أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 07، 2011

يوم المرأة في ربيع الديمقراطية العربية

بينما ترنو عيون الجماهير صوب القاهرة وتونس وليبيا، وتتلهف قلوبها لسماع أخبار الانتصارات الشعبية، سيمرُّ علينا "يوم المرأة" هذا العام بطعم مختلف، فقد كان يمر في السنوات السابقة دون أن ينال الاهتمام المطلوب، لكن الثورات الشعبية التي جلبت معها رياح التغيير ستعيد لهذا اليوم ألقه ومعناه، وإذا كانت هذه الثورات ستفْضي إلى نوع من الديمقراطية وإعادة الاعتبار لخيار الشعوب وحقها في التعبير عن نفسها – وستنتهي في أحسن الأحوال – كما هو مأمول ومع جرعة زائدة من التفاؤل - بانتهاء أنظمة الفساد والاستبداد وإقامة نظام عربي جديد مبني على الحرية والعدالة واحترام الإنسان، ويفتح آفاق المستقبل، فإن هذه القضايا على أهميتها الفائقة، يجب أن لا تطغى على قضية المرأة، لما لها من تأثير بالغ ومركزي على حاضرنا ومستقبلنا
.

وأهمية الموضوع تتعدى شكليّة الاحتفال بعيد الأم أو بيوم المرأة أو بإقامة الندوات وورش العمل وإهداء الورود ... بل هي نظرة المجتمع للمرأة بشكل إيجابي ومختلف، ولكل ما يرتبط بها من قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية، وعلى رأسها قضايا التحرر والعدالة الاجتماعية ومستقبل النظام العربي ككل، فإذا كان النظام العربي الجديد بثقافته وقيمه امتدادا لما سبق واستمرارا له، وكانت تركيبته الاجتماعية لا تختلف عن التركيبات الاجتماعية السائدة من ناحية نظرتها السلبية للمرأة والطفولة والأمومة، وطبيعة نظامها السياسي وثقافتها الاجتماعية وممارستها للديمقراطية وفهمها للحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون ... فإن كل التضحيات التي بُذلت والدماء التي أُريقت للوصول إلى هذه النتيجة، ستكون مجرد أرقام سُجلت، وأرواحٌ أُزهقت، لبناء سجن جديد، ولكنه مغلف هذه المرة بالشعارات الكبيرة ويتمتع بالمشروعية الشعبية، أي أنها ستكون تضحيات سُفكت في غير محلها وصارت بلا قيمة، وضاعت هباءً منثورا !!

ما نسعى إليه من خلال هذه المقاربة هو الربط بين الإطاحة بأنظمة الاستبداد والتخلف وقضايا التحرر الاجتماعي، والتأكيد على أن النضال من أجـل الحرية والعدالة ومكافحة الفساد، لابدَّ أن يترافق معه النضال من أجل إحداث التغيرات الاجتماعية الكبرى، والتخلص من كل الرواسب السلبية، وإعلاء شأن الإنسان (الرجل والمرأة على حد سواء) وجعله القيمة المحورية الأساسية في العملية النضالية، وتعزيز المفاهيم التقدمية التحررية وفي مقدمتها نظرة المجتمع تجاه المرأة والطفولة، باعتبارهما يمثلان حجر الزاوية في البناء المجتمعي، فإذا كان هذا الحجر متخلخلاً سيكون بناء المجتمع كله كذلك.

وطالما ظلت المرأة في نظرنا مجرد ولود ومرضع، وطالما أصرَّ المجتمع على التمسك بنفس الصورة النمطية للمرأة التي طُبِعت في عصور الحريم، وطالما ظلت هذه الصورة مهيمنة على ثقافته، فإن التضحيات المطلوبة لإنجاز التحرير الوطني ستكون باهظة جداً، وربما بدون طائل، والتحرر الذي قد نصيبه لن يصيب إلا القشور، وفي أحسن الأحوال لن نتخلص إلا من الشكل الظاهري لأنظمة الاستبداد، لأن الرجال - آباء هذه الثقافة - قد حصروا أشكال النضال في قالب محدد، ومشكلة هذا القالب لا تنحصر في مصادرة أشكال النضال الأخرى، أو في تهميش فئات اجتماعية واسعة، أو في حرمان المرأة من دورها التاريخي في التحرر الوطني، بل لأنهم خاضوا "ميادين الوغى" وهم مكبلين بمفاهيم اجتماعية متخلفة تستهين بالحياة وتستسهل الموت وتتقبله كما لو أنه أحد الوجبات اليومية الإلزامية، وتعادي الحب وتعتبره من الموبقات، وتحتقر الجمال وتعتبره من الفواحش، وتنظر للمرأة كتابعٍ للرجل: لا يُطلب منها إلا أن تتزين لزوجها آخر النهار، وتطيعه إذا أمر، وترضخ له إذا غضب، وتنجب له دزينة أولاد قبل أن يذوي جسدها، وتكمل دورة الطبيعة كزائرٍ عابر للحياة، مرّت دون أن تُحدث أثر، وعاشت على هامش الرجل واقتاتت على ما يتكرم به عليها مما فاضت به موائده.

وبالتالي، وحتى يكون احتفالنا بيوم المرأة تكريما حقيقيا لها، ومن أجل أن نُحدث التغيير المطلوب، لابد من إحداث ثورة في أنماط حياتنا وطرائق تفكيرنا، تبدأ بمنح أجيالنا الطالعة الثقة التي يستحقونها، وأن نتعامل معهم بإيجابية وبنظرة تتجاوز الصورة التقليدية التي طالما حصرتهم كمصدر دخل إضافي للأسرة، أو مجرد عزوة وجاه، أو ليجدد بعض الآباء حياتهم من خلالهم مرة ثانية، فهذه النظرة السلبية تتسم بالأنانية والجهل لن ينتج عنها إلا أجيالا مشوهة، ما هي إلا امتدادا لحاضرنا المشوّه، ففي ظل هذه النظرة السلبية لن يأخذ الأطفال نصيبهم من الحب والحنان، ولن ينالوا حظهم من الرعاية والاهتمام، وبالتالي فإنهم لن يعيشوا حياتهم كذات مستقلة، ولن يؤمنوا
بوجودهم ولا بقيمتهم، والمرأة التي يُنظر لها كمتاع أو إنسان لم تكتمل إنسانيته، أيضا لن تكون عنصرا فاعلا وإيجابيا في المجتمع، لأن نظرتها لذاتها تتسم بالدونية وعدم الثقة، وإذا ما عطّل المجتمع أهم أدوات بناءه وخاض معركة التحرير والبناء بنصف طاقته، وكان النصف الآخر مشوها، فكيف سيكون شكل البناء ؟!

بدون احترام المرأة، وبالنظر لها كإنسان ناقص، وبالإنجاب العشوائي وبالتربية الفوضوية وسيادة المفاهيم الغيبية، سيظل مجتمعنا يطحن الفقر ويكابد القهر ويُنتج التخلف، وهذه هي البيئة المثالية لاستشراء العنف وتفشي الفساد وانتشار الجريمة، وبالتالي سيظل المجتمع عاجزا عن إنتاج منظومة قانونية وثقافية واقتصادية نظيفة، وإذا كانت هذه البيئة هي الحاضنة والمغذية لانتشار العنف، فإنه لا بدَّ وأن تزداد وتيرة العنف كلما كانت هذه المنظومة أكثر تخلفا، وستكون الأسرة الفقيرة أو الجاهلة لبِنةً مهمة في تكوين هذه المنظومة، لأنها ببساطة لا تستطيع توفير المناخ النفسي والثقافي المناهض للعنف، وهي بالكاد تستطيع توفير الطعام أو المسكن اللائق، وفي ظل الفقر والجهل والتخلف لا تستطيع المجتمعات أن توفر مقومات البناء النفسي السليم، وإنتاج الفرد الذي يؤمن بسيادة القانون والمساواة والديمقراطية، وهذا أكثر ما يعيق عملية التنمية والبناء الحضاري للمجتمعات.

ليكن احتفالنا هذا العام بيوم المرأة، دعوةً لاحترام المرأة التي تنجب الأجيال وتربيها، وصرخةً في وجه الفقر والجهل والتخلف، ودعوةً لأن يتضمن نضالنا الوطني ضد الاحتلال وضد الأنظمة الدكتاتورية كفاحا من أجل التغيير الاجتماعي لبناء وطن حر ومستقبل مشرق، فالجماهير العربية التي قدمت تضحياتها على مذبح الحرية، من حقها أن تعيش في ظل أنظمة ديمقراطية سقف حرياتها السماء، وجوهر رسالتها قيمة الإنسان وصون كرامته وحقوقه الطبيعية.

والمرأة الفلسطينية التي قدمت مهجة روحها قربانا على مذبح الشهادة، وقضت شطرا من حياتها تنتظر أبنائها الأسرى، التي أمسكت بجمر نارنا المقدسة سنين طويلة وحرستها بالسهر والصبر والحنين، وأعطت بكل سخاءٍ ونُبْل دمائها ودموعها وجوعها، وقدمت الشهيدة والأسيرة والثكلى والأستاذة والشاعرة والمفكِّرة .. من حقها أن يُنظر لها باحترام يليق بعطائها وبإنسانيتها قبل كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق