أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 03، 2025

وزارة الحرب الأميركية، عملية تطهير، أم عصاب ذكوري

 

في سابقة من نوعها، دعا وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيت نحو 800 من كبار الجنرالات في الجيش الأميركي من داخل الولايات وحول العالم لاجتماع طارئ في ولاية فيرجينيا. الأمر الذي أثار تخوفات وقلق العالم وانتشار شائعات ونظريات عن حرب جديدة، أو مؤامرة كبرى يخطط لها البيت الأبيض.. وسط تساؤل محير: ما الأمر الخطير الذي يستدعي لهكذا اجتماع طارئ؟ وحتى لو افترضنا ضرورات السرية فمن المعروف أن للجيش قنوات اتصال وتواصل سرية وكفؤة تستخدمها منذ زمن بعيد، حتى في زمن الحرب الباردة والتخوفات من اندلاع حرب نووية، وكذلك في حرب الخليج الأولى والثانية، وسائر الحروب التي خاضها الجيش الأميركي لم يستدع الأمر اجتماع على هذا المستوى! خاصة مع التكلفة العالية لعقده، لدرجة أن بعض الضباط وصفوه بغير الضروري، وأنه هدر للمال العام..

في كلمته، وبحضور الرئيس ترامب، قال الوزير الأميركي: لقد انتهى عصر وزارة الدفاع، لا نريد جيشاً دفاعياً فقط، نحن موجودون لنقاتل، من يريد السلام عليه أن يستعد للحرب، من الآن المهمة الوحيدة لهذه الوزراة هي خوض الحروب، والانتصار فيها. دعاة السلام واللاعنف ساذجون وخطيرون للغاية، فهم يتجاهلون الطبيعة البشرية والتاريخ البشري.. إما أن تحمي سيادتك أو تكون خاضعا لشخص أو لجهة ما، بما أن شن الحرب مكلف للغاية في الأرواح والأموال، فإننا مدينون لدولتنا التي تفوز في كل حرب تختارها. هذه اللحظة تتطلب مزيدا من القوات، والمزيد من الذخائر والطائرات بدون طيار، وصواريخ الباتريوت والغواصات وقاذفات B-21 والذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل استباقي، وزيادة القدرات السيبرانية المضادة للطائرات، وتعزيز القدرات الفضائية والمزيد من السرعة..

نخوض الحروب وننتصر فيها، لا لنخسرها أو نطيل أمدها، الجيش ليس مختبراً اجتماعياً، لن نسمح لسياسات التنوع والمساواة أن تضعف معاييرنا القتالية. لن تتم الترقيات إلا على أساس الكفاءة، لا مزيد من أشهر الهوية، ومكاتب التنوع والمساواة DEI، وأوهام الجندر، وعبادة التغير المناخي، ولا رجال يرتدون ملابس النساء. سنصدر تعليمات جديدة تشمل اللياقة البدنية، والعودة إلى "أعلى معيار رجولي" للوظائف القتالية، ومن غير المقبول نهائيا رؤية جنرالات بدناء. هذا مظهر سيء.

قد ولى عصر صور الحلاقة السخيفة، لن نسمح بتربية اللحية.. إذا لم تستوف المعايير الجسدية للرجال المؤهلين للمناصب القتالية، أو لم تجتز اختبار اللياقة البدنية، أو ليس لديك رغبة في الحلاقة والظهور بمظهر احترافي، فقد حان وقتك للبحث عن وظيفة جديدة. لا نريد جيشا مليئا بالوثتنيين.

قوله "هذه اللحظة تتطلب مزيدا من القوات، والطائرات والصواريخ والغواصات والذكاء الاصطناعي والقدرات الفضائية.." يعني تبرير زيادة ميزانية الدفاع الأميركية للسنة القادمة 2026، بحسب مقترح ترامب، بهدف تعزيز أمن أميركا، وتعزيز نفوذها في النظام الدولي، وفي الحرب التجارية مع الصين، واحتواء الصين في المحيطين الهندي والهادئ، وهذه الزيادة قدرها (1.01) ترليون دولار، بزيادة 13% عن السنة الماضية. هذا أولاً.

أما ثانياً: من الواضح أن كلمة الوزير صُممت لإرسال رسالة إحداث تغيّر ثقافي لدى قيادة الجيش، وإعادة تأكيد رؤية جديدة لدور القوات المسلحة تحت قيادته.. بخطاب حربي، أقل ما يمكن وصفه بأنه عصابي ذكوري، بل خطاب فاشي مليء بالكراهية، ويحرض على العنف والقتل بروح استعلائية إمبريالية.

أخلاقيًا، يُدرّب الجندي ليؤدي واجبه للدولة وللشعب، وهذا يشمل الدفاع عن الآخرين. والتدريب العسكري الحديث يؤكد على المسؤولية الأخلاقية للتمييز وعدم الإفراط في استخدام القوة. الجيوش المحترمة تضع قيمًا عليا مثل الشجاعة مع الرحمة، واحترام الحياة الإنسانية كلما أمكن. أما اعتبار القتل وخوض الحروب مهمة وحيدة للجيش فهذا يعني تحويله إلى قوة عدوانية غاشمة بلا ضوابط، ينجم عنها بالضرورة تغذية الكراهية، وتصاعد العنف، وانتهاك الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. بل هو تعدي على القوانين الدولية والإنسانية التي حددت قواعد صارمة للقتال وللحروب وفق مبادئ وثيقة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف..

قال الوزير: "دعاة السلام واللاعنف ساذجون وخطيرون للغاية، فهم يتجاهلون الطبيعة البشرية والتاريخ البشري".. صحيح أن الطبيعة البشرية متوحشة، والتاريخ البشري مليئ بالتوحش والصراعات.. لكن الحضارة الإنسانية هذبت الشعوب والجيوش، والقوانين العصرية نظمتها، وجعلتها أكثر إنسانية.. ويبدو أن ترامب ووزارة حربه ما زالوا يعيشون في تلك العصور البدائية التي تمجد القوة والقتل والعنف.

هذا لا يعني أن الجيش الأميركي كان جيش سلام، لكن الإدارة الجديدة تريده أكثر توحشا..

رفض الوزير وجود البدناء في الجيش، علما أن 20% من الجيش بدناء، وفي كلماته هذه تنمّر واضح، إضافة إلى رفضه مفاهيم الجندر، والتنوع، والضرورات التاريخية والعرقية التي كان الجيش يراعيها بقدر ما، والتركيز على "أعلى معايير الرجولة"، "ولا رجال يرتدون ملابس النساء".. وقوله: "أوهام الجندر" دعم وتأكيد لسياسات ترامب غير الجندرية، فقد لاحظنا غياب تام لخطاب النسوية منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض!

إضافة إلى تسخيفه دعاة السلم، سخّف المؤمنين بمقولات التغير المناخي (كما فعل ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة، التي هاجم فيها أيضا الاهتمام بالطاقة الخضراء المتجددة!). الإيمان بالتغير المناخي يقتضي سياسات معينة تحد من استخدامات الوقود الأحفوري وانبعاثات الغازات، واستبدالها بالطاقة الخضراء.. وهذه تتناقض مع مصالح وتوجهات الشركات الكبرى وتقلص أرباحها.

في المظهر نجد خطابا ذكوريا عصابيا يخفي وراءه نوايا وسياسات عدوانية بحجة الانضباط واللياقة البدنية.. وفي الجوهر هذه وسيلة معروفة للتحكم والتخويف وتحويل الجيش إلى قطيع تابع وأداة تنفذ الأوامر. بقول آخر بدلا من أن تكون مهمة الجيش حماية الدستور الأميركي، والدفاع عن الأرض والشعب الأميركي، وعن روح ومبادئ الولايات المتحدة سيكون الجيش أداة لفرض مفاهيم ترامب وإدارته في السياسة الداخلية والخارجية،حتى لو تعارضت مع القانون والدستور. ومن يعترض سيكون مصيره الطرد والتسريح بحجة أنه بدين، أو غير لائق مظهريا، أو أنه لم يتمكن من تأدية تمرين الضغط بالشكل الصحيح. والترقيات ستكون لمن ينصاعون كليا للتوجهات الجديدة (بحجة الكفاءة)، وهذه تسمى عملية تطهير للجيش، وإقصاء كل من يُشتبه باعتراضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق