أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 17، 2024

عِـش كما أنت

 "كل ما نفعله في حياتنا اليومية غير مهم، ولكن من المهم أن نفعله"؛ مقولة منسوبة لغاندي وأجدها صحيحة وواقعية، فلو تأملت ما تفعله كل يوم بشكل روتيني ودققت في التفاصيل الصغيرة لحياتك ربما تجد أغلبها إن لم يكن كلها عادية، أو أقل من عادية، وربما تافهة، لكن مجموعها تساوي يومك، وأيامك، وبالتالي تساوي حياتك بأسرها، بمعنى آخر هذه هي الحياة، وعليك أن تحياها.. لا يعني هذا أن الحياة عبثية، وبلا جدوى ولا غاية؛ إذن، ما العمل؟

توقف أولاً عن البحث عن السعادة.. مهما حاولت فلن تصل؛ عقلك وجيناتك ترفض المكوث طويلا في جنة السعادة، لا تستطيع تحملها سوى لحظات قصيرة.. كما لا تستطيع المكوث في دائرة الحزن لأمد طويل، فمهما كان جرحك بليغا وحزنك عميقا، ومهما كانت فرحتك عظيمة ستعمل هرموناتك على التعافي مع الوقت، وسيعيدك عقلك المبرمج جينيا إلى حالة التوازن.. السعادة تكمن في الطريق أثناء مسيرك نحوها، لكنك حين تصل سيخيب ظنك، لذا دع الطريق طويلا واجعله ممتعا، بالأحلام والتأمل والصبر.. حينها ستنال الرضا وستتصالح مع ذاتك، وستنعم بالسكينة..  

أخرج من دائرة الانتظار؛ أنت الآن تعيش حالة انتظار دائمة ومزمنة، تعتقد أن واقعك الحالي مؤقت وعارض، وأن الأمور ستتغير وستتحسن، ستهبط عليك الثروة، ستتخلص من كرشك، ستنال ترقية، سيرحل جارك المزعج.. وغالبا ما تربط قراراتك بمواقيت معينة، ستتوقف عن التدخين مع بداية رمضان، ستبدأ بمزاولة الرياضة مع أول الربيع، ستفتح مشروعك الخاص في مطلع العام المقبل.. في الصيف سيأتي التغيير لأن الشتاء ثقيل وممل، في الليل سأقرأ الرواية لأنني في النهار منشغل، بعد أن يكبر أطفالي سأتفرغ لهواياتي.. في الواقع لن يتغير شيء، ستظل حياتك على نفس المنوال، وكل ما في الأمر أنك أجلت كل شيء لموعد لن يأتِ..

ثم تحرر من الفقاعة التي وجدت نفسك محشورا فيها منذ لحظة ولادتك، والتي تغلفها مجموعة من الأفكار والمحددات والموروثات الثقافية والدينية والاجتماعية وتعتقد أنها الحقيقة المطلقة، وتدافع عنها بعصبية.. تذكر أن كل ذلك تم حشوه في دماغك دون إرادتك، وأنك تلقيته دون مقاومة ودون تفكير.. فكر بفقاعات الآخرين، ولا تأخذ فقاعتك وفقاعات غيرك على محمل الجد.. الحياة أبسط من ذلك بكثير..

كي تحيا، وتنال الرضا وشيئا من السعادة ليس بالضرورة أن تكون شخصاً مميزا، ويُشار له بالبنان.. ليس شرطا أن تكون خارق الذكاء، أو مخترعا، أو خبيرا إستراتيجيا.. يكفي أن تحفظ جدول الضرب، وتعرف كيف تدير أمورك الصغيرة.. ليس شرطا أن تكون بروسلي، أو رونالدو، أو الشيف رمزي.. تجنب المشاكل، واستمتع بمشاهدة فريقك المفضل، ويكفي أن تعرف كيف تقلي بيضتين وتعد إبريقا من الشاي وكوباً من القهوة.. ليس شرطا أن تكون مهندسا، أو طبيبا، أو عالم فضاء.. المهم ألا تقبل بالبطالة، وكل المهن محترمة. ليس شرطا أن تكون ذو تاريخ نضالي طويل، وصاحب تجربة ممتدة، وأسيرا سابقا، ومقاتلا شرسا، ومحللا سياسيا.. كن إنسانا أولا، ولا تلقِ بالنفايات في الشارع، واحترم قواعد المرور، وادفع ضرائبك.. وهذه الوطنية الحقة..

ليس شرطا أن تكون كاتبا مرموقا وشاعرا فذا.. عبر عن مشاعرك وعن رأيك بأبسط الكلمات.. هذا أقرب للقلب وأكثر صدقا.. المهم لا ترتكب أخطاء إملائية فاضحة..

من حقك، ومن واجبك تجاه نفسك أن تكون شخصا مميزا، وناجحا، وطموحك أن تغدو مشهورا بل وشخصا خارقا طموح مشروع وطبيعي ومحمود.. ولكن إذا عشت حياتك وأنت تحاول ذلك، وحملتها فوق طاقتك توقع أن تُصاب بالخيبة، وأن تصل نهاية عمرك فتكتشف أنك أضعت حياتك هباء، وأنك خسرت الكثير.. اجعل هدفك من الحياة أن تحيا وتستمتع وحسب..

إقبل بشكلك وبوزنك وبلونك واشكر الله على نعمه، وتذكر أنك المحظوط من بين ملايين الحيوانات المنوية التي نجحت بالوصول إلى البويضة، بل أنت نتاج سلسلة تفاعلات لا نهائية بدأت قبل مليارات السنين، وفي أمكنة موغلة في البعد، واجتازت ما لا حصر له من التحديات والصعاب، فاحمد الله أنك لم تُخلق ضفدعا أو طحلبا في مستنقع آسن، وتذكر أن تعيش على الكوكب الوحيد الصالح للحياة من بين مليارات الكواكب..

لا تحمل نفسك فوق طاقتها، فأنت مجرد إنسان، ولا تلبس لباس الفضيلة فمن حقك أن تخطئ وأن تجرب وأن تنحرف وأن تفشل وأن تضعف وأن تخاف.. ولكن لا تظلم نفسك والآخرين ولا تسيء لأحد.. اختر نمط الحياة الذي يعجبك، ولست مضطرا لتبرير مواقفك، ولست مجبرا على إقناع الآخرين بأفكارك، ولن تنال محبة كل الناس مهما فعلت.. المهم ألا تؤذي الناس ولا تخرق القوانين ولا تتعدى على البيئة..

كل ثروات الدنيا لا تعادل دفء البيت، ولا عناق الشريك، ولا تقبيل يدي أمك، ولا ضحكة طفلك، ولا نومك السريع دون قلق..

هي حياة واحدة، وفرصة ثمينة منحها لك الخالق فلا تهدرها، كن كما أنت، كن إنساناً وكفى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق