كثيرون، يجب أن لا يغيب عن بالنا أن عدد سكان اليمن يربو عن الخمسة وعشرين مليون إنسان .. الأقليات في أقصى الشمال ومنهم الحوثيون عبروا عن عدائهم للنظام أكثر من مرة، الجنوبيون ومنذ قيام دولة الوحدة لم يستفيدوا من النظام شيئا، بل أنهم يعتبرون ما حدث منذ الوحدة عبارة عن قتل لقضيتهم، الكاتب اليمني "عيدروس النقيب"، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني، وصف ما جرى بأنه "أرض نُهبت، وحقوق صودرت، ومشاركة وطنية وئدت، وتاريخ يُزور، وهوية تُمسخ، ودماء تُسفك، وأرواح تُزهق، وهو ما يعني أن هذه القضايا هي جرائم في ملف النظام لا تسقط بالتقادم، وهي محفوظة في ذاكرة الجماهير اليمنية والجنوبية منها على وجه الخصوص".

الحراك الجنوبي يطالب باستعادة حقه المنهوب وتحرير نفسه من حالة الإقصاء والاستلاب والسيطرة والاستعلاء، بعدما تولدت لديهم قناعة بأن النظام دمر شطراً كاملاً من الوطن وجعله خارج المعادلة الوطنية، وحول أرضه وإرثه الثقافي وثرواته وسكانه إلى غنيمة حرب فقط. وفوق هذا فقد دأب النظام ومخابراته وأجهزة إعلامه على توجيه تهمة الانفصال لكل من يتحدث عن القضية الجنوبية، ومع اتساع الثورة الشعبية واقتراب انتصارها يأمل أهل الجنوب استعادة حقوقهم المسلوبة، وحريتهم المصادرة وديمقراطيتهم المستولى عليها.

هذه الحالة التي خلقها النظام جعلت الشعب اليمني بكل أطيافه وفئاته الاجتماعية وقواه السياسية وتوزيعاته الجغرافية، في طرف واحد ضد السلطة ونخبتها الحاكمة، فإذا كان هذا الطرف متضررا من النظام ومستشعرا بالظلم وموحدا في مطالبه، فإن الطرف الثاني الذي يمثله النظام قد بدأ يتآكل يوما عن يوم، على إيقاع صوت الجماهير الهادرة، وانكشاف عوراته، فقد توالت عمليات الاستقالة والخروج التي عبر عنها شرفاء المؤتمر والمنتميين إلى بعض المراكز الحكومية الهامة وأعضاء من السلك الدبلوماسي كما بدأ النظام يخسر حلفائه في الغرب، فالولايات المتحدة أدركت أن تأصل العداء الشعبي ضد النظام يجعل إمكانية استمرار دعمه شبه مستحيلة، وأدركت أيضا بأن وجود النظام هو أحد أسباب استمرار وشيوع ظاهرة الإرهاب وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، سيما وأن الولايات المتحدة بعد أحداث أيلول أخذت نهجا مختلفا قوامه تعميم الديمقراطية وإتاحة الفرصة للشعوب، وإن كان هذا الإدعاء مثار جدل ولم تثبت صدقيته، إلا أنها في ظل هذه السياسة المعلنة لا يمكنها التورط بديمومة تقديم المساعدات العسكرية أو المالية للأنظمة التي تجاهر بدكتاتوريتها.

والنظام السعودي الذي دعم عبد الله صالح منذ وصوله السلطة ضد المد الشيوعي من الجنوب، ودعمه في حربه على الحوثيين والقاعدة الذين شكلوا خطرا على النظامين، وأمدوه بالمال والسلاح مقابل تنازله عن عسير ونجران وجيزان، ورضوخه لهم، لا يستطيع اليوم أن يدعمه بشيء، لأنه ببساطة أمام خطر مماثل، وقد أدرك أن ساعته اقتربت.

اليوم تتصاعد الثورة الشعبية، وتقترب من لحظات النصر، وهناك حالة غليان شعبي، ووعي وطني بضرورة التوحد، جعلت القضايا المحلية المختلفة كالقضية الجنوبية، تتوارى بعض الشيء عن الأنظار أمام الزخم الكبير التي اكتسبتها الحالة الثورية الجديدة، نظرا لانشغال الشارع السياسي والوطني عموما بقضية أهم وأكبر، وهي القضية اليمنية عموما، وضرورة إسقاط النظام. وقد كان من المتوقع أن يكون مسار الثورة اليمنية هو نفس مسار الثورة الليبية، لتشابه التركيبة القبلية والعسكرية للدولة، ففي كلا البلدين تزوجت القبيلة من الجيش والدولة، والشعب جميعه مسلح، وهناك قبائل يمنية تمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة، وليس هناك دولة مؤسسات في اليمن كما هو الحال في مصر وتونس، ولكن ذكاء الشعب اليمني ووعيه الوطني ارتقى به إلى مستوى الحدث، وجعله يواصل ثورته سلميا وجماهيريا، وهو ما أكسبها دعما دوليا وإعلاميا وتأييدا شعبيا كاسحا.

خاتمة سريعة

ستنتصر الثورة الشعبية في اليمن، ولا ريب في ذلك، لأن إرادة الشعوب لا تقهر، ولكن التغييرات التي ننشدها وينشدها عموم اليمنيون لن تتحقق كما نرجو – على الأقل في المدى المنظور – لأن الفئات التي انتفضت في وجه النظام كثيرة، ومطالبها متنوعة، وأحيانا متناقضة، وهي الآن موحدة على هدف التخلص من النظام، ولكن هذا لا يعني أنها متفقة على شكل وطبيعة اليمن الجديد، والأهم من هذا أن إرث التخلف في اليمن ثقيل، وبحاجة إلى أجيال للتخلص منه، ولعمل دؤوب وشاق حتى يتحقق الحلم اليمني بدولة ديمقراطية تنعم بالأمن والازدهار، ويعود لليمن الدور الحضاري الذي لعبه في مستهل الحضارة الإنسانية، ويعود كما كان: اليمن السعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق